كتاب كشف الغمة -72- باب سنن الوضوء: مقدار الماء

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب سنن الوضوء: مقدار الماء

 صباح الأحد: 02 ربيع أول 1445هـ

تضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  أهمية البعد عن الإسراف
  •  وضوء النبي ﷺ من النهر ومن الدلو
  •  بركة أثره ﷺ على الماء
  •  مقدار الماء في وضوءه ﷺ وحال الناس اليوم
  •  كم مقدار الماء الذي يصح الوضوء به؟
  •  وسوسة الشيطان في الوضوء
  •  كانوا أصدق ورعا واسخى نفسا وأشجع عن البأس
  •  ما هو التقتير في الوضوء؟
  •  النهي عن الإسراف ولو على نهر جار
  •  ما هو مقدار المُد الشرعي ومقدار الصاع؟
  •  الشرب من ماء الوضوء

نص الدرس مكتوب:

"السابعة مقدار الماء: كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله ﷺ من أيسر الناس صبًا للماء في الوضوء"، وكان ﷺ ينهى عن الإسراف ويقول: "لا تسرف في الماء ولو كنت على طرف نهر جار"، وكان ﷺ يقول: "سيكون من أمتي من يعتدي في الطهور".

وتوضأ ﷺ مرة في إناء على نهر فلما فرغ أفرغ فضله في النهر، وتوضأ مرة أخرى من دلو فمج فيه ماء المضمضة كأنه المسك، ثم استنثر خارجًا عنه، وكان ﷺ يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد، وتوضأ ﷺ مرة بثلثي المدّ.

 قال شعبة -رضي الله عنه-: فأحفظ أنه غسل ذراعيه وجعل يدلكهما، ومسح أذنيه ولا أحفظ أنه مسح باطنهما. وكان ﷺ إذا توضأ فضّل ماء حتى يسيله على جبهته ثم يشرب ما فضّل.

 

قال إبراهيم النخعي: وكانوا يرون أن ربع المد يجزئ في الوضوء، وكانوا أصدق ورعًا وأسخى يقينًا، وكانوا لا يلطمون وجوههم بالماء، وتقدم أول الباب أن عليًا رضي الله عنه كان إذا توضأ على طهر؛ أخذ كفًا من ماء فتمضمض منه واستنشق منه ونضح بفضله وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه ثم يقول: هذا وضوء من لم يحدث.

 

 وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله ﷺ يقول: "إنَّ للوضُوء شيطانًا يُقال له الولهان، فاتقوا وساوس الماء"، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يقولون: أول ما يبدأ الوسواس من جهة الماء في الوضوء".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه من رفع الله لهم به قدرًا، وعلى من والاهم واتبعهم بإحسان سًّرا وجهرًا، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 

ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بالوضوء، ويذكرُ لنا في هذه الجملة مقدار الماء الذي كان يتوضأ به ﷺ ويقول: "كان رسول الله ﷺ من أيسر الناس صبًا للماء في الوضوء" ﷺ، كما تدل عليه الروايات التي تجيء معنا، "وكان ﷺ ينهى عن الإسراف ويقول: "لا تسرف في الماء-لا تصُبَّ الماء بكثرة فوق الحاجة- ولو كنت على طرف نهر جار"، وبهذا جاء قول الشيخ ابن رسلان في الزبد:  

مكروهُهُ في المـاءِ حيـثُ أسْرَفَـا ***ولَـــو مِـــنَ البحرِالكبيرِاغـتَـرَفَـا

ولو كان يتوضأ من البحر الكبير ومن المحيط فيُكره الإسراف، يُكره أن يزيد قطرات لا حاجة لها أو يزيد غسلة أو مسحة؛ فهكذا عُلِّمنا احترام النعمة وتعظيم المنعم -جلَّ جلاله- ويكون ذلك أدوم وأبقى للنعم، وحيازة خيرها وحيازة بركتها وحيازة منافعها إذا عظَّمناها، كان ﷺ يُعظِّم النعمة وإن دَقَّت، ويبعد الإنسان عن هذا الإسراف كما يبعد عن التقتير ويمضي على قدم الوسط.

وكان ﷺ يقول: "سيكون من أمتي من يعتدي في الطهور"، وهذا الاعتداء: 

  • ما بين مقصر: يترك بعض مهماته أو واجباته أو شروطه. 
  • وما بين مسرف: يبالغ ويغسل ما لا يُسن ولا يُندب غسله، أو يزيد على الثلاثة أو يزيد في صب الماء فوق الحاجة فهؤلاء كلهم من المعتدين في الطهور. 

 

"وتوضأ ﷺ مرة في إناء على نهر.." وغرف الماء من النهر في الإناء فتوضأ فبقي فضله " فلما فرغَ أفرغَ.." أي: صبَّ "فضله " الماء الباقي في الإناء الزائد على الوضوء  "في النهر" ﷺ، ردَّهُ إلى النهر ولم يرمهِ في الخارج ولم يتركه ورده إلى النهر، ويأتي معنا في بعض الروايات أنه قال يصادف أو يوافق إنسانًا أو حيوانًا ينتفع به إلى غير ذلك.

 يقول: وهكذا جاءنا في رواية عبد الرزاق في المصنف أن ابن عباس قال "ألا أخبركم بوضوء ﷺ فغرف بيده اليمنى ثم صب على اليسرى صبة صبا"، وقال:"وتوضأ مرةً أخرى من دلو" الذي يُملأ بالماء ويُغرف من النهر أو البحر أو يُنزحُ به من البئر -الدلو- "فمجَّ فيه ماء المضمضة كأنه المسك" أي: تأثر الماء بملامسته لفمه الشريف ففاحت منه رائحة طيبة أذكى من رائحة المسك ورد مضمضته إلى الدلو واستنثر في الخارج ﷺ؛ "ثم استنثر خارجًا عنه، وكان ﷺ يغتسل بالصاع" أربعة أمداد "إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد، وتوضأ ﷺ مرة بثلثي المدّ". فكان يتبارك الماء في يده الكريمة وكان بعيدًا عن الإسراف، وكان بدنه رطبًا يؤثر فيه الماء القليل ﷺ.

وجاء في رواية الطبراني يقول: "توضأ ﷺ مرة في إناء على نهر فلما فرغ أفرغ فضله في النهر" أي: ما زاد من الماء، وفيه انتشار البركة في ذلك النهر، وجاء في رواية أبي عبيد، عن أبي الدرداء، عن النبي، صلى الله عليه وسلم: "أنه مر بنهر فنزل وأخذ قعبا معه، فملأه من الماء، ثم تنحى عنه، فتوضأ، ففضل من ذلك الماء، فرده إلى النهر، وقال: يبلغه الله -عز وجل- إنسانا أو دابة وأشباهه ينفعهم الله تعالى به." ولا شك أنهم ينتفعون بعموم النهر ولكن بهذا الذي فضل من وضوئه ينتفعون به انتفاعًا خاصًّا، وكان حريصًا على نفع أمته ، وجاء أيضًا في رواية الطبراني أن بعض الصحابة يقول: "رأيتُ النَّبيَّ ﷺ أُتيَ بدَلوٍ" فتوضّأ منه "فمضمضَ منهُ ، فمجَّ فيهِ مِسكًا أو أطيبَ منَ المسكِ واستنثَرَ خارجًا منَ الدَّلوِ" أدبًا منه  وتعليمًا.

وجاء في الصحيحين أيضًا وعند البيهقي عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يقول: "كان ﷺ يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد" أي: يتوضأ وضوءًا كاملًا بفرائضه وسننه من خلال المد مد واحد يكفيه .

فينبغي لكل متوضئ أن يقتدي بالسراج المضيء، ولا ينبغي أن يمشي مع نفسه في الإسراف، ولمّا يسّر الله تعالى لنا وللنّاس المياه ووجود القصب تصب منها؛ يفكُّه فك زائد على الحاجة، ثم يتركه يذلح -يصُبْ- وهو يغسل وجهه، ويتركه يصُبْ وهو يمسح رأسه، ويتركه يصُبْ وهو يمسح أذنيه، ويتركه يصُبْ.. لا حول ولا قوة إلا بالله، ما هذه الإساءة! ما هذا الإسراف! ما هذا الأمر الذي حذّر منه صاحب الرسالة! وأمرنا بالاقتصاد وأن نأخذ قدر الحاجة؛ ولو فضل شيء رددناه إلى محله وموطنه، وهذا الذي يخرج إلى المجاري كيف تردّه؟ بعضهم مثل الذي توضأ به أخرجه بره؛ مثل الوضوء الكامل حقه ووضوءه أصلاً زائد، فهذا كله من عدم التنبُّه؛ وقلة التوجّه؛ وقلّة الاستنان بسنة سيد الأكوان ﷺ.

جاء في رواية أبي داوود والنسائي والحاكم وابن خزيمة والرويني وابن حبان أيضًا عن أم عمارة تقول: "أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ توضأَ فَأُتِيَ بإناءٍ فيه -ماء- قدرَ ثلثيِ المُدَّ"، ما هو مُدْ كامل قدر ثلثي المد، فهذه القارورة الصغيرة لماء الصحة التي يأتون بها تأخذ مُدْ كامل؛ أقل من هذا توضأ به ﷺ وضوء كامل ﷺ.

 وإن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا *** إن التشبه بالكرام فلاح

"يقول شعبة: فأحفظ أنه غسل ذراعيه وجعل يدلكهما، ومسح أذنيه ولا أحفظ أنه مسح باطنهما" ولكن ثبت عن غيره، وكان ﷺ إذا توضأ فضّل ماء حتى يسيله على جبهته ثم يشرب ما فضّل."، ولا يترك شيئا من الماء يضيع ولا يُراق في غير فائدة، وقد يشرب فضل الوضوء ﷺ. وجاء في رواية النسائي أن عمارة بنت كعب تقول: "إن النبي ﷺ توضأ فأُتي بماءٍ في إناء قدر ثلثي المد"، فقال شعبة يقول: "فأحفظ أنه غسل ذراعيه وجعل يدلكهما ومسح أذنيه باطنهما، ولا أحفظ أنه مسح ظاهرهما" هذا أقرب الرواية، والرواية عند النسائي ولعله انقلب هنا عند الشيخ الشعراني، فإن مسحه لباطنهما وهو الصّماخين هو الأشهر والأظهر، وأما ظاهرهما من الوراء هذا ما رآه شعبة لكن غيره رآه، يمكن شعبة رآه يمسح الباطن فقط؛ باطن أذنين الصّماخين وثقب الأذنين ومعاطفها، ولم يمسح الذي يلي الرأس منه وهو ظاهر الأذنين كما تقدم معنا.

 يقول "إبراهيم النخعي: كانوا يرون أن ربع المد يجزئ في الوضوء، وكانوا أصدق ورعا وأسخى يقينا،" ويكون ربع المد ولكن نصّ الفقهاء على أنه ينبغي أن لا ينقص عن المد، ولكن إذا صحت رواية ثلثي المد فيكون فيه توقف في الحكم بأن لا ينقص عن المد، وقال: لا ينبغي أن ينقص عن المد، ولكن ولا يزيد أيضًا على أمداد، حتى الصاع الذي يكفي للغسل لا يكفيه هو للوضوء، يكفي إذا ما اكتفيت بمد مديْن، ثلاثة أمداد؛ ثلاثة أمداد يكفي، ويقول: "كانوا أصدق ورعا وأسخى يقينا".. "يرون أن ربع المد يجزئ في الوضوء"،  "وكانوا لا يلطمون وجوههم بالماء، وتقدم أول الباب أن عليًا -رضي الله عنه- كان إذا توضأ على طهر؛ أخذ كفًا من ماء فتمضمض منه واستنشق منه ونضح بفضله وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه ثم يقول: هذا وضوء من لم يحدث." أي: لتجديد الوضوء وليس لرفع حدث.

 وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله ﷺ يقول: "إنَّ للوضُوء شيطانًا يُقال له الولهان،"  صنف من الشياطين من يتفرغون للوسوسة على المتوضئين، يُقال لهم: الولهان، كل واحد يقول ولهان، هؤلاء الولهانين شغلهم المتوضئين يوسوسون عليهم، "فاتقوا وساوس الماء"، ما هو كامل؟ باقي شوي، هذا ناقص ما وصل ماء هنا.. يخليه يتضارب هو ونفسه ووجهه ويداه! ساعة يزيد رابعة، وساعة يمسح ثاني مرة في محل واحد، وخامسة وثالثة. .. لا حول ولا قوة إلا بالله، فلا تستجب له؛ فإن استجبت له تمكّن منك ولعب عليك، وإن أعرضت عنه انصرف عنك ما يقدر عليك، (...إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي…)[سورة إبراهيم:22] هو ما يقدر إلا يوسوس بس، إذا ما أطعته ما يقدر يعمل لك شيء؛ لا يقدر يمسك يدك ولا يدخلها بالقوة؛ ولا يصب الإناء عليك ما يقدر، بس يقدر يوسوس لك.. لا لا ناقص عادك زيد؛ هذا قليل ما وصل، وهو يفعل لك هكذا، وإذا تبعته يتحكم عليك ويركب على رأسك.

"وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يقولون: أول ما يبدأ الوسواس من جهة الماء في الوضوء". فإذا استجاب له الإنسان يمسكه خنزب؛ بعد الولهان خنزب، خنزب الموسوس في الصلاة، ويلتفون عليه في الوضوء وفي الصلاة، وإذا به مُوَسْوَس كبير بعدين، يطلع مُوَسْوَس بسبب أنه ينقاد لهم ويطيعهم، لا إله إلا الله.

يقول إبراهيم أيضًا: "لم يكونوا يلطمون وجوههم بالماء، وكانوا أشد استبقاءً للماء منكم في الوضوء، وكانوا يرون أن ربع المد يجزئ من الوضوء، وكانوا أصدق ورعاً وأسخى نفساً وأصدق عند البأس" -شجعان- رواه سعيد بن منصور في سننه، أما الواحد منكم يجد وسوسة عند الوضوء ويستغرق ماء كثير، وعند الورع ما أحد هو؛ وعند المال وعند الأكل يلهف؛ وعند الإنفاق في سبيل الله يبخل؛ وإذا في حرب يشرد، قال: "كانوا أصدق ورعاً وأسخى نفساً وأصدق عند البأس"  شجعان ناس صادقين ووضوئهم هكذا؛ وانت تصلح لنا وضوء وعند البأس ما حد انت، وعند الإنفاق انت بخيل، روح صلح نفسك! تريد القرب من الله تعالى ما هو بالوسوسة  هذه تتقرب إلى الله!! ولكن بالصفات الحميدة وبالحضور مع الله؛ وبإيثار الحق على ما سواه.

يقول إبراهيم التيمي: أول ما يبدأ الوسواس من الوضوء؛ كما رواه ابن أبي شيبة، إذًا فللوضوء مكروهات ينبغي أن يتجنبها المتوضئ، ومن جملة ذلك الإسراف والتقتير كذلك، نص الحنفية: على أنه يكره التقتير في الوضوء، بحيث يقرب إلى حد الدَّهِن؛ قال دهن الأعضاء ما هو غسل؛ هذا دهن ولا مسح؛ لا ما هو هكذا!  قال يتوضئ بثلثي مد ولا ربع مد ويمسح هكذا؛ ما هو مسح لا، لا بد من سيلان الماء، لابد أن يسيل الماء حتى يقطر منه القطرات، ما يكفي مجرد المسح في المغسول، إنما المسح في الرأس وهكذا، بل يكون غسل صحيح وبيقينٍ ثلاثة مرات سنة، حتى لو شك أنها ثنتين أو ثلاثة يزيد واحدة فيأخذ باليقين.

 وقالوا: إذًا يكره الإسراف في التوضؤ بأن يستعمل من الماء فوق الحاجة، يقول: في رواية عند ابن ماجة يقول: أن عبد الله بن عمرو أن النبي ﷺ مرّ بسعد وهو يتوضأ وقال: ما هذا السرف؟! فقال: أفي الوضوء إسراف؟! قال: نعم؛ وإن كنت على نهرٍ جارٍ. فهذا الذي يصير من الغلو في الدين الذي حذره المالكية؛ حتى نَفَوْا إطالة الغرة والتحجيل خوفًا من الغلو، وإذًا الإسراف في الوضوء مكروهٌ عند الأئمة الأربعة وسواهم.

ويقول الحنفية والشافعية: إذا كان الماء موقوف على من يتطهر به مثل ماء المدارس فالإسراف فيه حرام؛ لأنه بذَّر موقوف سيتوضّأ به غيره وسينتفع به غيره بذَّرُه فالإسراف فيه حرام، هذا إذا كان من مائه ملكه الخاص أو من نهر أو ماء ملك عام مكروه، وأما إذا من الماء الموقوف على المتوضئين لا تأخد حق غيرك؛ خذ مقدار وضوءك فقط فما زدت عليه فأنت ماثوم؛ تأخذ مقدار ما يكفيك ما زاد على ذلك فأنت ماثوم؛ لأنه حق للغير ماهو حق لك فقط، حق الحاجة: بقدر الحاجة في الوضوء فروض وسنن بس، ما زاد على ذلك فليس لك فيه حق؛ لأنه موقوف. ويقول: هذه الزيادة غير مأذون بها؛ لأنه يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي وما يقصدون به الموسوس ولا المسرف في الوضوء. بعد ذلك أيضًا يقول الجمهور من أهل الفقه: أنه يستحب أن لا ينقص ماء الوضوء عن مد، وفي الصحيحين عندنا يتوضأُ بالمد ويغتسل بالصاع.

والمشهور عند المالكية وفي قول أيضًا عند الحنفية: أن ماء الوضوء لا يُحَدُ بحدٍ معين؛ والمقصود بما ورد في الحديث: فضيلة الاقتصاد. وقالوا فيما جاء من التوضي بالمد والاغتسال بالصاع: ليس تقدير لازم ولكن بيان أدنى القدر المسنون، حتى يقول ابن شعبان من المالكية: لا يجزي أقل من مد في الوضوء ولا أقل من صاع في الغسل، والجمهور على أنه يُجزي، ولكن ينبغي أن لا ينقص عن مدٍ في الوضوء وعن صاعٍ في الغسل.

وهذا المد المعروف: المكيال يكون ربع صاع؛ فهو بالوزن يكون رطل وثلث بالعراقي الذي هو ثلاثة عشر أوقية ونصف الرطل (١٣.٥)، فرطل وثلث يساوي مُد، هذا المد الشرعي؛ وهناك اصطلاحات أُخر للأمداد: مد شامي، المد الشامي قريب ثمانية أمداد من هذا المد الشرعي يُسمى مُد واحد، فيسمون الصاعين مدًا، وهكذا جاءت الآراء؛ فالصاع: أربعة أمداد بمُد النبي ﷺ، وكان صاع النبي ﷺ الذي في المدينة أربعة أمداد، فهي: خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، ويُروى عن أبي حنيفة أن الصاع ثمانية أرطال.

قال: واشتهر عند الفقهاء صاعان: صاع أهل المدينة يُسمى الصاع الحجازي، وصاع أهل العراق، وقالوا: الصاع البغدادي، والعبرة بالصاع الحجازي كما هو عندنا هنا، مُد بمقدار المد النبوي ومُد آخر بالكبير يُسموه هم،  فهو فوق المُد النبوي؛ ولكن يقال: الزائد في هذا المد الذي عندنا -المد الكبير- هو ما يُكَوم من الحبوب فوقه وأما على قولهم مسحته بالمسح من دون ما يُكوم فهو يساوي نفس المد النبوي سواء، فالصاع أيضًا الشريعي: هو صاع أهل المدينة، ولكن جاء عن أبي حنيفة اعتماد صاع العراق، وأبو يوسف ومحمد بن الحنفية اضطربت الروايات عنهم سواء. 

مرَّ معنا شرب المتوضي من بقية الماء، وفيه أن الماء الذي يتوضأ به ماء نقي وصافي، وفيه يقول الحنفية والشافعية: من المستحبات للوضوء إذا توضأ من ماء في إناء أن يشرب عقب فراغه من الوضوء، كما جاء في رواية النسائي وغيره أن النبي ﷺ كان يفعله، ويقول أيضًا بعض أهل العلم: أنه إذا شرب من ماء الوضوء وقال: اللهمَّ اشفني بشفائك وداوني بدوائك واعصمني من الوهل والأمراض والأوجاع،المراد بالوهل: الضعف والفزع فهذه بعض ما ورد فيما يتعلق بمقدار الماء. 

 

  رزقنا الله الاقتداء بنبينا محمد الأسمى وتولانا به ظاهرًا وباطنًا، ورزقنا حسن اتباعه وأعاد علينا عوائد الاستضاءة بنوره وشعاعه، وأصلح به  شؤوننا وشؤون أمته، وجعل لهم في شهر ذكرى ميلاده فرجًا، وجعل لهم في ذكرى شهر ميلاده مخرجًا، وجعل لهم في شهر ذكرى ميلاده مننًا، ودفع عنا وعنهم الأسواء وكل بلوى وبسر النجوى 

 

بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه

الفاتحة. 

تاريخ النشر الهجري

03 ربيع الأول 1445

تاريخ النشر الميلادي

17 سبتمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام