كشف الغمة 316- كتاب الزكاة (24) التحذير من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة 316- كتاب الزكاة (24) فصل في التحذير من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

صباح الأربعاء 1 ذو الحجة 1446هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  • حكم أخذ المال إذا لم تطب نفس المعطي
  •  كلما طابت نفس المعطي كانت صدقته أعظم أجرا
  •  الحذر من التشوّف لأموال الناس
  •  شرط الايجاب والقبول في العقود المالية
  •  حكم الكتابة والإشارة لاعتبار رضا البيع
  •  الأبواب التي تعتبر فيها الإشارة
  •  الإشارة للأخرس مثل نطقه
  •  هل سكوت البكر إذن لتزويجها؟
  •  المأخوذ بالحياء حكمه كالمغصوب
  •  الأخذ من غير حاجة وفقر
  •  أخذ الزوجة مال زوجها للتصدق أو طعام البيت
  •  الأجر للزوجين في صدقة الطعام
  •  سؤال أسماء للنبي عن التصدق
  •  أهمية معرفة رضا الزوج للصدقة والأجر لهما
  •  حكم أكل الضب

 

نص الدرس مكتوب:

فصل في التحذير من أخذ ما دفع

من غير طيب نفس المعطي 

"كان رسول الله ﷺ يقول: "إنما أنا خازن فمن أعطيته عن طيب نفس فمباركٌ له فيه، ومن أعطيته عن مسألة وشَرَهٍ لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع"، وكان ﷺ يقول: "إذا دخل عليكم السائل بغير إذن فلا تطعموهْ"، وكان ﷺ يقول: "لا تلحفوا في المسألة فإنه من يستخرج مِنَّا بها شيئاً لم يبارك له فيه"، ومعنى لا تلحفوا لا تلحوا، وكان ﷺ يقول: "إن الرجل ليأتيني فيسألني فأعطيه فينطلق وما يحمل في حضنه إلا النار"، وكان جابر -رضي الله عنه-: يقول ما سئل رسول الله ﷺ شيئاً قط فقال لا والله سبحانه وتعالى أعلم". 

فصل في ترغيب المرأة في الصدقة

 من مال زوجها إذا أذن

كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا أنفقت المرأة"، وفي رواية: "تصدقت من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً"، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "لا يحل للمرأة أن تصدق من بيت زوجها إلا من قوتها والأجر بينهما، ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه فإن أذن لها فالأجر بينهما فإن فعلت من غير إذنه فالأجر له والإثم عليها"؛ وقالت أسماء -رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله مالي مال إلا ما أدخل علي الزبير أفأتصدق؟ قال: تصدقي ولا توعي فيوعى عليك"، وكان ﷺ يقول: "لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذنه فقيل يا رسول الله ولا الطعام قال: ذاك أفضل أموالنا"، وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: أهدي لنا ضب فسألت عنه رسول الله ﷺ فنهاني عن أكله فجاء السائل فأمرت له به فنهاني عن ذلك وقال: أتطعمينَ ما لا تأكلين، والله أعلم".

اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

الحمد لله مكرمِنا بشريعته وبيانها على لسان عبده وصفوته، وخيرته من بريَّته سيدنا محمد صلى الله وسلَّم وبارك وكرَّم في كل لمحةٍ ونفَسٍ أبدًا عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله، خيرة الرحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

ويواصل الشيخ -عليه رحمة الله- ذكر الأبواب المتعلِّقة بالمال وأخذه وأحوال من يقبِضه وكيف يقبضه، ومتى يكون ذلك حلالًا له، ومتى يكون حرامًا عليه؟. 

فذكر التحذير من أخذ ما دُفع من غير طيب نفسِ المعطي، إذا انتفت طيبُ نفسِ المعطي بالعطاء فهو حرام على من يأخذه.

  • قال ﷺ:" إنما البيعُ عن تراضٍ". 
  • وقال ﷺ: "وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ"، كما أخرجه الإمام أحمد والطبراني في الكبير وغيرهم.
  • "لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ". جاء أيضاً عند أبي يعلى وغيره من أئمة الحديث.

فتبين أنه لا يكون الأخذ من مال الغير حلالًا إلا ما كان عن طيب نفسٍ من باذله ومعطيه.

 

على أن المتصدق والمهدي كلما كانت نفسه أطيبَ كان ثوابه أكبرَ وأرحبَ، سواء في ذلك ما فُرض من الزكاة وغيرها، كلما طابت نفس المعطي كان أوفرَ لأجره وأعظمَ لبرِّه، وكان في ضمن ما يُدَّخر له  وما يذخر له من الخير. 

فأثنى الله تعالى على الرعيلِ الأولِ وسادتِنا الأنصارِ، وقال: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ﴾ [الحشر:9] ، فيعطون عن طيبةِ أنفسهم؛ ومع ذلك فقد تورّع المهاجرون وأخذوا بمقدار الحاجة، ثم كان ما كان منهم من المكافأة على المعروف أو الجميل فيمن تمكن من ذلك واستطاع.

 

يقول: "كان رسول الله ﷺ يقول: "إنما أنا خازن فمن أعطيته عن طيب نفس فمبارك له فيه، ومن أعطيته عن مسألة وشَرَهٍ لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع"، وهكذا يُحذِّر من تشوّف النفس إلى زهرة الحياة الدنيا وإلى ما في أيدي الناس، وأن ذلك له نتائج سيئة على الإنسان في نفسه وفي قوته وفي صحته وفي حياته وبعد موته كذلك.

ومن هنا قالوا: إنما يحلُّ أموال الناس بينهم البين بالرضا.

وإن اختلف الأئمة في التعبير عن الرضا بما يكون:

  • ومن هنا أوجب الشافعية وكثير من أهل الفقه، الإيجاب والقبول فيما يتعلق بالبيع والشراء والقراض؛ وما إلى ذلك من العقود التي تتم بالإيجاب والقبول.
  • وهكذا يقول الحنفية: إن الرضا شرطٌ لصحة العقود التي تقبل الفسخ، العقود المالية من بيعٍ وإجارة، قال تعالى: (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[النساء:29]، فلا تصح إلا مع التراضي.
  • وهكذا يقول جمهور الفقهاء: يكون التعبيرُ عن الرضا إما بالتصريح، لأن الرضا أصل وأساس وشرط للعقود، فهو لا يحل تبادل الأموال إلا ما كان عن رضًا وطيب نفس، هذا هو الأصل فيها.

 

ثم هل الكتابة دليل وعلامة يكفي كمثل الخطاب في دلالته على الرضا؟

  • فهكذا يقول أيضًا: ما كان من كتابةٍ تدل على الرضا فهي معتبرةٌ عند المالكية والحنابلة والشافعية كذلك.
  • واعتمد الشافعية أن إنشاء العقود لا يكون بالكتابة وحدها، وإنما ذلك كناية، إنما يكون مع التلفظ. 
  • واعتبر الحنفيةُ الكتابةَ كالخطاب.

 

وكذلك ما كان من الإشارة: 

  • خصوصًا من العاجز عن النطق كالأخرسِ، فإشارتُه بالرضا تدل على ذلك.
  • وأما بالنسبة للناطق فيقول الحنفية والشافعية والحنابلة: لا تُعتبر إشارتُه إلا بالنطق. 
  • ويقول المالكية: الإشارةُ كاللفظ في غير النكاح.
  • وقال أيضًا الشافعية وغيرهم: 
    • إن الإشارة قد تُعتبر في الإذن بدخول الدار ونحوه، إذا أشار بيده.
    • وكذلك في الإفتاء، إذا سأل المفتي فأشار له برأسه: أن نعم أو لا. 
    • وفي الأمان، إذا أمَّن المسلمُ الكافرَ، فالإشارة في هذه الأبواب معتبرةٌ عند الشافعية، في الإذن والإفتاء والأمان. 

       إشارةُ الناطق تُعتبر في **الإذن والإفتاء أمانٍ ذكروا 

 

وكما أن الإشارةُ بالنسبة للأخرس مثل نطقه -فيعتبر نطق-؛ ولكن مع ذلك، إذا أشار في صلاته لا تبطل صلاته إذا لم تكن الحركات متوالية.

ويقول: كما أنه جاء في الحديث بالنسبة لأخذ إذن الولي، خصوصًا غير الأب والجد، من المرأة لتزويجها، فجاء في الحديث: "وَأَنَّ سُكُوتَ الْبِكْرِ وَصَمْتَهَا إِذْنُهَا" إذا صمتت وسكتت دلّ على إذنها، ولهذا قال الفقهاء: ما لم تكن قرينةٌ تدل على عدم الرضا، فلا يكفي السكوت، وإذنُها صماتُها، فإذا لم يظهر منها قرينةٌ تدل على عدم الرضا؛ مِن مِثل بكاء كثير أو تغيُّر وجهٍ وظهور كراهية، فإذا لم يُصحب بذلك شيءٌ، فلأجل رعاية الحياء اكتُفِيَ من البكر بسكوتها وصمتها.

 

فما أُخذ من مالٍ بحياءٍ من غير طيبِ نفس منه، فهو كما يُؤخذ بالسيف والقوة والعنف في حكمه في التحريم والحساب عليه عند الله -تبارك وتعالى-، فالأخذ بسيف الحياء كالأخذ بالسيف.

فإذن، المأخوذ بالحياء حكمُه حكمُ المغصوب، وهكذا صرح الشافعية والحنابلة.

 

"وكان ﷺ يقول: "إذا دخل عليكم السائل بغير إذن فلا تطعموه"، وكان ﷺ يقول: "لا تلحفوا في المسألة فإنه من يستخرج مِنَّا بها شيئاً لم يبارك له فيه"، ومعنى لا تلحفوا لا تلحوا، وكان ﷺ يقول: "إن الرجل ليأتيني فيسألني فأعطيه فينطلق وما يحمل في حضنه إلا النار"، لكونه سأل عن غير حاجةٍ أو غير ضرورةٍ، لتشوف وشرَهِ النفسِ إلى أخذ المتاع.

 

"وكان جابر -رضي الله عنه-: يقول ما سئل رسول الله ﷺ شيئاً قط فقال لا، والله سبحانه وتعالى أعلم"، وقال: "إِنَّهُمْ يَأْبَوْا إِلَّا أَنْ يَسْأَلُونِي، وَيَأْبَى اللَّهُ لِي الْبُخْلَ"،وقال: في الحديث: "وَالَّذِي لَا يَسْأَلُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ الَّذِي يَسْأَلُ"، هذا محمول  العموم والإطلاق، أما في حالات الضرورة وما إلى ذلك، فالسؤال قد يكون مندوبًا، وقد يكون واجبًا للمضطر أو لأجل المضطر.

 

ثم تكلم عن الزوجةِ تُخرجُ من مال زوجها إذا أذن في الصدقة ويشتركون في الثواب.

 "يقول: "إذا أنفقت المرأة"، وفي رواية: "تصدقت من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً"

المفسدة

  •  تأخذ بالإجحاف بما لا يتناول رضا زوجها.
  • أو تُؤثر به من تُعطيه لأجل غرضٍ من الأغراض أو مصلحةٍ من المصالح لغير وجه الله -تبارك وتعالى-، فتكون بذلك مفسدة.

وما كان لوجه الله -جلّ جلاله-، وأخذ بالمعروف والتقدير المقبول، فيشتركون في الأجر؛ ولكن يتضاعف الأجر إن صرح لها بالإذن فأخرجته، فيتضاعف الأجر لهما.

 

"وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "لا يحل للمرأة أن تصدق من بيت زوجها إلا من قوتها والأجر بينهما، ولا يحل لها أن تصدق من مال زوجها إلا بإذنه فإن أذن لها فالأجر بينهما فإن فعلت من غير إذنه فالأجر له  والإثم عليها". ما دام تعلم عدم إذنه، والمال ماله يعني، أما ما اختص بها وكان في ملكها، فالحكم لها، ولا شيء على زوجها.

 

"وقالت أسماء -رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله مالي مال إلا ما أدخل علي الزبير -زوجها الزبير بن العوام- فقالت مالي مجال أكتسب فيه، لا دخل علي  إلا مال الزبير، أفأتصدق؟ قال: تصدقي ولا توعي فيوعى عليك".

بما يُعلم من فرح الزبير بذلك، وبما يُعلم من طبيعة الزبير وصفته أنه يفرح بأن تتصدق زوجتُه بالمعروف، فلهذا قال: "تصدقي ولا توعي فيوعى عليك"، و في لفظ: "فَلَا تُوكي فَيُوكَى اللَّهُ عَلَيْكِ"، وفي لفظ: "لَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ"، والمعنى أن الجزاء من جنس العمل، فمن وسَّع وُسِّع عليه، ومن ضيَّق ضُيِّق عليه.

 

"وكان ﷺ يقول: "لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذنه فقيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذاك أفضل أموالنا"". ففيه الحرج مما لا تعلم فيه رضا زوجها، وفيه أيضًا لهم ثواب إذا أنفقت مقدارًا تعلم أنه يرضى بمثل ذلك، أما إذا أذن لها وصرح، فيتضاعف الأجر له ولها.

 

"وكانت عائشة -رضي الله عنها- تقول: أهدي لنا ضب فسألت عنه رسول الله ﷺ فنهاني عن أكله فجاء السائل فأمرت له به فنهاني عن ذلك وقال: أتطعمين مالا تأكلين"

والمعتمد أنه يجوز إطعام الغير، وأن الضب حلالٌ في الشرع، وكان  ﷺ عافَه من جهة الطبيعة، وقال: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُ نَفْسِي تَعَافُهُ"، فكان في مجلسٍ وُقُدِّم فيه طعام، فلما سُئل عن اللحم قالوا له: إنه لحم ضبٍّ، فأمسك عنه ، وقيل: أحرامٌ هو؟ قال: "لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُ نَفْسِي تَعَافُهُ". فتناوله  سيدنا خالدُ بن الوليدِ وأكل أمامه ، فقرر جوازَ أكل لحم الضبِّ.

 

وما أحسنَ سؤالَ الحقِّ -جلّ جلاله، تعالى في عُلاه-، وإن زال الحجابُ أُجيبَ البابُ، وما أحسنَ طيبَ نفسِ الإنسان، ويفتح الله تعالى للصادق والمخلص أبوابًا من التيسير، ويفتح له أيضًا قلوبَ من جُعل حاجتُه إليهم، والأمر دائرٌ على ما يدور في الضمير، فيطَّلع عليه العليم الخبير -جلّ جلاله، تعالى في عُلاه-.

 

رزقنا الله الاستقامة، وأعاذنا من موجبات الندامة، وأثبتنا في ديوان أهل الصدِقِ معه من خواصِّ مَن كرَّمه ورفعه، وأعاذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، واجعل هوانا تبعًا لما جاء به نبيُّنا محمد ﷺ ظاهرٍ ومن باطنٍ.

 

 

بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ

 إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ 

الْفَاتِحَة

تاريخ النشر الهجري

01 ذو الحِجّة 1446

تاريخ النشر الميلادي

28 مايو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام