كشف الغمة- 299- كتاب الزكاة (07) زكاة المعشرات

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة 299- كتاب الزكاة (07) زكاة المعشرات

صباح الإثنين 7 ذو القعدة 1446هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  أربعة أصناف اتفق على زكاتها
  •  وجوب الزكاة في كل ما يقصد به استغلال الأرض عند أبي حنيفة
  •  20 نوع تلزم فيها الزكاة عند المالكية
  •  لا يلزم إلا ما يُعد قوت من الحبوب عند الشافعية
  •  يلزم زكاة كل ما يُكال وييبس ويدخر عند الحنابلة
  •  دليل اعتبار الكيل وزكاة المُدخر
  •  حكم زكاة الزيتون
  •  وجوب الزكاة ببدء صلاح الثمر والحبوب
  •  مقدار نصاب المعشرات
  •  كان ﷺ يسقط الخراج عن من أسلم
  •  معنى حديث: ليس في الخضروات صدقة

نص الدرس مكتوب:

باب زكاة المعشرات 

 

"كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول في قوله تعالى: ﴿وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: 141] إن ذلك كان قبل أن تنزل آية الزكاة فلما نزلت آية الزكاة نسختها. وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: المراد بحقه أن يعطي شيئا منه للفقراء ولو عرجونًا من البلح، وقال أبو هريرة -رضي الله عنه- كان رسول الله ﷺ يقول: "فيما سقت السماء والغيم والعيون من الزروع والثمار العُشْر وفيما سقى بالسانية أو النضح نصف العُشْر"، وكان ﷺ يقول: "ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة والوسق ستون صاعًا"، وقدر ذلك بالكيل المصري نحو أربعين وَيْبة، وكان الزهري -رضي الله عنه- يقول: مضت السنة في زكاة الزيتون أن يؤخذ ممن عصر زيتونه حين يعصره فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلًا العُشْر وفيما يسقى برشاء الناضح نصف العُشْر وليس فيه شيء إلا إن بلغ حبه خمسة أوسق كالقمح.

 

وكان ﷺ يأمر بأخذ الزكاة مما زرع في أرض الخراج، وكان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: لا يجتمع على المسلم خراج وعُشْر، وكان ﷺ يسقط الخراج عمن أسلم إذا كان الخراج بدلاً عن الجزية كما يسقط عنهم جزية الرؤوس ويقول ﷺ: "لهم ما أسلموا عليه من أموالهم وعبيدهم وديارِهم وأراضيهم وماشِيتهم ليس عليهم فيه إلا صدقة"، وكان ﷺ يقول: "ليس في الخضروات صدقة"، وكان ﷺ يبعث خارصًا يخرص النخل والعنب والثمار تطيب قبل أن يؤكل منها فكان الخارص يحصيها عليهم ليعرف مقدار ما يخرجون منها قبل أن تؤكل وتفرق وينقص التمر والزبيب.

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

 

الحمد لله مكرمِنا بشريعته الغرَّاء وبيانِها على لسان عبده وحبيبه خيرِ الورى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه من رفع الله لهم به قدرا، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم مِن كلِّ مَنْ بمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين العظماء الكُبراء، وعلى آلِهم وصحبِهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

ويذكر الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله تعالى- في هذا الباب ما يتعلق بالمُعَشَّرات، والمراد بالمُعَشَّرات: ما أوجب الشارعُ فيه زكاةَ عُشرًا أو نصفِ عُشر. 

 

قال: "كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول في قوله تعالى: ﴿وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾[الأنعام: 141] -حقُّ الزرع يوم حصاده يوم تحصدونه- إن ذلك كان قبل أن تنزل آية الزكاة -لكن تحدد ما يجب إخراجه بمجيء آيات الزكاة- فلما نزلت آية الزكاة نسختها". 

فالواجب إما العُشْر أو نصف العُشر: 

  • إن سُقيت بمؤونةٍ فنصف العُشْر.

  • وإن سُقيت بماء السيل ونحوه فعُشر؛ تخرج العُشْر منها من الحبوب والثمار.

 

قال: "وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: المراد بحقه أن يعطي شيئا منه للفقراء ولو عرجونًا من البلح، وقال أبو هريرة -رضي الله عنه- كان رسول الله ﷺ يقول: "فيما سقت السماء والغيم والعيون من الزروع والثمار العُشر وفيما سقى بالسانية أو النضح نصف العشر".

اتفق الأئمة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-: أن التمر والزبيب تجب فيهما الزكاة، وكذلك من الزروع: البُر والشعير. 

فهذه الأربعة متفق على وجوب الزكاة فيها:

  •  يجب إخراج العُشر منها إن سُقيت بغير مؤونة وكلفة من الساقي لها. 

  • أو نصف العشر إن كان سقيها بمؤونة، وبنزح الماء أو بتركيب المكينة إلى غير ذلك. 

 

فما سُقيت بمؤونة فنصف العشر، وما سُقيت بغير مؤونة فعُشر كامل.

ما عدا هذه الأصناف التي هي: التمر، والزبيب، والبر، والشعير، فللأئمة اجتهاد فيما يلزم فيه الزكاة.

  • فمذهب أبي حنيفة -وهو أوسع المذاهب- في وجوب الزكاة، 

    • يقول: تجب في كل ما يُقصد بزراعته استنماءُ الأرض، من الثمار والحبوب والخضروات والأبازير وغيرها، من كل ما يُقصد به استغلال الأرض، دون ما لا يُقصد به ذلك عادةً كالحطب والحشيش والقصب والتبن وشجر القطن والباذنجان -القصب هذا الذي تأكله الحيوانات- بخلاف قصب السكر ونحوه هذا يُقتصد به استغلال الأرض -استنماء الأرض-، فعنده هكذا.

    • ويقول صاحباه: الزكاة لا تجب إلا فيما له ثمرة باقية حولاً، ما يبقى من الثمار سنة ففيه الزكاة، وما لا فلا. وعند أبي حنيفة: كل ما أنبتت الأرض من كل ما يُقصد بزراعته استنماء الأرض واستغلال الأرض تلزم الزكاة، هذا مذهب الحنفية.

 

  • ويقول المالكية: 

    • يؤخذ من الثمار زكاة التمر والعنب فقط كالشافعية في الثمار لا تلزم إلا في التمر وفي العنب -في النخيل وفي شجر الكرم؛ شجر العنب-.

    • وأما الحبوب فيؤخذ من: الحنطة، والشعير، والسُّلْت، والذُّرة، والدُّخْن، والأرز، والعَلَس. وكذلك يسمون القَطاني السبعة: الحمص، والفول، والعدس، واللوبيا، والترمس، والجلبان، والبِسِيلَّة. وكذلك ذوات الزيوت الأربع: الزيتون، والسمسم، والقُرْطُم، وحب الفجْل؛ هذه التي تُستخرج منها الزيوت، فهذه عشرون جنس عند المالكية تلزم فيها الزكاة، لا يُؤخذ شيء مما سواها. إذًا: فعندهم هذا هو التمر، والعنب، والبر، والشعير، والسُّلت، والذُّرة، والدُّخن، والأرز، والعلس، والقطاني السبعة، وذوات الزيوت الأربع. فإذًا عشرون صنف تلزم فيها الزكاة عند المالكية.

 

  • كذلك يقول الشافعية: 

    • لا تجب الزكاة من الثمار إلا في التمر والعنب. ولا تلزم في الحبوب إلا ما كان قوتاً -ما كان قوتاً يعيش به بدن الإنسان غالباً- غير الذي يؤكل تفكُّهًا أو تنعُّمًا أو دواءً -مداوة- الذي يعد قوت. كل ما يُعد قوتا يلزم فيه الزكاة من أنواع ما يُقتات في حالة الاختيار، من بُرٍّ أو ذرةٍ أو حمصٍ أو باقلاء وغير ذلك.

    • أما ما لا يُقتات ولا يُعد قوتاً كالسمسم والتين والرمان والفواكه، فما تعد قوتاً يقوم به غذاء الإنسان فلا زكاة عندهم فيها.

عرفنا مذهب الحنفية والمالكية ومذهب الشافعية.

 

  • كذلك الإمام أحمد عنده في المذهب:

    • ما استنبته الآدميون من الحبوب والثمار من كل ما يجمع وصفين: الكيل واليبْس مع البقاء؛ كل ما يُكال ويَيْبَس ويبقى مدة، فهذا تلزم فيه الزكاة. كل ما كان قوت والقطنيات مثل: الفول والعدس والحمص والدُّجُر واللوبيا، والأبازير: كالكزبرة والكمون والكراوية. والبذور: بذر الخيار وبذر البطيخ وبذر القِثَّاء وغيرها مما يؤكل كبذور الكتان حتى بذور القطن، ما دام تجمع وتكال وتَيْبَس تبقى مدة ففيها الزكاة، ومثل حب البقول حب الفجل، والقُرْطُم، والحلبة، والخردل، وكذلك الثمار التي تجفف وتُدَّخر كاللوز والفستق والبندق. وما يُكال ويُدَّخر مثل الزعتر والسماق أي شيء آخر. قالوا فإذاً: تلزم الزكاة فيما يكال ويمكن ادِّخاره ويَيْبَس ويُدَّخر، فهذه الأشياء التي تلزم عندهم فيها الزكاة، واختلفوا في الزيتون. وقال : "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَ أَوْساقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلا حَبٍّ صَدَقَةٌ". وبذلك قال الحنابلة: إنه اعتبر ﷺ الكيل، فلا بد من الكيل.

    • قالوا: وأما غير المدَّخر -حتى وإن كان يُكال- لا تكمل فيه النعمة لأنه ما تستمر الفائدة منه مدة، فلهذا ما تلزم فيه الزكاة. 

 

واستدل كذلك الجمهور -غير الحنفية- بقوله ﷺ: "لَيْسَ فِي الْخَضْرَوَاتِ صَدَقَةٌ"، كما أشار إلينا. وحديث جاء عند الدارقطني بسند ضعيف، وكذلك عند البيهقي. 

وما جاء أن سفيان بن عبد الله الثقفي كتب إلى سيدنا عمر -كان عامل له على الطائف- يقول: إن قِبَلَه حِيطاناً فيها من الفِرْسِك -وهو الخوخ والرمان- ما هو أكثر من غلّة الكُروم أضعافا، فكتب يستأمر في العشُر، فكتب إليه عمر: أن ليس عليها عشر، وقال: هي من العَفَاه كلها وليس فيها عَشر.

 

  • والزيتون أيضًا تجب فيه الزكاة عند الحنفية والمالكية، وكذلك بالقول القديم للإمام الشافعي -عليه رحمة الله- والرواية الأخرى عن الإمام أحمد ومذهب الشافعية أنه لا زكاة إلا فيما يعد قوتًا.

وهذا لاحَوْل فيها بل زكاتها عند حصادها، إذا حُصدت وجب زكاتها وإخراج حق الفقراء منها. 

إذًا: فالزكاة تجب في الثمار، ويتعلق الوجوب ببدو الصلاح، إذا بدا الصلاح فيها باشتداد الحَب أو بتلونها في العنب والتمر إذا تلونت فقد بدا صلاحها فتعلق بها وجوب الزكاة.

نعم، ويستقر الوجوب بعد ذلك بجعل الثمر أو الزرع في الجَرين أو في البَيْدر.

وهكذا أورد لنا في هذا النصاب وقال: وكان ﷺ يقول: "ليس فيما دون خمسة أوسق زكاة والوسق ستون صاعًا" والصاع أربعة أمداد بمُدِّ النبي .

 قال: "وقدر ذلك بالكيل المصري نحو أربعين وَيْبة، وكان الزهري -رضي الله عنه- يقول: مضت السنة في زكاة الزيتون أن يؤخذ ممن عصر زيتونه حين يعصره فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلًا العُشر وفيما يسقى برشاء الناضح نصف العُشر وليس فيه شيء إلا إن بلغ حبه خمسة أوسق كالقمح، وكان ﷺ يأمر بأخذ الزكاة مما زرع في أرض الخراج، وكان عبد الله بن مسعود يقول: لا يجتمع على المسلم خراج وعُشُر -إن كان من غير مسلم فالخراج، وإن كان مسلم فالعشر الزكاة- "وكان ﷺ يسقط الخراج عمن أسلم إذا كان الخراج بدلاً عن الجزية كما يسقط عنهم جزية الرؤوس ويقول ﷺ: "لهم ما أسلموا عليه من أموالهم وعبيدهم وديارهم وأراضيهم وماشيتهم ليس عليهم فيه إلا صدقة" -أي الزكاة-، وكان ﷺ يقول: "ليس في الخضروات صدقة"، -وهذا الذي استدل به الجمهور كما سمعت وهي واجبة عند الإمام أبي حنيفة أي خضرة وأي فاكهة زرعها وجب الأوسق فعليه إخراج الزكاة قلّت أو كثرت-.

"وكان ﷺ يبعث خارصًا يخرص النخل والعنب والثمار -أي: يقدره كم يأتي ويصفو منه عندما ينجح ويتحول إلى تمر أو إلى زبيب كم يكون مقداره؟ فهذا هو الخرص من أجل الانتفاع بالعنب وبالرطب قبل إخراج الزكاة بأن تُخْرص ويلتزم صاحب الزرع بما في ذمته بمقدار الزكاة، كما سيأتي في الكلام عن الخرص معنا. 

 

رزقنا الله إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وأن ندعوه رغبًا ورهبًا ونكون له عابدين، ونتبعَ سيد المرسلين في كل ما أمرنا، وننتهيَ عن كل ما نهانا، ويجعلنا من ناشري أنواره، والفائزين باتباع آثاره، والمكرمين بمرافقته وجواره، في لطف وعافية.

 

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

08 ذو القِعدة 1446

تاريخ النشر الميلادي

05 مايو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام