كلمة في الحلقة العلمية لذكرى الحبيب علي المشهور بن حفيظ رحمه الله - 12 شوال 1446هـ
كلمة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في الجلسة الختامية للحلقة العلمية الخامسة في ذكرى العلامة الحبيب علي المشهور بن محمد بن حفيظ، في دار المصطفى بتريم.
عصر يوم الخميس 12 شوال 1446هـ
نص الكلمة :
الحمد لله رب العالمين، ونفعنا الله وإياكم بما جرى من الكلام في هذه الحلقات التي أمسكت بطرف في السند إلى صاحب الشريعة والرسالة ﷺ.
نعمة الاتصال بالأسانيد:
وهل يكون التمسك به ﷺ إلا عبر تلك الأسانيد والوسائل والحبال التي امتدت من حضرته؟ ثم لاستمرار بقائها مع بقاء القرآن المحفوظ، الأثر الأقوى في الانتفاع، فإن الأمة تفقد جسد نبيها ﷺ وشخصه الكريم والخصوصيات التي كانت أيام جسده في هذه الحياة الدنيا.
لكن لعناية الله به ﷺ ورحمته به واختصاصه بمزايا فضله وإحسانه، أبقى في أمته هذا القرآن المُنزَّل مع العترة الطاهرة على الخصوص، ثم قلوب العلماء الصادقين المخلصين على وجه العموم، أبقى سراً من أسرار حياته الدنيوية ﷺ في قوالب هؤلاء لمن يتلقّى عنهم أو يتصل بهم.
وكان يشير إلى معانٍ من ذلك بقوله: "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً"، إلى غير ذلك مما جاءت به السنة، وفيه: "اللهم ارحم خلفائي"، ومن خلفائك؟ "قوم يأتون من بعدي يروون أحاديثي ويعلمونها عباد الله".
همة الحبيب علي المشهور بن حفيظ في أداء الأمانة:
وكما سمعتم، حفلت حياة الحبيب علي المشهور في عباداته وعاداته بسراية الاتصال بهذا الجناب بواسطة الحبال القوية التي أخذ عنها، فانصبغ بهذه الصبغة: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).
في سبيل قيامه بالأمر، ما تكبَّد المشقات كما سمعتم الإشارة، ووُضِع التهديد عليه، ووضع المسدس في حلقه، ويُخاطَب ويُهدد، وإلى غير ذلك مما عانى وقاسى، ولم يثنِ شيء من ذلك عزمه وهمته ونيته في أداء الأمانة الكبيرة بكل ما يستطيعه، من نفع صغير وكبير، ذكر وأنثى، وقريب وبعيد، وما يخدم به آثار النبي ﷺ ومواريث ورثته الكرام ورجال سلسلته الفخام العظام عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
إخلاصه لوجه الله تعالى:
وإلى جانب ما كان في مظهر أو حقائق إخلاصه لوجه الله تبارك وتعالى؛ لا يحب المدح والثناء وذكر أخباره وشؤونه الخاصة في قيامه بالأمر، ونتيجة ذلك هيأ الله تعالى من يذكر من مآثره وآثاره ومناقبه وصفاته من بعد وفاته ما كان يتحاشى ذكرها في حياته.
وما كان يرضى ويطمئن أن تُنسَب الجهود والأعمال التي يقوم بها وآثارها لغيره، ولا تتحرك له شعرة، ولا يبالي أن يُقال، فكان هذا ديدنه من أثر التربية التي رُبِّي عليها، عليه رضوان الله تعالى، وهي الموروثة عن الأصل.
فما كان يسأل من أجر، ولا يرى لنفسه حق على ذا ولا على ذاك، بهذا كله ارتسمت الحياة منه: مع الأقارب، مع الجيران، مع أهل البلد، مع أهل الزمان، مع العلماء، مع الأعيان، مع الضعفاء، مع المساكين، مع الأرامل، مع الأطفال، بصبغة محمدية نبوية، تُقرأ فيها سطور من الاتصال بالجناب الشريف وتؤثر، وبعضها ما يظهر آثارها إلا من بعد، ويحس بها صاحبها من بعد.
وهكذا إلى ما سمعتم في كلام أحبابنا وإخواننا مما يقر في القلوب من أثر تقرير المسألة، أو كيفية إيصاله للمعلومة، أو تنبيهه على الصفة والخصلة، تبقى في ذهن وعقل الذي رآه فيها أو أخذ عنه فيها أو حضر مجلسه فيها.
الدعاء لصاحب الذكرى وللحاضرين:
عليه رحمة الله تعالى ورضوانه الأكبر، وجزاه عنا وعنكم وعن هذه البلدة، وعن هذه الملة والدين، وعن هذه الشريعة، وعن هذا الهدي النبوي، وعن هذه الطريقة، خير الجزاء وأفضل الجزاء وأكمل الجزاء. ورفعه له الدرجات العلا مع خيار الملأ، وأخلفه فينا وفي الأمة بخير الخلف الصالح.
وضاعف البركة في أولاده وأحفاده وقرابته وتلامذته وكتبه وآثاره وتقريراته، وما بقي من مُسجل من كلامه أو الذي يُحرَّر ويُنقل، إلى غير ذلك.
الله يكرمنا وإياكم بصفاء الوداد وواسع الإمداد، والدخول في دوائر المحبوبين من خيار العباد، حتى يحشرنا في زُمرة سيدهم في يوم التناد، ويجمعنا بهم في دار الكرامة والهناء والقرب من الحق تعالى، وساحة النظر إلى وجه إلهنا رب العباد، اللهم أكرِمنا بذلك وزدنا من فضلك ونوالك ما أنت أهله في لطف وعافية.
خطر الانقطاع عن تعظيم من هو عظيم عند الله:
وأحيِ في الأمة سر هذه الصلة بحبال الاتصال بك وبرسولك من علمائهم وصلحائهم، فإن إبليس وجنده يبذلون الجهد لتميل قلوب المسلمين إلى تعظيم من هو حقير عند الله، إلى الانقطاع عن تعظيم من هو عظيم عند الله، فيختل الميزان، فيختل الفكر، فيختل السلوك، فتختل الصلة بالله تبارك وتعالى.
كما قال: "لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يكن سيدكم فقد أسخطتم ربكم". إذا اختلت الموازين عندكم وحوَّلتم مظهر السيادة ولفظها فضلاً عن اعتقادها إلى المنافقين، فقد هبطتم وانقطعت صِلاتكم بفوق، وأسخطتم رب العرش جل جلاله.
ولكن إذا عظّمتم مَن عظم، وأحببتم من أحب، أحبكم، "وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتباذلين فيَّ".
فالحمد لله على هذه الآثار، وهذه الأخبار، لهؤلاء الأخيار، الذين كلهم خبر عن المختار، وهو ﷺ مظهر ومجلى جود الإله الغفار، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار في دربه، وزادنا وإياكم من إفضاله ونواله، وأصلح لنا ولكم كل حال.
دعوات مباركة:
فرَّجَ كرب المسلمين، دفعَ البلاء عن المؤمنين، وكشف الشدائد عن أهل لا إله إلا الله في الشام واليمن والشرق والغرب. أذِنَ بكشف الكرب وتحويل الأحوال إلى أحسنها، وبارك لنا فيما أعطانا، وما أنعم به علينا، في خير ولطف وعافية.
بسر الفاتحة إلى روحه وأوصوله وفروعه ومشايخه وأصولهم وفروعهم، وسلسلة سنده إلى الحبيب العظيم ﷺ، وسلسلة نسبه إلى الحبيب العظيم ﷺ، وإلى أرواح والدينا والدي الحاضرين خاصةً، ورجال وأئمة زنبل والفريط وأكدر، وما وحواه قاع بشار، وأئمة الوادي والنادي، وبقيع الغرقد وأهل الحجون والمعلاة والشبيكة، وأولياء الشام واليمن ومصر والعراق والمغرب وأفريقيا والشرق والغرب، وإلى أرواح ذوي الحقوق علينا الخاصة، وعموم المسلمين وأحيائهم إلى يوم الدين عامة، وإلى حضرة النبي محمد ﷺ.
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).
23 شوّال 1446