(229)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى ليلة الجمعة 29 رجب الأصب 1437هـ ضمن دروس إرشادات السلوك بعنوان: من حقائق الشهادتين وآثارهما ونتائجهما.
الحمدُ لله الذي يأخذ بيدِ كلِّ مَن أقبل عليه، وتوجَّه إليه، لا إله إلا هو، بعثَ إلينا الرحمةَ المهداة، بعثَ إلينا النعمةَ المُسداة، بعث إلينا محمدَ بن عبد الله، أدِم الصلوات والتسليمات على خيرِ البريات عبدِك سيدنا محمد، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، وآلهم وأصحابهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعلى ملائكتِك المقربين، وجميعِ عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتِك يا أرحمَ الراحمين ويا أجودَ الأجودين.
ولقد كساكم اللهُ تعالى حللَ اتصالٍ به بواسطةِ النبي محمد التي تتجدَّد أخبارُها وآثارُها وأنوارُها في القلوب على ممرِّ الزمان وممرِّ الأعصار في مختلف الأقطار والبلدان، حتى ينتظمَ قلبُ كلِّ مَن سبقت له السعادة وسط الدائرة المحمدية الأحمدية، فيُكرم بنُور لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويموت ذلك القلب عليها، وهم وحدهم أهل صفوف الجنة مِن أمةِ النبي محمد، في يوم يكون فيه بعثُ النار منا ذرية آدم في كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة. وأصحاب الجنة يوم القيامة مائة وعشرون صفاًّ، ثمانون من هذه الأمة وأربعون من بقية الأمم، وليسوا إلا الذين أُكرِموا بنور لا إله إلا الله محمد رسول الله، وماتوا وذلك النور في قلوبهم، اللهم ثبِّتنا عليها واجعلنا عندك مِن خواصِّ أهلها.
وإنما تختلف مراتبُهم ودرجاتُهم بعد ذلكم في معرفةِ معانيها والتحقُّق بحقائقِها والعمل بمقتضاها، فبذلك تختلف الدرجات والمراتب بين ذا وذا وذاك، في مختلف الجهات ومختلف الأزمنة، فأقواهم معرفةً بها وتحقُّقاً بها وعملاً بمقتضاها وذوقاً فيها هو أتقاهم للرب، وهو أكرمُهم على الرب، وهو أقربُهم مِن محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما يكون انتظامُ ظهورِ وبروزِ الأعمال منهم لفظاً وبصراً وسمعاً وحركةً بيدٍ ورجلٍ إلى بقية الأعضاء إلى رأس الأعضاء وهو القلب، يكون كلُّ ذلك صدورُه منهم إما على ارتباطٍ بمعنى هاتين الشهادتين أو على انفصال، والارتباطُ إما على قوة ورِفعة وإما على أقل مِن ذلك في القوة والرفعة، وبذلكم تختلف الدرجات.
والانقطاع كذلك عن لا إله إلا الله محمد رسول الله بالغيبة، بالنميمة، بالنظر الحرام، بقطيعة الأرحام، بإضاعة الصلاة، بعقوق الوالدين، بأكلِ الربا، بظُلمِ يتيم، بإيذاءِ جار، بأيِّ شيءٍ من أفعال الحرام، انقطاع على درجات، ومنه درجات قوية في الانقطاع، قال عنها خير البرية: "لا يشرب الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمن، ولا يزني الزان حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن" يكون في هذه الحالات انقطاعٌ عن لا إله إلا الله تام، بسرقة أو بزنا أو بشرب خمر والعياذ بالله تعالى.
ومراتب الانقطاع كذلك، لذلك عبَّر حكماءُ الأمة وصلحاؤها عن هذه الحقيقة فقالوا: المعاصي بريد الكفر. أي رسوله المؤذن بوصوله، الاسترسال وراء الذنوب والمعاصي علامةُ الكفر والعياذ بالله تعالى، اللهم جنِّبنا الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن، وجنِّبنا المعاصي في السر والعلن، وثبِّت قلوبَنا وجوارحَنا على تقواك يا رب العالمين.
وهذه الاتصالات بشهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يقوِّيها كلُّ قول صدق، كل قول دعوة إلى الله، كل قول نصيحة، كل تسبيح، كل تحميد، كل تهليل، كل صلاة على النبي محمد، كل تلاوة للقرآن، كل نظر إلى المؤمنين بعين الرحمة، كل نظر إلى المؤمنين بعين الإكرام والإجلال، لأنه معه نورُ لا إله إلا الله، التي لو وُضعت في كفة والسماوات والأرضون في كفة لرجحَت بهم لا إله إلا الله، فمن ظن أن شيئاً يوجد ليس في مجرد الأرض وحدها، حتى في السماء أعظم من لا إله إلا الله فقد نافق وقد كذَّب وقد فسق، نورُ لا إله إلا الله ومنزلتُه أعظم من جميع ما يوجد على ظهر الأرض، وجميع ما يوجد من الأجرام في السماوات وجميع ما بينهما. لا إله إلا الله، اللهم ثبتنا عليها وحقِّقنا بحقائقها يا أكرم الأكرمين.
وذلكم التحقق هو المقصود مِن مختلف الطاعات والعبادات أن تقوي نورَ لا إله إلا الله محمد رسولُ الله في قلبك وعقلِك وفكرِك وذوقِك ونيتِك ومقصدِك، هناكم أسرارُ التحرُّر عن أن يأسرَك كون، كون يأسر كون! مخلوق يأسر مخلوق! مصنوع يأسر مصنوع، ويقطعون بعضُهم البعض عن الصانع الخالق الفاطر المبدئ! لا إله إلا هو، به آمنا.. اللهم حقِّقنا بحقائق الإيمان، وارفعنا بالتحقُّق بالإسلام والإيمان إلى يفاعِ الإحسان، وافتح علينا أبوابَ المعرفة بك الخاصة والمحبة الخالصة يا الله، فإن الذي حُرِم الإسلام لا يُغنيه شيء، ولو أُعطي فكرَ المفكرين وعبقريَّة العباقرة أجمعين، وحضارة المتحضِّرين وصناعة المصنِّعين، وهندسة المهندسين، وملكَ طائرات العالم كلَّها، وملك أجهزةَ العالم بما فيها، وملك منابعَ الثروات والنفط والذهب والتجارة كلها، وقد حُرِم الإسلام فهو والله العظيم خاسر، ونادم ومتعرِّض لعذابٍ يعضُّ فيه على يديه ويقول: (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) فما أعظم نعمةَ الإسلام، اللهم ارزقنا شكرَ النعمة باستحضارِ عظمتِها والقيامِ بحقِّها وثبِّتنا عليها يا الله.
ولهذا قال سيدنا عمرُ بن الخطاب بعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي، فسأل مَن هذا الطاعن؟ قالوا أبو لؤلؤة، قال: الحمد لله ليست عنده لا إله إلا الله يجادلني بها يوم القيامة، يعني مقطوع عن أصل الخير فما عنده حجة يقابلني بها ولا سبب لرحمة الله يرحمه بها.. قال ما عنده لا إله إلا الله يقابلني بها..
فالحمد لله على نعمة لا إله إلا الله.. أين الذين يعظمونَها بقلوبِهم ويتلونَها حتى تلهجَ بها ألسنتُهم.. كم نستشهد ببعض وقائع في واقع المسلمين، بعض أخيارهم ألِفَ لسانَه لا إله إلا الله فما يسكت عنها، قالوا: وكانت ديدن الصديق أبي بكر، هذا الذي يذكر في الخبر أن سيدنا المصطفى ليلة الاسراء كان يحاورُ جبريلَ مع رجوعِه، قال له: وهل أُخبر الناس بما كان لي؟ قال نعم يا محمد، قال يكذبونني، قال: لكن فيهم أبو بكر.. فيهم أبوبكر يصدِّقك، وإنا نسميه عندنا الصديق، اسمه عندنا الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ووقف موقفَه الكريم.. إن كان قال فقد صدق.. هذا الذي آمنتُ به.. لا يعرف لسانه الكذب، وما ينطق عن هوى، وكل ما قال فهو حق، وإن كبُر على العقول فإنه يأتي بخبرٍ من عند مُكوِّن العقول، من عند رب العقول جل جلاله، وعقلُ الصديق قد هداه للحقيقة، فأدرك مكانةَ خير الخليقة.. إن كان قال فقد صدق.
أيها المغشوشون في أذهانهم وفي أفكارهم السائرون في مدة هذه الحياة القصيرة وراءَ إعجابٍ بشيءٍ من أفكار أهل الشرق والغرب أو صناعاتهم ممَّن قصُر إعظامهم لمحمد أنذركم.. أنذركم حسرةً إن مِتّم على الحالة هذه وندامة لا تنفع، تشتد عليكم يوم القيامة، العظمة لله، وأعظم الخلق عبدُ الله محمد بن عبد الله، ليس في عباد الله أكرم منه ولا أعظم منه، ولا أجَلّ منه، ولا أرفع منه، ولا أزكى منه، ولا أعقل منه، ولا أوعى منه، ولا أفهم منه، ولا أعلم منه، ولا أقرب منه، ولا أطيب منه، ولا أنور منه.. عبد الله المجتبى، ومَن مِن العباد سرى حتى جاوزَ سدرةَ المنتهى!؟ اذكر لي.. ومَن مِن العباد وصل بلباسِه ونعليهِ إلى العرشِ الكريم والعرش العظيم!؟ ومَن يقول عند مجيئنا والأولين والآخرين في المجمع الكبير أنا لها غيره ؟ لا مثل محمد، لا يساوي محمدا في خلق الله أحد، يا رب صلِّ عليه، وأملأ قلوبنا بمحبتك ومحبته من أجلك، حتى لا يكون شيء من الكائنات في الأرض والسماء، في الدنيا والآخرة أحب إلينا منك ومن رسولك يا الله.
وهذا كأسٌ مَن شرب منه سعدَ سعادة الأبد، وعاش بذوقِ حلاوة المحبة وفيها عيشُ الأحبة، ومَن حُرمها في هذه الدنيا لم يؤذن له من الحوض المورود بشربة، إنما يشرب مَن أحَبَّ.. وإنما يرى ذلك الوجهَ يوم القيامة مَن أحب.. من مات على المحبة ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) هذا إنذارُ الله لمَن كان شيءٌ مِن هذه المظاهر أحبَّ إليه مِن الله ورسوله وجهادٍ في سبيله، فلا يكون في قلبك أحب من الله ورسوله وجهاد في سبيله لا في الأرض ولا في السماء لا في الدنيا ولا الآخرة وعندئذ لا يستطيع الدجال ولا مَن دونه مِن جميع أهل الفتن أن يحرفوك ولا أن يصرفوك ولا يأخذوا بك عن طريق الحق، وتكون الصادق الناجي، ولكن إذا القلب داخلته محبةٌ زاحمت محبةَ الرب، زاحمت محبةَ محمد، فهذا أيسر ما يُقاد لإبليس وجنده، أيسر ما يُقاد لعدوِّ الله الدجال والعياذ بالله تعالى، الفتن الصغيرة قد أخذت أهلَ هذه القلوب التي ضعُفت فيها المحبة فكيف لو جاء الدجال!؟ بيقع مسابقة إلى عنده والعياذ بالله من هذه القلوب المفتونة التي داخلَها وزاحم فيها حبَّ الله وحبَّ رسوله حبُّ شهوات حبُّ فانيات حبُّ سمعة حبُّ سلطة حب أموال حب ظهور حب أي شيء في الدنيا أو في الآخرة في الأرض أو السماء، الله ورسوله، وإن كان لنا شيء في الأرض جهاد في سبيله .. لأنه محبوبُ الله ومحبوبُ رسوله فهو أولى ما أحبته قلوبُنا.
يا رب ثبِّت قلوبنا على صدقِ المحبة وألحِقنا بأولئك الأحبة، وائذَن لنا مِن هذا الشرابِ الكريم بشربة يا الله، قلوب نسألك أن تسقيَها في حياتها قبل مماتها، وعجِّل لمن شئتَ يا رب في مجمعنا منهم وممن يسمعنا، وفي خواتيم شهرِنا أو فيما أقبل وفيما بعد، ولا يموت أحد منا إلا سقيته يا ربَّ الأرباب، مِن حالي هذا الشراب، في مراتب الاقتراب وأعطيتَه يا وهّاب وهباً منك بغير حساب يا الله، ومن فُتِح له هذا الباب وسُقي مِن هذا الشراب، فاحذر أن يقيس عقلَه من جميع ما في الدنيا من حوافز وجوائز ومشيِّعات وخلع تُخلَع وميداليات وكل هذا ما تساوي شيء أمام هذا، هو العزيز، اليوم أكلمك بهذا الكلام لكن ربما سقي أحد من هذا وتنظره في القيامة وترى أهل ميداليات العالم وجوائز العالم كلهم بعضهم مثل الذرة، بعضهم كما السَّبُع، وبعضهم ينهقون ويصيحون، وهذا مكرَّم معزَّز مَن شرب شراب.
المحبة فالمرء يُحشر في حديث ** المصطفى مع من أحَبَّ
وهذه ميادين السقيا، ولا أقاموا لنا مجالس الزيارات ولا الموالد ولا مجالس العلم ولا الذكر إلا لنشرب، إلا لنُسقى، إلا لنحصِّل نصيباً من هذا..
فبلَّةٌ من كأسِها المختوم ** تملأ رياضَ القلب بالعلوم
وتحفظ الفهمَ عن الوهوم ** وتطلق العقلَ عن العقالِ
طوبى لمن طاب لها استعدادُه ** وانحلّ مِن رِقِّ السِّوى قيادُه
فجَلّ من عين الحِجا رشادُه ** فذاق منها بلَّةً ببال
ومن يكن بكل علم عالم ** ولم يذقها فهو ساهٍ نائم
فخَف عليه ما يخاف الهائم ** عند كفاح الموت والأهوال
يا شيخ هذا مثقف هذا مفكِّر قال لك ساهٍ نائم، لأن الحقيقة هو نائم عنها، قال عنها سيدنا علي: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.. إذا انتبهوا ندموا، وحينئذ لا ينفع الندم، فهو ساهٍ نائم.
الله يكرمنا وإياكم بنصيبٍ حتى نذوقَ طعمَ الإيمان، ذاق طعمَ الإيمان مَن رضيَ الله رباً والإسلام ديناً وبمحمد نبياً، اجعل هذه القلوب راضية بك رباً، ومَن رضي به ربا تولَّع به.. اشتاق إلى قربه.. عظّمه.. يصبح ويمسي وهمُّه مرضاة هذا الرب، ولا يبالي في أخذِ حظِّه من الرب بشيء غير ذلك كائناً ما كائن، لذلك قالوا
ليتك تحلو والحياة مريرة ** وليتك ترضى والأنامُ غضابُ
وليت ما بيني وبينك عامر ** وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صحَّ منك الودُّ يا غايةَ المُنى ** فكلُّ الذي فوق الترابِ ترابُ
بذلك قالوا :
ثِق بمولاك في جميعِ الأمور ** واحسب الناس كلَّهم في القبور
من كان بيرجع للقبر فهو في القبر خلاص مآله للقبر، لكن الحي الذي لا يموت جل جلاله أحبَّه، فإذا أحبك فيا بشرى لك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) وكان ذلك في جميع الأوقات كل من ارتد أظهر الله في الوجود قوماً يحبهم ويحبونه، وأهل الردة في زماننا والذين حاولوا أن يردوهم فارتد منهم من ارتد سوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه وأوصافهم هكذا: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ما يتكبر ما يترفَّع ما يتعالى ما يؤذي ما يضر ما يطوي باطنه عىلى شر، (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) ما يطمعون فيه، يعطونهم سلطة ما يشترون، مال ما يشترون، منصب وظيفة طائرات، يفزِّعونهم بالقنابل ما يخافون، يحبهم ويحبونه (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِيْنَ يُجَاهِدُوْنَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُوْنَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيْمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِيْنَ اتَّخَذُوْا دِيْنَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِيْنَ أُوْتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِيْنَ) ما علامة هؤلاء؟ شعائر دينكم من استهزأ بها ارفضوه (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ) دعه يقول لك صنعت الذرة، لكنك ما فيك عقل أنت وذرتك إلى النار، خاسر في الدنيا والآخرة (ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).
أجرنا اللهم مِن كل سوء، وانظرنا وانظر إلينا في هذه المجامع والمجالس، وارزقنا سرَّها وبركتَها وحقيقتَها يا الله، اختم شهرَ رجب لنا بخير، وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات في جميع الجهات، أغِثهم يا سريعَ الإغاثات، اكشف عنهم الكُربات، أزِل عنهم الظلمات، ادفع عنهم الآفات، تُب على أهل المعاصي والسيئات، واقبل التوبةَ مِن أهل التوبات، وعلِّم أهل الجهالات، وانفع بالعلمِ العالمِين بالمسائل الشرعيات، اللهم وأصلح شؤونَ المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، يا الله بصاحب الإسراء والمعراج قوِّم ما بالأمة من اعوجاج، ثبِّتهم على أقومِ منهاج، وادفع عنهم كيدَ النفوس والأهويةِ وشياطين الإنس والجنِّ يا قوي يا قدير يا متين، يا عليم يا خبير، يا سميع يا بصير، يا مقتدر يا حي يا قيوم، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، يا من بيده الأمر كلُّه، سألناكَ ورجوناكَ وأمّلناكَ لأمة هذا الحبيب بهذا الحبيب فارحَمهم يا قريب وأجِب الدعاء يا مجيب.
يا مغيث أغِثنا والمسلمين، وفرّج كروبَنا والمسلمين، واصلح شؤونَنا بما أصلحت به شؤونَ الصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين. أحسِن لنا خاتمةَ رجب، اجعلنا مِن سعداء الدنيا والمنقلب، ولا تجعله آخرَ العهد بهذا الشهر، أعِدنا إلى أمثالِه في عافية وصلاح للمسلمين يا الله، وما سُجِّل علينا من تقصيرات وسيئات وخياناتٍ ومخالفات وسوء أدب في الشهر ليس لنا غيرك نعرضه عليه وما لَنا أحدٌ يخلِّصنا منه سواك، فيا مَن لا يغفرُ الذنوبَ إلا هو، ولا يكفِّر السيئاتِ إلا هو ولا يتوب على العاصين إلا هو، نسألك بوجهك الكريم وأسمائك الحسنى، وكلماتك العُلى وحبيبِك محمد أن تمحوَ كلَّ ذلك من صحائفنا فنخرج وصحائفُنا في رجب نُقِّيت، وصُفّيت وطُهّرت، والسيئاتُ إلى حسناتٍ بدِّلت.. يا الله، هذه الصحف التي لا يملك أحدٌ محوَ ما فيها إلا الواحد الأحد، ولا تخَف مما يسجلُ أرباب المخابرات وممن غيرهم فايروس أو يغلط أحد في زِر ويمحوها.. هواء يمر عليها قليل أو قطرة ماء وتنهيها.. لكن الذي في صحائف الملائكة من سيمحوها؟ ولا ملَك ولا إنسي ولا جني إلا ربُّ العرش، إلا خالقُ كل شيء، بيده ملكوت كل شيء (وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ) ما يغيب عنه شيء، (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) لأنه لا يوجد محو إلا من قِبله هو وحده ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ).
فهذا الرب وحده نتوجه وإياكم أجمعين ومن معنا من أهل الغيب في أهل المجمع، يارب انظر إلى صحائفنا وما مضى مِن أعمارنا مِن جميع السيئات والمخالفات والمعاصي في الخلوات وفي الجلوات، في الأفراد والجماعات في الظواهر وفي الخفيات، أنت وحدك لها.. أنت وحدك ماحيها.. أنت وحدك القادر على العفو فيها والمسامحة فيها.. ولا نجد غيرَك .. فلئن رُدِدنا فلا ملجأ لنا، ولا ملاذ لنا، فيا ربي بأحديَّتك ووحدانيَّتك وفردانيَّتك وصمدانيَّتك امحُ ما في صحائفنا من جميع الذنوب وجميع المعاصي وجميع المخالفات ما ظهر منها وما بطن، تَبيَضّ كلُّ صحيفة لنا ولمن يسمعُنا ولِمن والانا فيك يا ربنا ثم لا يعود السواد إليها، ثم لا تعود الظلمة إليها، حتى نردَ القيامة وهي بفضلك بيضاء، لا يأتى أحد منا كتابَه إلا بيمينه.. إلا بيمينه.. إلا بيمينه.. يا الله يا الله.. لا قدرةَ للأيمان ولا للشمائل، ولكن إن أعطَيت هذه أُعطِيَت، وإن أعطَيت هذه أُعطِيَت، أو حركتَ هذه تحركت أو هذه تحركت، فيا ربَّ أيمانِنا وشمائلنا لا تعطي أحداً منا كتابَه إلا بيمينه، ومَن في ديارنا وأهل جوارنا أصحابنا وطلابنا ومَن يسمعنا ومَن والانا فيك آمين يا الله.. آمين يا الله.. آمين يا الله.. وأدخِلنا الجنةَ بغير حساب.. برحمتك يا أرحم الراحمين.
29 رَجب 1437