(228)
(536)
(574)
(311)
يحدث للروح بعد مفارقةِ الجَسدِ مشاهدةُ ما هُيِّئ لها مِن المنازل في عالمِ البرزخِ مِن قبولٍ أو ردٍّ، ومِن نعيمٍ أو عذابٍ ونكَد، ومِن مشاهدةِ الأرواحِ الطاهرات وانفتاحِ أبواب السماوات، أو مشاهدةِ الفاسقين والساقطين وإغلاق أبواب السماوات. فإنَّ مِن الأرواح ما يُزَفُّ مِن سماء إلى سماء ويُبشَّر مِن الملكِ الأعلى جل جلاله، ومِن الأرواح ما تُغلقُ دونها أبوابُ السماء، ثم ترجع هذه وهذه فتكون قريبةً من الجسد.
حتى جاءنا في الأخبار أنَّ الميتَ ليشعرُ بمَن يغسِّلُه ويكفِّنه، وأُمِرنا أن نرفقَ بالميت لما تحس روحُه ما يجري على جسده، فحتى إذا وُضعت الجنازة على الأعناق يُمشى بها إلى القُرب مِن محلِّ دفنِها نادى إما بقولِه: "قدِّموني قدِّموني إلى جنةٍ ورضوان"، وإما أن تنادي على نفسِها بالويل "يا ويلَها إلى أين تذهبون بها".
فهكذا يكون نداءُ الميت عند تهيئةِ جسدِه للدفنِ وخروجِه مِن بيتِه، كما صحَّ في الحديثِ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في القبرِ يردُّ اللهُ الروحَ إلى الجسدِ فترةَ مخاطبةِ الملائكةِ له فيُقعدانِه ويسألانِه، ثم يعود خروجُ الروح من الجسد، فتبقى إما في عِلِّيِّين وإما في سجِّين بينها مواصلة وبين ما يجري على ذلك الجسدِ مِن عذاب أو نعيم، حتى تتفتتَ عامَّةُ الأجسادِ، إلا أجسادَ الأنبياءِ وأجساد الشهداء وأجساد المؤذِّنين المُحتَسبين مِن سبعِ سنوات فأكثر، وأجسادِ العلماءِ العاملين بعلمِهم، وأجسادِ حفَظةِ القرآنِ الذين عملوا بالقرآن فلم يغالوا فيه ولم يبتعدوا عنه ويجافوه، فهؤلاء الأصناف الخمسة الذين تبقَى أجسادُهم في الأرض لا تأكلُها الأرض ولا تَنمَحِق ولا تتفتَّت، وبقية الأجساد يأكلُها التراب والدُّود، ثم بعد ذلك تُعاد في القيامة.
فشؤون ما يحدثُ للروح بعد مفارقةِ الجسد مما حَدَّثَنا عنه مِن الغيوب النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وإذا عاد الجسدُ وقتَ القيامة عادتِ الروحُ إلى جسدِها وقامت بأمرِ الله تبارك وتعالى (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ) يعني من القبور، وإنما كانت القبور موطن أجسادهم.
ثم إن هذه الروح إن اشتغلت بعذابٍ كانت أبعدَ عن كثيرٍ من الإحساسِ بمَن يقفُ عليها أو يزورُها أو يذكرُ اسمَها، وإن كانت في نعيمٍ كانت أقربَ لأن تفقهَ كما قال صلى الله عليه وسلم إنهم ينصرفون عن الميت بعد دفنِه وإنه ليسمعُ قرعَ نعالهِم. روى الإمام مسلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلمٍ يمرُّ بقبرِ أخيهِ المسلم كان يعرفُه في الدنيا فسلَّمَ عليه إلا عرَفَه واستأنسَ به.
وقال عليه الصلاة والسلام عن شهداءِ أحُد: والذي نفسي بيدِه لا يقفُ عليهم مسلمٌ فيسلِّم عليهم إلى يومِ القيامة إلا ردُّوا عليه السلام.
ثم هناك شؤونٌ عظيمة، ومنها خطابُ الحقِّ لتلكَ الروح، ومنها نداءٌ للأرواح الطاهرة: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وادخُلي جنَّتي)
وعند الموت ما أشار الرحمنُ إليه مما يحدث للأرواحِ قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ * وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) الأنعام، وهذا شأن البرزخ قال تعالى: (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) سورة المؤمنون 100.
24 شوّال 1441