(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (11) فضل الأذان
صباح الأحد 24 جمادى الآخرة 1445هـ
"وكان علي -رضي الله عنه- يقول: المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة، وكان ﷺ يأمر الرعاة أن يؤذنوا لأنفسهم وفي غنمهم وباديتهم ولو لم يكن هناك أحد من الناس.
وقال ﷺ لمالك بن صعصعة -رضي الله عنه-: "إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالأذان، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن إلا شهد له يوم القيامة". وكان ﷺ يقول: "للإمام والمؤذن من الأجر مثل أجر من صلى معهما". وكان ﷺ يقول: "أول الناس دخولاً الجنة الأنبياء، ثم الشهداء، ثم مؤذنو الكعبة، ثم مؤذنو بيت المقدس، ثم مؤذنو مسجدي هذا، ثم سائر المؤذنين على قدر أعمالهم".
وكان ﷺ يقول: "لو يعلم الناس ما في التأذين لتضاربوا عليه بالسيوف". وكان ﷺ يقول: "يغفر للمؤذن مدى صوته". وكان ﷺ يقول: "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة" .
وكان ﷺ يقول: "لو أقسمت لبررت، إن أحب عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر" يعني المؤذنين.
وفي رواية: "إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم لذكر الله عز وجل وسيأتي على الناس زمان يكون سفلتهم مؤذنوهم"، وكان مجاهد -رضي الله عنه- يقول: المؤذنون احتساباً بالله لا يدودون في قبورهم؟، وكان ﷺ يقول: "إذا أُذِّنَ في قرية آمنها الله من عذابه ذلك اليوم" ، وكان ﷺ يقول: "من أذن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة، وبكل إقامة ثلاثون حسنة".
وكان ﷺ يقول: "من أذن سنة محتسباً قيل له يوم القيامة اشفع لمن شئت". وكان ﷺ يقول: "من أذن سبع سنين محتسباً كتب الله له براءة من النار". وكان ﷺ يقول: "إذا شرع المؤذن في الأذان وضع الرب يده على رأسه فلا يزال كذلك حتى يفرغ من الأذان"، وكان ﷺ يقول: "ابتدروا الأذان ولا تبتدروا الإمامة".
وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: لحوم المؤذنين محرمة على النار، وإن أهل السماء لا يسمعون من أهل الأرض إلا الأذان. وكان ﷺ يقول: "إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء وهي على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة"، ولما قدم عمر -رضي الله عنه- أذن أبو محذورة فسمع عمر صوته فدعاه، فقال: ما أشد صوتك أما خفت أن ينشق مريطاؤك؟ فقال: إنما شددت صوتي لقدومك يا أمير المؤمنين" .
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده وحبيبه وصفوته، سيدنا محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى أهل محبته ومتابعته ومودته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين رقّاهم الرحمن في الفضل أعلى ذروته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ -رحمة الله تعالى عليه- ما ورد فيما يتعلّق بالآذان والإقامة، ويذكر قال: كان سيدنا علي -رضي الله تعالى عنه- يقول: "المؤذن أملك بالآذان، والإمام أملك بالإقامة"، وذلك في حُسنِ التدبير في الشريعة الغراء للأمور، وأن تنتظم انتظاما يدفع عن أهلها التذبذب والقلق والفوضى، فيُرتّب كل شيء بترتيبه، فمن اختير للآذان -بأن لا يختاروا إلا الأمين الفقيه العارف- فهو أحق بالآذان في وقت دخول وقته وترتيبه والقيام به، ثم الإقامة للصلاة ينبغي أن لا يتصرف فيها من نفسه، ولا يقدمها ولا يؤخرها؛ ولكن بنظر الإمام، فالمعيّن إمامًا لتلك الجماعة ولأولئك الناس ينبغي أن يكون فقيهًا عارفًا فلا ينبغي إذًا أن يقطع من دونه شيء ولا يفتاتوا عليه في تقديم ولا تأخير؛ ولكن يجعلون الأمر بنظره.
قال: كان علي يقول: "المؤذن أملك بالآذان والإمام أملك بالإقامة"، وهكذا جاء في رواية الترمذي وعبد الرزاق بن أبي شيبة، وقال سفيان: "يقول الإمام للمؤذن تأخر حتى توضأ وأصلي ركعتين" أي بمعنى: أن له النظر في وقت الإقامة، وكان مجيء سيدنا بلال -عليه رضوان الله- إلى الحجرة الشريفة؛ لأجل أن يقيم الصلاة بمثابة الاستئذان لإقامة الصلاة من الإمام، فيُشعره النبي ﷺ أنه حضر الوقت، فيأخذ منه الإذن، فيذهب فيقيم الصلاة ويخرج ﷺ.
إذًا وقت الإقامة بنظر الإمام، والآذان بنظر المؤذن، هكذا يقول الشيخ باعشن في شرح بشرى الكريم: وقت الإقامة بنظر الإمام والآذان بنظر المؤذن، وذلك لخبر: "المؤذن أملك بالآذان والإمام أملك بالإقامة"، ورأيت أن ما نقله عن سيدنا علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-.
وكذلك يقول الحنابلة: وقت الإقامة إلى الإمام فلا يقيم المؤذن الصلاة إلا بإذنه، ووقت الآذان راجع إلى المؤذن هو الذي ينظر فيه ويتحرى أداءه في وقته المناسب، فإذا دخل الوقت أذن؛ ثم لا يقيم حتى يحضر الإمام، وهكذا ما جاء في الصحيح أيضًا من أنه يقول سيدنا عمر: "يا رسول الله نامت الصبية ونامت النساء"، يعني ائذن لبلال في الإقامة، يقيم لنا الصلاة؟ ﷺ.
" يقول: المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة. وكان ﷺ يأمر الرعاة أن يؤذنوا لأنفسهم وفي غنمهم وباديتهم ولو لم يكن هناك أحد من الناس.." إشارة إلى ما اختلف فيه، هل الأذان لمن ينتظر جماعة يأتون ويصلون معه؟ وإذا أراد أن يصلي وحده سواءًا كان في البادية، أو كان في بيته، فهل يؤذن أو لا يؤذن؟
والذي عليه المعتمد بالمذهب أنه يؤذن، ولو كان وحده يصلي، ولو كان في برية أو صحراء؛ بل ذلك أدعى لحضور العدد الأكبر معه من الملائكة والروحانيين، والأرض لا تخلو من جان مسلمين مؤمنين ومن أرواح طاهرة، فإذا أُذِّنَ وأُقيم حضروا الصلاة مع المؤذن المقيم، وفي الحديث أن الذي يصلي في الصحراء بآذان وإقامة يصلي خلفه أمثال الجبال من الملائكة، والملائكة لا يُحصون، وإن صلى من دون الآذان بإقامة صلى معه ملكاه رقيب وعتيد يصلون معه؛ ولكن إذا أذن وأقام يأتي كثير من الملائكة ويصلون، وفي رواية صفان من الملائكة، فينبغي الآذان كما أورد في هذا الحديث. وقال لبعضهم: "إنِّي أراكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والبادِيَةَ، فإذا كُنْتَ في غَنَمِكَ وبادِيَتِكَ، فأذَّنْتَ بالصَّلاةِ، فارْفَعْ صَوْتَكَ بالنِّداءِ".
"وقال ﷺ لمالك بن صعصعة -رضي الله عنه-: "إذا كنت في غنمك أو باديتك.." والحديث عند الإمام البخاري والنسائي وأحمد في المسند. وقال ﷺ لمالك بن صعصعة -رضي الله عنه-: "إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالأذان، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن -وفي رواية- ولا شيء -وفي رواية- ولا شجر ولا حجر- إلا شهد له يوم القيامة"، وفيه أيضا حكمة أخرى من غير توفر المصلين معه أنه يُغفر له مدى صوته، يعني: لو كانت عنده الذنوب تملئ من مكانه إلى منتهى صوته من كل جانب؛ لغُفرت بسبب الآذان. "يغفر للمؤذن مدى صوته"، وكذلك يشهد له من يسمعه من الإنس والجن والجمادات والحيوانات تشهد له يوم القيامة، "إلا شهد له يوم القيامة".
وكان ﷺ يقول: "للإمام والمؤذن من الأجر مثل أجر من صلى معهما" لهما سببية في جمع الناس وإقامة الجماعة، ومن تسبّب في شيء كان له من الأجر مثل أجور من وصلهم بسببه في ذلك الخير، مثل أجورهم يصله.
وكان ﷺ يقول: "أول الناس دخولاً الجنة الأنبياء، ثم الشهداء، ثم مؤذنو الكعبة، ثم مؤذنو بيت المقدس، ثم مؤذنو مسجدي هذا، ثم سائر المؤذنين على قدر أعمالهم"، جاء في عدة روايات يقوي بعضها بعض بعدة ألفاظ، وفيها مكانة المؤذنين وذكرهم بعد الأنبياء والشهداء في دخول الجنة، قال: "ومؤذنو الكعبة" أي: المؤذنون في المسجد الحرام، "ومؤذنو بيت المقدس، ومؤذنو مسجده ﷺ، ثم -بقية المؤذنين- سائر المؤذنين على قدر أعمالهم" الظاهرة والباطنة، في نياتهم ووجهاتهم وآدابهم مع الرحمن -جل جلاله وتعالى في علاه-.
وكان ﷺ يقول: "لو يعلم الناس ما في التأذين لتضاربوا عليه بالسيوف" أي: لازدحموا حرصًا على ما علموا من فضله؛ حتى لا يخلصوا أحدهم إلى الآذان إلا بمضاربة الآخرين، -وفي رواية- "لاستهموا عليه بالقرعة" ولكن الله تعالى خبأ هذا الثواب العظيم، وأخبر عنه الصادق الحكيم ﷺ، فوجب أن تنتهض عزائم المؤمن لكسب هذا الثواب العظيم.
ولا بد في الآذان من رفع الصوت بحيث يسمع من حواليه؛ ليحصل السماع المقصود للآذان؛ حتى من أذّن لنفسه فينبغي أن يرفع صوته بحيث يسمعه من حواليه، وجاء أيضا في الحديث قوله ﷺ لأبي سعيد الخدري: "إنِّي أراكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والبادِيَةَ، فإذا كُنْتَ في غَنَمِكَ وبادِيَتِكَ، فأذَّنْتَ بالصَّلاةِ، فارْفَعْ صَوْتَكَ بالنِّداءِ، فإنَّه لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ جِنٌّ ولا إنْسٌ ولا شيءٌ إلَّا شَهِدَ له يَومَ القِيامَةِ ".
ويقول المالكية: إن رفع الصوت بالآذان سنة، كذلك هو الراجح عند الحنفية. قال ﷺ لعبد الله بن زيد: "علّمه بلال - وهو القائل به- فإنه أندى وأمدّ صوتًا منك" فلا يتكلّف فوق طاقته، وأهل أزمنتنا قد جاء لهم الله بالمكبرات، تنقل أصواتهم إلى مسافات بعيدة، حيث لو كلّف نفسه بصوته ما بيصل ولا عُشر المكان، ثم يسّر لهم النقل عبر هذه الذبذبات إلى مشارق الأرض ومغاربها؛ فضلا من الله عليهم، علم أن ذنوبنا تكثر في آخر الزمان، فيسّر لنا أسباب المغفرة ووسعها، له الحمد وله المنة -جل جلاله-، فيمكن أن يؤذن في مكان وعبر هذا مكبر الصوت يصل صوته إلى محل بعيد في البلد، وعبر الإذاعة والإنترنت يصل إلى الشرق وللغرب، فغنيمة للمؤذنين في آخر الزمان.
ولأجل امتداد الصوت استحبوا ارتفاع المؤذن في مكان مرتفع، وقد كان يخرج سيدنا بلال إلى الزوراء، مكان مرتفع في المدينة ويؤذن منه، ولكن مع وجود هذه الآلات الآن عندنا، والمكبرات الصوتية ما عاد يحتاج يرتفع من مكانه، من محله يؤذن ويصل صوته، صوته يرتفع فوق المنارة وغيرها وهو قاعد تحت الأرض، "يغفر للمؤذن مدى صوته"
وكان ﷺ يقول: "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة"، والمعنى: تميّزهم من بين بقية الناس وتخصيصهم بشرف ومزيّة، وارتفاع أجسادهم على من حواليهم في الموقف؛ تبيّينا لهم وتوضيحًا لشأنهم وقدرهم؛ بل سيأتي معنى الحديث في من يؤذن محتسب، وكيف تسلم أجسادهم من الفتات، ومن أن تُدَود في الأرض ومن أن تأكلها الأرض، وما أعدّ الله لهم -سبحانه وتعالى- من الحسنات بالتأذين.
وكان ﷺ يقول : "لو أقسمت لبررت، إن أحب عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر"، يعني: المؤذنين،" يراعونها لدخول الأوقات فيؤذنون منها على حسبها، وفي رواية: "إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم لذكر الله عز وجل..، فهذا يدخل فيه المؤذنون وغيرهم من الذاكرين الله تعالى، الموزعين أوقاتهم على الذكر.
قال: "وسيأتي على الناس زمان يكون سفلتهم مؤذنوهم"، أي: يحتقرون الآذان ولا يحرصون عليه، ويولونه سفلتهم وسقطتهم؛ من قلة إيمانهم وضعف تعظيمهم لشعائر الله -جل جلاله-، وكان الأولى أن يُختار للآذان الأفقه والأوثق والأعقل والآمن، فهو الذي ينبغي أن يُختار للآذان لأنه شأن شريف وأمر عظيم وفيه دعوة إلى الله -تبارك وتعالى-، وإعلام للناس بوصول ساعة الملاقاة الخاصة؛ اللقاء بالحق -جل جلاله وتعالى في علاه-، ويترتب عليه أحكام فلهذا وجب أن نعرف قدر الآذان، وأن نختار له من خيارنا وكبرائنا، وانتقد ﷺ على هؤلاء في آخر الزمان إذا واحد أبله يقولوا خلوه -دعوه- يؤذن؛ كيف يخلوا يؤذن!؟ هو الآذان إلا قده -يحتاج واحد- هكذا!؟ الواجب أن تُسابق إليه وأن تُنازع عليه حتى ولو بالسهام ولو بالسيوف، فأنت تعطيه لمن لا يؤبَه له، ولمن ترى في نظرك أنه ليس بذي شخصية ولا بذي مقام، وهذا من ضعف الإيمان وقِلِّ معرفة قدر الآذان.
يقول: "وسيأتي على الناس زمان يكون سفلتهم مؤذنوهم"، وكان مجاهد -رضي الله عنه- يقول: المؤذنون احتساباً بالله لا يدودون في قبورهم؟" أي: لا يأكلهم الدود.
وكان ﷺ يقول: "إذا أُذِّنَ في قرية آمنها الله ذلك اليوم"، ولمّا كان بعضهم في بغداد من أهل الصلاة رأى ملكين يقول أحدهما للآخر: أتدري كم ارتفع هذا اليوم من هذه البلدة إلى الحق تعالى من المعصية الفلانية والمعصية الفلانية؟ فذكر عدد كبير هالَهُ، قال: فما قضى ربك؟ قال: ارتفع آذان كذا كذا مائة وألفين منارة رفعت الآذان فصرف العذاب عنهم بذلك، ودفع العذاب عنهم وشؤم الذنوب والمعاصي، لا إله إلا الله، الله يرزقنا الأدب معه والصدق والإخلاص لوجهه، ويبارك في أوقاتنا.
وهؤلاء يقول: "لا يُدودون في قبورهم"، "المؤذن المحتسب كالشهيد المتشحط في دمه إذا مات لم يُدود في قبره" هذا لفظ الطبراني، يقول: "المؤذن المحتسب كالشهيد المتشحط في دمه إذا مات لم يُدَوَّد في قبره، أو لم يُدَوِّد".
يقول: "من أذن ثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة، وبكل إقامة ثلاثون حسنة"، وكان ﷺ يقول: "من أذن سنة محتسباً قيل له يوم القيامة اشفع لمن شئت"، إذا واظب على الآذان في محل إقامة جماعة لمدة سنة، استمر الحبيب عبد الرحمن بن محمد المشهور -عليه رحمة الله- مفتي حضرموت في زمانه على الآذان في مسجد الشيخ علي بن أبي بكر؛ فلم ينقطع عن ذلك خمس وعشرين سنة، لم يفُتْهُ فرض في خلال السنوات لا في أيام صيف ولا شتاء، ولا أيام صحة ولا أيام مرض، أذّن الآذانات كلها في خمس وعشرين سنة، لا إله إلا الله، ولما بدأ يواظب في سنة العشاء على سورة السجدة وسورة تبارك -أي سورة الملك- فاستمر؛ فلم ينقطع خمسين سنة، هذا اجتهادهم وعملهم ديمة يثبتونه، وفازوا بذلك وحازوا قصب السبق -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- لا إله إلا الله.
وكان ﷺ يقول: "من أذن سنة محتسباً قيل له يوم القيامة اشفع لمن شئت"، وكان أيضًا لقوة علمه بالفلك وقوة فقهه ينتظر أهل البلد آذانه؛ فإذا أذّن أذنت المساجد من خلفه، وحتى كان ليلة في رمضان وإذا بمسجد الفقيه هذا في رمضان يأذن قبل ما يأذن عبدالرحمن المشهور، وانتقدوا عليه قالوا: منا رأيته يفتر!؟ هو الحبيب عبد الرحمن في المنارة، لما أراد الآذان تناول تمرة من أجل أن يعجل الفطر ثم بدأ في الأذان، هذا لما رآه تناول التمرة أذّن؛ لأنه من المنارة هذه كان يشاهده من المنارة الأخرى. لا إله إلا الله، وإلا عامة المؤذنين يفتهم تعجيل الفطر لهم، وخاصة إذا مطَّطْ في الآذان.
قال: وكان ﷺ يقول: "من أذن سبع سنين محتسباً كتب الله له براءة من النار" قال: أخرجه الترمذي وابن ماجة، وكان ﷺ يقول: "إذا شرع المؤذن في الأذان وضع الرب يده على رأسه فلا يزال كذلك حتى يفرغ من الأذان"، إشار إلى عناية الرحمن به ورعايته إياه؛ أي: محبته لما يفعل فينال من فضل الله تعالى ورأفته ورحمته وقربه ورعايته؛ ما عبر عنه بوضع اليد على الرأس. كما أن الناس في عالم حسهم إذا واحد فرح من أحد واعتنى به وضع يده على رأسه، ويقول إن الحق تعالى يحبّ هذا المؤذن ومن حين يبدأ في الآذان يتولاه برعاية خاصة وعناية؛ عبّر عنها بهذا التعبير.
وكان ﷺ يقول: "ابتدروا الأذان ولا تبتدروا الإمامة"، أي: تنافسوا على الآذان والتسارع إليه وتسابقوا إليه، أما الإمامة فلا تقدموا أنفسكم لها وانظروا أفقهكم وأعلمكم وأصلحكم قدّموه، ولا تنافس عليها، "ابتدروا الأذان ولا تبتدروا الإمامة"، قال: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف.
"وكان عمر -رضي الله عنه- يقول : لحوم المؤذنين محرمة على النار، وإن أهل السماء لا يسمعون من أهل الأرض إلا الأذان"، يعني: ما يصغون لشيء ويحبونه مثل الآذان، فأَحبّ ما يكون إليهم من أصوات أهل الأرض الآذان، "وكان ﷺ يقول : إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء.." يشرد من المدينة كلها، والروحاء قال: "وهي على ستة وثلاثين ميلاً من المدينة"، يفرّ إلى هناك من صوت الآذان، ولكن الحق -تبارك وتعالى- يخزيه، وكل محل يفرّ فيه يحصل الآذان يشرد منه، يشرد أين؟ في صحاري ولا جبال ما فيها أحد يهرب لها ويرجع بعدين للوسوسة للناس، دفع الله شره عنّا وعن أهلينا وأصحابنا وطلّابنا وأحبابنا والمسلمين.
"ولما قدم عمر رضي الله عنه أذن أبو محذورة.." ، أي: قدم إلى مكة وأبو محذورة من أهل مكة، وقد عيّنهُ النبي ﷺ للإمامة، وكان في البداية مع جماعة من صبيان أولاد المشركين، وقام بلال يؤذن فكانوا يقلدونه ويستهزؤون ويضحكون، سمع النبي ﷺ صوت حسن من بينهم، فدعاهم الصبيان، فسألهم: ما كنتم تقولون ورأيت واحد منكم رافع صوته، أشاروا إلى أبو محذورة، قال: أذّنوا واحد واحد، فأذّنوا، لما أذّن أبو محذورة دعاه وبعدين دخل نور الإيمان إلى قلبه، دخلت المحبة إلى قلبه، وضع يده على رأسه في ناصيته وقرأ عليه، فصار خلاص تغلغل الإيمان في قلبه، لما يحلق في حجة أو عمرة يقول: ذا الذي مسّه يد النبي ما أحد يقصه خلوه محله، فكان حتى كبر يطويه ويضعه على رأسه إلى أن مات، قال: مسّته يد النبي فخلوه معي يدخل قبري يكون شافعي، بعد ما كان بعيد قُرِّبٌ تقريب؛ فسبحان الذي بعث محمدا رحمة بالقريب والبعيد، والصغير والكبير ﷺ، فهو مصدر الرحمة ومنبعها، ناس جاءوا با يقتلونه قام يقرأ عليهم؛ ويتحول قلوبهم إلى أصفياء وإلى مقربين -با يقتلونه جاءوا با يقتلونه- وتعرضوا له ﷺ؛ وتحينوا لقتله، فدعا لهم بدل أن يدعوا عليهم، وصفّاهم من أدناسهم وأرجاسهم لا إله إلا الله، فما أعجب رحمته ﷺ.
أذّن أبو محذورة ورفع صوته ذاك اليوم زيادة، "فسمع عمر صوته فدعاه فقال: ما أشد صوتك أما خفت أن ينشق مريطاؤك؟ فقال: إنما شددت صوتي القدومك يا أمير المؤمنين"،هذا يوم مميز لمجيئك صلحنا زيادة في الآذان -رضي الله تعالى عنه-.
يقول: قال: ويحه ما أشّد صوته! أما يخاف أن ينشق مريطاؤك، قال: فأتاه يؤذنه بالصلاة، قال: ويحه ما أشدّ صوتك أما خفت أن ينشق مريطاؤك!؟ قال: إنما شددت صوتي لقدومك يا أمير المؤمنين، قال: إنك في بلدة حارة فأبرد على الناس -وقت الظهر- ثم أبرد -مرتين قالها- ثم أذّن، ثم أنزل فاركع ركعتين، ثم ثوّب آتيك، ثوّب لكل صلاة -وقت الصلاة- بيقوم معه، أمره في وقت الحرب في مكة أن ينتظر الناس حتى يحصل الظل ويأتون في وقت أخف عليهم الحضور للصلاة، تعلمه من رسول الله ﷺ، وإلا كان طبع سيدنا عمر القوة وغلظة؛ ولكن تعلّم اللطف والرحمة بالناس. لا إله إلا الله.
الله يملأنا بالإيمان واليقين، ويجعلنا في الهداة المهتدين، ومترقّين أعلى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، ويصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين، ويعجّل بتفريج كروب المسلمين، ويعمّ بظهور الآذان في بقية بقاع الأرض شرقها وغربها حتى يُسمع في كل بلد وفي كل قرية وفي كل حضر وفي كل بادية وفي كل مدينة، ويجعلنا الله -سبحانه وتعالى- من خواصّ أنصاره وأنصار رسوله ﷺ، الموفين بعهده وعهد رسوله ﷺ، الظافرين في الحشر في زمرته ﷺ، الفائزين بالحشر في زمرته ﷺ، وكريم مرافقته ﷺ في لطف وعافية، وأن يصلح شؤون أمّته، ويجعلنا في خيار أمّته، ويجعلنا في أنفع أمته لأمّته، وأبرك أمّته على أمّته، وينفعنا بأمّته عامّة وبخاصّتهم خاصّة.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
27 جمادى الآخر 1445