كلمة في مجلس عزاء السيدة زينب بنت صالح ابن الشيخ أبي بكر بن سالم
كلمة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مجلس عزاء المنتقلة إلى رحمة الله السيدة زينب بنت صالح بن عبدالرحمن ابن الشيخ أبي بكر بن سالم، ليلة الخميس 2 ذي الحجة 1446هـ
نص الكلمة مكتوب:
الحمد لله على ما يجعل من الذكرى، ويوجِب من البُشرى، ويُوالي على المؤمنين بما يطرأ في هذه الحياة من ولادةٍ ووفاة، معاني تصريفه سبحانه وتعالى وتدبيره وللأقدار، وما جعل لنا في الزمن الليل والنهار، يخلف بعضه بعضًا، (خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) ؛ ليتهيَّأ بذلكم الاستعداد والتزوُّد بخير الزاد لدار المعاد.
الولادة والوفاة محطات للاعتبار
وجعل في ضِمْن هذه الحياة وما يطرأ من هذه الولادات والوفيات وما بينهما مجالاً واسعًا للادِّكار وللاعتبار وللاستثمار، وللاغتنام وللتزوُّد وللارتقاء، وللأخذ ولجمع المنافع وتهيؤ لارتقاء الدرجات العُلا، كما أنها تتحوَّل على المُعرِض وعلى الغافل وعلى المُتولِّي عن ذكر الله وعلى المخالف لأمر الله تعالى، تتحوَّل إلى محطَّات تزوُّد للبُعد والطرد والغضب والسخط والقطيعة والحجاب والعذاب وما إلى ذلك - والعياذ بالله تعالى- فاختلفت.
قال تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، لا المحيا سواء ولا الممات سواء.
عجائب الولادات والوفيات
ثم إننا نُصادِف في هذه الوَفَيات وفي هذه الولادات من العجائب والغرائب ما به يتذكَّر المتذكِّر، ويتنوَّر المتنوِّر، ويتبصَّر المتبصِّر. فالذين لهم سوابق السعادة بالخير من الله تبارك وتعالى، ولاداتهم كما شرح ربُّكم في القرآن: (وَسَلَامٌ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) يقول سيدنا عيسى، وقال عن سيدنا يحيى: (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا).
وذَكَر هذه المحطَّات الثلاث: يوم الولادة، يوم الوفاة، ويوم البعث، وعجائب ما بينها من الروابط، وشؤون ولادة الطيِّب والصالح من حين ولادته يكون مباركًا، (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) يقول في يوم ولادته، ولهذا تميَّز المولد النبوي للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، ثم مولد كل ذي قدرٍ عند الله على قدره عند الله تعالى، فميلاده يحمل هذا القدر ويحمل هذه المرتبة ويحمل هذه الفائدة.
خيرات وجود الصالحين
ومِن هنا كان في وجود الصالحين وفي وجود العِترة الطاهرة خيرات كبيرة للكون وأهل الكون، والوجود لأهل الوجود بوجود الواحد منهم، عمومهم عامة وخاصتهم خاصَّة كُلٌّ بما أعطاه الله.
ثم في يوم وفاة الواحد منهم كذلك يكون ذلك اليوم مع كونه بُشرى له بلقاء ربه جلَّ جلاله،
فالموت للمُحسن الأوَّاب تُحفته ** وفيه كل الذي يبغي ويرتادُ
لقا الكريم تعالى مجده وسما ** مع النعيم الذي ما فيه انكادُ
يكون خيرًا على قرابته، على أهاليه، على من حواليه، إن حزنوا حُزن الطبيعة - وإنَّا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون - فقد رضوا رضاء الإيمان، وسلَّموا الأمر للرحمن جلَّ جلاله، وأُجِروا على ذلك.
وكان لهم أيضًا من ذلك ما يكون لهذا المنتقل من مكانةٍ عند الله تعالى شفاعةً تعود على قرابته، على أهل بلده، على أهل زمنه، على قدر منزلته عند الله تبارك وتعالى، ويكون لهم مع ذلك أيضًا أنواعٌ من هذه الخيرات وأنواعٌ من هذه البركات.
بيوت الخير والتقوى
فهذه الشريفة عليها رحمة الله تبارك وتعالى، والتي اختارها الله أن تكون زوجةً لحبيبنا محمد بن عبد الله الهدار بن شيخ بن أحمد ابن الشيخ أبي بكر بن سالم، ومن أُسرة الشيخ أبي بكر أنفسهم، تربَّت في تلك البيوت، بيوت الحياء وبيوت الحشمة وبيوت الخير، من ولاداتهم وهم على برٍّ وعلى تقوى وعلى سُننٍ وعلى آداب، وساقتها الأقدار لتكون زوجة حبيبنا محمد الهدار عليه وعليها رحمة الله تبارك وتعالى، وعلى أُصولهم وفروعهم، ومن في تلك البيوت من أرباب الإنابة والإخبات والقنوت، ومن أرباب الخضوع والخشوع والإنابة إلى ذي الجبروت جلَّ جلاله وتعالى في علاه.
مضت بها الأيام إلى أن تستقر في المدينة المنورة، ولتكون هناك الوفاة والرحيل إلى ذاكم البقيع وجوار الحبيب الشفيع صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله.
ذكر الحبيب محمد الهدار
وكانت الاتصالات هذه، ولادة زوجها عليه رحمة الله تبارك وتعالى كانت بعد أن حرَّره والده ونذره وهو في بطن أُمِّه، وجاءت الولادة بعد ذلك وما ترتَّب عليها، حتى جاء مجيئه إلى حضرموت واتصاله بالأكابر بعد التربية التي تربَّاها هناك وما تلقَّى، ولم يزل يترقَّى.
وجاءت بناية الرباط، وكان ابنه الحسن عليه رحمة الله تبارك وتعالى رأى والد الحبيب محمد، جدّه الحبيب هدار ، قال له: قُل لوالدك أنه من يوم أُسِّس الرباط ارتفع العذاب عن البرزخ في المنطقة كلها، رفع الله العذاب عن البرزخ بهذه التأسيسات وهذه الخيرات مترتِّبة على ولاداتٍ وعلى وفيات، أيضاً يتوفَّى المتوفَّى منهم.
فضل الصلاة على الميت وإقامة المجالس
قال ﷺ: "من صلَّى على مغفور غُفِر له"، وهكذا بمجرَّد الصلاة عليه، وكذلك بما يحصل من القراريط بالحضور، وكذلك ما يحصل من هذه الذكريات والمجالس التي تُعقد في البلدة هذه والبلدة هذه والبلدة هذه بسبب وفاة هذا الإنسان، لتعود العائدة على الحاضرين وعلى القارئين وعلى أهل البلدان وعلى أهل الزمان، بترتيبٍ بديع من حضرة الرحمن، يُرتِّب ذا على ذا وذا على ذا؛ لتمشي الأمور كلها بعد ذلك تحت صفحات الأقدار وما فيها من أسرار.
هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو المُقدِّم والمُؤخِّر والمُحيي والمُميت والرافع والخافض جلَّ جلاله وتعالى في علاه، وكل هذه الشؤون الإلهية في العالم الخَلْقي تبدو بتركيباتٍ وترتيباتٍ بديعات عجائب، ذا يترتَّب على ذا وذا يترتَّب على ذا، بتقديره في الأزل سبحانه، وشؤونٌ يُبديها ولا يبتديها: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وقد يتزامن أيضاً شؤون الوفاة مع كثيرٍ من الصالحين والأخيار، إمَّا في نفس الوقت أو في نفس اليوم أو في نفس الأسبوع أو في نفس الشهر أو في نفس العام، كثير من أهل الدرجات الرفيعة يتواردون على وقتٍ من الأوقات ينتقلون إلى رحمة الله.
والتوارد القريب هذا بين هذه الشريفة عليها رحمة الله الحبابة زينب وحبيبنا أحمد بن عبد الله المحضار عليهم رحمة الله تبارك وتعالى، وكلاهما له الرابطة القوية بحبيبنا محمد الهدار وبالشيوخ الكبار عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، ولهم من كريم الأوصاف ومن كريم الأخلاق.
الدعاء والختام
فالله يُعلي درجاتهم، ويُهيّئنا للحوق بهم في الدرجات العُلا وبالسلف الصالحين وبالرأس، وما الرأس إلا خير الناس، يتشرَّف بقُربه الأنبياء، يتشرَّف بقُربه الصِّدِّيقون، يتشرَّف بقُربه الملائكة، يتشرَّف بقُربه كل ذي وعيٍ وفهمٍ عن الله ومعرفةٍ بالله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
والله لا يُخلِّفنا عن هذا الركب، جزى الله السيد محمد الحامد خير الجزاء، وبارك الله لهم في هذه الوِجهات والنيَّات وإقامة هذه الواجبات، وبارك الله في أولاد هذه الحبابة وأولاد حبيبنا محمد ذكورهم وإناثهم، بركاتٍ كاملاتٍ تامَّاتٍ عظيماتٍ متضاعفات، يرقَون بها ذُرى السعادات، ويجتمع الكل إن شاء الله في الدرجات العُلا وإيَّانا وأحبابنا.
فيا ربِّ واجمعنا وأحبابًا لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ
فضلاً وإحسانا ومنّاً منك يا ** ذا الجود والفضل الأتمّ الأوسعِ
اللهم يُبشِّر روحها بأسنى البشائر وأعلى البشائر التي يُبشَّر بها أرواح المحبوبين والمُقرَّبين، ويُكرِم نُزلها عند أُمِّنا الزهراء وجوار الشفيع سيِّد الوجود محمد ﷺ، ولأُمِّها الكبرى ولسيِّدنا وحبيبنا محمد الهدار وسلاسل نسبهم وسندهم إلى المختار ﷺ.
اللهه يجعلها أبرك الليالي عليها وأسعد الأيام لديها، ويجعل من وفادتها وقدومها بركاتٍ تظهر لنا في شؤوننا وأحوالنا وأولادنا وأهلينا وزمننا، بفرج للمسلمين وغياث للمسلمين وصلاحٍ للمسلمين، ويعلي درجات حبيبنا أحمد بن عبد الله المحضار، ويجمعنا به في الدرجات العُلا مع الكبار الكبار، ويخلفه في أهله وذويه وعائلته وآل الشيخ أبي بكر وآل أبي علوي وآل بيت النبوة وأهل السُّنَّة والمسلمين بخَلَفٍ صالح، ويجمع الجميع في الدرجات العُلا وهو راضٍ عنَّا.
اللهم اكتب لنا القبول في مجمعنا، واجمع قلوبنا عليك، وأذن بجمعنا في دار الكرامة والفردوس الأعلى من غير سابقة عذابٍ ولا عتابٍ ولا فتنةٍ ولا حساب، واقبل جمع الحُجَّاج والزائرين والمُعتمرين والطائفين والواقفين والعاكفين والرُّكَّع السُّجود وأعِدْ عوائدهم علينا، وأشرِكنا فيما تُنزله عليهم وتتجلَّى به عليهم وتُكرمهم به، وافتح أبواب الفرج وكل بابٍ في الخير مُرتَج، وارفع الضِّيق والحرج، وقوِّم كل معوَج، وحوِّل الحال إلى أحسن حال لنا ولأهل الإسلام والإيمان أجمعين يا أرحم الراحمين.
08 ذو الحِجّة 1446