كشف الغمة- 293- كتاب الزكاة (01) أحكام الزكاة وفضائلها
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كشف الغمة 293- كتاب الزكاة (01) أحكام الزكاة بأنواعها
صباح الأحد 29 شوال 1446هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:
- بني الإسلام على خمس
- فرض الزكاة والحكمة منه
- ربط الزكاة بالصلوات الخمس
- اندفاع الآفات بسبب الزكاة
- قول ابن عمر: كل مال أُدِّيت زكاته فليس بكنز
- من المعتدي في الصدقة؟
- إطلاق الزكاة لغة وشرعا
- استحلال الغنيمة للنبي محمد ﷺ وتحريمها قبله
- حصِّنوا أموالكم بالزكاة
- قصة سكر عقيل
- تطهير الأموال بالزكاة
- عقاب ترك الزكاة
- أقوى أسباب منع المطر
- أحاديث في فضل الزكاة
- قول جعفر للنجاشي: يأمرنا بالصلاة والزكاة
نص الدرس مكتوب:
كتاب أحكام الزكاة بأنواعها
"قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ كثيرًا ما يقول : "بُنِيَ الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت"، وكان ﷺ يقول: "ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر إلا فتحت له أبواب الجنة، وقيل له ادخل بسلام"، وكان ﷺ يقول: " الزكاة قنطرة الإسلام"، وكان ﷺ يقول:"من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره"، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إنما نزلت آية الكنز قبل أن تفرض الزكاة فلما فرضت جعلها الله تعالى طهرة للأموال وما أبالي لو كان لي مثل أُحدٍ ذهبًا أعلم عدده وأزكيه وأعمل فيه بطاعة الله -عز وجل-، وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: كل مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين وكل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرًا على وجه الأرض.
وكان ﷺ يقول: "المعتدي في الصدقة كمانعها"، وكان ابن عمر يقول: ليس في مال العبد زكاة حتى يعتق كله، وفي رواية عنه: "زكاة مال العبد على مالكه"، وفي رواية أخرى: "في مال كل مسلم زكاة"، وكان قتادة -رضي الله عنه- يقول: أحِلِّ الكنز لمن كان قبلنا وحرم علينا، وحرَّمَت الغنيمة على من كان قبلنا وأحلت لنا، وكان ﷺ يقول: "حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة"، وكان ﷺ يقول: "إذا أديت الزكاة فقد أديت ما عليك"، وكان ﷺ يقول: "إن الله -عز وجل- لم يفرض الزكاة إلا ليُطَيِّبَ ما بقي من أموالكم وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم"، وكان ﷺ يقول: "ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مُثِّلَ له يوم القيامة شجاعاً أقرع حتى يُطوَّق به عنقه"، ثم يقرأ: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ ) [آل عمران:١٨٠] الآية.
وكان ﷺ يقول: "إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حسابًا شديدًا ويعذبهم عذابًا أليمًا".
وكان ﷺ يقول: "ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة"، وكان ﷺ يقول: "إن في المال لحقًا سوى الزكاة"، وكان ﷺ يقول: "ما خالطت الصدقة أو قال الزكاة مالًا إلا أفسدته ظهرت لهم الصلاة فقبلوها وخفيت لهم الزكاة فأكلوها أولئك هم المنافقون"، وكان ﷺ يقول: "ما منع قومٌ الزكاة إلا حبس عنهم القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا"، والأحاديث في الأمر بإخراجها وإثم مانعها كثيرة مشهورة، والله سبحانه وتعالى أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله على الشريعة الغراء وبيانها على لسان خير الورى، سيدنا محمّد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه، وعلى آله وصحبه ومن والاهم وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الرّاقين في الشرف والكرم والفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم طرًا، وعلى جميع الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد،
فيتكلم الشيخ عمّا يتعلق بالزكاة بأنواعها، وابتدأ يذكر وجوبها وفرضيتها، وهو أمر مجمع عليه. قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ كثيرًا ما يقول: "بُنِيَ الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت".
وجاء هذا في روايات عنه ﷺ يقول: "بُنِيَ الإسلام على خمس….". في بعضها كما ذكر وبعضها فيها تقديم حج البيت، وقال في لفظ: "بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان". هكذا الحديث أصله في الصحيحين، وعند جماعة من أهل السنّة، وهو أمر أيضاً معلوم من الدين بالضرورة.
وكان فرض الزكاة في السنة الثانية من الهجرة:
-
لتطهير النفوس من الشح والبخل.
-
ولنشر المودة والألفة.
-
ولإقامة البرهان على محبة الرب.
-
ولسداد حاجات هذه الأصناف الثمانية المذكورين في الكتاب العزيز، إلى غير ذلك من المنافع والفوائد والحكم العظيمة.
ففرضت زكاة المال وزكاة الفطرة في السنة الثانية من هجرته ﷺ، وجاءت فيها الآيات الكثيرة التي تربط إيتاء الزكاة بإقامة الصلاة.
وكان ﷺ يقول: "ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر إلا فتحت له أبواب الجنة، وقيل له ادخل بسلام"، هكذا جاءنا في الروايات عنه ﷺ عند النسائي وابن ماجة.
ويقول: وكان ﷺ يقول:"من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره"، أي: شر ذلك المال، فأنواع الآفات المترتبة على الأموال الظاهرة والباطنة تندفع بإخراج الزكاة، فإذا جاوز المفروض إلى الصدقة المندوبة، وأسرّ بها كان ذلك أجلّ وأجمل وأطهر وأزكى وأتقى، وأنقى وأبقى وأرقى.
-
"وصدقة السّر تطفئ غضب الربّ" -جل جلاله وتعالى في علاه-.
-
"وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة.
"من أدّى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره" أي: بقي له خيره.
يقول: "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إنما نزلت آية الكنز قبل أن تفرض الزكاة فلما فرضت جعلها الله تعالى طهرة للأموال وما أبالي لو كان لي مثل أُحدٍ ذهبًا أعلم عدده وأزكيهِ وأعمل فيه بطاعة الله -عز وجل-".
"وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: كل مال أديت زكاته فليس بكنز"، يعني: الكنز المنهي عنه هو الذي هدّد الله أصحابه بالنار إنما هو ما لا تُخرَجُ زكاته، (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ۖ هَٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34-35].
وفي نفس المعنى يقول: "عن ابن عمر: كل مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أراضين" لأن كنز الشيء عبارة عن تخبئته ودفنه، قال: ولو كان تحت في الأرض السابعة لكنه تُؤدى زكاته فليس بكنز، "وكل مال لا تؤدي زكاته فهو كنز -يعذب صاحبه- وإن كان ظاهرًا على وجه الأرض"، فليس المراد بالكنز دفن الشيء ولا تخبئته ولكن منع الواجب فيه من الفرض من الزكاة، وهكذا كلام ابن عمر -رضي الله عنه- .
يقول: وكان ﷺ يقول: "المعتدي في الصدقة كمانعها"، وهو الذي يترك الأحق أو المستحِق ويعطي غير المستحِق لغرضٍ من الأغراض، أو يمنع الزكاة للمحتاجين لها من الأصناف الثمانية بجنبه، فيذهب بها إلى مكان آخر فهو معتدي بالصدقة فكأنه منعها في الإثم -والعياذ بالله تعالى-.
والزكاة تطلق في اللغة:
-
على النّماء، وعلى الريع، وعلى الزيادة، وقال سيدنا علي: العلم يزكو بالإنفاق، يعني: يزيد.
-
ويطلق أيضًا: على الطهر والصلاح، (فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً) [الكهف:81]، أي: طهرًا وصلاحًا، (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ) [النور: 21]، يطهّر وينقّي ويصلح من يشاء، لا إله إلا هو.
والزكاة في الشرع:
-
عبارة عن اسم لما يخرج من مال مخصوص عن مالٍ أو عن بدن.
يقول: "وكان ابن عمر يقول: ليس في مال العبد زكاة حتى يعتق كله"، يعني: على المكاتب والمبعض، المكاتب المراد به: المكاتب ما دام عليه شيء من نجوم الكتابة فهو رقيق، ولا تلزمه الزكاة حتى يخلُص، قال: "زكاة مال العبد على مالكه"، وفي رواية أخرى: "في مال كل مسلم زكاة"
"وكان قتادة -رضي الله عنه- يقول: أُحِلِّ الكنز لمن كان قبلنا وحُرِّم علينا، وحُرِّمَت الغنيمة على من كان قبلنا وأحلت لنا"، هذا من الخصائص التي خُصّ بها نبينا، "وأحلت لي الغنائم"، وكان الجهاد مع الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- لا يجوز به استحلال شيء من أموال الكفار الذين قاتلوهم، وإنما كانوا يجمعون ما أخذوا منهم، فيضعونه في الصحراء، فتأتي النار وتأكله، ويكون علامة القبول لهم، إذا جمّعوا أموال الذين قاتلوهم من الكفار وضعوها، فتنزل السماء وتأخذ ذلك، وهكذا يكون علامة أن الله قَبِلهم.
ثم إنه ذكر ﷺ أنه مرة مع بعض الأنبياء جمعوا ما استولوا عليه من أموال المحاربين الكفار فوضعوها فلم تنزل النار؛ فدعا ربه فقال: إن فيكم غُلول؛ غلّيْتم شيء المأخوذ من مال الكفار -أحد أخذ شيء؛ غلّه- فلهذا ما قبل الله؛ دعوا وقالوا: من الذي غل؟ ما أحد اعترف؛ فقال لهم نبيهم؛ كل رهط منكم بجماعة يُبايعني كبيرهم؛ فكانوا يصافحونه ويحلفون أنه ما عندهم شيء من الغُلول حتى جاء الذي في قومه الغُلول؛ فلصِقت يده بيد نبيّهم؛ قال: عندكم الغُلول؛ عندكم، ففتشوا فوجدوا عند واحد منهم شيء أخذه منهم، هذا حرام ردوه؛ ه فردوه فجاءت النار وأكلت؛ أكلت الغنائم وكان ذلك قبولهم، وأُحِلّت لرسول ﷺ أموال الكفار(فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ..) [الأنفال: 69]،فهذا من خصوصيَّته عليه الصلاة والسلام "أُحِلَّتْ ليَ الغَنائمُ".
وكانﷺ يقول: "حصِّنوا أموالَكم بالزَّكاةِ وداووا مَرضاكم بالصدقةِ" نعم؛ أي: حافظوا عليها من وقوع الشرور والآفات وأنواع المحذورات بإخراج الزكاه؛ فإن الله بذلك يحفظها؛ "حصِّنوا أموالَكم بالزَّكاةِ وداووا مَرضاكم بالصدقةِ" فإن المتصدق يمده الله بلطف ويرفع عنه المرض.
وكان ﷺ يقول: "إذا أديت الزكاة فقد أديت ما عليك"، وبذلك قال بعض أهل اليقين من التجار وكان يشتغل بالتجارة؛ يُقال له: السيد عقيل؛ فكان يتحرَّى في الزكاة ويُخرجها مرتين وثلاث؛ ويتصدق غير الزكاة؛ وكتب له وكلاؤء مرة: أنهم أرسلوا له كمية كبيرة من السكر في الباخرة الفلانية؛ ثم جاءت الأخبار أن هذه الباخرة غرقت فجاؤوا الناس يقولون للسيد عقيل: خلاص راح عليك السكر؛ قال: أبدًا؛ سكر عقيل ما يغرق، لماذا سكر عقيل ما يغرق؟! كيف سكر عقيل ما يغرق! هذا باخرة غرقت بما فيها والسكر يذوب على طول في الماء! قال: سكر عقيل ما يغرق، قال: مسكين الرجال هذا متعلق بماله، كيف سكر عقيل ما يغرق؟! والباخرة غرقت بما فيها! وبعد أيام وصله الخبر؛ يقول له مُخبر من وكلاؤه يقولون: إنا اختلفنا مع هذه الباخرة في أُُجرة الحِمل فأخرجنا منها السكر وأرسلناه في الباخرة الفلانية؛ قال: شفتوا أقول لكم سكر عقيل ما يغرق. قالوا: كيف عرفت؟ قال: بقول النبي ﷺ: "حصنوا أموالكم بالزكاة.." أنا قد حصنت مالي؛ وأُخرج الزكاة وزيادة، وما هلك مال في بر أو بحر إلا بمنع الزكاة، أنا قد خرَّجت الزكاة ما يغرق سكري أبدًا؛ سكر عقيل ما يغرق وهكذا مصداق قوله ﷺ: "حصِّنوا أموالَكم بالزَّكاةِ وداووا مَرضاكم بالصدقةِ".
كان ﷺ يقول: "إذا أدّيْت الزكاة فقد أدّيت ماعليك"، "وكان ﷺ يقول: "إن الله -عز وجل- لم يفرض الزكاة إلا ليُطَيِّبَ ما بقي من أموالكم،" فتخرج الأوساخ والقاذورات والشُبهات بإخراج الزكاة، "وإنما فرض المواريث لتكون لمن بعدكم" كيفية اقتسامهم للترِكة؛ تولاها بنفسه لما يعلم من شُحّ النفوس -سبحانه وتعالى- وذكرها في قرآنه.
وكان ﷺ يقول: "ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مُثِّلَ له" -أي ذلك المال- "يوم القيامة شجاعاً" -يعني: حية عظيمة- "أقرع" -وهو علامة شدة السم في الحية أن يكون أقرع الرأس؛ لا أثر من شعر على الرأس من شدة السم الذي فيه- "مُثِّلَ له يوم القيامة شجاعاً أقرع حتى يُطوَّق به عنقه" فيدور على عنقه ويتقدم بوجهه يكلمه قدام وجهه يقول له: تعرفني؟ ومن أنت؟ من أنت؟ مالك اللي كان في المحل الفلاني؛ اللي كان في المحل الفلاني؛ ما تخرّج الزكاة أنا اليوم ألسعك وألدغك حتى يقُضى بين الخلائق، ولايزال يلدغه هذا المال ويقرأ قوله تعالى إذا ذكر ﷺ هذا الجزاء في الآخرة لمانعي الزكاة يقرأ قوله: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. سيطوقون أي: يجعله طوقًا على أعناقهم (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران:180]. -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
وكان ﷺ يقول: "إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم -فرض على الأغنياء ما يكفي الفقراء- ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم، ألا وإن الله يحاسبهم حسابًا شديدًا ويعذبهم عذابًا أليمًا"، ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: 6-7]. فجعل هذا وصف المشركين -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
وكان ﷺ يقول: "ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة"، وكان ﷺ يقول: "إن في المال لحقًا سوى الزكاة"،من مثل الإعطاء في النائبات والحوادث ومثل إقراء الضيف إذا نزل بالبلد فهذا حق سوى الزكاة.
وكان ﷺ يقول: "ما خالطت الصدقة أو قال الزكاة مالًا إلا أفسدته ظهرت لهم الصلاة فقبلوها وخفيت لهم الزكاة فأكلوها أولئك هم المنافقون"، وكان ﷺ يقول: "ما منع قومٌ الزكاة إلا حبس عنهم القطر من السماء" أي: المطر فلا ينزل عليهم المطر بسبب منع الزكاة فيهم؛
فهذه من أقوى أسباب القحط والجدب وانقطاع المطر:
-
منع الزكاة.
-
وكذلك المشي بالقطيعة بين الناس والنميمة في الفتنة بينهم؛ من أقوى أسباب منع القطر.
-
وكذلك قطيعة الرحم.
فهذه أسباب يمنع الله بها الغيث من السماء حتى كان يقول سيدنا علي في دعائه: وأعوذ بك من الذنوب التي تمنع غيث السماء، وأعوذ بك من الذنوب التي تمنع غيث السماء.
ويقول: "ولولا البهائم لم يمطروا"، يصيبهم القحط مدة ثم من رحمة الله للبهائم ينزل عليهم المطر، وإلا لمَنع عنهم المطر أصلًا -والعياذ بالله تعالى-.
قال: والأحاديث في الأمر بإخراجها وإثم مانعها كثيرة مشهورة"، فهي قنطرة الإسلام -جسره- وهي المعلومة من الدين بالضرورة.
-
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: 43].
-
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ [التوبة: 5].
-
"وأعلِمهم" يقول النبي ﷺ لسيدنا معاذ: (أعلِمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم وتؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم).
-
قالﷺ: (من آتاه الله مالًا فلم يُؤدي زكاته مُثِّل له يوم القيامة شُجاعًا أقرع له زَبابَتَان يُطوّقه يوم القيامة ثم يأخذ بلِهْزِمَتيْه -يعني شدقيه- يقول أنا مالك أنا كنزك). أخرجه البخاري، وهو يلسعه في وجهه يمينًا وشمالًا؛ يقول: أنا مالك أنا كنزك أنا مالك أنا كنزك خُذ؛ -لا إله إلا الله-
-
﴿فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة: 35]. لا إله إلا الله.
-
قال سيدنا أبو بكر: لو قاتلنا من فرْق بين الصلاة والزكاة -لا إله إلا الله-.
-
قال تعالى في حق الأنبياء قبلنا: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِين)[الأنبياء:73].
-
وقول سيدنا جعفر للنجاشي: "أن يأمرنا بالصلاة والزكاة"، مع أن الزكاة لم تُفرض بعد؛ فالمُراد به: عموم الصدقة؛ غير الزكاة المفروضة كان يأمر على سبيل المعروف بالتطوع بالمواساة المحتاجين والفقراء.
لكن فرض الزكاة تعيينها في المال الفلاني والمال الفلاني ومقدار كذا؛ كان بعد هجرته ﷺ -نعم- وهي السنة التي فُرض فيها الصوم السنة الثانية من الهجرة فصام ﷺ تسعة رمضانات.
الله يوفق المسلمين لآداء الواجبات والمهمات؛ ولزكاة أنفسهم؛ ولإخراج زكاة أموالهم وفطرتهم؛ ويقبل ذلك منهم؛ ويصلح أحوالهم؛ ويدفع السوء والشر وعنهم وعن جميع أهل لا إله إلا الله.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
01 ذو القِعدة 1446