حلقة خاصة مع العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ عن يوم عرفة، على قناة الإرث النبوي الفضائية

9 ذي الحجة 1446ه

  • 3:27 نداء إلى المؤمنين  
  • 5:15 دعوة للإنابة والتوبة  
  • 8:35 التوجه لحال الأمة  
  • 10:27 الإقلاع عن الذنوب  
  • 11:29 منهج معاداة أعداء الله  
  • 13:15 أذكار يوم عرفة  
  • 13:36 مشاركة غير الحجاج  
  • 15:56 الدعاء للمسلمين  
  • 16:39 حقيقة التلبية  
  • 17:25 الصدق مع الله  
  • 18:52 وحدة المسلمين ونبذ التفرق  
  • 19:57 واجبات المسلم  
  • 20:32 بركات يوم عرفة  
  • 21:02 استقبال العيد والأيام المعدودات  
  • 22:29 دعوة للصدق والإنابة  
  • 24:14 الدعاء

لقراءة فوائد مكتوبة من الحلقة:

https://omr.to/arafah46-1f

نص الحلقة مكتوب:

الحمد لله الواحد الأحد، الحي القيوم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، جامع الخلائق ليوم لا ريب فيه، ومُهيِّء من سبقت له السعادة للفوز في ذلك اليوم بوجهاتهم ونياتهم واجتماعاتهم واغتنامهم ما جُعل في طيّ أعمارهم من مواسم جودٍ منه وكرمٍ وإحسانٍ وفضلٍ وامتنان.

ولقد ختم النبيين بمن أرسله إلينا عبده الأمين، سيد المرسلين محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، أكرم الأولين والآخرين عليه وأحبهم إليه، اللهم أدِم صلواتك على المجتبى المختار، نور الأنوار وسر الأسرار، سيدنا محمد من بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمّة وجلى الظلمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

ووقف في مثل هذا اليوم في عرفات في عامه الأخير من أعوامه الدنيوية، وناداكَ وطلبك وسألك لأمته في وقته ومن يأتي منهم إلى يوم الدين، وأقررت عينه وأسررت قلبه لما آتيته له لأمته، فأصبح في يوم النحر في مزدلفته مُتبسِّماً، وسُئل فقال: "هذا إبليس يحثو التراب على رأسه؛ علماً باستجابتي له في أمتي".

اللهم صلِّ وسلم على عبدك المصطفى الزين، جامع الحُسن سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، وآبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك: آدم وشيث بن آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وهارون وموسى واليسع وذي الكفل وداود وسليمان وأيوب وعيسى بن مريم وزكريا ويحيى، ومن بينهم من النبيين والمرسلين، صلواتك وسلامك عليهم وعلى المصطفين المجتمعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

واقبل اللهم حجاج بيتك والواقفين بعرفة، وزدهم اللهم من نوالك وفضلك ما أنت أهله، وأعِد علينا وأعِد ما تتكرم به عليهم وما تُؤتيهم وما تتفضل به عليهم، يا غفار يا رحمن يا رحيم يا أكرم الأكرمين.

نداء إلى المؤمنين

إلى كل من في قلبه إيمان بالله ورسوله: هذه ساعات الإنابة إلى الرحمن والإقبال عليه والتوجه إليه والتذلل بين يديه. هذه ساعات التعرض لمغفرته وعفوه ومسامحته وتجاوزه عن الذنوب الثقال، لا إله إلا هو، في مجمع الخير والإجابات والغفران والعفو عن الذنوب العظام، حيثما تحضر الملائكة الأكرمون والصالحون من العباد الكرام. 

وفي عرفات كل ذنب مُكفَّر  ** ومُغتفَر منا برحمة غافرِ

وقفوا بها ولله الحمد والشكر والثناء ** على فضله إن المزيد لشاكرِ

 عشية َافى الوفد من كل وجهة ** وفج وهم ما بين داعٍ وذاكر ِ

وراجٍ وخائف وباكٍ من مخافة ربه ** بفائض دمعٍ كالسحاب المواطرِ

وفي الوفد كم من عبدٍ منيبٍ لربه ** وكم خاشعٍ كم من خاضعٍ متصاغرِ

وذي دعوة مسموعة مستجابة ** من الأولياء أهل الهدى والسرائرِ

وإنا لنرجو عفوه أن يعمنا ** ويشمل منا كل بادٍ وحاضرِ

الحمد لله على ما هيّأ لنا وأوصلنا إلى هذه الأيام. هذا اليوم الكريم المبارك، يوم عرفة، يوم اللطف ويوم الملاطفة ويوم التعرف من الإله الكبير الرحمن الرحيم ذي العرش العظيم جل جلاله، ويوم التجاوز عن الذنوب الثقال.

وما رُئي شيطان في يوم أحقر ولا أدحر ولا أصغر ولا أذل منه من يوم عرفة، إلا ما رُئي في يوم بدر.

دعوة للإنابة والتوبة

أيها المؤمنون بالله جل جلاله، لا تفوتكم الساعات بإنابة وإخبات إلى عالم الظواهر والخفيات؛ بصدق في القيام بأمره، فإن الدواعي القاطعة عنه من الأنفس والأهواء وشياطين الإنس والجن تحترش قلوب عامة المكلفين، ويرفضها وينبذها مَن سبقت له سابقة السعادة، ملبياً مستجيباً لنداء الإله الذي خلق والرسول الذي هو في الخلق أصدق، عبده المصطفى محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وأهل حضرة اقترابه من أحبابه. 

فلتلبِّ قلوبنا وأرواحنا هذا النداء الإلهي والنداء النبوي ونداء الرب على لسان عبده المقرّب سيدنا محمد ﷺ، الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، والذي من سوء مخالفته والخروج عن أمره تحل بالمسلمين النوائب وتعظم عليهم المصائب، ويذكّرهم الرحمن جل جلاله بواجب رجوعهم وأوبتهم، وأن لا يتخذوا قدوة غير من ارتضاه لهم ومن ناب عنه ودخل في صفه من آل بيته وصحابته وخلفائه من العلماء العاملين المخلصين الصادقين.

الذين أمرنا الله بالكون معهم في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، وأمرنا باتباع سبيلهم في قوله: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)، وحذّرنا من اتباع السبل المتفرقة التي تقطع عن الله تبارك وتعالى، وقال: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ).

فانظر أيها المؤمن قلبَك اليوم أين هو وما فيه وما توجُّهه إلى باريه جل جلاله، وماذا ينويه فيما بقي من عمره المحدود المعدود بالأنفاس واللحظات، فلا تزيد نفس ولا لحظة. (وَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).

انظر زادك من خلال هذا العمر وما تحملهُ إلى البرزخ والقبر، وما تَرِدُ به يوم الحشر. (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).

فارجع إلى الرؤوف بالعباد، ربك أجود الأجواد جل جلاله، الذي ليس لعطائه من نفاد، وتُب من جميع الذنوب والسيئات والمعاصي صغيرها وكبيرها، فإنه لا تخفى عليه خافية، وإنه يُراقبها، وإذا نزل سخطه في أي منها هلكت هلاك الأبد. نعوذ بالله من غضبه وسخطه وعقابه، ونسأله رضاه والتوبة إليه والإنابة إليه والجنة.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.

دعاء للحجاج والأمة

أيها المؤمنون بالله جل جلاله، في اليوم الكريم المبارك، من كان قد وفد إلى البيت الحرام والمشاعر العظام وهو واقف بعرفة هذه العشية، قبلهم الله وأخذ بأيديهم وزادهم من فضله ما هو أهله جل جلاله. فليتوجهوا للمؤمنين ولأهل بلدانهم ولأهل أوطانهم وللأمة بوجهة خالصة إلى الله، يكشف بها الغمة ويرفع بها البلايا والأذايا عن أمة الحبيب ﷺ.

حال الأمة وما أصابها

التي ظهرت فيهم آثار إهمالهم لسنة نبيهم ﷺ وامتثالهم لأمره، وسُلِّط عليهم كثير من الكفار والفجار والأشرار، وانتهى الأمر بعدما كان أولئك الأشرار والكفار يضربون المسلمين بعضهم ببعض أن بدأوا بأيديهم بأنفسهم يضربون المسلمين وينتهكون الحرمات، لا حرمة لدم ولا حرمة لعِرض ولا حرمة لمال ولا حرمة لطفل ولا حرمة لامرأة ولا حرمة لقانون ولا حرمة لنظام ولا حرمة لإنسانية ولا حرمة لشيء من المعروف أصلاً. نعوذ بالله من غضب الله.

والأمر واضح بيّن أمام كل ذي عين على ظهر هذه الأرض، ألا فلتهب قلوب هؤلاء المؤمنين إلى الرب، ولتعجّ له بالتوبة والإنابة والخشية والعزم الصادق أن ينفذوا أمره وأمر رسوله في أعينهم وأرجلهم وفروجهم وبطونهم وأيديهم وأسماعهم وأبصارهم وألسنتهم، فلا يصرفونها إلا فيما أباح الله وأحلّ وما أحب وندب إليه أو أوجب عليهم.

الإقلاع عن الذنوب

أيها المؤمنون بالله، عصياننا للرحمن سبحانه وتعالى بالأعضاء وبالقلوب خيانة ونقض للعهد والميثاق بيننا وبينه. (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ)، (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ).

ألا أيها المؤمنون، يجب الإقلاع عن جميع الذنوب وصدق الإقبال على الله تبارك وتعالى واغتنام اليوم وتأمّل سورة الحشر وقراءتها في هذا اليوم، وهو يوم يُذكِّر بيوم المحشر وجمع الأولين والآخرين في مشاهد عظيمة ومواقف حدّث عنها الصادق الأمين ﷺ. (يَوْمَ يُدْعَىٰ كُلُّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)، ويوم يُلحَق كلٌّ بمن أحبّه وبمن تعلّق به قلبه.

منهج معاداة أعداء الله

ألا فالحذر أن تُعيروا قلوبكم محبة مبعدٍ أو مغضوبٍ عليه أو مطرودٍ أو ساقطٍ من عين الله تعالى، فتُحشروا معه يوم القيامة. نعوذ بالله من غضب الله. نزّهوا قلوبكم عن محبة من لا يحب الله ومحبة ما لا يحب الله، وتوالوا في الله بينكم، وتحابوا في الله بينكم معشر أهل الإيمان.

فإن النبوة والرسالة لكل نبي ورسول تجمع قلوب المؤمنين على أدبٍ كاملٍ، يحبون بحبه من أحبّه الناس، ويعادون بعداوته من خالفه من خلقه. ومع معاداتهم من خالفه من خلقه، فهم في وسط هذه المعاداة يتمنون لهم هدايةً ورجوعاً إلى الله تبارك وتعالى، ويردّون ظلمهم ويردّون اعتداءهم وعدوانهم بكل ما استطاعوا، ومع ذلك يرتجون لهم أن يؤوبوا إلى الله وأن يتوبوا إليه، وإسلامهم أحب إليهم من دخولهم النار ومن أن يغنموا أموالهم وأن يغنموا ما عندهم من كل شيء.

أيها المؤمنون بالله، على هذا الحال مضى الأنبياء وأتباعهم، وهم الذين استجابوا لنداء الله ودعوة الله جل جلاله وتعالى في علاه، ولم يخضعوا لنداء الأنفس والأهواء والشهوات، لا من أنفسهم ولا من غيرهم من بني آدم. (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ).

أذكار يوم عرفة

أيها المؤمنون، ينبغي كثرة الذكر في هذا اليوم، ومن أفضله سورة الإخلاص والمعوذتين وفاتحة الكتاب، وذكر: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

مشاركة غير الحجاج

وليشارك من لم يحضر في عرفة ولم يصل إلى تلك المواطن من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها حيثما كانوا، يشاركوهم توجُّههم إلى الله، ويشاركوهم التضرع والابتهال إلى الرحمن، وليشاركوهم في إنابتهم وخشيتهم وفي تذللهم بين يدي ربهم جل جلاله.

مباهاة الله بأهل عرفات

فإن الرحمن رب العرش العظيم يُباهي بهم ملائكته في السماوات: "عبادي يأتوني شُعثاً غُبراً يرتجون رحمتي ويخافون عذابي، أُشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت لهم، ارجعوا مغفوراً لكم ولمن شفعتم له"، إلى غير ذلك مما جاءنا في الأخبار عن المصطفى المختار فيما يُحدِّث عمّا يعامل الحق جل جلاله المؤمنين وما ينزله في عرفات من العطاء العظيم والخيرات وواسع الرحمات، والتجاوز عن الذنوب العظام، كما أخبر خير الأنام ﷺ.

المشاركة بالأدب والخضوع

فلتكن المشاركة بالأدب والخضوع والإنابة والاستقامة والنظر في الأنفس وفي القلوب والأعضاء وفي الأُسَر والبيوت، لتستقيم على منهاج الله فيما أمر وفيما نهى. إنه لشأن عظيم، منهج من الله الكريم: افعل كذا ولا تفعل كذا. يجب أن يقف عنده كل من آمن بهذا الإله وأن يُحسِن التطبيق، وهذه الخلافة عن الله في الأرض، وهي سبب النجاة في يوم العرض وسبب النصرة في الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ).

أيها المؤمنون بالإله الحي القيوم جل جلاله، جاءتكم الغنيمة والمواهب العظيمة والمنح الجسيمة. أقبلوا على الإله وتذللوا لعظمته تعالى في علاه، واصدقوا في القيام بأمر الله. شاركوا أهل عرفات بالإنابة والإخبات والتضرع والدعاء لرب الأرض والسماوات جل جلاله، والاعتماد عليه والاستناد إليه.

الدعاء للمسلمين

وألِحّوا عليه أن يكشف الغمة عن أهل فلسطين وعن أهل الشام وعن أهل اليمن وعن أهل الشرق وعن أهل الغرب، وأن يديم حفظ الحرمين الشريفين ويُخلِّص بيت المقدس من المعتدين والظالمين، وأن يردّ كيد أهل العدوان والظلم والبغي والطغيان من الصهاينة وكل مجرم معتدٍ ظالم غاصب مفترٍ كذّاب أفّاك مفسد ينشر الضر بين الناس.

اللهم رُدّ كيدهم في نحورهم، اللهم اهزمهم وزلزلهم، اللهم خالف بين وجوههم وكلماتهم وقلوبهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم انصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر عبادك المسلمين.

حقيقة التلبية

اللهم أقم في هذه القلوب حقائق التلبية لندائك الذي جعلته شعار أهل الحج لبيتك: "لبيك اللهم لبيك". إننا مقيمون على الإجابة والتلبية لندائك، إجابة بعد إجابة، مستمرين، "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

فلا تصلنا نعمة قط إلا وأنت الذي سُقتها، وأنت الذي خلقتها، وأنت الذي أسديتها. اللهم ما أمسى بنا من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر على ذلك.

الصدق مع الله

ألا أقبِلوا على الله بالصدق وادخلوا في خيار الخلق. ألا نَقّوا الجوارح والقلوب عن الذنوب والآثام، وأقيموا الديار والأُسَر على ما يُرضي به ربكم جل جلاله وتعالى في علاه، وما تحوزون به النجاح في يوم لقاه والفوز برضاه سبحانه وتعالى في علاه.

أيها المؤمنون بالله، إنه لا ينفع في القيامة إلا الصدق، ولا يُقبل عند الله إلا أهل الصدق، قال الله: (هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)، فاصدقوا في تحقيق الإسلام والإيمان والإحسان.

وإن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، وقد قال ذلك ﷺ في حجة الوداع. وإن المؤمن من أمِنَه الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم. وإن المهاجر من هجر ما نهى الله عنه، وإن المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله.

فصفّوا أيديكم وصفّوا صحائفكم وصفّوا أجهزتكم وآلاتكم التي تستعملونها من كل محرّم، منظوراً أو مرئياً أو مسموعاً أو ملموساً أو غير ذلك من التصرفات، فإنه يعلم السر وأخفى.

وحدة المسلمين ونبذ التفرق

أيها المؤمنون بالله جل جلاله، وأقيموا شرع الله ومنهاجه، وكونوا أدوات في جمع شمل المسلمين، وفي نبذ التفرُّق بمسمّى المذاهب أو بالقبائل والأنساب، أو بالمناطق أو بالأحزاب، أو بأي شيء يبثّ بين المسلمين تفرقة وتباعداً وبُغضاً، فإن ذلكم كله من مشروع إبليس الرجيم عدو الله، الذي أيس أن يُعبد من المصلّين في جزيرة العرب، فإن يطمع في شيء ففي التحريش بينهم، كما قال نبينا فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: "فإن يطمع في شيء ففي التحريش بينهم".

وقد حرّشوا بيننا كثيراً هو وجنده، وقد حوّلونا إلى طوائف وأحزاب وشِيَع. (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) جل جلاله وتعالى في علاه. (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

واجبات المسلم

ليُصِلوا الأرحام رحمةً، وليَبَرّ الأبناء والبنات أمهاتهم وآباءهم، وليعرف الأقارب حق القرابة، وليعرف الجيران حق الجوار، وليتحابّوا بروح الله، وليحملوا الرحمة لعباد الله جل جلاله وتعالى في علاه.

وليراجعوا أنفسهم وحساباتهم فيما يقولون وما يفعلون وما يشتغلون به في خلواتهم وفي جلواتهم، في ليلهم وفي نهارهم. (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا).

بركات يوم عرفة

إنه يوم من تحفّظ فيه بما ينبغي له أن يتحفظ وصان سمعه وبصره خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. إنه يوم التجلي لأهل عرفة ولكل المتعرضين لرحمة الله في شرق الأرض وغربها. إنه يوم يُعظَّم ذكره في السماوات، وتتصل السماوات بالأرض وبمن في الأرض من المنيبين والتوابين والخاضعين والذاكرين للرحمن جل جلاله وتعالى في علاه.

استقبال العيد والأيام المعدودات

إنه استقبال لليلة النحر ويوم الحج الأكبر الذي يأتي في الغد، وما بعده من الأيام المعدودات. إذا انتهت الأيام المعلومات العشر، (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)، فيأتي ذكر التكبير ليلة العيد، المرسَل الغير المقيّد بأدبار الصلوات فرائضها ونوافلها، ويأتي بعد ذلك أيضاً الأضحية لمن استطاع أن يُضحّي.

وكثير من المسلمين في كثير من الأقطار صعُب عليهم في هذا العام توفير الأضاحي وغيرها من الشدائد التي يعانونها، ومن إخوانهم في فلسطين من إذا ذهب ليأتي بكسرة أو لقمة لأولاده ضُرب وناله المتابعة والضرب في ذلك المكان. وكم من ميتّم، وكم من أطفال يُحملون قتلى، وكم من أطفال يبكون أمهاتهم وآباءهم. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 رفع البلاء

اللهم ليس لها من دونك كاشفة، فاكشف الضرّ عن أهل لا إله إلا الله، واجمع شمل المسلمين يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم، اللهم تدارك الأمة واكشف الغمة واجل الظلمة وادفع عنا النقمة، وعاملنا بفضلك وما أنت أهله يا أكرم الأكرمين.

دعوة للصدق والإنابة

ألا أصدقوا مع الرحمن وتسبّبوا في نزول النصرة منه جل جلاله والغياث لأهل لا إله إلا الله، بالتوبة وحسن الأوبة والإقبال الكُلّي عليه والعزم الصادق على امتثال أمره واجتناب نواهيه، واستقبال هذه الأيام بما يليق بها.

(وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).

واحذروا مما حذّر الله: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ).

وارغبوا فيما رغّبكم الله فيه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).

فأقبلوا على الله بقلوبكم، وتوجّهوا إليه بكلّياتكم، وارجوا ما عنده يغفر لكم ويُكفِّر سيئاتكم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ).

فتراحموا وتواصلوا بالحق والصبر، واصدقوا مع عالم السر والجهر.

دعوات مباركة

اللهم يا من أوصلتنا إلى هذا اليوم، زدنا من نوالك وإفضالك ما أنت أهله، وارزقنا الإنابة والخشية وحسن الاغتنام لما تتفضل به وتجود وتُكرم به في الغيب والشهود، يا برّ يا ودود.

لا تحرمنا بركة حاجٍّ ولا واقفٍ ولا زائرٍ ولا معتمرٍ ولا طائفٍ ولا عاكفٍ ولا راكعٍ ولا ساجد، وأعِد عوائد ذلك علينا بصلاح ظواهرنا وبواطننا ونياتنا ومقاصدنا وأقوالنا وأفعالنا وحركاتنا وسكناتنا، يا حي يا قيوم.

اكشف عنا وعن الأمة الهموم والغموم، ووفّقنا لما تحب، واجعلنا في من تحب، ثبّتنا على الحق فيما نقول، وثبّتنا على الحق فيما نفعل، وثبّتنا على الحق فيما نعتقد.

وعجّل بتفريج كروب الأمة، وعامل بمحض الفضل والجود والرحمة يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين، وأمطر على ساحات قلوبنا سحاب الإفضال والعفو والعافية، والتوفيق لما تحب والمعرفة بك والإخلاص لوجهك الكريم، وثبّتنا على ما تحبه منا وترضى به عنا في الحسّ والمعنى يا حي يا قيوم.

كن لنا بما أنت أهله، وأصلح لنا وللأمة الشأن كله، واختم لنا بأكمل حُسنى وأنت راضٍ عنا برحمتك يا أرحم الراحمين وجودك يا أجود الأجودين.

فُكّ أسر المأسورين، اللهم واشفِ مرضى المسلمين، وعافِ مبتلاهم، واقبل التوبة من تائبهم، ووفّق عاصيهم للتوبة، وتجاوز عنا عنهم، وبدّل السيئات لحسناتٍ تامّاتٍ مُسِرّات، واغفر لموتانا وأحيائنا بمغفرتك الواسعة، وبسرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.

 

 

تاريخ النشر الهجري

09 ذو الحِجّة 1446

تاريخ النشر الميلادي

05 يونيو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية