(228)
(536)
(574)
(311)
أصل هذا الأمر ما حدث في زمن المصطفى صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم، فقد تُكلِّمَ في عرض سيدتنا أم المؤمنين عائشة في حياته صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم، وأنزل الله فيها الآيات الكريمات في النور ( إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم.. ).
والمسلك عند جميع الصادقين والمخلصين هو ذلك المسلك لسادتنا الأوفياء الأتقياء من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، ولقد عظَّم الله الأمر وشنَّعه في كتابه وسماه: الإفك والبهتان العظيم، فما كان من مسلك سادتنا الصحابة وهو مسلك الأخيار في كل زمان، وما كان من مسالك أهل النفاق، وكذلك ما يقع فيه بعض المؤمنين الغُفَّل من الذين يُستجرُّون للكلام والحديث بما لا ينبغي ولا يليق حتى وقع بعض المؤمنين في أن لاكَ لسانَه الكلام فأُقيم عليه الحد، مع أن الذي تولَّى الترويج لتلك التقوُّلات كان ينتبه لنفسه من أن لا يمسك عليه كلمة توقِفه أمام شرع الحق تبارك وتعالى إلى إقامة حد، فلم يقم الحد على أصناف ممَّن تولى كِبره من أهل النفاق، لتَنبُّهِه في الظاهر كما يعمل الناس مع القوانين والتواؤهم للتخلُّص مما يمسكهم، ولكن الله يعلم المفسدَ من المصلح، ويؤاخذ العباد بما يعلم من قلوبهم، ثم يجازيهم يوم القيامة جلَّ جلاله، فيستدرج جماعةً من المسلمين حتى يقعوا في شيء من لوك ألسنتهم؛ كما أن كثيراً من الإشاعة لا يتم قيامها في الواقع إلا بواسطة سذاجة وسماجة التجاوب مع أمثال تلك التطاولات والاجتراءات والافتراءات، وإنما يكون الجواب الحسن من حُسن العرض لما جاء عن الحق ورسوله صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم في شأن الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، فالتمسك بذلك الركن الوثيق والعروة الوثقى من محبة الحق ورسوله وصحابته وأهل بيته أجمعين، الذي هو مسلك أهل السُنَّة الأصفياء الأخيار الأبرياء الأوفياء.
ولم يزل الاجتراء على الحق تبارك وتعالى وعلى رسوله وعلى الأخيار والصالحين منتشرٌ وظاهرٌ من وقتٍ لآخر ومن بلد لآخر في كثير من الأحيان والأوقات، ولو انصرفت همةُ العقلاء والأكياس لإنفاذ العمر في مجرد التجادل والمراء على ذلك لضاعت كثيرٌ من الحقائق ولشاع كثيرٌ من السوء بين الأمة والعياذ بالله تبارك وتعالى، فلنُحسِن الإكرام والإكبار للحق ورسوله وصحابته وأهل بيته أجمعين، ونمضي على ذلك القدم الجامع الذي به تتم الاستقامة وبه تُؤدَّى الأمانة في بلاغ الرسالة، كيف وقد جعل الله من الحكمة في خدمة الدين في أن لا يُؤتى إلى بعض المواقف فيسب فيها الآلهة للكفار والمشركين قال تعالى: ( ولا تسبُّوا الذين يدعون من دون الله فيسبُّوا الله عدواً بغير علم) قال: كُفُّوا عن سبِّ آلهتهم وأصنامهم، حكمةٌ اقتضاها السيرُ إلى الله تعالى وجاء بها القرآن، وكذلك هو مسلكُ خيار الأمة قديماً وحديثاً، ليسوا بإمَّعات، ولا يُستدرجون لكثرةِ الخوضِ فيما يُظلِم القلوب وفيما يُكثر الفسادَ بين الناس، ولكنهم يعرفون كيف يداوون وكيف يعالجون وكيف يؤدون أمانةَ الله تبارك وتعالى في نُصرته ونصرة رسوله ونصرة شريعته، لا بمفاخرات ولا باشتهارات ولا بشيء مما قد يؤدي إلى أسواءٍ كبيرة، كما هو مسالك الكثير في أزمنتِنا خاصة، وهو مظاهر تلك الفرق التي عبَّر عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومثَّلها حتى تكون هكذا متشابكين. ثم جاءت وصيته فاعتزِل تلك الفرق كلَّها، فكان ذلك هو مسلك الأخيار في مختلف الأزمان والأقطار، نسأل الله أن يحفظ علينا إيماننا ويقيننا وأدبنا معه ومع كتابه ومع رسوله ومع أهل بيته ومع صحابته ومع الأمة عامة وخاصتهم خاصة.
07 ذو القِعدة 1431