(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب الغسل: فصل في فرائض الغسل وسننه (3).
صباح السبت: 27 ربيع الآخر 1445هـ
"قالت عائشة -رضي الله عنها-: وكان رسول الله ﷺ إذا فرغ من الغسل أناوله المنديل فيرده ويجعل ينفض الماء عن جسده، فذكر ذلك لإبراهيم النخعي فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأسًا، ولكن كانوا يكرهونه للعادة.
وسئل عمر -رضي الله عنه- عن غسل رسول الله ﷺ فقال: "كان رسول الله ﷺ يفرغ على يده اليمنى مرتين أو ثلاثًا، ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيصب بها على فرجه ويده اليسرى على فرجه فيغسل ما هنالك حتى ينقيه، ثم يضع يده اليسرى على التراب إن شاء ثم يصب على يده اليسرى حتى ينقيها ثم يغسل يديه ثلاثًا، ويستنشق ويتمضمض ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثًا حتى إذا بلغ رأسه لم يمسح وأفرغ عليه الماء، هكذا كان غسل رسول الله ﷺ"، "وكان ﷺ يأمر النساء بغمر الضفائر في كل مرة من غسل الرأس". وقال عبيد بن عمير بلغ عائشة -رضي الله عنها- أن عبد الله بن عمر يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت: "واعجبًا لابن عمر أفلا يأمرهن أن يحلقهن رؤوسهن، لقد كنت أغتسل أنا والنبي ﷺ من إناء واحد وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات، ولكن كان يأمرني بنقض شعري في غُسلي من الحيض"
وجاء وفد ثقيفٍ إلى رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله ﷺ إن أرضنا أرضٌ باردة فكيف بالغسل؟ فقال رسول الله ﷺ: "أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثًا وأشار بيديه كلتيهما". وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرات ويقول: هكذا كان رسول الله ﷺ يفعل، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: من اغترف من ماءٍ وهو جنب فما بقي منه فهو نجس، وتقدم الحديث في باب الطهارة.
وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "كان رسول الله ﷺ لا يتوضأ بعد الغسل"، وفي رواية عنها: "كان رسول الله ﷺ يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الصبح، ولا أراه يُحدث وضوءًا بعد الغسل". وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: كان أبي يغتسل ثم يتوضأ، فقلت له يومًا: أما يُجزيك الغسل وأي وضوءٍ أتم من الغسل، فقال: صحيح ولكن يخيل إلي أنه يخرج من ذكري الشيء فأمسه فأتوضأ لذلك، فلذلك كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا لم تمسَّ فرجك بعد أن تقضي غسلك فأي وضوءٍ أسبغ من الغسل؟! وكان كثيرًا ما يقول لمن يتوضأ بعد الغسل: "لقد تعمقت" ةوكذلك كان يقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-.
وكان جابرٌ -رضي الله عنه- يقول: كنا نستحب أن نأخذ من ماء الغدير نغتسل في ناحية وكان أبو سعيدٍ الخدري يقول: "أرسل رسول الله ﷺ مرةً إلى رجل من الأنصار فجاء ورأسه يقطر، فقال النبي ﷺ: "لعلنا أعجلناك، فقال: نعم؟ فقال: إذا عجلت أو قحطت فعليك الوضوء"، وفي رواية "فلك"، ولم يقل الوضوء، وكان ﷺ إذا واقع أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فيتيمم ويقول: "إن الملائكة لا تصحب الجنب إلا أن يتوضأ"".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وحبيبه وصفوته سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل متابعته، وعلى أبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرّحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الرَّاحمين.
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بفرائض الغسل وسننه، وقد ذكر لنا عن إبراهيم النخعي: أنهم كانوا لا يرون بتفريق الغسل بأسًا، وقلنا: أن الموالاة واجبة عند المالكية، وهي: سنة عند غيرهم.
"قالت عائشة - رضي الله عنها-: وكان ﷺ إذا فرغ من الغُسل أُناوله المنديل فيردَّهُ ويجعل ينفض الماء عن جسده، فَذُكِر ذلك لإبراهيم النخعي فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأسًا ولكن كانوا يكرهونه للعادة"، فجاء نظر الفقهاء -عليهم رحمة الله تعالى- في التنشيف بعد الوضوء أو بعد الغسل، وما حكمه؟ وكذلك نفض اليدين من أثر الماء ما حكم ذلك؟
وبذلك فرَّق الكثير من الفقهاء بين الأحوال فقال:
جاء في قول الفقهاء في ما يتعلق بتنشيف الأعضاء:
فيقول المالكية والحنابلة: يجوز التنشيف
وكذلك مقابل الأصح عند الشافعية بل أنه يحلُّ ويجوز؛ ولكن هل الترك أولى أم لا؟ واعتمدوا كذلك الشافعية أن التنشيف خلاف الأولى لغير حاجة، وقيل: يُكره.
وفي الحديث أنه "لما ناولته ميمونة الخرقة لم يَرُدَّها"، وجاء في البخاري "أنه جعل ينفض بيده"؛ ومن هنا أيضًا تكلموا على نفض الأعضاء:
واعتمد الشافعية كراهة ذلك وعللوا بأنه كالتبري من العبادة؛ فصار المسنون: تركُ التنشيف إلا لعذر.
وقال الحنفية: من آداب الوضوء التنشيف؛ واستدلوا بالرِّوايات التي فيها تنشيفه ﷺ، وفي رأيٍ عندهم كذلك: أنه يكره التنشيف كما هو رأي عند الشافعية، والمعتمد: أنه خلاف الأولى وليس بمكروه، وبذلك أيضًا جاء اختلاف الصحابة - رضي الله تعالى عنهم-.
نفض اليد فيقول:
يقول الحنفية والشافعية: يُِستحب للمتوضي عدم نفض يده، لما جاء في حديث: "إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان"، ويقول ابن حجر: وترك النفض من سنن الوضوء؛ لأنه كالتبري من العبادة، فهو خلاف السنة كما في التحقيق للإمام النووي وشَرحَيْ مسلم والوسيط، قال: وصحح يعني: النووي في الروضة والمجموع إباحته، وصحح الرافعي كراهته.
قال الحنابلة: أنه يُكره نفض الماء، ولكن في قول عندهم آخر: لا يُكره نفض الماء بيده عن بدنه؛ لحديث ميمونة: "فجعل ينفض بيديه"،
وأشار الإمام النووي في الروضة والمجموع إلى أنه: يُباح للمُتوضي نفض يديه وتركه، ولكن استحبوا الترك لغير حاجة.
إذًا فأثر الوضوء وأثر الغُسل كذلك ينبغي أن لا يسارع الإنسان لإزالته إلا لحاجة، وفي الأمر سعة:
كل ذلك مما جاء في أقوال الفقهاء فيتلخص: أن من كانت له حاجة من مثل: البرد أو أي شيءٍ آخر فلا إشكال عليه في أن يتنشف وينشف أعضاءه، ومن لا حاجة له فالأولى أن لا يستعمل تنشيف الأعضاء.
قال: "وسئل عمر -رضي الله عنه- عن غُسل رسول الله ﷺ فقال: "كان رسول الله ﷺ يُفرغ على يده اليمنى مرتين أو ثلاثًا، ثم يدخل يده اليمنى في الإناء فيصب بها على فرجه ويده اليسرى على فرجه فيغسل ما هنالك حتى ينقيه، ثم يضع يده اليسرى على التراب إن شاء ثم يصب على يده اليسرى حتى ينقيها ثم يغسل يديه ثلاثًا.." يعني: الكفين "ويستنشق ويتمضمض ويغسل وجهه وذراعيه ثلاثًا حتى إذا بلغ رأسه لم يمسح وأفرغ عليه الماء، هكذا كان غسل رسول الله ﷺ" فيما يُروى عن سيدنا عمر.
" وكان ﷺ يأمر النساء بغمر الضفائر في كل مرة من غسل الرأس"، يعني: بحيث يغمرها الماء ويكون قد وصل إليها وذلك يكفي، "ولما بلغ السيدة عائشة أن عبدالله بن عمر: يأمر النساء إذا اغتسلن ينقضن رؤوسهن قالت: واعجبًا لابن عمر أفلا يأمرهن بالحلاقة" وخلاص يحلقون! يعني: رأت أن هذا مبالغة وشدة.
قالت: " كنت أغتسل أنا والنبي ﷺ من إناء واحد وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات، ولكن كان يأمرني بنقض شعري في غُسلي من الحيض"، وفي هذا:
قال الحنابلة: فَرْق؛ أنه لا يلزم المرأة نقض ضفائرها من غُسل الجنابة، ويلزمها نقضه في غُسل الحيض.
وقال الشافعية: لا فرق بين الحيض والجنابة الحكم واحد، وإنما إن وصل الماء وعمَّ فذلك تم به أداء الواجب، وإن لم يصل الماء إلى الشعر فيجب نقضه سواءً كان في غسل جنابة أو في غسل حيضٍ؛ إذا لم يصل الماء إلا بالنقض وجب النقض.
"وجاء وفد ثقيفٍ إلى رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله ﷺ إن أرضنا أرضٌ باردة فكيف بالغسل؟ فقال رسول الله ﷺ: "أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثًا وأشار بيديه كلتيهما". وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرات ويقول: هكذا كان رسول الله ﷺ يفعل". وذلك محمولٌ على اختلاف الأحوال والسُّنة في عامة أفعال الوضوء والغُسل أن لا يزيد على ثلاث، فأما الإفراغ لغسل الكفين ثم الإفراغ على اليد من أجل المضمضة والاستنشاق فهذا أمر وذاك أمر آخر وليس كله لغسل اليدين.
"وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: من اغترف من ماء وهو جنب فما بقي منه فهو نجس،" والمعتمد عند عامة الفقهاء أنه لا ينجس الماء بوضع يد الجنب فيه ولا غيره؛ إنما إذا كان نوى رَفْع الحدَث والماء قليل صار الماء مستعملا؛ يعني طاهرا غير مُطَهِّر.
وهكذا يأتي الكلام في مسألة الاغتراف: هل يبقى الماء الباقي إذا وَضع يده فيه وهو جُنُب؟ أو بعد غسل وجهه؟ إن نوَى التَّثْليث ثلاثا وإن نوى الاقتصار على واحدة؛ فبعد الواحدة إذا وضع يده في الماء القليل هل يصير مستعملا؟
فإنه لو أراد رفع الحدث عن شيء من أعضائه في الماء القليل فبالاتفاق يصير الباقي مستعملا، لكن إذا لم ينو رفع الحدث وسط الإناء.. فهل يكفي عادته أنه من قبل يغترف ومن بعد يغترف، ولماذا الآن طلبت منه أن ينوي الاغتراف هو من البداية يغترف؛ ما يدخّل يده إلا ليغترف، لكن قالوا لاحظوا أنه الآن وصل وقت غسل اليد؛ إن كان جُنبا فمطلقا، وإن كان متوضئا فبعد غسل الوجه، مع أنهم اعتبروا أنه إذا ينوي التثليث فما يضر، في الثانية والثالثة ولا ينوي الاغتراف إلا بعد الثالثة.
ولهذا يقول أبو مَخْرَمَة: لا يُشَدَّد على العامّي في مثل نية الاغتراف. وابن المقري نظم القائلين بعدم الوجوب نية الاغتراف، يقول:
أَوْجَبَ جمهور الثّقات الظِّرَاف ** عند التوضي نيّة الاغتراف
من بعد غسل وجه من يُلغِها ** فماؤه مستعمَلٌ بالخِلَاف
ووافق الشَّاشي وابن عبد السلام** في تركها والبغويّ ذو العفاف
وابن العُجِيل الحَبْر أفتى على ** إهمالِها والحَبْر فَتْوَاهُ كاف
واختاره الغزّالي والمُزَجَّد أنّه لا تلزم نيّة الاغتراف، والناس من نفسهم يغترفون بلا نيّة، وهومن بداية الأمر ماذا يصَلِّح من الذي يغرف بيده.. وهو مُغتَرِف خلاص، ولماذا عند اليد؟ وهو إنما ينوي جلب الماء من أجل يغسل يده خارج الإناء، وعلى هذا يجيء قول ابن عمر، أمَّا القول بالنجاسة فهو قول مرجوح عند الحنفية وعامة العلماء، قالوا: ما يكون نجس وإنما يكون مستعملا.
"وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: "كان رسول الله ﷺ لا يتوضأ بعد الغسل""، فيكفي الغسل عن الوضوء بحيث يرتفع الحدثان، وهذا عليه أكثر الفقهاء. وقيل: لا بد من وضوء لرفع الحدث الأصغر وغُسلٍ لرفع الحدث الأكبر. فالطَّهارات -مثل الوضوء والغسل- إذا تكرّرت أسبابها؛ فمرة واحدة يكفي وضوء؛ ومرة واحدة أيضا يكفي غسل، وبرفع الحدث الأكبر يرتفع الحدث الأصغر ويندرج فيه.
فلأجل الخروج من خلاف من أوجبَ الوضوء لرفع الحدث الأصغر وأنه لا يندرج تحت الأكبر: سُنّ أن يتوضأ، والأفضل أن يتوضأ قبل الغسل، كما هو الوارد في فعله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. ويمكن أن يتوضأ بعد الغسل.
يقول: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: كان أبي يغتسل ثم يتوضأ، فقلت له يومًا: أما يجزيك الغسل وأي وضوء أتم من الغسل، فقال: صحيح ولكن يُخيّل إليّ أنه يخرج من ذكري الشيء فأمسّه فأتوضأ لذلك،.." يعني: انتقض وضوءه بسبب المسّ فلهذا أتوضأ "..فلذلك كان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إذا لم تمس فرجك بعد أن تقضي غُسلك فأيّ وضوء أسبغ من الغسل. وكان كثيرًا ما يقول لمن يتوضأ بعد الغسل: "لقد تعمَّقت" يعني: زيّدت على الحد.
وكان الغسل كافي، ولكن كما سمعت أن السنة أن يتقدَّم الوضوء قبل الغسل ثم يغتسل، ولكن عليه كما نبّه الإمام الغزالي: أنه إذا اغتسل خلاص؛ لا يتعرّض لشيء من نواقض الوضوء فينتقض وضوءه، فلا يمسّ فرجه؛ ولكن يغتسل من دون أن يمسه.
"وكذلك كان يقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يقول: كنا نستحب أن نأخذ من ماء الغدير نغتسل في ناحية، وكان أبو سعيد الخدري يقول: "أرسل رسول الله ﷺ مرة إلى رجل من الأنصار فجاء ورأسه يقطر، فقال النبي ﷺ: "لعلنا أعجلناك، فقال: نعم؟ فقال: إذا عجلت أو قحطت فعليك الوضوء"، يعني: ترتفع الكراهة بالوضوء للحديث مع الناس وللنوم والأكل وللشرب، "وفي رواية "ذلك "، ولم يقل الوضوء".
"وكان ﷺ إذا واقع أهله فكَسِلَ أن يقوم.." يعني إلى محل الوضوء أو الغسل "..ضرب يده على الحائط فيتيمم ويقول: "إن الملائكة لا تصحب الجنب إلا أن يتوضأ" أي: التيمم ينوب عن الوضوء عند استثقال الوضوء، فيُكره للجُنُب أن ينام أو أن يأكل أو يشرب حتى يتوضأ، ولا أقل من أن يتيمّم.
وأمَّا فعل العبادة بالتيمّم: فلا يكون إلا لمريضٍ، أو مسافر لم يجد الماء، أو كان محتاجا إليه. أمَّا مثل هذا؟ هذا ينفي عنه الكراهة للأكل والشرب والنوم ومثل ذلك، ولكن ما يجوز أن يعمل بهذا التيمّم أيّ عبادة. ولكن يقول الحنفية: إذا خاف فوات صلاة جنازة فيتيمّم ويصلي، قال إذا ذهبت أتوضأ ستذهب الجنازة.. فعندهم يتيمّم ويصلي، وكذلك كما قال غيرهم أيضا وإن كان الماء موجود يُسنّ التيمم لكل ما يستحب له الطهارة، مثل: نوم، ورد السلام.. وأمثال ذلك، والصلاة ما تجوز به.
ويقولون عن ابن عابدين في يقول: التيمّم لما لا تُشتَرط له الطهارة غير معتبر أصلا مع وجود الماء إلا إذا كان مما يُخاف فوته -كما ذكروا في صلاة الجنازة- فلو تيمَّم المُحدِث للنوم أو لدخول المسجد مع قدرته على الماء فهو لغو -في القول الذي ذكره ابن عابدين- بخلاف تيمّمه لرد السلام مثلا؛ لأنه يخاف فوته؛ لأنه على الفور لهذا فعله النبي، إذن فعنده إن كان يخاف الفوت فيُعتبر التيمم وإلا فلا يعتبر.
ومقتضى مجموع ما ورد في السنة: أنّ في الأمر سعة، أمَّا العبادات فبالاتفاق: مع وجود الماء ما يّصَلِّح شيء من العبادات بالتيمّم إلا لمريض أو مسافر لم يجد من الماء إلا ما يشربه أو يحتاج إليه فهذا مع وجود الماء يصلي، وأما غير ذلك: لا، فلا يصح أن يفعل بهذا التيمم شيئا من العبادات، ولكن أيضا من أجل رفع الكراهة عن النوم ونحوه.. نعم، وأمَّا قول الحنفية أو ابن عابدين التيمم للسلام فذلك لِمَا ورد أنه ﷺ كان جُنُبا فسلم عليه رجل فضرب الحائط بيده وردّ عليه السلام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، وفقهّنا في الدين، وعلمنا التأويل، وهدانا إلى سواء السبيل، وسقانا من أحلى سلسلبيل، وأدخلنا في ديوان أهل الصدق معه في كل شأن، ورفعنا إلى أعلى مكان، وختم لنا بالحسنى وهو راضٍّ عنَّا.. في خير وعافية..
بسِرَ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد،
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه..
الفاتحة
28 ربيع الثاني 1445