نصيب المؤمن من موسم الحج

كيف يجدُ كلُّ مؤمنٍ نصيبه من موسم الحج المبارك؟

ورد في الحديث عند ذكر تجلّي الحق سبحانه وتعالى لأهل عرفة ومغفرته لعباده،  فقيل له: أذلك خاصٌّ بأهل عرفة؟ قال: بل للمسلمين عامة.

فالرحمة التي يتصدر فيها الخاصةُ من الوافدين على الحق تعالى إلى بيته الحرام ومشاعره العظام، وخاصةُ الخاصة من أرباب الصدق والإخلاص من بينهم تعمُّ آثارُها وخيراتُها المسلمين، إلا أنه كل مؤمن منهم على قدرِ حسن انتباهه وصدق اتجاهه.

فأما صدق اتجاهه فعلى قدرِ تعظيمه للرب جل جلاله، ومعرفته به المترتبة عليها خشيتُه وخوفُه ورجاؤه سبحانه وتعالى.

 وكل مَن كان أعرفَ بالله وكان أكبر تعظيماً لله كان موفورَ الحظِّ مِن خوفِ الله ومِن سعةِ رجائه سبحانه وتعالى، ويصدق بذلك الاتجاه لطلب أنواع وأصناف رحماته ومِننِه ومواهبه الواسعة الأصناف والأعداد والتنوُّع.

كما يلجأ صادقاً إليه في أن يسلِّمَهُ ويحفظَه ويخلِّصَه مِن جميع أصناف ومتنوعات الانقطاع عنه تعالى والبُعد منه والغفلة عنه والحجاب عن رحمته ورأفته.

فإذا صدقَ منه الإتجاهُ لذلك، يحسنُ منه الانتباه، فيتعرض للقيام بالسنن المتعلقة بهذا الموسم خاصة، ويجد مَن حضر الحج في قلبه رغبةَ الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وشهود التقصير مهما شمَّر.

  ومن لم يحضر الحج يجد في قلبه حسرةً على فواته ذلك وفرحاً للحاضرين وتمنيّاً لبقية المؤمنين أن يحظوا بمثل ذلك، وأن يتيسر لهم السبيل إلى بيت ربهم سبحانه وتعالى، والقيام بهذه الفريضة والركن من أركان الإسلام للمستطيع.

ثم يتبع حُسنَ التنبه أن يكون في الأوقات التي يجتمعون فيها وخصوصاً في مثل عشيةِ عرفة مجموعَ الهمِّ والوجهة إلى الله فرادى أو جماعات يدعون الله ويتضرعون إليه، مع قيامهم بما استطاعوا من صوم شيء من أيام العشر أو كلها، وإنما المراد بها تسعة واليوم العاشر يوم العيد صومُه حرام، ويوم عرفة لغير الحاج يستحب صومه، والأفضل للحاج الاشتغال بكثرة الإلحاح على الله، وكثرة الالتجاء إلى الله تعالى والتذلل بين يديه تضرُّعا ولواذاً به في صلاح شؤونه والمسلمين في الدنيا والآخرة.

كلما وسّع الحاجُّ همتَه ونيتَه في صلاح المسلمين أجمعين ، وفي إنزال الخيرات عليهم ودفع الاسواء والشرور عنهم توفَّرَ حظُّه هو لمحبة الله تعالى من عباده أن يهتموا بعباده وأن يكون لهم صدقٌ في إرادة إيصال الخير إليهم.

وهكذا يمسك المضحِّي عن أخذِ شيءٍ مِن الظفر والشعر، فيشبه الحاج بذلك إلى أن يضحي، ثم يضحِّي أضحيته في أيام العيد فيشبه الهديَ الذي يُقدَّم من الحجاج كذلك، وبتفقُّد قراباته وجيرانه خاصة، ومن عرف من المؤمنين عامة، بإدخال السرور عليهم والصدقة على المحتاج منهم يتعرض بكل ذلك لأن يتوفر حظُّه من الموسم الكريم المبارك الذي تعمُّ خيراتُه المشارق والمغارب.

 أما أن همَّ الحجاج وغير الحجاج من المسلمين بصلاح دينهم وقلوبهم فيجب أن يتقدم طلباتِهم للحق سبحانه وتعالى وإلحاحهم عليه، وعلى ذلك يترتب دفعُ الشدائد والبلايا والرزايا والكروب التي حلَّت بهم في شرق الأرض وغربها.

الله يجعل حظَّنا وافراً، ونصيبنا تامّا وقسمَنا كبيراً، مِن كل ما آتى ويؤتي عبادَه الصالحين.

والحمد لله رب العالمين.