كشف الغمة- 298- كتاب الزكاة (06) اتخاذ النبي للخاتم وخاتمة عن الصدقة

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة 298- كتاب الزكاة (06) اتخاذ النبي للخاتم وخاتمة عن الصدقة

صباح الأحد 6 ذو القعدة 1446هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  خاتم النبي ﷺ
  •  حكم اتخاذ خاتم الفضة
  •  صِفة الفص في الخاتم
  •  متى يمكن التصدق بالمال كله؟
  •  حالات تحرم فيها الصدقة
  •  قصة إعراض النبي عن صدقة رجل
  •  ابدأ بنفسك ثم بمن تعول

نص الدرس مكتوب:

"خاتمة: قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فرمى بين يديه نحو البيضة من ذهب فقال له ﷺ: ما هذا؟ قال: هذا جميع ما أملك فخذه فأعرض عنه رسول الله ﷺ ثم عاد ثانيًا وثالثاً فرماها رسول الله ﷺ فلو أصابته لأوجعته ثم قال: يأتي أحدكم بجميع ماله فيعطيه ثم يصير يسأل الناس، خير الصدقة ما كانت عن ظهر غنى"، وقال أنس: "أمر رسول الله ﷺ بالصدقة يوماً فجاء الناس فطرحوا ثيابهم فجاء رجل له ثوبان لا يملك غيرهما فطرح أحدهما بين يدي رسول الله ﷺ فرده علیه رسول الله ﷺ وقال له: خذ ثوبك فأنت أحق به". 

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمدلله مُكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته؛ عبده وصفوته سيدنا محمد صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحابته وأهل ولائه ومتابعته، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن في خليقته؛ وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين. 

 

وكان آخر ما ذكر لنا الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- قبل الخاتمة ذكر خواتم الفضة، واتخاذ النبي ﷺ لها، وخاتم الفضة إذًا جائز للرجال، مع أن الفضة والذهب حرام على الرجال حلٌّ للنساء بأنواع الزينة؛ لا بالأواني، الأواني محرّمة على الكل الرجال والنساء؛ ولكن الحلُي للزينة جائز للنساء، حرام على الرجال، إلا خاتم الفضة فإنه يجوز عند الأئمة الأربعة وغيرهم يجوز اتخاذ الرجل خاتم الفضة.

  • فيقول الحنفية في التختّم بالفضة: يجوز للرجل التختُّم بالفضة لما جاء عنه ﷺ: "اتخذ خاتم من وَرِق"، وكان في يده، ثم في يد أبي بكر، ثم في يد سيدنا عمر، ثم في يد سيدنا عثمان، وسقط منه في بئر أريس التي بجانب مسجد قباء، فأمرهم فنزحوا البئر، ولم يجدوا هذا الخاتم. إذًا قال الحنفية: التختّم يحتاج إليه كالسلطان والقاضي سنة، وأن تركه لغير السلطان والقاضي وذا الحاجة أفضل، إلا أنه يجوز للرجل التختم بالفضة. هذا ملخص قول الحنفية.

  • كذلك يقول المالكية: لا بأس بالخاتم الفضة -يعني: للرجل- فيجوز اتخاذه، قال: بل يُندب بشرط قصد الاقتداء برسول الله، وإذا قصد الاقتداء يكون ذلك مندوبًا، وقالوا: لا يجوز لبسه عُجُبًا وهذا معلوم.

  • وقال الشافعية: كذلك أنه يحل للرجل الخاتم من الفضة، بل يسن، ولا فرق بين من له ولاية وغيره؛ فيجوز لكل من الرجال أن يتخذ خاتمًا من فضة اقتداءً برسول الله ﷺ، ويلبسه في يده اليمنى في الخنصر أوْلى أو في البنصر.

  • وهكذا يقول الحنابلة: أنه يباح الخاتم من الفضة للذَكر، لما جاء في الحديث، ولا بأس به، وقيل: يستحب؛ وأما لقصد زينةٍ من دون قصد اتباع السنة فهو مكروه، وكذلك يجوز أن يُجعل الخاتم أيضاً للصبي الذَكر.

 

ثم ذكر لنا الفص في الخاتم، وهكذا يكون الفص في الخاتم يجوز أن يكون الخاتم بفص أو بغير فص.

  • قال الإمام النووي: ويجعل الفص من باطن كفه أو ظاهرها، وباطنها أفضل للأحاديث الصحيحة فيه، فيجعل فصّه مما يلي باطن كفه، ويسن.

  • قال القليوبي: يسن جعل فص الخاتم داخل الكف لما جاء في الأحاديث.

  • يقول الحنابلة: للرجل جعل فص خاتمه منه أو من غيره؛ لأنه كان فصّه منه، ولمسلم: كان فصّه حبشياً، وهكذا يقول الحنابلة كذلك: أن الأفضل أن يجعل الرجل فص الخاتم مما يلي ظهر كفه لما جاء في رواية عند مسلم.

إذًا فجاءت الرواية في جعل الفص في باطن الكف أو في ظاهر الكف، ومع ذلك فباطن الكف أكثر رواية، أكثر عدد في الروايات جاء فيه أنه جعل فص خاتمه مما يلي باطن كفه.

 

ذكر لنا بعد ذلك هذه الخاتمة في أنه لا يتصدّق الإنسان بجميع ماله، وهنا أيضًا فرّق الفقهاء بين من كان يُطيق الإضاقَة وله قوة في التوكل وبين عامة الناس.

 فعامة الناس لا يجوز له أن يتصدق بجميع ماله، وبعد ذلك يذهب ويسأل الناس، ومن كان قويّا قوي الإيمان، ويصبر على الإضاقة يجوز، حتى قالوا في من نذر: من نذر بماله للغير إن كان ممن يقوى على تحمّل الإضاقة فصح النذر منه، وإن كان ليس من أهل هذا المقام فلا يصح النذر بجميع ماله للغير، وهكذا يستحب أن تكون الصدقة بفاضل عن كفايته، وكفاية من يمونه، وإن تصدّق بما يُنقص من مؤونة من يمونه أثم؛ لأنه واجب عليه ينفق عليهم، وأما من أراد التصرف بماله كله فإن كان يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر على المسألة فله ذلك وإلا فلا يجوز.

 

  • ولهذا يقول المالكية: أن الإنسان ما دام صحيحًا ورشيدًا له التبرع بجميع ماله على كل من أحب، يقول في الرسالة المالكية: لا بأس أن يتصدق على الفقراء بماله كله لله تعالى، وقد تصدّق سيدنا أبو بكر بماله كله -رضي الله تعالى عنه-، قالوا: لكن -كما يقول النفراوي من المالكية- أن محل ندب التصدّق هذا بجميع ماله أن يكون طيب النفس عند تصدّقه بجميع ماله، لا يندم، ولا يُتبع نفسه إياه، ولا يتشوف إلى ما في أيدي الناس، وهكذا. لا يكون يحتاج إليه في المستقبل لنفسه، أو لمن تلزمه نفقته، وإلا حَرُم عليه -كما هو معلوم-. 

  • يقول ابن قدامة: الأولى أن يتصدّق من الفاضل عن كفايته، وكفاية من يمونه، وفيه جاء الحديث: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول"، لأن نفقة من يمونه واجبة عليه، والواجب مقدّم على التطوع وهكذا.

 فأما إذا كان رجل لا عيال له، وأراد أن يتصدّق بجميع ماله، إما أن يكون ذا مكسب، أو واثق من نفسه بحسن التوكل والصبر على الفقر مع التعفّف عن المسألة؛ فهذا أمر شريف وأمر حسن، أمر كمال وأمر خير وإلا فلا. قال لسيدنا أبي بكر: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قال لسيدنا عمر: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم مثله جئتك بالنصف وأبقيت النصف وهكذا.

فما يحتاج إليه لعياله ودَيْنه لا يجوز أن يتصدق به، وما فضُل على ذلك فإن كان ممّن يصبر على الضيق فله أن يتصدّق بجميع ماله، وذلك مكرمة، وإلا فلا بل يكره أو يحرم، وهكذا.

قال ﷺ: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت" -وفي لفظ- "أن يضيع من يعول"، فلا يتصدّق بما يحتاج إليه لنفقة من عليه نفقته، بخلاف النفقة من مثل الضيافة ونحوها، فلا بأس بالتصدّق. 

وكذلك الحرمة بما يحتاج إليه في خلال اليوم والليلة، أو يحتاج إليه لدين لا يرجو له وفاء، فهذا يجب عليه أن يقضي الدين؛ لأن قضاء الدين فرض، والتصدّق سنة، وما فضل بعد ذلك عن الحاجة إذا لم يشقّ عليه الصبر على الضيق، ولا على أولاده يجوز أن يتصدّق به، وإن شقّ الصبر عليه يصير مكروه ولا ينبغي.

وبهذا جاء هذا الحديث الذي أورده في الخاتمة، والحديث عند أبي داود، والحاكم في المستدرك، يقول: "جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فرمى بين يديه نحو البيضة من ذهب فقال له ﷺ: ما هذا؟ قال: هذا جميع ما أملك فخذه -فرأى ﷺ أنه ليس من مثل أبي بكر، وليس من أهل هذا التوكل واليقين والصبر- فأعرض عنه رسول الله ﷺ ثم عاد ثانيًا -فأعرض عنه ﷺ- وثالثاً فرماها رسول الله ﷺ فلو أصابته لأوجعته ثم قال: يأتي أحدكم بجميع ماله فيعطيه ثم يصير يسأل الناس، خير الصدقة ما كانت عن ظهر غنى"، وهذا حال عامة الناس؛ لكن من سيدنا أبو بكر قَبِل منه، قال: تركت لهم الله ورسوله، وقال لسيدنا عمر: بينكما كما بين كلِمَتيْكما، فرق بينك وبين أبو بكر الصديق، أنت قلت تركت مثله، هو قال: تركت لهم الله ورسوله، فقَبِل من أبي بكر ورفع مكانته؛ ولكن من هذا ما قَبِل، وهكذا عامة الناس من الذين لا يصدقون في التوكل، ولا يكون لهم الصبر والرضا، فلا ينبغي أن يُخرجوا ما في أيديهم، بل يبقون على قدر ما يكفيهم.

 

وأورد بعد ذلك أنه: "أمر رسول الله ﷺ بالصدقة يوماً فجاء الناس فطرحوا ثيابهم فجاء رجل له ثوبان لا يملك غيرهما فطرح أحدهما بين يدي رسول الله ﷺ فرده علیه رسول الله ﷺ وقال له: خذ ثوبك فأنت أحق به"، "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول".

 

رزقنا الله التقوى والاستقامة والخير الكبير والمنّ الوفير، والسير في خير مسير، وأصلح شؤوننا بما أصلح به شؤون الصالحين في ألطاف وعوافي، وظواهر وخوافي. 

 

بسر الفاتحة

إلى حضرة النبي محمد

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

07 ذو القِعدة 1446

تاريخ النشر الميلادي

04 مايو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام