(228)
(536)
(574)
(311)
مِن جُمْلَةِ أكْدارِ المسلمين في زماننا ما يَنْتَشِرُ مِن الفساد والشَّر؛ ومِن أعظمه وأجَلِّه: ما يُدعَى إليه مِن الإلحاد والكُفْرِ بالإيمان وما جاء عن رسولِ الله.
نقول: هذا إذا أصابَتْهُ اللَّوْثَة وحَصَل عليه هذا الغَرَق في هذا الحَمَأ الخبيث مِن التكذيب بالله وما أنزل، والعياذ بالله تبارك وتعالى، وجَبَ أنْ تتضاعفَ منك الحسرةُ عليه، والغَيْرَةُ عليه، والرّثاءُ له، والرَّحمةُ به؛ حتى تبذلَ وسعَك في إنقاذه، وفي استخلاصِه مما وقع فيه.
وهو أحَدُ صرعى الفتنة التي يَتَبَنَّى ترتيبَها اتجاهاتٌ كافِرَة ٌعلى ظَهْر الأرض؛ فلا نساعِدُهُم ونَفْسَح المجال لهم، كل مَن تأثَّر مِن أصحابنا فنَفَرَّناه وبعَّدناه لِيَقَع في قبضتهم أكثر!.
ولكن بأعمال نعملُها؛ منها فيما يتعلَّق بصديقك هذا: أنْ تبدأ تُشْعِرُه بأنه ما عمِل في حياته إلا أنه انتقل من تَبَعِيَّة إلى تَبَعِيَّة، وأنَّ الذين عَرَضُوا عليه هذه الأفكارَ ودعَوه إليها دُعاة؛ فَبِدَعْوَتِهم صار مُسْتَجيبا لها؛ فالذي حصل: أنه خرجَ فقط مِن الاستجابة لدعوة الحقِّ ورسوله والصالحين إلى دعوةِ هؤلاء!، وهذا صِنفٌ من الناس الفاسقين؛ فلا يَحْسَب أنه تحرَّر!، إلا أنه خرَج مِن تَبَعِيَّةٍ عُلويَّةٍ شريفةٍ إلى تَبَعِيَّة سُفليَّة هابِطَةٍ ساقِطَةٍ لا تُغْنِي عنه شيئا.
ولهذا يدعوه إلى حقيقة التَّحَرُّر؛ لأنَّ التَّبَعِيَّةَ العُلْويَّة الذي يُلْقِي الناس إليها ويُثَبِّتُهم فيها حقيقة حُرِّية الناس وحقيقة تَحرُّرِهم، وصورة التَّحَرُّر الوَهْمِيَّة هي التي تُوقِع في التَّبَعِيَّة السفلية؛ فالإنسان مهما تحرَّر تماماً لا بُد له مِن تبعيَّة؛ إلا أنَّ التبعيةَ إما أن تكون عُلْوِيَّة وهذه نتيجة التحرُّر الصحيحُ الصدقي، وإما أنْ تكون سُفْليَّة وهي نتيجة التحرُّر الوَهْمي الخيالي؛ بدل أن يكون تابعاً لله ورسوله يقع تابِعاً لِفَسَقَةٍ على ظَهْرِ الأرضِ لا يساوون شيئا.
فلهذا يدعوه إلى حقيقةِ التَّأمُّل والتَّفَكُّر والتَّدَبُّر، ويَعْرِضُ عليه ما يستطيعُ مِن الحُجَجِ العقليَّة واليقينيَّة المتعلِّقة بالشُّبَه التي وقع فيها والخيال الذي تخيَّلَهُ، ويستعينُ على ذلك بالمخْتَصِّين في هذا، أو الذين كتبوا فيه مِن أهل العِلْم والفضل، ويأتي بِمُلَخَّصاتٍ مِن ذلك.
كذلك يُرِيهِ هو مِن ثباتِه وقوَّةِ يقينِه ما يُزَعْزِع إلحادَه هذا، ويرى أمامَه صورةَ الإيمان الرَّاسِخِ القوي؛ الذي تَبْدو منه الخشيةُ مِن الله، والخوفُ مِن الله، والاستعدادُ للقائه، والرجاءُ الواسِعِ في الله تبارك وتعالى ما يَهُزُّه؛ فيرى أمَامَهُ طَوْداً شامِخاً مِن الإيمان واليقين فَبِثَباتِه.
ثم استخفافه بأفكارِ الإلحاد لا به هو؛ لا بِشَخْصِه ولا بذاتِه؛ ولكن بفِكْرِ الإلحاد وأقاويلِ الإلحاد، استخفافُه بها واستهزاؤه بها أمَامَهُ؛ مِن خلال بيان عدمِ قيامِها على أساسٍ صحيح، وأنها مُتَهَاوِيَةٌ لا أصلَ لها، كل ذلك مع ذلك التَّخْوِيف.
ثم لِيَنْظُر إنْ كان يَقْبَلُ منه شيئاً مِن ذِكْر الله سبحانه وتعالى؛ مِن مثل: (لا إله إلا الله) ونحوه من تسبيح، فيأمره ويقول: اترُك قناعاتِك على جنب وأمورك وما وصلت إليه؛ بس كرِّر هذا في اليوم كذا كذا مرة وأكثِر منه..
ثم إذا أطاعه بالحضور في شيءٍ من مجالس الخير أو الذكر فيُحْضِره معه مهما كان الأمر.
ويَحْرِص على إنقاذه بِمُخْتَلف الكيفيَات، ومنها أنْ يُلِحَّ على الله بأنْ يَهْدِيَهُ ويُصْلِحَهُ.
ثم إنما تكون المُهَاجَرة والتَّرْك عند بيانِ أحَد أمرين:
إما استفادته إذا تركَه ورجوعه عن ذلك وتأثُّرُه فَيَنتفِع.
وإما أنْ يكون قد اسْتَبان له الأمر فأصَرَّ واسْتَكْبَر، فَيَتْركه مِن فترةٍ لأخرى.
ولا يزال يَمُدُّ إليه الحَبْلَ للإنقاذ مِن الغرق ما دام يُرجى خروجُه، بأنْ لم يَمُت بعد على الكفر، وما دام يُرْجى خروجُه مِن ذلك الأمر.
والخُلاصة أنها مَوْجاتٌ مِن خِطَطِ جماعةٍ مِن أعداءِ الله على ظَهْرِ الأرض، ينبغي أنْ نُفْسِدَ مفعولهَا بما استَطعنا في أوساطِنا، والله يحفظ المسلمين، ويحفظ عليهم إسلامَهم ودينَهم.
ويا رب ثبِّتْنا على الحق والهدى ** ويا رب اقبضنا على خير مِلَّة
{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }.
09 ربيع الثاني 1442