كشف الغمة -127- كتاب الصلاة (19) أحكام المساجد وآدابها

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (19) أحكام المساجد وآدابها

 صباح السبت 8 رجب 1445هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  مقاصد المساجد
  •  اعتناء النبي ﷺ باستعمال العمائم في المسجد
  •  الحضور للمسجد بأي حال وتعظيم السنة
  •  المراد بتوسعة المساجد
  •  كثرة المساجد وسط الديار
  •  بيوت المسلمين حصون لدين الله
  •  سبب النور في البيوت
  •  استحباب ستر الرأس في الصلاة
  •  ثواب بناء مسجد ولو كمفحص قطاة
  •  تحويل الكنائس إلى مساجد
  •  حكم الصلاة في معابد الكفار
  •  استقباله ﷺ للمشركين في المسجد
  •  من أعظم البيوت: قلوب المؤمنين المخلصين

نص الدرس مكتوب:

باب أحكام المساجد، وآدابها وكنسها وتبخيرها واتخاذ المصابيح فيها وغير ذلك.

 قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "ائتوا المساجد حسرًا ومعصبين فإن العمائم تيجان العرب"، وكان ﷺ يقول: "وسعوا مسجدكم تملؤوه"، وكان ﷺ يقول: "ابنوا مساجدكم جمًا يعني: بلا شراريف وابنوا مدائنكم مشرفة"، وكان ﷺ يقول: "ابنوا المساجد في الدور والقبائل"، وكان ﷺ يقول: "من بنى لله تعالى مسجدًا يذكر الله فيه ولو كمفحص قطاة لبيضها، بنى الله له بيتًا في الجنة من در وياقوت".

وكان ﷺ يأمر ببناء المسجد في متعبدات الكفار وقبورهم إذا نبشت، ويقول: "اجعلوها حيث كانت طواغيتهم" وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يصلون في بِيَعِ اليهود إلا ما فيه تماثيل"، وكان ﷺ: "إذا جاءه وفد فأسلموا يقول لهم: إذا رجعتم إلى أرضكم فاكسروا بيعكم. يعني: اهدموها وانضحوا مكانها بالماء واتخذوها مسجدًا"، وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: وكان موضع مسجد رسول الله ﷺ بالمدينة قبور للمشركين وخرب ونخل، فأمر النبي ﷺ بقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت وبالنخل فقطع، فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضائده الحجارة، وقال: "اجعلوه كعريش موسى -عليه السلام- ثمام وخشيبات، فقيل لابن عمر: ما عريش موسى؟ فقال: يعني تصل الأيدي إلى سقفه. وكان ﷺ ينزل المشركين المسجد إذا وفدوا عليه ليكون ذلك أرق لقلوبهم، فقيل: يا رسول الله أتنزلهم المسجد وهم مشركون؟ فقال: "إن الأرض لا تنجس بهم وإنما ينجس ابن آدم وكان ﷺ يأمر بالاقتصاد في بناء المسجد".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن

 

الحمد لله الذي أكرمنا بشريعته وبيانها على لسان صفوته خير بريته عبده المصطفى سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى أهل ولائه ومتابعته وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين صفوة الرّحمن في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

عقد الشيخ -عليه رحمة الله- هذا الباب في: أحكام المساجد وآدابها وكنسها وتبخيرها واتخاذ المصابيح فيها وغير ذلك؛ وذلك أن المساجد أعلام صلاتٍ  بالحق تبارك وتعالى، ومواطن هدىً وتعليمٍ وإرشادٍ وذكرٍ وتلاوةٍ للقرآن، وجمعٍ للمسلمين وانطلاقٍ لواجباتهم ومهماتهم في الأسر وفي المجتمع وفي الأمة فيما يتعلق بالدين، وما يتعلق بالمعاش وما يتعلق بالمعاد؛ فالمسجد محطُ التعليم والتوجيه والتنبيه والتذكير، وفتح باب المواصلة مع العلي الكبير -سبحانه وتعالى- حتى قال قائلهم: وفي المساجد سر ما جلست بها إلا تعجبت ممن يسكن الدورَ. وأن المؤمن في المسجد كالطائر في البستان: يمرح ويفرح ويطمئن ويستقر ويتنقل من شجرة إلى شجرة، وإن المنافق في المسجد كمثل طائرٍ خرج من قفصه فبقيت رجلاه معلقتان وهو منتظر انطلاق الرجلين فهكذا حال المنافق في المسجد. 

وقد اعتنى نبينا ﷺ ببناء المسجد أول ما وصل إلى المدينة المنورة؛ لأنه مركز أداء هذه الرسالة والتبليغ والتعليم والإرشاد، وذكر لنا أحاديثَ منها ما جاء  عن "أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "ائتوا المساجد حسرًا ومعصبين.." يعني: بغير عمائم وبالعمائم "فإن العمائم تيجان العرب"، وهكذا أرشد إلى تعظيم المساجد والإتيان إليها بكل قادر على ذلك ومن استطاع أن يتمم زينته للمسجد باستعمال العمامة والرداء ونحو ذلك، فقد قال ربنا: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف:31]، أي: لكل صلاةٍ تريدون أن تصلوها، وأفضل صلوات الفرائض للرجال في المساجد، ومن صعبت عليه كما كان حالُ كثير من الصحابة فليحضر وهو حاسر ولو كان حاسر فلا عذر له في ترك الجماعة ولا في ترك الجمعة، فإذا وجد من فضل الله عليه فليعتمَّ وليخرج معتمًّا إلى المسجد؛ وفيه اعتناء النبي ﷺ بالعمائم، وقد جاء في عددٍ من الأحاديث وإرشاده أمته إلى استعمالها؛ حتى جاء عنه "فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس" … العمائم على القلانس، القلنسوة: التي تحت العمامة وأن الذي يقولون لها: كوفية وطاقية وغير ذلك من الأسماء هذه القلنسوة  فجمع بين القلنسوة والعمامة كان وصف المؤمنين والمسلمين، وعامة المشركين ما بين حاسر الرأس وما بين قلنسوة بلا عمامة وما بين عمامة بلا قلنسوة، ولكن المومنون امتازوا باستعمال القلانس والعمائم على القلانس. 

ويقول: "ائتوا -هذه- المساجد" يعني: ترددوا عليها واحضروها في أوقات الصلوات خاصة وفي غيرها من الأوقات "حُسَّرًا" أي: كاشفي الرؤوس من غير وجود العمامة، "ومعصبين" ساترين رؤوسكم بالعمايم، والمُعَصّّب: المُتوج، يُقال للتاج والعمامة: عصابة والعصابة، يعني "ائتوا المساجد.." كيف ما أمكن بنحو قلنسوة أو عمامة أو كيف ما كنتم لا تنقطعوا عن المساجد، ثم حثَّ على العمائم بقوله: "فإن العمائم تيجان المسلمين" يعني: مجاز على التشبيه كتيجان الملوك وفي رواية: "من سيما المسلمين" أي: من علامتهم؛ كما أن التاج سيما للملوك، وهكذا ينبغي أن تعظَّمَ السنة ويُعرف قدرها، ويتضاعف الأجر لمن صلى برداء أكثر ممَّن يصلي بلا رداء، ولمن صلى بعمامة أكثر ممن يصلي بلا عمامة، لمن يصلي بطيب وعطر أكثر يتضاعف الأجر أكثر ممَّن يصلي بغير طيب ومن دون أن يمس العطر قبل الصلاة، فهذا من جملة المضاعفات، كما تتضاعف بالجماعة، وكما تتضاعف بالسواك الصلاة، فكذلك تتضاعف بالقميص، وتتضاعف بالجبة، وتتضاعف بالرداء، وتتضاعف بالعمامة، كما جاء ذلك في رواياتٍ حررها الشيخ ابن حجر المكي -عليه رحمة الله تعالى- في كتيب مستقل سمَّاه: (درُّ الغمامة في لبس القميص والجبة والرداء والطيلسان والعمامة) وذلك أنه قال: إنه لما مر في شرحِه لكتاب المنهاج للإمام النووي في كتاب اللباس وجد أحاديث كثيرة تتعلق بالرداء والعمامة والإزار والجبة و الطيلسان والعذبة وما إلى ذلك، قال: ما يسع الشرح نطرحه فيه فأفردتها بالتالي؛ فكتب رسالة خاصة جمع فيها ما وقف عليه من الأحاديث في هذا. وبذلك جاءت بعد ذلك روايات كثيرة.

قال: "ائتوا المساجد حسرًا ومعصبين فإن العمائم تيجان العرب"، وكان ﷺ يقول: "وسعوا مسجدكم تملؤوه"، "وسعوا مسجدكم تملؤوه" يعني: اعملوا على توسعة المساجد وتكبيرها  فإنه كلما وسعتم في المساجد توسع العدد في الذين يلحقون من أولادكم، ويصلون في المساجد أو من يدخلون الإسلام فيأتون إلى المساجد، وكلما توسع المسجد هيأ الله امتلاءه بالوافدين إليه؛ فينبغي أن تكون همم المسلمين واسعة، وفيما يتعلق بالمساجد المشرفة (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ…)[النور:36] : تُميز على غيرها وتخصص بالإكرام والتبجيل، (...أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ… ) يعملون على سعتها. 

يقول: "ابنوا مساجدكم جُمًّا…" أي: مُجممة بلا شُرَف، "ابنوا مساجدكم جمًا يعني: بلا شراريف وابنوا مدائنكم مشرفة" أو مشرَّفة يعني: اجعلوا لمساكنها شُرَّافات أو اجعلوا لسورها ذلك، أو اجعلوها مرتفعة ارتفاعًا حسنًا مقتصدًا محكمًا؛ تحصينًا لها من العدو، والمساجد تكون جُم؛ حتى لا تتشوف العيون ولا تشتغل بما يكون في خارج المسجد ويكون المسجد؛ ولذا نجد المساجد القديمة عندنا ما فيها نوافذ ولا فيها في داخلها في المكان الذي يعتادون الصلاة فيه، إنما يكون المشرف ما يسمونه الضاحي ونحو ما إلى ذلك والداخل، تأمّل المساجد القديمة عندما تدخلها ما تجد فيها نافذة ولا تجد فيها شُرَّافة وسط داخل المسجد وهكذا. يقولون: أنهم لما بنوا مسجد بني أحمد هذا المسجد بني علوي راعوا فيه كيفية المسجد في قباء لما بُني في عهده ﷺ فأقاموه على الشكل نفسه؛ وعلى الترتيب الذي بُني عليه مسجد قباء، وتدخل وسطه ولا نافذة ولا باب وماشي كل الأبواب من وراء من خلف من الشرق والنوافذ ما في شيء. فـ"ابنوا مساجدكم جمًا…" والمدائن مُشرَّفة يعني: لها شُرفات أو لسورها أو مشرفة يعني: مرتفعة؛ تحصينًا من العدو عند الحاجة لذلك. فالمسجد بيت الصلاة وموضع السجود والجُمع، فبيوت الله تعالى في الأرض المساجد نسبها الحق إليه؛ تعظيمًا… تعظيمًا لهذه المساجد والأماكن التي يُعبَد فيها الملك الواحد سبحانه وتعالى .

 قال: "ابنوا مساجدكم جمًا يعني: بلا شراريف وابنوا مدائنكم مشرفة"، وكان ﷺ يقول: "ابنوا المساجد في الدُّورِ والقبائل"، يعني: يَسِّروا أمر العبادة ووسِّعوا شأن المساجد؛ حتى تُوجَد لكم في دياركم وبين منازلكم وبين كل قبيلة؛ يَظهَر الشِّعار بوجود المسجد، وتتيسر العبادة، وبذا وجدت صلحاء الأمة كَثُرَت مساجدهم في مواطنهم وأماكنهم، وما نرى في سابق القرون عندنا، وكذلك في كثير من بلاد الإسلام، ما من دارٍ لأحد كبيرة واسعة إلا وفيها مسجد، وفيها مصلى وسط الدُّور، فما تخلو عامة الديار السابقة الكبيرة كلها من وجود مصلّيَّات فيها، وبعضها إلى عهد قريب كُنَّا نشهدها فيها الآبار وأماكن الوضوء من الجوابي ومسجد، في كل الديار الكبيرة السابقة القديمة كان موجود يوجد وسطها، ولذا بلغ عدد المساجد إلى ثلاثمائة وستين في قرون سابقة وسط الحد، بل قال الحبيب أحمد المحضار: أنه أحصى مساجد أربعمائة في تريم وما حواليها، ويقول:

جملة مساجد تريم أربعمائة *** يا فهيم أحصيتها بالعدود

 فكانوا يعتنون بالمساجد؛ امتثالا لأمر سيد الساجدين ﷺ، "ابنوا المساجد في الدور والقبائل" يعني: خلّوها متوفرة لكم تعتكفون فيها، وكانت العوائل يجتمعون هناك، عامة الرجال في أكثر الفرائض يخرجون إلى المساجد العامة، والمساجد التي وسط البيوت تجتمع فيها العوائل، ويُقيمون فيها ما بين المغرب العشاء ويقومون آخر الليل فيها.. وما إلى ذلك، وكان هكذا الحال، والآن صارت البيوت ما يخلو كل بيت من تلفاز وجوالات وكبتات.. وأشياء! والمساجد خَلَت! وكانت البيوت ما تخلو من مثل المصليات وما تخلو من المصاحف، وما تخلو من كتب أهل الخير، والآن عبّوا البيوت تعبئة أخرى ثانية غير التعبئة القويمة النبوية الكريمة الدينية! وإلا بيوت المسلمين محل نظر الله تعالى لمن قام بحقِّه فيها، ومحل تطبيق الشرع المصون؛ فبيوت المسلمين حصون لدين الله وشرعه إذا قامت على وجهها، وإذا قامت على الأصل الذي دعا إليه صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله. 

ولذا أمر الصحابة أن لا يُخلِوا بيوتهم من الصلوات والعبادات، وقال: "لا تجعلوا بيوتكم قبورا" وأمرهم بعمارتها، فكذلك عُمِرَت، وقال لهم: "البيت الذي يُقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض". لمَّا بنى الإمام عبدالله بن عمر بن يحيى بيته في قرية المَسِيلة، وبدأ يسكن فيه، قال له خاله الحبيب عبدالله بن حسين: البارحة رأيت بيوت المَسِيلة فيها ارتفاع لكن بيتك رأيته مرتفع فوق البيوت، والغرفة التي أنت فيها هذه فوق البيت مرتفعة، ما الذي صَلَّحت في البيت؟ قال له: ما علّمتمونا من التحرّي في الحِلْ والتورّع والنيات في بناء البيوت والمقاصد اللي علمتونا إيّاها قمنا بها، ثم إني عندما بنيت البيت ما تركت غرفة إلا قرأت فيها ختمة من قيام في الصلاة، ولا درجة من الدرجات إلا وقرأت فيها ختمة من قيام في الصلاة، أمّا الغرفة اللي أنا فيها قد ختمت عدد من الختمات، قال: هذا مصداق قول رسول الله: "البيت الذي يُقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض" وهذا سبب رؤيتي لارتفاع بيتك فوق البيوت حق المسيلة وغرفتك فوقه من فوق؛ لِمَا قرأت فيها من كلام الله -جل جلاله وتعالى في علاه-.

وكان بعض الصالحين يقول لولده: يا ولدي احذر أن تعصي الله بعدي في هذه الغرفة؛ فقد ختمت فيها سبع آلاف ختمة وسط الغرفة هذه، فاحذر أن تجعلها محل غفلة ومحل معصية من بعدي. فهكذا كانت بيوتهم عليهم الرضوان، حتى قال بعض المفسرين في قوله: (فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ..) هي بيوت المؤمنين ليست خصوص المساجد (..أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ*رِجَالࣱ..) [النور:36]، قال ﷺ: "ابنوا المساجد في الدور والقبائل".

ستر الرأس في الصلاة للرجل:

  • اتفق الفقهاء على استحباب ستر الرأس في الصلاة للرجل، بعمامة أو ما في معناها؛ لأنه كذلك كان يصلي ﷺ. 
  • قال الحنفية وكذلك الشافعية: بكراهة صلاة الرجل حاسر رأسه تكاسلا، وإنما لاحظ بعض الحنفية قال: إذا كان ذلك من غلبة التذلل على صاحبه؛ فأمره واسع، وأما تكاسلًا فمكروه أن يصلي مكشوف الرأس وكذلك يقول الشافعية، 
  • يقول ابن حجر: قضية مذهبنا أن الطواف مكشوف الرأس يُكره كالصلاة مكشوف الرأس، وهذا لغير المحرم كذلك ما يطوف إلا مستور الرأس كما يصلي مستور الرأس.

"وكان ﷺ يقول: "من بنى لله تعالى مسجدًا يُذكر الله فيه ولو كمِفْحَص قَطَاة لبيضها،…" يعني: العُش حق اليمامة. القطاة: نوع من الطير يقولون له: اليمامة، العُشْ حقها اللي تَفْحَص فيه وتضع بيضها فيه، قال مَن بنى مسجد مقدار هذا "...بنى الله له بيتًا في الجنة من دُرٍّ وياقوت". وكيف يَقَع مسجد مثل مفحص قطاة؟ يعني: إذا مساهمته في المسجد ما بتقيم المسجد إلا مقدار هذا المفحص .. وذا وذا ، وبعدين مع مجموعهم قام مسجد، وإلا مفحص قطاة ما بيصلح مسجد لأحد، مَن بيصلي في مقدار عش اليمامة! ولكن المقصود: أنه لو كان مساهمته في المسجد ما تُقيم من المسجد إلا مقدار هذا؛ تدخل.. له بيت في الجنة مقابل هذا، يعطيه الله سبحانه وتعالى؛ لمحبة الله أن تُبنى المساجد في الأرض.

قال: "من بنى لله تعالى مسجدًا يذكر الله فيه ولو كمفحص قطاة لبيضها، بنى الله له بيتًا في الجنة من دُرٍّ وياقوت".  المفحص القطاة -العش- عُشْ القطاة القطاة هذه اليمامة نوع من الطير.

وكان ﷺ يأمر ببناء المسجد في مُتعَبَّدات الكفار وقبورهم إذا نُبِشَت، ويقول: "اجعلوها حيث كانت طواغيتهم" يعني: حوِّلوها إلى صلاة وخير، وبحمد الله في وقتنا كثير من الكنائس في كثير من دول أوروبا وغيرها تتحول إلى مساجد، واحدة بعد الثانية واحدة بعد الثانية، يخرج منها الكفر والشرك وترجع محل عبادة وصلاة؛ وذلك أنهم عندهم أموال كثيرة ينفقونها وقلة ديانة، عامة شبابهم وناشئتهم ما عاد يحضرون؛ فتبقى مهجورة فيرجعون يبيعونها، فيأخذها المسلمون ويحولونها إلى مسجد ويُعبَدُ الله تعالى فيه، اللهم صلِّ عليه وعلى آله..

"وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يُصلون في بِيَعِ اليهود إلا ما فيه تماثيل"، وكان ﷺ: "إذا جاءه وفد فأسلموا يقول لهم: إذا رجعتم إلى أرضكم فاكسروا بيعكم. يعني: اهدموها وانضحوا مكانها بالماء واتخذوها مسجدًا"، حوِّلوها إلى مسجد، وابن عباس كَرِه الصلاة في الكنيسة إذا كان فيها تصاوير، ويقول بكر: كتبتُ إلى عمر من نجران: لم يجدوا مكانا أنظف ولا أجود من بيعة؟ فكتب: انضحوها بماء وسدر وصلوا فيها، فيما جاء فيه رواية ابن أبي شيبة. وكذلك مسجده الشريف كان حائطه فيه بعض قبور لبعض مَن كان على الشرك، فأمر بها فنُبِشَت وسوَّى المكان وبنى مسجده الكريم ﷺ.

الصلاة في الكنائس:

  • وكثير من أهل الفقه يقولون: تُكره الصلاة في معابد الكفار إذا دخلها مُختارا، أمَّا إن دخلها لحاجة أو ضرورة أو لدعوة فلا كراهة. 
  • حتى يقول بعض المالكية: بإعادة الصلاة في الوقت إذا نزلها، أي: دخلها هذه الكنائس باختياره وصلّى على أرضها أو فراشها-.
  • قال الحنابلة: تجوز الصلاة في الكنائس وغيرها من دون كراهة، على ما هو الصحيح في مذهب الإمام أحمد.
  • يقول الحنفية: لا يُمنع المسلم أن يصلي في الكنيسة؛ لأنه ليس فيه تهاون بالمسلمين ولا استخفاف بهم. 
  • وهكذا يقول أيضا الشافعية: أنه إن يكون دخول كنائس أهل الذمة بإذنهم، وإذا كانت ثمَّة تصاوير ونحوها فكرهوا ذلك أكثر فقهاء الشريعة المطهرة.

يقول: "وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: وكان موضع مسجد رسول الله ﷺ بالمدينة قبور للمشركين وخرب ونخل، فأمر النبي ﷺ بقبور المشركين فنُبِشَت وبالخرب فسُوّيت وبالنخل فقُطِعَ، فصفّوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضائده الحجارة،.." وذلك أنَّ ذلك النخل صار لا يُثمر، صار غير مُثمِر، فأمرهم بقطعه والاستفادة من جذوعه ".. وجعلوا عضائده الحجارة، وقال: "اجعلوه كعريش موسى -عليه السلام- ثمام وخُشيبات، فقيل لابن عمر: ما عريش موسى؟ فقال: يعني تصل الأيدي إلى سقفه.". صلوات ربي وسلامه عليه..

وقال له بعض الصحابة: لو رفعنا سقف المسجد يا رسول الله؟ قال: الأمر أعجل من ذلك. "وكان ﷺ يُنزل المشركين المسجد إذا وفدوا عليه ليكون ذلك أرق لقلوبهم، فقيل: يا رسول الله أتنزلهم المسجد وهم مشركون؟ فقال: "إن الأرض لا تنجس بهم وإنما ينجس ابن آدم"  يعني: بالكفر والشرك "وكان ﷺ يأمر بالاقتصاد في بناء المسجد".

 

وجاءه مرة بعض النصارى وقابلوه في المسجد وحضر وقت صلاتهم، وكلموه، كلموا النبي ﷺ قالوا ذا الحين هذا وقتنا؟ قال لهم: اذهبوا إلى شرق المسجد هناك في الناحية روحوا اقضوا صلاتكم هناك وارجعوا.. فأمرهم أن ينتحوا ناحية في المسجد ﷺ.. فكان في سعة خلقه وكريم معاملته بهذا الحال. ودخل إلى مسجده الشريف كثير من النصارى واليهود ومن المنافقين والمشركين يخاطبونه ويكلمونه فكان ﷺ يخاطبهم ويكلمهم، و (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) [النور:35]. وقد أمر بحبس ثُمَامة ابن أثال قبل إسلامه، فجلس ثلاث أيام في المسجد مربوط بسارية، يأتون له بأكله ويطلقونه وقت حاجته، ثم دخل الإيمان في قلبه فآمن، ومن شاهد ذاك المسجد وما يجري فيه، ومن يصلي فيه، ومن يقوم فيه؛ كيف ما بيتأثر ويدخل النور إلى قلبه! اللهم صلِّ عليه وعلى آله..

"إن الأرض لا تنجس بهم وإنما ينجس ابن آدم" يعني: بالكفر والشرك والمعصية؛ ابن آدم ينجس ما هو الأرض، رواه عبدالرزاق وابن ابي شيبة والبَيْهَقِي. "وكان ﷺ يأمر بالاقتصاد في بناء المسجد".

 رزقنا الله حُسن متابعته، ونوَّر قلوبنا.

 

ومن أعظم البيوت التي توجد ولها نسبة إلى الرحمن تشريفاً على ظهر الأرض: قلوب المؤمنين، قلوب المؤمنين.. هذه البيوت الرحمانية إذا صَفَت، وصدَقَت، وحلَّ فيها أنوار الإيمان واليقين، والحضور مع الرحمن؛ فهذه البيوت الخطيرة وسط الأرض، البيوت الشريفة الكبيرة؛ قلوب الصادقين المخلصين من المؤمنين.

 

ولمَّا سافر بعضهم إلى الحرمين كتب له الإمام الحداد وصيَّة أوصاه فيها بتعظيم بيت الله -تبارك وتعالى- والحرمين الشريفين فيها ثم قال له: وَاعْلَمَ أن لِلَّهِ فِي بَاطِنِكَ بَيْتَا -وهو القلب- قال: وقد أمر إبراهيم: علمك، وإسماعيل: عقلك ؛ أَن يُطَهِّرَاه؛ كما أمر الله إبراهيم وإسماعيل:  (أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) [البقرة:125]، قال: وإنت أمرك الله تنتبه من البيت اللي وسطك هذا حقه؛ تُطهّره بإبراهيم: علمك، وإسماعيل: عقلك، ليس عقلك وعلمك فقط؛ وتُطَهِّر هذا البيت من: الوساوس، والغفلات، والالتفات إلى ما سوى الله؛ حتى يَتهيَّأ لنزول الرُّوحانيين من الملائكة والمُلهِمين الخير (لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)،(أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) فالله يُطَهِّر قلوبنا، ويجعلها محط لتنَزُّلات أنواره ومعارفه ولطائفه، واليقين التام، إنه أكرم الأكرمين.

 

اللهم اجعل مستقر اليقين التام قلوبنا ومستقر أربابه ديارنا، اللهم اجعل مستقر المعرفة بالله قلوبنا، ومستقر أربابها ديارنا، اللهم اجعل مستقر الورع الحاجز قلوبنا، ومستقر أربابه ديارنا، في خير ولطف وعافية.. 

 

بسرّ الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

11 رَجب 1445

تاريخ النشر الميلادي

21 يناير 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام