عظمة شأن القلب والروح في معاملة مقلب القلوب وما تسببه من سعادة الأبد والشقاء
مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في المولد السنوي في زيارة آل الشيخ أبي بكر للنبي هود عليه السلام، ليلة الإثنين 11 شعبان 1446هـ بعنوان:
عظمة شأن القلب والروح في معاملة مقلب القلوب وما تسببه من سعادة الأبد والشقاء
فوائد مكتوبة من المحاضرة:
لتحميل المحاضرة (نسخة إلكترونية pdf) :
نص المحاضرة :
الحمد لله مكرمنا بإشراق أنوار النبوة والرسالة، والذي اختار لنا الدالَّ عليه سيد أهل الدلالة، حبيبه المُجتبى المختار محمد بن عبد الله، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير، به استنار كل مستنير.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك وكرِّم على عبدك الهادي إليك، والدالِّ عليك، صفوتك من البرية سيدنا محمد، وعلى آله المطهرين وأصحابه الغُر الميامين، وعلى جميع من والاهم واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلى نبيك هود وآدم وحواء وشيث بن آدم، وإدريس ونوح وصالح وإبراهيم وموسى وعيسى، ومن بينهم من النبيين والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وجميع ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وانفح كُلًّا منا بنفحة خير في خواتم هذه التوجُّهات في الموسم الكريم المبارك. تدرون من قصدتم ومن طلبتم وبين يدي من وقفتم؟ وما أنبياؤه ولا أولياؤه إلا أسباب فتح لجوده وإحسانه وكرمه، وليس المقصود إلا هو، كما لا معبود إلا هو، كما لا موجود بذاته إلا هو، وكما لا مشهود للموفقين إلا هو جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
وقفتم بين يديه متوجهين بأحبابه المقربين إليه جلَّ جلاله وتعالى في علاه، ومرت بكم أيام مباركة، وكم من قلوب حضرت، وكم من قلوب تطهّرت، وكم من قلوب تنوَّرت، وكم من قلوب رسخت فيها أنوار المعرفة بالله جلَّ جلاله.
وكم من أرواح سرت فيها سرايات المحبة القُدسية العلية الجليلة النقية القوية، الموصلة إلى مرافقة خير البرية في المراتب العلية وفي جنان الخلد، وهي محبة الله الخالصة الصادقة ومحبة رسوله ومصطفاه، حتى لا يكون في روح هذا المحب شيء أحب إليه من الله ولا من رسوله محمد ﷺ.
ومن كان لا شيء أحب إليه من الله ورسوله، عاش متحققاً بالعبودية لله، طامعاً في رضوان الله، مُقدماً كل ما يستطيعه في تطبيق أوامر الله وتنفيذها، والانتهاء عما حرَّم الله عليه في قلبه وعينه وأذنه ولسانه ويديه وبطنه وفرجه ورجليه، كل ما حرَّم الله عليه، بل ما كرهه من ذلك يتباعد عنه؛ لأنه يحب؛ يحب الله ويحب رسوله ومصطفاه محمداً ﷺ.
وهذه المحبة كم قد سُقِيَتها روحاً في هذه المواطن وفي مثل هذا الموسم، قبلكم بالمئات بل بالآلاف، وأنتم عباد من عباد الله تعالى، من قد أُكرِم بهذه المحبة فهذا موسم الزيادة، ومن لم تتمكن منه هذه المحبة من قبل فالآن، قبل انقضاء الاجتماعات وقبل انفضاض هذا الجمع، يطلب من الكريم الرحمن أن يكرمه بنور المحبة.
وذرة من المحبة تُفني عما سوى المعبود جل جلاله.
يا الله، بذرة من محبة الله ** نفنى بها عن كل ما سوى الله ** ولا نرى من بعدها سوى الله ** الواحد المعبود رب الأرباب
فما أُرَجِّي اليوم كشف كربة ** إلا ان صفى لي مشرب المحبة ** ونِلت من ربي رضاً وقربا ** يكون فيها قطع كل الأسباب
وهي التي إذا حُرِمها الإنسان لم تنفعه ظواهر العبادات ومظاهر العبادات بغير محبة قلبية روحية للإله الواحد الحق جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
بل أوحى إلى بعض أنبيائه ربكم وقال: لو جئتني بعبادة أهل السماوات والأرض وحُب فيَّ ليس وبُغض فيَّ ليس لما تقبّل ذلك منك! عبادة أهل السماوات والأرض ما يقبلها من دون حب في الله وبغض في الله، من دون محبة الطاعات وبغض المعاصي، من دون محبة الطائعين والمقربين والأنبياء والمرسلين، وبغض المعاندين الضالين الكافرين المجرمين. وحبٌّ فيَّ ليس وبغضٌ فيَّ ليس؛ لما تقبل ذلك منك! في لفظ: لم يُغنِ ذلك عنك عندي شيئاً.
هذه العبادات وحدها من دون حقيقة هذه المحبة التي تقوم عليها أحوال اليقين كلها، والذي يوصل إليها: توصل إليها التوبة، ويوصل إليها الصبر، ويوصل إليها الشكر لله؛ كلها موصلات إلى المحبة وتحقيقها في القلب، وهي ينتج عنها معاني الشوق والغلبة والاستيلاء في محبته سبحانه وتعالى ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام.
في هذه المواطن سُقِيَت كثير من الأرواح محبة الرحمن جلَّ جلاله وتعالى في علاه. الله يكرمنا وإياكم بسُقيَا من هذا الكأس، نلحق بخيار الناس.
يا حاضر، أحضر قلبك فإنها مِنَح، وإنها مواهب، وإنها عطايا من الرحمن الرحيم جلَّ جلاله.
وإنها فرص تأتيك في العمر في مجالس النبي تحدَّث عنها وقال: إن رب العرش يقول عنها وعن أهلها: "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".
قال نبي الله داود في دعاءه للرب: "إلهي، إذا رأيتني أجاوز مجالس الذاكرين إلى غيرهم فاكسر رجلي دونهم حتى لا أتجاوزهم"، ما أتجاوز مجالس الذاكرين لأن فيها نفحات المحبة ونفحات القربة.
أيها الحاضرون في هذه الحضرات العظيمة النورانية، الحضرات النبوية الرسالية الرسولية، الحضرات الصديقية، حضرات الولاية وحضرات المعارف بالله تبارك وتعالى، وتقدَّم فيها قبلنا على مدى القرون مئات بل ألوف من أرباب التمكين من خواص أهل صفو اليقين عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
ولو لم يكن فيهم إلا أولهم مثل سيدنا الفقيه المقدَّم من حيث تأسيس الزيارة، ومن انتهت إليه خلافتها الشيخ أبو بكر بن سالم عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
رسخت أقدامهم في المعرفة بالله، رسخت أقدامهم في محبة الله، بل ظهرت عليهم آثار وعلامات ولوامع محبة الرحمن سبحانه وتعالى لهم.
حتى قيل لسيدنا الشيخ أبي بكر بن سالم: "عجب! ما ينوي أحد السوء في جنابكم ولا يعمل سوء أدب إلا وعاجله الجبار بعقوبة من عنده، تدعون على من آذاكم؟" قال: "لا والله ما دعوت على مسلم طول عمري، بل إذا علمت أن أحداً تعرَّض لغضب الرب جلَّ جلاله بإيذائنا، أتدارك الأمر وأسبق بالاستغفار له والتوبة حتى لا يصيبه شيء". قال: "ولكن الله يغار على أوليائه" جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
ونسأل رب العرش ورب السماوات بغيرته على أنبيائه وأوليائه أن يقينا والمسلمين أذى المؤذين من المعتدين المفسدين الظالمين الكافرين والفاجرين، يا قوي يا متين اكفِ شر الظالمين، يا قوي يا متين اكفِ شر الظالمين.
وأن يكفينا شر نفوسنا الأمَّارة، وشر أهوائنا، وشر شهواتنا، وشر جميع القواطع التي تقطعنا عن ربنا جلَّ جلاله؛ حتى لا ننقطع عن ركب المحبة، ونلحق بأولئك الأحبة، والذين سبيل اللحوق بهم تعلُّق القلب بهم محبةً من أجل الله جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
وبذلك قالوا بقولهم الصدق: والمحبة لنا في القلب عين الطهارة، يعني ما سبب أقوى لتطهير القلب من محبة الأطهار والمقربين عند الكريم الغفار جلَّ جلاله وتعالى في علاه، إذا غلبت عليك صفَّت قلبك ونقَّت قلبك.
وإذا كانت الغلبة في محبة الشهوات أو الآفات أو الشهرة بين الناس أو شيء من هذه العوائق فانتبه لنفسك، وربما عشت والقلب مُكدَّر والقلب مظلم والقلب فيه الخمج أو فيه القاذورات، وكيف تفلح وكيف تسلم من الخزي في يوم يقول فيه سيدنا الخليل إبراهيم في دعائه للرب: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ٭ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ٭ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
ونسأل مُقلِّب القلوب أن يجعل قلوبنا سليمة، جميع الحاضرين، وتسري هذه الخيرية والنورانية وسلامة القلب إلى أهليهم وإلى أولادهم ومن في ديارهم يا رب، أنت وحدك مقلِّب القلوب، أنت وحدك مقلِّب القلوب!
وكان نبيك محمد ﷺ إذا اجتهد في اليمين قال: "لا ومقلِّب القلوب"، فنسألك بجاهه وقد جعلت قلبه أصفى القلوب وأنقى القلوب وأنور القلوب وأطهر القلوب، أن تصلح قلوبنا وتلحقنا بالقلوب السليمة، مسلولة السخيمة يا أرحم الراحمين.
ادعوه بصدق فإنه الرب الذي ينظر إلى ما في قلوبكم، والمصير إليه غداً، ولا تكون النتيجة إلا على حسب ما في هذه الضمائر، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
اصدقوا في هذا الطلب والرغب إلى الرب جلَّ جلاله، وما يعزُّ عليه سبحانه ولا يثقل ولا يكبر أن يعطيك، وأن يرفعك وأن يهبك، ما طلبت وفوق ما طلبت، لكن اصدق معه، اصدق معه جلَّ جلاله.
اعطِ المعية حقها والزم له حسن الأدب
واعلم بأنك عبده في كل حال وهو رب
جلَّ جلاله، اصدق في طلبه وانظر كيف تصدق.
قال سيدنا عمر بن الخطاب: "أنا لا أحمل همَّ الإجابة للدعاء، لكني أحمل همَّ الدعاء*. أحمل همَّ كيف أدعوه وكيف يصدر مني الدعاء بتذلل وخضوع وحضور وهيبة وإجلال، قال هذا الذي أحمل همَّه.
أما إذا صدر الدعاء بهذا الوجه فالكريم المجيب أكرم من أن لا يجيب، بل ما من مسلم يدعو دعوة إلا وأعطاه إحدى ثلاث: إما عجَّل له ما سأله، وإما دفع عنه من الشر بمقدار ما سأل أو أكثر، وإما خبأ له من الثواب الجزيل والعطاء الجليل في الآخرة بسبب هذا الدعاء؛ فالدعاء كله فائدة والدعاء كله ربح.
بل قال ربنا: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ).
وهذه المجامع قد جرَّب بها الأكابر دفع البلايا وكشف الرزايا.
وكلكم توجَّهوا إلى الحي القيوم، ما لنا إلا هو، كل الهموم التي حلَّت بالأمة ونزلت بهم ما لها إلا هو يفرجها.
يا حي يا قيوم اكفنا الهموم والغموم، فرِّج عنا جميع الآفات، يا فارج الهم يا كاشف الغم يا من لعبده يغفر ويرحم، اغفر لنا وارحمنا وفرِّج عنا كل هم وكل غم وعن المسلمين في المشارق والمغارب.
بل وعن أهل البرازخ من المسلمين يا رب، فهمُّهم أعظم من همِّ أهل الدنيا، المعذَّب في البرزخ همُّه أشد من هموم أهل الدنيا، أشد من المسجون الذي يعذَّب في السجن وأحد يعذَّب في البرزخ، هذا ألمه أكبر وأشد وأعتى من عذاب هذه الدنيا، لأن عذاب الدنيا قليل بالنسبة لعذاب الآخرة، كما قال سبحانه وتعالى: (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ).
انظروا قوم هود هؤلاء، أخزاهم الله خزياً، وريح عقيم سبع ليالٍ وثمانية أيام، قلعت نخيلهم، كسرت ديارهم، ضربت بعضهم بالبعض في الهواء وصاكتهم وأهلكتهم، خزي أو ليس خزي؟ لكن الله سبحانه وتعالى قال: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، اسمع ما قال بعدها: (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ..)، هذا كله الذي حصل يسير بالنسبة للذي قُدَّام، الذي قُدام أشد خزي من هذا الريح وهذا التهديم للديار والبيوت والتقليع للنخيل، قال هذا خزي يسير بالنسبة لذاك (وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ)، (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).
الله يكرمنا وإياكم بالإيمان وبالتقوى والنجاة من جميع الخزي في الدنيا وفي يوم القيامة.
قال ربنا: (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)، وعلى ماذا تدخل النار؟ على حقد مسلم؟ على أخذ مال الغير بغير حق! على أن تستدين وأنت ناوي ألا تسدد الدين. هذا من أسباب دخول النار، تستحل مال مسلم بغير حق!يقول ﷺ: "من استحل مال مسلم حرَّم الله عليه الجنة، وفي رواية: إلا أدخله الله النار"، قال: "يا رسول الله، ولو كان يسيراً؟" قال: "ولو كان قضيباً من أراك"، عود من الأراك حق الغير استحله ولا بالى يدخله النار، نعوذ بالله من غضب الله.
(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ).
فاكسب المحبة وسِر في درب الأحبة باقي عمرك، لا تضيّعه في التعلق بالفانيات، ولا في الاستدانة لغير الضرورات ولا للمفاخرات.
وتهيَّأ لرمضان المقبل، الله يبلِّغنا إياه ويجعلنا من خواص أهله، نقوم بحق العبادة فيه.
"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه"، إيماناً: تصديقاً بما جاء عن رسوله، واحتساباً: لا يريد إلا وجه الله، ما له غرض رياء ولا سمعة ولا ظهور ولا شهرة ولا شيء، "من قام رمضان إيماناً واحتساباً".
قال أهل العلم: ومن واظب في رمضان كله على صلاة المغرب والعشاء والفجر في جماعة، وصلى صلاة التراويح عشرين ركعة كل ليلة - وهو أفضلها بإجماع الأئمة الأربعة لما ورد في الأصل في السنة الشريفة المطهرة فهي الأفضل - فإذا واظب عليها من أول الشهر إلى آخره فقد قام رمضان، فإن كان ذلك بإيمان واحتساب يكون له ما بشَّر به ﷺ: "خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
وكذلك من صام رمضان، وليلة القدر وحدها: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" وانتبه عدوك أحياناً يجعلك تتحرك في ليلة القدر يأتي لك بمصيبة ويبعدك عن القيام، أو يجعل مشكلة بينك وبين زوجتك ومشكلة بينك وبين أخيك وجارك، ويحرمك الخير حق رمضان كله.
قال ﷺ: "ولا يُحرم خيرها إلا محروم" - والعياذ بالله تبارك وتعالى.
إن شاء الله نبلغه على وجه حسن وندركه من أوله إلى آخره والحق راضٍ عنا، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
قوموا بحق الله في أنفسكم وأهليكم ودياركم وفي كل ما تقدرون عليه، فأنتم من أمة المبعوث رحمة للعالمين.
ابذلوا ما في وسعكم في أنفسكم وفيما حولكم، كل حسب طاقته وحسب مقدرته. ومن نوى نية حسنة فتح الله له سبعين باباً من أبواب التوفيق، ومن نوى نية سيئة فتح الله عليه سبعين باباً من أبواب الخذلان - والعياذ بالله تبارك وتعالى.
ومِن هذا المجلس ارفعوا نياتكم إلى عالم السرائر، عسى ينوِّر البصائر، عسى يلحقنا بالكرام الأكابر، الله لا يخلِّفنا عن ركبهم ويرزقنا محبته ومحبتهم من أجله جلَّ جلاله.
قال نبينا ﷺ في دعاء يدعوه في الفجر كل يوم: "نِحِب بِحُبك الناس ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك". وهكذا جاء وصف الصحب الأكرمين، بل وصف من هو مع سيدنا محمد ﷺ، ولا ينحصر ذلك في أصحابه، أصحابه أولهم ولكن الذين معه؛ كل من كان معه في أي عصر: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا)، نعم الوصف الذي وصفهم الله.
أنتم في ختام هذه التوجهات، بقي معكم بقية المولد والعشاء والسلام على أهل النبوة والرسالة بعد صلاة العشاء، والحضرة الأخيرة التي عقدها سيدنا الشيخ أبو بكر بن سالم، وكان الحاضرون فيها يشعرون بصبٍّ فيَّاض من الجود عليهم وتحدثوا عنها، وكان يعقدها وبدأ يعقدها في آخر الليل، ومشت حتى ترتَّبت على يد الحبيب أحمد بن علي والد هذا المنصب إلى ما بعد العشاء، وتقوم والله يجعل لنا نصيباً وافياً من هذه الخواتيم، ويرجع كل منا بقلب سليم وثبات على الصراط المستقيم إلى أن يلقى إلهه العظيم ومولاه الكريم، إنه أكرم الأكرمين.
يا رب اجعل في هذه القلوب ما يوجب رضاك عنها، واجعل في قلوبنا ما يوجب سعادة الأبد، واجعل في قلوبنا ما به يرضى حبيبك محمد والنبي هود. وارزقنا حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرِّبنا إلى حبك، يا مجيب دعوة الداعين.
والحمد لله رب العالمين.
12 شَعبان 1446