كشف الغمة 323- كتاب الزكاة (31) فصل في النهي عن البخل على الأقارب، وصدقة الكافر
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كشف الغمة 323- كتاب الزكاة (31) فصل في النهي عن البخل على الأقارب
صباح الأحد 19 ذو الحجة 1446هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:
- النهي عن البخل على صدقة الأقارب
- فضل رحمة اليتيم
- التكافل الاجتماعي بين الجيران والأقارب
- خطورة ترك الأقارب المحتاجين
- الصدقة على ذي الرحم صدقة وصِلة
- فضل الصدقة على القريب الأشد عداوة
- ترتيب الأفضلية في صدقة الأقارب
- حكم الصدقة على الغني
- حُرمة طلب الغني الصدقة
- حكم الزكاة على كافر
- هل يجازى الكافر على إحسانه؟
- أحكام صدقة التطوع للكافر
- حكم التصدق على الكافر الحربي
نص الدرس مكتوب:
فصل في النهي عن أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون
"وكان رسول الله ﷺ يقول: "والذي بعثني بالحق لا يعذب الله يوم القيامة من رحم اليتيم وألان له في الكلام ولم يطاول على جاره بفضل ما آتاه الله تعالى"، وكان ﷺ يقول: "أفضل الصدقة ما تصدق به على مملوك عند مالك سوء"، وكان ﷺ يقول: "والذي بعثني بالحق لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صدقته ويصرفها إلى غيرهم والذي نفسي بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة"، وكان ﷺ يقول: "لا يسأل رجل مولاه من فضل هو عنده فيمنعه إياه إلا دعي له يوم القيامة فضله الذي منعه شجاعاً أقرع" والأقرع هو الذي ذهب شعر رأسه من كثرة السم، وكان ﷺ يقول: "أيما رجل أتاه ابن عمه يسأله فضله فمنعه منعه الله فضله يوم القيامة".
فصل في صدقة الكافر وعلى الكافر
كان رسول الله ﷺ يقول: "ما أحسن محسن من مسلم ولا كافر إلا أثابه الله تعالى فقيل له ما إثابة الكافر يا رسول الله؟ فقال: إذا وصل رحماً أو تصدق أوعمل حسنة أثابه الله تعالى في الدنيا المال والولد والصحة وأشباه ذلك، فقيل: وما إثابته في الآخرة يا رسول الله؟ قال: عذاباً دون العذاب، ثم قرأ رسول الله ﷺ (أَدْخِلُوا الَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر: 46]، وكان ﷺ يقول لأصحابه: "لا تصدقوا إلا على أهل دينكم ثم أمرهم بالصدقة على المشركين"، وقال: "تصدقوا على أهل الأوثان"، وأعطى ﷺ المشركين من الصدقات مراراً، والله سبحانه وتعالى أعلم".
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ الذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وأهل بيته الذين حُبُوا به طُهراً، وعلى أصحابه الذين رُفعوا به قدراً، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان وسار بمسيرهم سراً وجهراً، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمته إنه أرحم الراحمين.
وبعدُ،
ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله- في هذه الأبواب ما يتعلّق بالنهي عن البخل عن الأقارب، أو أن يتعداهم بالصدقة، وما يتعلّق أيضاً من الصدقة على الكافر وأنه يثاب عليها المؤمن.
وقال: "وكان رسول الله ﷺ يقول: "والذي بعثني بالحق لا يعذب الله يوم القيامة من رحم اليتيم وألانَ له في الكلام ولم يطاول على جاره بفضل ما آتاه الله تعالى"، فبيّن أيضاً في هذا الحديث فضل رحمة اليتيم، وأن الذي تحقّق بالرحمة على اليتيم وحلَّت رحمة اليتيم في قلبه، لا يعرضه الله تعالى للنار، "لا يعذب الله يوم القيامة من رحم اليتيم". ففي رحمة اليتامى؛ ثم عموم ذوي المسكنة والفقر والحاجة والشدة والضعف لها مكانة عند الله -تعالى- ومنزلة رفيعة.
يقول: "وألان له في الكلام ولم يُطاول على جاره"، يعني: يتطاول ويتجاوز جاره، يعني: يتجاوز جاره "بفضل ما آتاه الله تعالى" من مال أو حكمة أو عقل أو خُلُق، أو أي شيء، يترك جاره وهو يعلم به، كما جاءنا في الحديث: "والله لا يؤمن من بات شبعاناً وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم به"، لا إله إلا الله. ففيه وجوب هذا التكافل الاجتماعي على ما يسمونه، وأن يعود صاحب الفضل على غيره، كما قال ﷺ -وهو في بعض غزواته مع الصحابة-: "من كان له فضل زاد فليعد بزاده على أخيه، ومن كان له فضل ظهر فليعد بظهره على أخيه" وهكذا هذه الشؤون، بل المخلصون الصادقون من الأمّة لا يرون في كل ما ساق الله إليهم من شؤون الدنيا أو متاعها، أو من العلوم والعمل بعد ذلك، كل ما آتاهم من شؤون الدنيا ومتاعها لا يرون أنفسهم إلا وكلاء الحق وهو المالك، يرقبون أين محل رضاه ونظره، فينفقون ذلك في ما يرتضيه، فلا يعدّون أنفسهم إلا وكلاء للمالك، والمالك هو جل جلاله، وأنهم يتوخون ويتطلّبون رضا المالك، أين ينفقون ما وكلهم فيه لعباده سبحانه وتعالى؟
ولسان حالهم يقول ما ذكر الحق عنهم في القرآن: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان:8-12].
قال: وكان ﷺ يقول: "أفضل الصدقة ما تُصُدَّق به على مملوك عند مالكِ سوءٍ"، مالكِ سوءٍ يضيق عليهم ولا يعطيه نفقة كاملة، فيكون في حاجة، فالصدقة على مثل هذا الذي لا يستطيع التوصل إلى المال لأنه في ملك سيده تكون أعظم عند الله -سبحانه وتعالى-، والقياس كل من كان عاجزاً عن الكسب، ومحصوراً في شأنه، فالانتباه منه والتصدّق عليه أفضل وأجل وأعظم. "أفضل صدقة" يعني: من أفضل الصدقة "ما تُصدّق به على مملوك"، أما آدمي من الأرقاء، أو شيء من الحيوانات أيضاً كذلك الأخرى، أو من كل معصوم. يقول: "عند مالك سوءٍ"، لأنه يصير مضطراً تحت قهر غيره.
والصدقة على المضطر أضعاف مضاعفة؛ لأن المتصدَّق عليهم ثلاثة:
- فقير مستغني عن الصدقة في ذلك الوقت.
- وفقير محتاج مضطر.
- والصدقة على المستغني عنها وهو في حد الفقر صدقة، والصدقة على المحتاج مضاعفة، وعلى المضطر أضعاف مضاعفة.
فالمملوك عند مالك سوء فيه ثلاث حالات: فقير ومحتاج ومضطر، فصارت الصدقة عليه أفضل؛ لأنه يكون فقيراً، ويكون محتاجاً لبخل صاحبه عليه، هذا مالكه، لأنه مالك سوء. وسوء المَلكة مما يحجب الله صاحبه يوم القيامة عنه، سيء الملكة إذا مَلَك شيء يسيء إليه، ما يقوم بحقه.
قال: وهو أيضًا مسكين مضطر لأنه ما يجد سبيل لأن يكتسب، وهو مملوك مأسور، أو حيوان مسكين فقير.
قال: "والذي بعثني بالحق لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صدقته ويصرفها إلى غيرهم والذي نفسي بيده لا ينظر الله إليه يوم القيامة" -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، هكذا جاءنا في رواية الطبراني في الأوسط.
فلا يجوز أن يترك القرابة أو الجيران، وهو يعلم بحاجتهم، ويذهب بصدقته إلى أبعد منهم، وكذلك فالتصدّق على الأقرباء والأزواج من صدقة التطوع أفضل من غيرهم، ولو كانوا ممن تجب نفقته على المتصدق، يقول كما روى أبو مسعود عنه ﷺ: "إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة" -كما جاء في صحيح البخاري-. ويقول ﷺ: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة"، -رواه الإمام الترمذي وحسنه-، الصدقة على المسكين صدقة، والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة.
قال: فينبغي أن يدفع الصدقة للقريب الأقرب فالأقرب رحماً، فدفعها إليهم أفضل من دفعها لغير القريب، أو قريب غير أقرب. فجاء في الصحيحين أيضًا أن امرأتين جاءتا إلى رسول الله ﷺ، قالتا لبلال: سل لنا رسول الله هل يجزئ أن نتصدق على أزواجنا ويتامى في حجورنا؟ فكلّم سيدنا بلال النبي ﷺ يقول له: امرأتان تسألان، يقولان كذا. قال: "نعم، لهما أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة" هكذا.
وكذلك يقول أهل العلم:
- هي في الأقرب فالأقرب.
- وهي في الأشد منهم عداوةً أفضل، مثل الصدقة على ذي الرحم الكاشح، هذا أفضل من قرابتك ورحمك وهو ما يحترمك يؤذيك، الصدقة عليه أفضل؛ لأنها أرغم للنفس، فتكون أقرب للقدس؛ وليتألف قلبه أيضاً ويخلصه مما هو فيه من الورطة، وفيه بعد عن الرياء، وفيه كسر للنفس وهكذا.
- ثم في الأقرب -الرحم غير المحرم- مثل: أولاد العم والخال،
- ثم في الأقرب فالأقرب رضاعاً.
- ثم مصاهرةً.
- ثم الأقرب فالأقرب جواراً، هذا هو (... وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ…) [النساء:38]، قُدِّم الجار الأجنبي على قريب بعيد عن دار المتصدّق، بحيث يكون في موضع آخر غير البلد لا تنقل إليه الزكاة، هكذا.
فالأصل أن الصدقة تعطى للفقراء المحتاجين، هذا هو الأفضل، فقال تعالى: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) [البلد:14-16]. ولكن تحلّ للغني صدقة التطوع؛ تحل للغني الذي تحرم عليه الزكاة، فحكمها حكم الهبة تصح للغني والفقير.
قال: والتصدق أيضاً على الغني كما يقول السرخسي: قربة يستحق بها الثواب، قال: وقد يكون غنياً يملك النصاب وله عيال كثير، لأن الغني عند الحنفية من يملك قدر النصاب، لكن قد يكون له عيال كثير. قال: ولكن بالنسبة له الآخذ إذا كان غني ومستغني، وجاء ما جاء إليه على سبيل الصدقة، فالمستحب له التنزّه عن ذلك، كما يُكره له التعرض لأخذها. قال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا) [البقرة:273]، فهذا المستغني عنها يكره له أخذها وإن لم يتعرّض لها، وأما إن أظهر أنه محتاج، فحرام عليه أخذها وهو غير محتاج، كما يحرم عليه أن يسأل، "من سأل الناس أموالهم تكثراً، فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو يستكثر". هكذا جاء في رواية الإمام مسلم عنه ﷺ.
وبعض أهل الفقه جعل أنه إنما يحرم أن يطلبها من الزكاة، وأما الصدقة المستحبة، فإن كان غني فيجوز له أن يسألها، لكن من دون أن يُلبِّس أنه فقير.
وكان ﷺ يقول: "لا يسأل رجل مولاه من فضل هو عنده فيمنعه إياه إلا دعي له يوم القيامة فضله الذي منعه شجاعاً أقرع" والأقرع هو الذي ذهب شعر رأسه من كثرة السم، وكان ﷺ يقول: "أيما رجل أتاه ابن عمه يسأله فضله فمنعه منعه الله فضله يوم القيامة".
وكان ﷺ يقول: "لا يسأل رجل مولاه من فضل هو عنده"، يعني: مالك له، مولاه، يعني: رجل مملوك يسأل مولاه المالك له من فضل، "من فضل مال هو عنده"، يعني: فاضلاً عن حاجته، "فيمنعه إياه من غير عذر "إلا دُعِيَ له" -أي: دُعِيَ إلى طلبه- "يوم القيامة فضله الذي منعه"، فيتحول ذلك إلى صورة "شجاع" والمراد به: الحية الذكر الذي يواثب الراجل والفارس، ويقوم على ذَنَبِه وربما يبلغ الفارس، هذا معنى الشجاع. وقيل: إن المراد بشجاع ما ذكره الشيخ، قيل: حية أقرع، الذي ذهب شعر رأسه من كثرة السم، فلسعته لسعة، "فضله الذي منعه شجاعاً أقرع"، يتحول، يقول: فيلسعه في يوم القيامة، الذي ذهب شعر رأسه من كثرة السم.
"وكان ﷺ يقول: "أيما رجل أتاه ابن عمه يسأله من فضله فمنعه، منعه الله فضله يوم القيامة". -والعياذ بالله تعالى-.
يقول: فضل الصدقة والإحسان ولو إلى كافر، لأن في كل كبد رطبة أجر.
فأما إذا كان يُتألف للإسلام، فهذا حتى في أقوال بعض أهل الفقه من الزكاة يجوز أن يعطى إذا يُرجى إسلامه، وبعضهم خصّصوا بأن يكون ذا نفوذ في قومه ومكانة، وأما إذا أسلم فعلاً ولكن لا تزال نيته ضعيفة فيُعطى من الزكاة. ويقول: "ما أحسن محسن من مسلم ولا كافر إلا أثابه الله تعالى، قالوا: يا رسول الله، ما إثابة الكافر؟ قال: إذا وصل رحما أو تصدق وعمل حسنة أثابه الله في الدنيا المال والولد والصحة وأشباه ذلك. قالوا: فما إثابته في الآخرة؟ قال: في الآخرة لا يُثاب ثواب المتصدق، ولكن يكون عذاباً دون العذاب. وقرأ قوله تعالى: (...أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر:46]. فمعناه: في عذاب الشديد وأشد، فالذي يكون من الكفار كثير الصدقة والنفع للناس يكون في العذاب الشديد، ليس في الأشد، والذي مع كفره أيضاً يبخل أو يؤذي الناس؛ يتعرض لأشد العذاب.
ثم يقول أهل العلم: أنه تجوز الصدقة تطوع على الكافر. يقول الحنابلة -كما هو المشهور عند الشافعية، وكذلك المنقول عن محمد من الحنفية-: يجوز دفع صدقة التطوع للكفار، سواء كانوا أهل ذمة أو مستأمنين وغير ذلك. (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان:8]. والأسير ليس مسلم، كيف نطعم أسير؟ ما بقي أسير إلا وهو كافر. وإلّا نأسر المسلمين!؟ كيف نأسر المسلمين؟ (مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرً)، لقوله ﷺ فيما جاء في الصحيحين: "في كل كبد رطبة أجر"، وتقول سيدتنا أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- للنبي ﷺ: إن أمي قدمت عليَّ -أي: المدينة- وهي مشركة -في أيام صلح الحديبية جاء كثير من المشركين إلى المدينة- قالت: قدمت عليَّ وهي مشركة، فاستفتيت رسول الله ﷺ، قلتُ: إن أمي قدمت وهي راغبة -أي: راغبة عن الإسلام لا تريد أن تسلم- أفأصل أمي؟ قال: "نعم، صِلي أمكِ" رواه البخاري.
يقول: وكان ﷺ يقول لأصحابه: "لا تصدقوا إلا على أهل دينكم"، ثم أمرهم بالصدقة على المشركين وقال: "تصدقوا على أهل الأوثان"، وأعطى ﷺ المشركين من الصدقات مراراً، وفيهم الذي يرجى إسلامه، وأما الكافر الحربي فلا يجوز التصدّق عليه، ما دام يقاتل المسلمين ويحاربهم، وهكذا بَيَّن لنا، وتقدّم معنا في الزكاة أنه ما يجوز إعطاء الكفار ولو كانوا أهل ذمة، حتى نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، "فإن الله افترضها صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"، يعني: المسلمين.
ويقول الإمام النووي: أجمع العلماء أنه لا ثواب للكافر في الآخرة فيما عمل من أعمال بر في الدنيا، يعني الثواب الذي يُعطاه المؤمن من النعيم، من غير شك ما يصله، إنما يُطعم في الدنيا بما عمله من الحسنات. وقال ﷺ: "إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة، يُعطى بها في الدنيا ويُجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يُجزى بها"، فالثواب مخصوص بالمؤمنين، "والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا".
فالله يرزقنا حقيقة الإيمان والمحبة فيه، ويصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين ممن يرتضيه، وقرّبنا إليه زلفى، وأدخلنا في دوائر أهل الوفاء والنقاء والصفاء، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين من عباده وأهل وداده، وفرِّج كروب المسلمين وحوِّل أحوالهم إلى أحسن الأحوال.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
22 ذو الحِجّة 1446