تفسير سورة الشورى -03- من قوله تعالى: { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) } إلى الآية 13

للاستماع إلى الدرس

الدرس الثالث من تفسير العلامة عمر بن محمد بن حفيظ للآيات الكريمة من سورة الشورى، ضمن الدروس الصباحية لشهر رمضان المبارك من عام 1446هـ ، تفسير قوله تعالى:

{ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) }

الخميس 13 رمضان 1446هـ 

 

نص الدرس مكتوب:

الحمد لله مُكرمنا بآياته وكلماته، وتنزيلها على خير بريَّاته، وتبيينها لنا على يده لخير تبييناته. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك وكرِّم على عبدك المختار، مفتاح أبواب جود الله ورحماته، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأهل متابعته ومودَّاته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين سادات خلق الله -تبارك وتعالى- في أرضه وسماواته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

وبعد؛

فإننا في نعمة تأمُّلنا كلام ربنا -جلَّ جلاله-، انتهينا في سورة الشورى إلى قوله سبحانه وتعالى: 

  • (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) أي: هل كفاهم ما بينَّا؟ ورعووا عن غيِّهم ومكرهم؟!

  • (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ) بعد ظهور الحُجَجِ والبراهين القاطعات اتخذوا من دون الله غير الله -سبحانه وتعالى- (أَوْلِيَاءَ) أي: ناصرين مُغِيثين لهم قائمين معهم. 

(أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) وكُلُّ مَن اتخذ وليا مِن دون الله -تبارك وتعالى- أبعده الله وغَضِب عليه، ثم لم يجد من ذلك الذي اتخذه من دُونِ اللَّهِ -تبارك وتعالى-؛ إنقاذًا ولا إرشادًا ولا حضورًا معه عند وفاةٍ ولا في البرزخ ولا في الآخرة.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                    

  • (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) أم طلبوا موالاة السِّوى، سواءً كانت الأنفس أو الأهواء أو بعضهم البعض أو الأصنام أو شئ يُعبد من دون الله.

  • (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) فليس في دونه مَن يقوم بحقِّ الولاية أصلا (فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ) الله هو الولي، يعني كل ما اُتِّخذَ من دونه أولياء؛ فهذه الموالاة والنصرة صورية مجازية لا حقيقة لها، يَخذُل بعضهم بعضا ثم يلعن بعضهم بعضا.. 

لا ولاية، إن لم يتولَّك هو فليس لك من وليٍّ سواه؛ (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ) [محمد:11]، كيف لا مولى لهم وهم يُوالون بعضهم البعض؟ الموالاة محصورة مقصورة فانية مدحورة وبعدها مخالفات ومُلاعنات.. أين الولاية؟ ولا شيء فيها يُنقِذ من النار، ولا شيء فيها يُنقِذ من الهون في القيامة، فأي ولاية هذه؟! (وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ)؛ فلا يجوز لمن آمن بهذا الإله أن يتخذ من دونه وليا، بل لا يوالي إلا أولياءه من ملائكئته وأنبيائه ورسله وصالحي عباده، يواليهم من أجله؛ موالاة له -سبحانه وتعالى-.

(فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ) هو الناصر القوي القادر المُنقِذ المُنعِم، ليس سواه يقوم بشيء من ذلك. (فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ)، ومن غيره يحيي الموتى؟ ولا يكون إلا ما كان بإذنه؛ 

  • إمَّا على سبيل الكرامة أو المعجزة كما كان لسيدنا عيسى بن مريم. 

  • أو على سبيل الكرامة فيما كان لبعض الأولياء. 

  • أو على سبيل الاستدراج فيما يجعله تعالى في واقعة للخبيث الدجال، فالذي يقتله خارج المدينة المنورة ويشقُّه نصفين ثم يُعيده فيجمع بين النصفين فيُحييه الله تعالى، أي: يُجري ذلك على أيديهم. 

وهو الذي يُحيي -جلَّ جلاله وتعالى في علاه- وليس غيره يُحيي الموتى، يُجَدِّدُ حياتهم بعد أن ماتوا فيردهم إلى الحياة كما شاء، بل يُطوِّرهم في أطوار الحياة:

  • فقد أحيانا أولًا حياة روحية في عالم الأرواح. 

  • ثم كوَّن لنا الأجساد في بطون الأمهات ونفخ تلك الأرواح فيها فأحيانا حياة أخرى، كما قال: (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) [المؤمنون:14]. 

  • وأخرجنا من بطون أمهاتنا، وجعل لنا حياة في الدنيا نتعرض فيها للموت في كل يوم وليلة من خلال النوم. 

ويذكرون الآن في اكتشافاتهم؛ أنَّ في حالات من حالات النوم يصير الإنسان فيها كالميت تماما، فيما يتعلَّق بشأن هذا الدماغ والمخ وعلاقة أوامره ببقية الجسد؛ وبذلك يؤخَّر العلاقة بين هذه الروح وبين هذا الجسد مدة مؤقتة، ثم يعود، فإذا أراد الله تعالى وحضر الأجل حصل ذا الأمر ولم يؤذن لهذه الروح أن تعود لذلك الجسد إلا عند المساءلة في القبر وعند النفخة الثانية في الصور. ولذا جاءت بعض التحليلات الطبية أنَّ فلانا مات، وأجروا عليه الاختبارات؛ النفس منقطع تماما والقلب ساكن نهائيا، ولا له أدنى حركة.. وهو لم يأت بعد وقت قبض روحه! وقد قام بعضهم من الجنازة! وبعضهم قام من وسط القبر! لا إله إلا الله.. 

  • فصدق ﷺ يقول: "واللَّهِ لتَموتُنَّ كما تَنامونَ، ولتُبعثنَّ كما تستيقِظونَ".

  • (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) -أي توفاها- (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ) ما عاد ترجع إلى الجسد، يُنبهّونه: قُم، وليس هو موجود، هو كان حيا ونام ولكن خلاص ما عاد يقوم (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى) -الفترة المعينة له فقط- (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر:42].

يقول: (وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ) وهذا الذي يرد لك الروح في كل يوم وليلة بعد أن تَغِيب، أيصعب عليه أن يردَّها بعد مُدَّة؟ لا إله إلا الله!

وفي كل شيء له آية تدلُّ على أنه الواحد

(وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)): 

  • قُدرَة مُطلَقة، يُوجِدُ ويُنشئ ويُبدِعُ الخلائق من لا شيء، ويُصَرِّفهم ويُطوِّرهم ويُقلِّبهم ويتصرّف؛ هذه القدرة. 

  • وكل ما آتى شيئا من خلقه معنى من معاني القدرة -ومعاني القدرة الموهوبة للخلق كلها مجازية، وكلها حادثة ناشئة بإيجاده، وكلها محدودة -ما تتناول كل شيء-.

وكثير من المكلفين من الإنس والجن يغترّون بما أوتوا من هذه الصفة المحدودة القصيرة، ويقول: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي) [القصص:78]، (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصلت:15]، يغترون!. 

فالقدرة المطلقة له وحده (وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)) يرفع يَخفِض، يُحيي يُميت، يُقَرِّب يُبعِد، يُشقِي يُسعِد، يُغنِي يُفقِر، يُمرِض يُصِح، يُعِزُّ يُذِلُّ: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ) [آل عمران:26]، -سبحانه عزَّ وجل- هذه القدرة المطلقة، وإذا عَلِم الإنسان ذلك وجب عليه أن: 

  • يَثِق في هذا القدير، وأن يتوكَّل عليه. 

  • وأن يَرجِع إليه ويلجأ في جميع شؤونه. 

  • وأن يخاف بطشه ونقمته. 

  • وأن يستعمل ما آتاه من قدرة فيما يرضيه. 

فهذا فائدة الإيمان بقدرة الله تعالى، وإيمانك بأن الله على كل شيء قدير.

يقول الله: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ) في حقائق الحياة والوجود والخلق وأمر الدين؛ (فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) فهو العليم بكل شيء والقدير على كل شيء، وليس سواه محلُّ إنشاء الدين ولا الشرع ولا الحق ولا الحقيقة: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) [النحل:116]، إلا هذا حقُّ الله -تبارك وتعالى-.

يقول: (فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)، فجميع ما يختلف فيه العباد من الشؤون الأساسية في الوجود والخلق وصفات الحق -تبارك وتعالى- حكمه إلى الله؛ هو الذي يُبينه ولا يُعلَمُ إلا من جهته، ثم يحكم بين عباده في القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.

  • والواجب على كل من آمن به: أن يُرجِع الحُكم في أي شيء تختلف فيه العقول والنفوس إلى الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي               شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء:59].

  • ويدخل في الرَّدِّ إلى الله -تبارك وتعالى-: السُّنة الشريفة ومعانيها في الرد إلى الرسول، ثم أهل الاستنباط من أولي العلم من المتهيئين للاجتهاد بالقياس وبالإجماع.

فهذا معنى الرد إلى الله: 

  • فما كان من صريح كلام الله وكتابه فلا شيء غيره. 

  • ثم ما كان في سنة رسوله وبيانه.

  • ثم ما أجمع عليه أهل العلم بالكتاب والسنة. 

  • ثم ما استنبطوه بأقيستهم. 

الرجوع إلى هذا، رجوعٌ إلى الله وحكمه إلى الله؛ لأنه هو الذي أمر بذلك وقال:

  • (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النحل:43].

  • (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83].

  • ويقول: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء:59].

  • ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].

  • ويقول: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) [الفرقان:59].

  • ويقول: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) [لقمان:15].

ويقول في الإجماع: 

  • (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء:115].

  • فإذا اجتمع المؤمنون على شيء  فهو حجة؛ لقول رسول الله ﷺ: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".

فاتفاق مجتهدي أي عصر من العصور من أمة محمد ﷺ؛ إجماعٌ يكون حُجَّة، لا حقَّ لمن بعدهم أن يُخالفه. فاتفاق مجتهدي كل عصر على أمر من أمر الدين حجة .. إجماع؛ 

  • فما أجمع عليه الصحابة لا مجال للتابعين أن يجتهدوا فيه. 

  • وما أجمع عليه التابعون لا مجال لتابع التابعين أن يجتهدوا فيه. 

  • وما أجمع عليه تابع التابعين -أي علماؤهم- فلا مجال لتابع تابع التابعين أن يجتهدوا فيه، وهكذا.

 فالإجماع حُجَّة، قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)، وجميع ما يتنازع الناس عليه وأعظمه؛ التنازع في الإيمان بالله تعالى وفي توحيده.

قال تعالى في الذين تقاتلوا في أيام رمضان؛ المشركون من قريش من مكة جاءوا والنبي محمد ﷺ ومن معه من الأنصار والمهاجرين، وأول مبارزة في بدر كانت بين سيدنا حمزة وعُبَيْدَة بن الحارث بن عبدالمطلب وعلي بن أبي طالب، قابلوا عُتْبَة بن ربيعة وشَيْبَة بن ربيعة والوليد بن عُتْبَة، فأنزل الله: (هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) [الحج:19]؛ فهو يحكم بينهم، تقاتلوا في الدنيا والحكم بينهم مقبل في الاخرة.

ولذا قال سيدنا علي: "أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله يوم القيامة"، وتلا الآية: (هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) [الحج:19]؛ لأنه أول ما يُقضى في القيامة بين الناس في الدماء؛ لعظمتها عند الله، فكل من انتهك حرمة دَمٍ بغير حق حق عليه العذاب -والعياذ بالله تعالى-.

(هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) [الحج:19-23]؛ ويأتي الحكم بين الحق والباطل والإيمان والكفر، وهؤلاء إلى الجنة وهؤلاء إلى النار: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى:7].

(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي): 

  • متولي أمري ومُربيني ومالكي وإليه مرجعي (رَبِّي).

  • (ذَٰلِكُمُ اللَّهُ) العظيم، الحكيم، الذي على كل شيء قدير، الغفور، الرحيم، العلي، العظيم (رَبِّي).

  • (ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي) الذي يجب أن نرد الحكم إليه.

(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) اعتمدتُ واستندتُ وفوضتُ ووثقتُ؛ ويجب على المؤمن أن يتوكل؛ بل هو على قدر إيمانه لازم التوكل: 

  • كلما قوي الإيمان قوي التوكل. 

  • وكلما ضعف الإيمان ضعف التوكل. 

(وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [المائدة:23]، والتوكل: اعتماد واستناد وثقة وتفويض، هذا هو التوكل، كما من يجعل له وكيلا محاميا يَثِقُ فيه وفي قدرته وبراعته وإقامته للحُجَج فيوكل القضية إليه ويتوكل عليه؛ كذلك المؤمن متوكل على الله.

(ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) توكُّل الصادق الذي عَظُمَت ثقته بالخالق، استند إليه واعتمد عليه واكتفى بعلمه ووثق بفضله وفوَّض الأمر إليه (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ)، وفي الحديث: "لو توكلتم على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِمَاصًا وتروح بِطَانا".

فلا يجوز أن يتوكل المؤمن على عقله ولا على علمه ولا على قبيلته ولا على جماعته ولا على حكومات ولا على شعوب ولا على دول، ولا على أرض ولا على سماء ولا على شيء؛ لأن كل شيء غيره لا يستقلُّ بتقديم ولا تأخير، ولا نفع ولا ضُرٍّ، ولا حياة ولا موت ولا نشور، ولا عطاء ولا منع؛ فلا يجوز أن يتوكل إلا على الله.

رَبِّ عليك اعتمادي *** كما إليك استنادي

صدقا وأقصى مرادي *** رضاؤك الدائم الحال

(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)) أرجع دائما بخضوع وذلة وتعظيم له (أُنِيبُ)، فالإنابة: رجوعٌ بخضوعٍ وذِلَّةٍ وتعظيم (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10))، (وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ) يعني ارجعوا إليه متذللين خاضعين ومعظمين له (وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) [الزمر:54].

قال: (ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)) وها نحن نقوم بالصلاة أو بالصيام أو بهذه الدروس أو بشيء من الصالحات وأعمال الخير؛ متوكلين على الله، يُقدِرُنا عليها ويوفقنا لها ويُعيننا على تمامها، ومتوكلين عليه في قبولها؛ وإلا: ما قيمة العمل إذا لم يُقبَل؟ لا شيء! لو ملأتَ الأرض أعمالا ولم تُقبَل ما لها قيمة.

وإذا عظَمَت الأعمال الصالحة وكِبَرُها بقبول العلي الكبير العظيم لها، إذا العظيم قبلها عظُمَت، وإلا هي من حيث نسبتها لك: لا أنت ولا هي، لا شيء من العظمة فيها؛ لكن إذا هو قبلها ورضيها؛ صارت عظيمة بقبوله، بقبول العظيم، إذا قبلها العظيم عَظُمَت، إذا قبلها الكبير كَبُرَت.

(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)) فحقِّقنا بالإنابة إليك؛

  • (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ) [غافر:13].

  • (سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ) [الأعلى:10].

  • (فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55].

إذًا فمن ضرورة الإيمان: أن تكون خشية وإنابة، فهؤلاء هم الذين ينتفعون بالذكرى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37]؛ إذًا فالمؤمن له قلب يسمع بحضور ويُنيب إلى الرَّبِّ -جلَّ جلاله- ويخشاه؛ هذه صفات المؤمن، وهؤلاء الذين يتذكرون:

  •  (سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ) [الأعلى:10].

  • (فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55].

  • (وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ) [غافر:13].

  • (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37].

  • (فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات:55].

إذًا فالمؤمنون جامعون لهذه الصفات؛ على قدر إيمانهم.

 يا رب حققنا بها، ولا يخرج رمضان عن صغير ولا كبير مِنَّا إلا وهو مُتحقِّق بهذه الصفات الإيمانية:

  • قوي الإيمان واليقين. 

  • مُنِيبًا إليك، له قلبٌ حاضرٌ معك. 

  • يُلقي السمع وهو شهيد.

  • يخشاك .. يخشاك.

يا أرحم الراحمين، أكرمنا بذلك، واجعلها من عطاياك لنا في الشهر الكريم، اخلعها علينا ولا تنزعها عنا أبدًا.

(عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الَّذِي شَقَّهَا وَأَنشَأَهَا مِنَ الْعَدَم. فاطر: فطَرَها شقَّها وأوجدها وأنبتها وبدأها من العدم، (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) هل شاركه أحد في خلق السماء والأرض؟! أحد من أهل التكنولوجيا شاركه؟! أحد من أهل طائرة بدون طيار شارك في خلق السماء والأرض؟! أحد من أهل السلاح النووي شارك في خلق السماء والأرض؟ هم مخلوقون كانوا نطفًا وعلقًا ومضغًا، في ماذا شاركوا؟ في ماذا شاركوا؟ (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ) [الأحقاف:4]، حتى أي دليل؟ هو وحده الذي خلَق، فوحده الذي يجب أن يُعبَد، ووحده الذي يجب أن يُقَدَّم على ما سواه أمره ونهيه -جلَّ جلاله-، أم يكون هو الخالق وحده وبعدين تعالوا انتصبوا لنا أحدا من هنا.. واحد في الشرق وواحد في الغرب، اعملوا وافعلوا!. 

ما شاركتموه في خلقنا ولا في خلق السماوات والأرض لنا، تشاركونه في منهجه وفي دينه؟ بأيِّ حق؟ أنتم عباد مثلنا ونحن عباد له، تعالوا نعبده ونُسلِم له -جلَّ جلاله-.  أمَّا هذا الاستعباد للناس! وفوقه تَشَدُّق بالحريات والحقوق! ويكونون تحت أرجلنا! هذا كلام هذا؟ هذه هي الحرية؟.

يقول: (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) -أصنافًا وجعلكم ذكورا وإناثا- (وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا) أصنافا، وكل منها ذكر وأنثى، ترتيب من هذا؟ أي هيئة؟ أي جماعة؟ أي حكومة؟ أي دولة؟ أي مَلِك؟ هو وحده رتَّب هذا، وكلهم مقهورون تحت هذا الحكم، (جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) يُعيِّشكُم ويُحييكم ويُكثِّركم في هذا الذَّرء بهذه الزوجية، (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) فتعيشون وتحيون وتتكاثرون.

هذا الذي فطر السماوات والأرض و(جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ): 

  • جميع ما في الأرض والسماء وما في الأفكار وما في العقول وما في الخواطر هي غير الله، ولا تشبه الله ولا يشبهها الله.

  • (لَيْسَ كَمِثْلِهِ)، لا كذاته ذات ولا كصفاته صفات ولا كفعله فعل. هو الله وحده، المنفرد، الواحد الأحد.

فإذا علمنا أن من صفاته العلم: 

  • فليس كعلمه علم أصلا. 

  • الموصوفون بالعلم من ملائكة ومن أنبياء ومن بشر أو من جن أو غيرهم.. كلهم علمهم حادِثٌ محدودٌ قابلٌ للزوال، بإذهاب الذاكرة أو العقل في أي وقت. 

فليس كعلمه علم، علمه شيء وعلم الخلق شيء ثان، ولا كسمعه سمع ولا كبصره بصر.

(وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)) يسمع كل شيء -جلَّ جلاله-، سمع المخلوقات حادث وهو بالنسبة لنا وللحيوانات محكوم بآلات وهيئات، مخلوقة لنا أذان وأَصْمِخَة، يعني إلا كل سمع مُنشأ مُحَدث مُرَكَّب؛ السميع هو. ويعطي السمع هذا بهذا الحدود لمن يشاء، وبعضهم أوسع سمعًا من الآخر؛ وكله محصور ومحدود. وهو الذي يسمع كل شيء، يسمع وقوع الخواطر في القلوب، ويسمع حركة الطير في الهواء ويسمع رفع النملة رجلها وبسطها لها ومدَّها..لا إله إلا الله!.

وبذا قالوا يُمَثِّلون عظمة سمع الحق وبصره: لو جئنا إلى نملة سوداء ووضعناها وسط حجرة صمَّاء ثم غُصنا بها إلى أعماق البحار في الليلة الظلمة فالرحمن -جلَّ جلاله- يرى هذه النملة ويرى سيقانها ومُخَّها ويسمع دبيبها؛ فالسمع له والبصر له. 

  • أمَّا مسموعات الخلق فحَادِثَات من عنده -جلَّ جلاله- يعطيهم معنى من السمع. 

  • أمَّا السمع بحقيقته ما هو إلا له: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) لا كسمعه سمع ولا كبصره بصر ولا كعلمه علم ولا كقدرته قدرة. 

(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11))، (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص:3-4]، أي مُمَاثِل أو مُشَابِه، أبدًا جلَّ الله عن ذلك، فكل الكائنات شيء -بجميع ما فيها- وهو أعظم من كل ذلك، وأكبر من كل ذلك، وأجل من كل ذلك، لا كمثل ذاته ذات، ولا كصفته صفة، ولا كفعله فعله. جلَّ الله وآمنَّا بالله كما هو بأسمائه وصفاته، زِدْنا اللهم إيمانًا ويقينا.

  • (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) خزائن السماوات والأرض، (مَقَالِيدُ): مفاتيح الخزائن، ويُسمي العرب المفتاح: إقليد.

  • (مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) يعني ما في السماوات والأرض من خزائن، ومن أجرام وأجسام وفوائد ومنافع في ملكه وتحت يده.

  • (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) قال عن المنافقين: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) [المنافقون:7].

  • (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) خزائنهما وما فيهما من شيء له، يُصرَّفها كما شاء، نباتها وماءها وجبالها وهواءها وبحرها وبرَّها

(لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ) -يُوسِّعه- (وَيَقْدِرُ) يُضيِّق بحكمه البالغة؛

  • (يَبْسُطُ الرِّزْقَ) -يوسِّعه- (لِمَن يَشَاءُ) الرزق الحسي والرزق المعنوي. 

  • يبسط لمن يشاء (وَيَقْدِرُ) أي يُضيِّق على من يشاء.

(إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)) علم محيط أزلي قديم (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق:12]:

  • فتأمَّل عظمة علمه، وتعلَّم ما يُحِبّ منك. 

  • وخير ما تتعلمه: صفاته وأسماؤه وعظمته وجلاله وقدرته -سبحانه وتعالى- وآياته وأحكامه؛ هذا خير ما تعلمه وأشرف ما تعلمه. 

  • فخذ نصيبك من هذا العلم وتقرَّب إليه واستحي منه فإنه مُطَّلِع على كل شيء.

وإذا عَلِمت أنه سميع وأنت صاحب السمع المحدود: 

  • أضبط أقوالك فإنه يسمع. 

  • وصرِّف سمعك فيما يُحِب من كلامه وكلام رسوله وكلام الصالحين.

 ما قال تفتح سمعك على كلام فسقة ومجرمين ومستهزئين بآيات الله ومتظاهرين بالسوء والفحشاء. قاعد تتسمع تتسمع تتسمع لهم! تلعب بالسمع الذي أتاك الله السميع! فكيف تسمع كلامه يوم القيامة بهذا السمع؟! وما تخشى منه -سبحانه وتعالى- أن يعاقبك بما سمعت؟ لا إله إلا الله.. فاسمع إلى ما يحب منك سماعه.

وكذلك البصر: آتاك هذا البصر -جلَّ جلاله-، وجعل لك أمثلة ممن لا يُبصِر، وهو البصير البصر المحيط بكل شيء بالحسِّيات والمعنويات يُبصرها -جلَّ جلاله-، وبصرك في عالم الدنيا بوسائط وأسباب وخلايا وما إلى ذلك.. تركيبات ركَّبها هو لك، وإذا اختلَّ منها شيء اختل عليك البصر؛ لأنه ليس هو مُلْك لك أصلا؛ إلا هو الذي يعطيه، ولو كان المُلك عند الناس ما أحد يجعل بصره يضعف ولا أحد ما يبصر، سيرجع أعمى بعد ما كان بصيرا، ولكن ما هو ملكهم أصلًا ولا مُلك المستشفيات ولا مُلك الدكاترة؛ مُلك السميع البصير. لا إله إلا الله..

  • فهذا البصر احفظه، إنه يُبصرك فاحفظ بصرك، لا تمدُّه إلى ما لم يُجِز لك.

  • وهيئ هذا البصر لرؤية أنبيائه وملائكته والصالحين من عباده في القيامة، ولرؤية الجنة.

 فاحفظه، إذا لطخته بما حرَّم عليك ما يصلح لرؤية وجوه الأنبياء! وما يصلح لرؤية الجنة! هذا البصر الملطخ بالنظر السوء: 

  • إما باحتقار المسلم، أو استحسان زهرة الدنيا. 

  • أو بالتكبر على أحد من عباد الله. 

  • أو رؤية العورات، أو رؤية الأجنبيات.. وما إلى ذلك. 

إذا تلطَّخ البصر ما عاد صَلُح لرؤية وجه محمد! ولا وجوه الأنبياء! هذا بصر خارب ما يصلح، البصر الوَسِخ ما ينظر إلى الأطهار! فحافظ على بصرك واحمِهِ واحرسه، وتأمَّل قوله: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ) -خير وأطيب- (لَهُمْۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:30-31]؛ فهيئ هذا البصر لرؤية وجه رسول الله ورؤية وجوه الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين والعباد المقربين، ولدخول الجنة والنظر إلى وجه الله الكريم.

احفظ أبصارنا وصُنها، وأسماعنا واكلأها، فلا نستمع إلا ما تحب ولا نُبصِر إلا ما تحب، وهيئنا يا مولانا لأن نسمع كلامك يوم القيامة، ونُبصِر وجه نبيك محمد ﷺ في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة، ونتهيأ لدخول جنَّتك والنظر إلى وجهك الكريم يا كريم. 

بسر الفاتحة 

إلى حضرة النبي محمد ﷺ

 اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

 الفاتحة 

تاريخ النشر الهجري

14 رَمضان 1446

تاريخ النشر الميلادي

13 مارس 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام