الاستجابة لنداء الله ورسوله بتقويم الأعضاء والأسر والمجتمعات على منهاج الله

كلمة توجيهية ودعوات مباركة للعلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مجلس التعريف وقراءة دعاء يوم عرفة، بجوار مسجد مولى خيلة بمدينة تريم، عصر الخميس 9 ذو الحجة 1446هـ بعنوان :

الاستجابة لنداء الله ورسوله بتقويم الأعضاء والأسر والمجتمعات على منهاج الله

  • 0:00 الحكمة من الخلق والرسالة
  • 1:22 مسؤولية الولاية
  • 2:12 مجامع الخير والذكر
  • 5:49 العتق من النار ودعاة الشر
  • 8:23 حماية المجتمع والأسر
  • 12:36 طريق الوقاية من النار
  • 15:07 الدعاء لأهل عرفة والمسلمين
  • 16:09 حال المسلمين والرجوع إلى الله
  • 18:05 الصدق مع الله في إنقاذ البيوت
  • 19:48 إحياء ليلة العيد
  • 20:47 حقيقة التكبير
  • 21:38 صوم يوم عرفة
  • 22:36 مفتاح الجنة
  • 23:44 الأضحية وحال المسلمين
  • 25:07 دعوات مباركة

نص الكلمة مكتوب:

 

الحكمة من الخلق والرسالة

الحمد لله جامع الأولين والآخرين إلى يوم الدين، إلى يوم الميقات المعلوم، وقد خلقهم سبحانه وتعالى في هذا الوجود والعالم، وخلق هذا الوجود لحكمة، وهيّأ لهم السبيل لمن يدّكِر ومن يعتبر، حتى ينجو في يوم الطامّة، وينجو في يوم القيامة، وينجو من العذاب المهين، وحتى يحلّ في دار الرضوان والقرب من ربّ العالمين.

فأنزل الكتب وأرسل الرسل، وختمهم بسيدنا محمد الذي به كنّا خير أمّة، وجعل سبحانه وتعالى ممّا يتهيّأ الناس له أو به لذلك اليوم: الإيمان واليقين به، وأن لا يعبدوا إلا إيّاه، وأن يعبدوه وحده لا شريك له، وأن يطيعون في امتثال ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، ويتعاونون على ذلك وعلى تقوية الإيمان بالتواصي بالحقّ والصبر، بالاجتماع على ذكر الرحمن، بالاجتماع في الصلوات الخمس.

مسؤولية الولاية

وبقيام كلّ وليّ أمر في بيته وأسرته على أسرته وبيته، وكلّ نافذ كلمة في حارة أو مدينة أو قرية في حارته وقريته ومدينته، وكلّ مَن تولّى شيئاً من أمر المسلمين أن يقوم بحقّ الولاية، وإلا فـ "ما من والٍ يلي أمر ثلاثمائة من هذه الأمّة فأكثر إلا جاء يوم القيامة مغلولتان يداه إلى عنقه، فكّه عدله أو أوبقه جوره".

وأوجب على كلّ مدير في إدارة، وعلى كلّ مُشرف في هيئة أو في جماعة، أن يقيم أمره فيهم، وأن يقيم شريعته سبحانه وتعالى.

مجامع الخير والذكر

ثم جعل لهم سبحانه وتعالى من مجامع الخير والذكر: المجامع في الصلوات الخمس، والجَمع في يوم الجمعة اليوم المشهود واليوم العظيم، اليوم الذي هو خير الأيام في الأسبوع يوم الجمعة. وخير الأيام في السنة يومكم هذا الذي اجتمعتم فيه موفين بعهد ربّكم، أكثركم على صيام وعلى توجّه إلى الملك العلاّم، مقتدين بكرام عن كرام إلى من أسّس المجالس وإلى أصلها، وما أصلها إلا الذي دعانا إليها بوحي من ربّه، وهو عبده المصطفى محمد ﷺ.

وجعل لهم بعد هذه الجُمَع والاجتماعات في المناسبات، جعل سبحانه وتعالى جَمع الحجّ الذي في كلّ عام يباهي بملائكته بالمجتمعين في عرفات، ويصف من يصف منهم: "أتوني شُعثاً غُبراً ضاحين" أي متعرّضين لأشعّة الشمس في تواضع وخضوع، مُشيراً إلى أنّه بهذه الأوصاف يُستجلب فضله وتُستنزل رحمته، لا بمظاهر اللهو ولا الغفلة ولا الترف ولا مظاهر الراحة الجسدية، ولكن بمظاهر التذلّل والخضوع والخشوع والإنابة إليه جلّ جلاله وتعالى في علاه.

(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)

واجتمعتم بفضل الله، الله يقبلنا وإيّاكم، يقبل هذه الدعوات، دعوات صِدّيقين ومُقرّبين، وخرج منها الدعوات النبوية، ومنها دعوات زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم، وجمعنا بهم في دار الكرامة ومُستقرّ الرحمة؛ ولم يزل يُدعى به على مدى القرون هذه.

دعوات عظيمة الله يقبلها ويحقّقها في كلّ فرد منّا ومن أهلنا، ودعوات أهل عرفة ودعوات القلوب الصالحة في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اقبل تلك الدعوات الصالحة وأشركنا فيها، وهب لنا ما تهب لأهليها من فائضات جودك ورأفتك ورحمتك، في عشية مباركة من خير أيام عامكم، وفيها المغفرة تفيض من أهل عرفات وعلى المتعرّضين لرحمة الله في شرق الأرض وغربها، والله يقسم لنا بنصيب وافر وحظّ كامل تامّ، إنّه أكرم الأكرمين.

فإذا حضرت فاحضر بقلب، إذا حضرت فاحضر بقلب، إذا حضرت فاحضر بقلب؛ فإنّ الله لا ينظر إلى صورتك ولا ثوبك ولا مظهرك، ولكن ينظر إلى قلبك وينظر إلى نيّتك. أحضر بقلبك في مَجمع لتتعرض فيه لنفحات مقلّب القلوب وعلاّم الغيوب، ربّ كلّ مربوب سبحانه وتعالى، لا إله إلا هو، له الحمد على جمعنا، ونسأل أن يقبلنا.

العتق من النار ودعاة الشر

"ما مِن يوم أكثر عتقاً فيه من النار أن يُعتق عبدٌ أو أمَة من النار من يوم عرفة"، يقول ﷺ، هذا يوم العتق من النيران، ويا ربّ هذه رقابنا بين يديك، ورقاب آبائنا وأمّهاتنا وموتانا وأحيائنا، فاعتقها من النار، واعتقها من الغضب، واعتقها من السخط، واعتقها من الذنوب والمعاصي، واعتقها من كلّ سوء، يا حيّ يا قيّوم يا أرحم الراحمين.

"وما رُئي الشيطان في يوم أحقر ولا أدحر ولا أصغر منه من يوم عرفة، إلا ما رُئي يوم بدر". قيل: وما رأى يوم بدر؟ قال: "إنّه رأى جبريل يزع فرسه ويصفّ الملائكة".

فهذا يوم يُخذل الله فيه عدوّه إبليس وأولياء إبليس من الداعين إلى الشرّ، والداعين إلى الفساد، والداعين إلى التباعد وإلى الاختلاف بين المسلمين، والداعين إلى البغضاء والشحناء، والداعين إلى المنكرات من نشر الخمور والمسكرات والمخدّرات، التي يعملون بقوّة على نشرها بين ديار المسلمين وبين أُسَر المسلمين وبين مجتمعات المسلمين، ويخصّون مثل أماكنكم هذه بما بقي فيها من خير.

والله يحفظ الخير عليكم، وإلا فدواعي الشرّ كثيرة والعياذ بالله تبارك وتعالى، وأسباب النكبات كثيرة، ولولا ستر الله وفضله ولطفه وبركة أصفيائه لكنّا في حالة غير الحالة.

ولا يزال يستجيب منّا قلوب رجال ونساء لدعوات الكفر ودعوات أهل الشرّ والعياذ بالله تعالى، في أزياء وفي معاملات، ما عاد بالوا بربا ولا عاد بالوا بحرام، ولا بالوا بقفزة على أموال المساجد ولا على أموال الأوقاف، ولعب بالأمور، وكلّ من قدر على شيء يظنّ أنّه فائز وأنّه حائز خير بذلك، وهو ما يدري أنّه عرّض نفسه لهلاك أبديّ، وعرّض نفسه لسخط ربّانيّ. "من ظلم قيد شبر من أرض طوّقه على رقبته يوم القيامة من سبع أرضين" ، (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا)، وماذا يقدر يحمل هذا الغافل وهذا الجاهل!

حماية الأنفس والأُسَر

وما بالوا - والعياذ بالله- بارتكاب المحذورات، وصاروا يتجاهرون بها وسط الديار وفي خارج الديار، وكل حين يأتون بمنكر من المنكرات ومعصية من المعاصي ويستخفّون بها، ودعاة الشر بيننا، والله يسلّمنا ويسلّم بيوتنا، ويحرس أهالينا وأولادنا ومن في ديارنا. 

يقول رب السماوات والأرض: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) كيف قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً؟ أمر من ربّك جلّ جلاله أن تقي نفسك، تحميها وتحفظها وتحرسها، وتقي أهلك من زوجة وأبناء وبنات، النار. كيف تقيهم من النار؟ تجيء باسمنت أو حجر أو مدر لتقيهم من النار ؟ ماذا تعمل؟! تُعظّم أمر الله، تنهاهم عن ترك الصلاة وتأخيرها عن وقتها، تنهاهم عن الكذب، تنهاهم عن قطيعة الرحم، تنهاهم عن إهمال الدين، تنهاهم عن أذى الجيران. 

تنهاهم عن النظر الحرام الذي استفحل،  استفحل فينا وكلٍّ حامل له جهاز ينظر فيه إلى ما حرّم الله عليه النظر، والحقّ يقول في قرآنه: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)

قال الإمام الغزالي: جمعت الآية هذه على قِصرها تنبيهاً وأمراً وتهديداً من الله سبحانه وتعالى، (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)

فهكذا وجب وقد حضرتم المحضر أن تحضروا قلوبكم وتلبّوا نداء ربّكم جلّ جلاله ونداء حبيبه المصطفى محمد، اسمعوا قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)

وتقون أنفسكم وأهليكم النار بالبُعد عن الشرور. ليس كل ما جاءت مناسبة في الدار جاء بالسماعة ومكبّر الصوت للنساء ويغنّين ويسمعونهم من الخارج، ويقومون بحركات ما تعهدها البلاد ولا تعرفها، وصارت وصلت لعند العذارى عندنا في سقوط، في انحطاط، في الخُلق وفي الوجهة.

وقد كان يُضرب المثل على مستوى العرب، على مستوى العرف الإنساني، يُضرب المثل في الحياء بالعذراء. لمّا أراد الصحابة أن يمثّلوا لنا حياء نبيّنا محمد ﷺ ما وجدوا مثل إلا العذراء، قالوا: "كان رسول الله ﷺ أشدّ حياءً من العذراء في خدرها".

لا رأوا عذارانا سيأتون بمثل آخر، ما عاد لهن حياء، سابقن وزاحمن النساء، ودخلن يعملون لهن رقص، ويعمل لهن أزياء خبيثة ساقطة، ما لهن أب؟ ما لهن أب! أب ما هو أب! ولا لهن أمّ، أمّ ما هي أمّ! ولو لهن أب وأمّ ما وقعن بهذه الصورة، ولا تسرّبت إليهم، شيء يأتون به من مدارس، وشيء يأتون به من جامعات، أرادها تتثقّف، أرادها تتثقّف! وطاردوكم، طاردوكم إلى مدارسكم وإلى جامعاتكم، وباسم منظّمات وباسم مساعدات، وفيها ما فيها من إرادة الشرّ، حتى ما يقدّمونه من أكل ما يُؤمن عليه، ولا يُؤمن ما يوضع فيه من موادّ.

طريق الوقاية من النار

فانتباهكم ووقايتكم لأنفسكم وأهليكم (نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً، تجنّبوا موجبات الدخول إلى النار: من الكذب والغيبة والنميمة، من قطيعة الرحم، من عقوق الوالدين، من أكل الشبهات، من أكل الحرام. تجنّبوا ما يُقرّب إلى النار.

"إنّ الله خلق الجنّة وخلق لها أهلاً فهم بعمل أهل الجنّة يعملون، وخلق النار وخلق لها أهلاً فهم بعمل أهل النار يعملون" والعياذ بالله تبارك وتعالى.

تجنّب عمل أهل النار: عمل أهل النار كِبر، عمل أهل النار حسد، عمل أهل النار غطرسة، عمل أهل النار غيبة، عمل أهل النار شقاق، عمل أهل النار أكل حرام، عمل أهل النار قطيعة رحم، عمل أهل النار تأخير الصلاة عن وقتها.

خطر تأخير الصلاة

ما يؤخّر عبد فريضة عن وقتها إلا كُتِب اسمه على باب النار: فلان بن فلانة لا بدّ له من دخول النار، . قال ربّنا تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) فسّرها نبيّنا قال: "يؤخّرون الصلاة عن وقتها". الويل لمن يؤخّر الصلاة، فكيف من يتركها من أصلها ويتساهل بها من رجال أو من نساء؟

حاموا على دياركم، وحافظوا على قلوبكم، واستجيبوا لنداء ربّكم جلّ جلاله بإقامة أمر الله، لا تغرب شمس اليوم إلا وقد غربت ذنوبك وغفلاتك وإهمالك وانقطاعك عن الله سبحانه وتعالى، حتى تتبتّل إليه تبتيلاً، وتُقبل عليك العيد بخيرها وهي ليلة جمعة.

دعاء لأهل عرفة والمسلمين

والله يقبل حجّاج بيته والواقفين هذا اليوم بعرفة من المسلمين، الله يقبلهم، والله يشركنا في دعائهم، ويعيد علينا عوائد ما يتجلّى به عليهم، ويجعل مجمعنا من خير المجامع التي يُباهى بها في السماوات العُلا، وتعود عوائد بركاتها على قلوب الحاضرين والسامعين وعلى من في ديارهم، حتى تتحوّل الأحوال إلى أحسنها.

وإلا ففي إبليس وجنده يرقبون إيصال الشرّ إلى البلدان، ومنها بلدتكم هذه، وإيصال الشقاق والنفاق، وإيصال سوء الأخلاق، وإيصال الإهمال لأمر الدين، الله لا يبلّغهم مراد فينا ولا في أحد من المسلمين، الله ينقذ الأمّة ويكشف الغمّة.

وبالمجمع في عرفة، وبالقلوب التي عرفت ربّها، يكشف الله الضرّ عن أهل فلسطين، وعن أهل الشام، وعن أهل اليمن، وعن أهل الشرق، وعن أهل الغرب.

حال المسلمين والرجوع إلى الله

 وإلا أنظمتهم وسياساتهم وحضاراتهم كما ترون، كما تسمعون، وصلت إلى هذه الحدود، اشتغلوا السنين الماضية بضرب بعضنا ببعض، وسنين بعد سنين دمّروا ذا وخرّبوا ذا، وشبعوا من ضرب بعضنا، وقاموا بأنفسهم يضربون، وجاءوا بأنفسهم اليوم يضربون أطفال ونساء وصغار وكبار ومساجد ومستشفيات. 

في أيّامكم هذه يقسمون عليكم الإفطار، جائعين من أيّام بلا أكل، يذهبون إلى محلّ الخبز يأخذون الخبز أو كسرة أو لقمة، وجاءت القذيفة فوقهم، يتعمّدونهم ويطاردونهم في مثل تلك الأماكن.

هذه الحالة إنذار من الله للمؤمنين أن يراجعوا حسابهم مع ربّهم، وأما إن أرادوا الخير من محلّ الشرّ، أو أرادوا الصلاح من محلّ الفساد لا يأتي، لا ينقذهم كفّار ولا فجّار ولا أشرار، ولا أحزاب تتناهب مع بعضها البعض، ولا ينقذهم إلا صدق مع الملك الغفّار، ولا ينقذهم إلا أدب مع الشريعة وتعظيم لما بُعث به المصطفى محمد ﷺ، وتعظيم لسنّته ولما جاء به.

(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)

هذا المقصود الكبير: أن يحصل رجوع في القلوب وفي العقول، يعرفون من أين أتوا؟ وما سبب نزول المصائب بهم؟

(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ)

الصدق مع الله في إنقاذ البيوت

وهكذا يجب علينا أن نستقبل ليلتنا بصدق مع الله، إذا كبّرنا تكبير بالقلوب مع تكبيرنا بالألسن، وإذا الله أكبر عندك ما يتقدّم على أمره أمر، وإذا الله أكبر عندك ما تُهمَل الأوامر في أسرتك وبيتك.

وتحضر لبنتك زيّ خبيث يشبه زيّ شريرات النصرانيات، شريرات اليهوديات، شريرات الهندوسيات. حتى بعض الهندوس وبعض النصارى وبعض اليهود ما يرضون لبناتهم بهذا، وأنت مسلم وترضاه لبنتك؟ شريرات اليهوديات، شريرات النصرانيات، شريرات الملحدات، هم رضوا بهذا وبنتك تتبعهم؟ وأنت تظنّ نفسك على خير، وتظنّ أنّه ما أحد سيسألك، ما أحد سيخاطبك؟

"ألا كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته" يقول صاحب الرسالة ﷺ.

فيجب نقوم بصدق ونقوم بإخلاص، وننقذ ديارنا ومنازلنا من اتّباع الفجرة والكفرة والغافلين والبعيدين، ونزيّنها بسنّة سيد المرسلين، بأخلاق العباد الصالحين.

كانت البيوت والديار تعهد القرآن بين المغرب والعشاء وفي آخر الليل، والآن كثير من الديار غابت فيها صلاة الفجر في وقتها، ما يقومون إلى أن تطلع الشمس. وقد كانت تحنّ الديار بالقرآن من آخر الليل، والمساجد كذلك، الله يعمرها.

إحياء ليلة العيد

إحياء الليلة هذه من آكد السنن، بل الليالي التي مضت قبل، والليالي التي مضت علينا خلال ليلة التروية وليلة عرفة، ومن من أحيا فيها أو نال نصيبه من الإحياء؟

وهذه ليلة العيد، "من أحيا ليلتي العيدين" - في رواية "من قام ليلتي العيدين"، وفي رواية "من صلّى ليلتي العيدين" - "أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب".

وإحياؤها بصلاة المغرب في جماعة، وستّ ركعات بعد المغرب يعدلن مثلهنّ من ليلة القدر، لا يتكلّم بينهنّ، كانت له عِدل عبادة اثنتي عشرة سنة، ستّ ركعات بعد المغرب لا يتكلّم بينهنّ، عدلن له بعبادة اثنتي عشرة سنة: صيام نهارها وقيام ليلها.

وأربع بعد العشاء يعدلن مثلهنّ من ليلة القدر، وصلاة العشاء في جماعة، وصلاة الوتر، ونصيب من القرآن.

حقيقة التكبير

والتكبير؛ هذا التكبير المُرسَل لمّا يتقيّد بالصلاة، من المغرب إلى وقت الإحرام بصلاة العيد، إلى أن يحرم الإمام بصلاة العيد، ينبغي تحيا به البيوت والمنازل والأسواق. 

ولكن تكبير بالألسن وبالقلوب؛ الله أكبر! ما هو جاثم على قلبك تعظيم نظام، وتعظيم هيئة، وتعظيم جماعة شرقية أو غربية؟ الله أكبر يا هذا! الله أكبر من أنظمتهم، الله أكبر من أفكارهم، الله أكبر من أسلحتهم، الله أكبر من حكوماتهم، الله أكبر من كلّ شيء، جلّ جلاله وأعظم وأجلّ، ولا يحيط به شيء، فاخضع لجلاله وقم بأمره، تنال الخير وتنال العزّ والشرف والكرامة.

صوم يوم عرفة

وصوم هذا اليوم، من أغرب الغرائب نسمعهم ينشرون في تجريّاتهم - وإلى تجريّات كبيرة من قبل أهل الزيغ والبدعة - يأتون إلى السنن والآداب يسمّونها بدعة! وينشر بعضهم قال: إنّ صوم يوم عرفة بدعة!

في الأحاديث الصحيحة، وفي صحيح مسلم، وفي كتب السنّة، مشهور ومذكور بالخيور الكبيرة، حتى ورد إلى صوم سنة، إلى ثواب صوم سنتين، إلى تكفير ذنوب سنتين، إلى عدله بعشرة آلاف يوم، إلى عدله بمائة عام صيام أو خمسين عام، جاء في روايات الحديث الشريف، ويسمّونه بدعة؟! وكلّما حرّك واحد رأسه يتحكّم في شرع الله؟!

مفتاح الجنة

حافظوا على دينكم، وحافظوا على هذا السند إلى سيّد الوجود ﷺ، الله يحفظ وادينا، الله يحفظنا ديننا، الله يحفظ بلداننا، الله يحفظ ديارنا من أنواع الشرور والآفات وكلّ محذور.

وكلّهم يحومون حول هدم الدين، وحول هدم لا إله إلا الله محمد رسول الله، التي بها حياة القلب وبها النجاة في القيامة وبها دخول الجنّة "مفتاح الجنّة لا إله إلا الله" .

"أفضل ما قلت أنا والنبيّون من قبلي" يقول نبيّنا: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير"، جئت بها ألف مرّة أو عندك مشاغل أخرى في هذا اليوم؟ معك شغل آخر؟ الشغل الآخر هات لنا قيمته وهات لنا مكانته مقابل هذا الذكر العظيم والمنزلة لدى الربّ!

وسورة الإخلاص يكثرون منها في هذا اليوم، وسورة الفاتحة، والصلاة على النبيّ محمد ﷺ.

الأضحية وحال المسلمين

وأمامك الليلة المباركة والأضحية لمن تيسّرت له، وكم من المسلمين في يمنكم وفي غير يمنكم يشتكون من الشدّة والغلاء ما قدر الأكثر منهم على أن يضحّي، فليراعِ بعضهم بعضاً بما يسّر الله تبارك وتعالى، وليعُد بعضهم على بعض، ولينتظروا فضل الله إذا استقاموا وصدقوا حتى يجيء فرج من عند ربّ السماء سبحانه وتعالى.

(لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ) لن تفرِّج عليهم تلك الدولة ولا غيرها، ولكن إذا رجعوا مع الله وصدقوا مع الله (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) والعياذ بالله سبحانه وتعالى.

ومن قدر على الأضحية فما أجملها! ولينفقها في محلّها، وليتفقّد أقاربه وجيرانه وذوي الحاجة ممّن يعرفهم، وهكذا أيّام تقرّب إلى الله تعالى بإراقة الدماء لمن قدر، وبهذا الذكر وبالتكبير وبالصدقات وبما تيسّر من الأعمال الصالحات.

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)

دعوات مباركة

فتوجّهوا بجمعكم إلى ربّ العالمين، عسى يحوِّل الأحوال إلى أحسنها. نشكو إليه ضرّنا وضرّ المسلمين، ونشكو إليه ما نازلنا ونازل أهل لا إله إلا الله في المشارق والمغارب.

مِن أغرب الغرائب أنّ بعض الكفّار في البلدان البعيدة قال: إلى متى نسكت على حمل الأطفال المُقتّلين؟ إلى متى نصبر على تيتيم الأطفال بقتل أمّهاتهم أمامهم؟ وهو كافر بعيد في إسبانيا من دول الكفر! والمسلمون ليسوا دارين بإخوانهم، ولا دارين بإسلامهم، وربما وربما وربما والعياذ بالله.

يا مُحوّل الأحوال، حوّل حالنا والمسلمين إلى خير حال، يا ربّ يوم عرفة لا غربت الشمس إلا وغربت الأكدار والهموم والظلمات والآفات عنّا وعن المسلمين في المشارق والمغارب، ما لنا غيرك يا ربّ الأرض والسماوات!

حوّل الأحوال إلى أحسنها، ثبّتنا على ما تحبّ، واجعلنا فيمن تحبّ، واجعلنا في المتواصين بالحقّ والمتواصين بالصبر، والصادقين معك والمقبلين بالكلّية عليك، والمقبولين لديك، برحمتك يا أرحم الراحمين.

والحمد لله ربّ العالمين.

تاريخ النشر الهجري

10 ذو الحِجّة 1446

تاريخ النشر الميلادي

06 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية