(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة شرح: باب سنن الفطرة والنظافة
صباح الإثنين: 27 محرم 1445هـ
هل تخضب المرأة غير المتزوجة بالحناء؟
"وكان ﷺ ينهى النساء عن التعطّر عند الخروج، ويقول: "كل عينٍ زانية، وإن المرأة إذا استعطرت ثم مرّت بالمجلس فهي زانية"، وكان ﷺ يأمر من شابَ بتغييره بالخضاب وينهى عن خضبه بالسواد
وكان ﷺ يقول: "الصفرة خضاب المؤمن، والحمرة خضاب المسلم، والسواد خضاب الكافر"، وقال أنس: جاء أبو بكر بأبيه يوم فتح مكة محمولاً فوضعه بين يدي النبي ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: "لو تركت الشيخ في منزله كنا نأتيه تكرمةً لأبي بكر رضي الله عنه لأيادِيه علينا"، ثم أمر رسول الله ﷺ بخضبِ رأسه وقال: "غيّروا هذا واجتنبوا السواد، فمن خضب بالسواد سوّد الله وجهه يوم القيامة".
وقال أنس: ولم يخضب رسول الله ﷺ؛ لأن الشيب إنما كان في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نُبَذٌ يسيرة .
ودخل عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب وقد صبغ رأسه ولحيته بالسواد فقال له عمر مرة: من أنت؟ فقال: عمرو بن العاص، فقال عمر: عهدي بك شيخًا وأنت اليوم شاب عزمت عليك إلا ما خرجت فغسلت السواد عنك.
وكان صهيب -رضي الله تعالى عنه- يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد أرغب فيكم لنسائكم وأرهب لكم في صدور عدوكم".
قال شيخنا -رضي الله تعالى عنه- ولم يبلغنا عن رسول الله ﷺ شيء في النهي عن خضب اليدين والرجلين بالحناء فمن بلغه في ذلك شيء فليُلحقه هَهُنا، والله أعلم، وكان ﷺ يخضب بالحناء والكتم والورس والزعفران ويقول : "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"، وكان لا يكره رائحة الحناء حتى كانت عائشة رضي الله عنها لا تخضب لأجله ﷺ، وكان ﷺ يضمخ شعره بالطيب حتى يظن أنه مخضوب ويقول : من له شعر فليكرمه، وكان ﷺ ينهي عن ترجيل الشعر إلا غباً، ثم رخص فيه كل يوم لمن شاء، وكان أبو قتادة يدهن لحيته في اليوم مرتين وكانت له جمة ويقول هذا من إكرامها."
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3مرات)
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته عبده وصفوته سيدنا مُحمَّد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله خيرة الله تبارك وتعالى في خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذِكْرَ الأحاديث المتعلقة بالفطرة وذكر عددًا من حديث الاختضاب وقال: "وكان ﷺ يأمر من شابَ" أي- شاب شعره فابيضَّ "بتغييره بالخضاب وينهى عن خضبه بالسواد"، بعد أن حدثنا في آخر ما قرأنا عن "نهي النساء عن التعطر" عند التعرض للرجال الأجانب؛ وبقيت بعد ذلك تعطُّرُها في البيت حيث لا يشم ريحها أجنبي جائز لها، وعلمنا أن أفضل طيبها ما كان للصلاة حيث لا يشمها أجنبي وما كان للزوج فهو قربة إلى الله تبارك وتعالى.
وما عدا ذلك فيختلف حالها إن كانت تتعرض لأن يشمَّ ريحة الأجانب أوْ لا، وفي الحديث التحذير من كتب إثم الزنا على من رضيت أن يشم الرجال الأجانب رائحتها؛ وذلك لما قامت عليه الشريعة من سد أبواب السوء وكل مقرِّبٍ إلى الشر بأنواعها وأصنافها؛ وأن ذلك أصلح وأرجح للعباد في حياتهم وإقامهم في الحياة بالخلافة عن ربهم، وتطبيق منهجه وشريعته حتى يلقونه وهو راضٍ عنهم.
ذكر تغيير الشيب بالخضاب ونهيه عن الخضاب بالسواد وفي ذلك الخلاف بين الأئمة، وذكر لنا حديث "الصُّفرة خضاب المؤمن، والحمرة خضاب المسلم، والسواد خضاب الكافر"، وذكر لنا حديث سيدنا أبي قحافة لما أقبل -اسمهُ- عثمان؛ والد سيدنا أبي بكر الصديق أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوده أبو بكر، وقد شاخ، وكان شعرُ رأسه ولحيته شديد البياض قد ابيضَّ كله، فلما أقبل ووضعه بين يديه؛ قال: "لو تركت الشيخ في منزله كنا نأتيه"، من خلقِهِ الكريم، قال هذا شايب وأنا أمر عليه وأزوره إلى بيته ومحله الذي هو فيه؛ "تكرمةً -لابنه- لأبي بكر، ثم أمر رسول الله ﷺ بخضبِ رأسه" وكذلك لحيته كما جاء في الروايات، وقال: "غيّروا هذا واجتنبوا السواد، فمن خضب بالسواد سوّد الله وجهه يوم القيامة". وهذا على قول من يقول بتحريم الخضب؛ أن يخضب بالسواد.
إذًا فالمسألة فيها ما جاء من اجتهاد الأئمة عليهم رضوان الله -تبارك وتعالى عنهم-:
وجاء الاختضاب عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم رضي الله تبارك وتعالى عنهم.
وأراد أن يجمع بعضهم بين ما جاء في النهي عن الاختضاب وفي الأمر بالاختضاب وقال الطبري -عليه رحمة الله تعالى-: الأمر بالتغيير لمن شيبه كشيب أبي قحافة والنهي لمن له شمط، أي: بياض شعر رأس يخالط سواده، وعلى كل فقد صحت الأحاديث وأحاديث الاختضاب أصح فيما ورد من قوله، واختلف في فعلِهِ صلى الله عليه وعليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ وكذلك جُمِعَ بأنه كان منه الاختضاب نادرًا فمن رآه أثبت اختضابه ومن لم يره بغير خضابٍ نفى أن يكون اختضب، وحَمَل ما يُرى من الصفرة أو الحمرة على شعرات محدودة من شيبه أن ذلك من كثرة استعماله للطيب.
فما حكم الاختضاب بعد ذلك بالسواد؟ أما بغير السواد عرفنا فيه الحكم ومنه الاختضاب بالحناء والكَتَم النَّبَت أيضًا معروف يجعل الشيبَ ما بين الحمرة والسواد، لما ذكر ظهور الشّيب فيه البوصيري معتذر ومتأسف على فوات العمر، وقال:
لو كنت أعلم أنّي ما أوقِّرُهُ *** كَتمتُ سرّا بدا لي منه بالكَتَم
أجيب الكتم وأغطيه ولكن..
إنّي اتّهمت نصيح الشّيب في عذل *** والشّيب أبعد في نصح عن التّهم
قال ما هو متهم هذا منذر بالصدق، يقول اقترب الأجل؛ أصلح نفسك وقَوِّم الوجهة والعمل ستلقى ربك -عز وجل-؛ هذا هو نصيح الشيب إنه نذير من النذر يقول لك الحياة إلى زوال وانصرام؛ تغيَّر واستعد ستلقى الرب.
إنّي اتّهمت نصيح الشّيب في عذل *** والشّيب أبعد في نصح عن التّهم
قال ما هو متهم إلا صادق هذا الشيب؛ منذر بلقاء الرحمن -جل جلاله- آمرًا بالاستعداد له
لو كنت أعلم أنّي ما أوقِّرُهُ *** كَتمتُ سرّا بدا لي منه بالكَتَم
من لي بردّ جماح من غوايتها *** كما يردّ جماح الخيل باللّجم
أي: النفس
أطعت غيَّ الصبا في الحالتين وما *** حصلت إلا على الآثام والندم
فيا خسارة نفس في تجارتها *** لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسمِ
وهكذا جاء في الحديث يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وسلم : "إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم"، الحناء والكتم فهو من خير الصباغات، واختضب سيدنا أبو بكر بالحناء والكتم، وسيدنا عمر كان يختضب بالحناء بحتًا خالصًا، كذلك الاختضاب بالورس والزعفران يشارك الاختضاب بالحناء والكتم في أصل الاستحباب، وقد اختضب بالورس والزعفران جماعة من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-.
وحتى يقول مالك الأشجعي: "كان خضابنا مع رسول الله ﷺ الورس والزعفران"، هكذا جاء في رواية الإمام أحمد ورواية البزار، وجاء أن الحَكَم بن عمر الغفاري يقول: دخلت وأنا وأخي رافع على أمير المؤمنين عمر وأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة، فقال عمر: هذا خضاب الإسلام، وقال لأخي رافع المخضوب بالصفرة: هذا خضاب الإيمان، وهو الذي يتطابق مع قوله في الحديث عندنا الذي قرأناه: «الصفرة خضاب المؤمن والحمرة خضاب المسلم» وهذا الحديث عن سيدنا عمر رواه الإمام أحمد بسند رجاله ثقات.
أما الإختضاب بالسواد:
فقد قال الحنابلة والمالكية والحنفية مكروه؛ لكراهة الاختضاب بالسواد في غير الحرب؛ فأما لأجل الجهاد في سبيل الله فباتفاقهم أنه يجوز.
وقال الشافعية وكذلك يروى عن أبي يوسف من الحنفية، وقال الشافعية أنه يحرم لغير الجهاد قال صاحب الزبد:
وحرموا خضاب شعر بسواد *** لرجل وامرأة لا للجهاد
فهو مكروه عند الجمهور؛ حرام عند الشافعية وبعض الأئمة الآخرين لقوله ﷺ:"وجنبوه السواد".
وأما قوله: "إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد أرغب فيكم لنسائكم وأرهب لكم في صدور عدوكم". فهو أيضا محمول على ما اقترن بالجهاد، وقال أهيب لكم في صدور أعدائكم أن ذلك بالنسبة للمجاهدين، وكذلك يروى عن سيدنا عمر أنه يأمر بالخضاب بالسواد يقول: تسكين للزوجة وأهيب للعدو، وجاء عن بعض الصحابة والتابعين اختضابهم بالسواد.
لكن مذهب أبي يوسف من الحنفية يتوسع، مذهب أبي يوسف يقول أنه سواء للجهاد وغير الجهاد كله جائز.
والذي عليه الإمام أبو حنيفة ومحمد أنه مكروه أن يخضب بالسواد لغير الجهاد.
كذلك بالنسبة للمرأة المتزوجة أن تخضب لأجل زوجها بالسواد جائز إذا أراد منها الزوج ذلك.
وجاء في رواية أبي داود والنسائي وابن حبان والحاكم: "يكون قوم في آخر الزمان يخضبون بالسواد لا يريحون رائحة الجنة" لا إله إلا الله.
فأخذ الشافعية بقوله: "وجنبوه السواد"، فعندهم الأمر للوجوب والنهي للتحريم سواءًا للرجل والمرأة؛ إلا أن المرأة المتزوجة والمملوكة بإذن زوجها ومالكها يجوز لها أن تسوِّدَ شعرها.
والاختضاب هذا للرجل في رأسه ولحيته لتغيير الشيب بالحناء ونحوه نعم، وأن يختضب في باقي أجزاء بدنه قالوا: أما الكفين والقدمين فإنما هو للنساء ما يصلح له الحناء في القدمين والكفين ما يجوز أن يختضب فيهما إلا لعذر كعلاج؛ لأن فيه تشبه بالنساء؛ والتشبه بالنساء محظور شرعًا.
وكذلك يقول أكثر الشافعية وبعض الحنابلة أنه حرام تخضيب الرجل يديه ورجليه بالحناء فأكثر الشافعية وبعض الحنابلة أنه حرام،
وقال البعض الآخر من الحنابلة وصاحب المحيط من الحنفية بالكراهة والذين رأوا الحرمة أخذوا قوله ﷺ "لعن الله أن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء".
وأما للتداوي فهذا جائز باتفاقهم لأجل الحاجة وتقول سلمة مولاة النبي ﷺ قالت إنه كان إذا اشتكى أحد رأسه قال "اذهب فأحتجم" وإذا اشتكى رجله قال "اذهب فاخضبها بالحناء" وكذا جاء عند أبي داود والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد، قال إذا اشتكى رجله أحد وجاء يشتكي بها قال "اذهب فخضبها بالحناء"؟ وفي لفظ ل أحمد تقول سلمى موالاة أبي قالت: "كنت أخدم النبي ﷺ فما كانت تصيبه قرحة ولا نكتة إلا أمرني أن أضع عليها الحناء".
ولكن المرأة غير المتزوجة فهل تخضب بالحناء ونحوه؟
"وقال أنس: ولم يخضب رسول الله ﷺ؛ لأن الشيب إنما كان في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نُبَذٌ يسيرة".
جاء في رواية: "لو أردت عدها لعددتها"، وجاء أنها لم تبلغ مجموعها ما في عنفقته ولحيته وصدغيه في عارضيه وفي رأسه لم تبلغ عشرين، وقالوا: أنها كانت سبعة عشر شعرة.
"ودخل عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب وقد صبغ رأسه ولحيته بالسواد فقال له عمر مرة: من أنت؟ فقال: عمرو بن العاص، فقال عمر: عهدي بك شيخًا -أنا أعرفك شيبًا- وأنت اليوم شاب عزمت عليك إلا ما خرجت فغسلت السواد عنك."
فأمره بذلك إما لكونه يرى الحرمة أو الكراهة أو أنه ما رأى منه نية صالحة في استعمال هذا ورأى أنه تدليس أوغير ذلك فلهذا عزم عليه أن يغسل عنه السواد.
"وكان صهيب -رضي الله تعالى عنه- يقول سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد أرغب فيكم لنسائكم وأرهب لكم في صدور عدوكم"."
قلنا: حمله المحرمون بالسواد على أنه للجهاد؛ قال: "وأرهب لكم في صدور عدوكم".
"قال شيخنا -رضي الله تعالى عنه- ولم يبلغنا عن رسول الله ﷺ شيء في النهي عن خضب اليدين والرجلين بالحناء" هذا الذي سمعنا القول بكراهته أو بتحريمه لأجل التشبه بالرجال، "فمن بلغه في ذلك شيء فليُلحقه هَهُنا، والله أعلم، وكان ﷺ يخضب بالحناء والكتم والورس والزعفران ويقول : "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"، وكان ﷺ يكره رائحة الحناء" هذا غريب مع مجيء روايات أخرى في غير هذا ورواية أنه كان يشمُّ ورق الحناء "حتى كانت عائشة رضي الله عنها لا تخضب لأجله ﷺ، وكان ﷺ يضمخ شعره بالطيب حتى يظن أنه مخضوب ويقول : من له شعر فليكرمه، وكان ﷺ ينهي عن ترجيل الشعر إلا غباً، ثم رخص فيه كل يوم لمن شاء، وكان أبو قتادة يدهن لحيته في اليوم مرتين وكانت له جمة ويقول هذا من إكرامها."
فالادهان أيضا غبًا مسنون والاكتحال كما سيأتي معنا.
رزقنا الله بالاستقامة واتباع سيد أهل الإمامة والإقتداء به في جميع الشؤون وارتقاء المراتب العلى في الظهور البطون ودفع الآفات والفتون في خير ولطف وعافية وإلى حضرة النبي محمد ﷺ
بسر الفاتحة إلى حضرة النبي محمد..
اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة
الفاتحة
28 مُحرَّم 1445