محاضرة في افتتاح الحلقة العلمية الخامسة في ذكرى الحبيب علي المشهور بن حفيظ 1446هـ
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في افتتاح الحلقة العلمية الخامسة في ذكرى وفاة العلامة الحبيب علي المشهور بن محمد بن حفيظ في قاعة الحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف، في منطقة الحسيسة بوادي حضرموت
ليلة الأربعاء 11 شوال 1446هـ
نص المحاضرة مكتوب:
الحمد لله الملك الخلّاق، القدير العليم الخبير اللطيف الجليل السميع البصير، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ختم أنبياءه ورسله بالبشير النذير السراج المنير، عبده الهادي إليه والداعي عليه، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار في نهجه القويم وصراطه المستقيم إلى يوم المصير.
صفوة الله في البرية:
وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين، أساس الإرشاد والتبيين والتنبيه والتوجيه والتذكير والتعليم والتطهير والتنوير، هكذا جعلهم الله تبارك وتعالى أساساً لكل ذلك بين برايَاه باجتبائه واصطفاه، (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ).
وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، أولئك صفوة الله في البرية، وهم كما أخبر في كتابه خير البرية، ومن سواهم من كل من صدَّ عن سبيل الله ورفض دعوة الحق وقد وصلته، هم حطب جهنم، فتلك غايتهم وتلك نهايتهم، فإلى أي شيء فيهم يُلتفت؟ وعلى ماذا فيهم يُعوّل؟
فقال جل جلاله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ).
وإنما يخشى ربه من عرفه على قدر معرفته، ويرجوه على قدر معرفته، ويتبتل إليه على قدر معرفته سبحانه وتعالى، ويفي بعهده سبحانه وتعالى، فيوفي الله لهم بالعهد الرباني الإلهي الرحماني لكل من وفى بعهده من المكلفين من الإنس والجن: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)، يقول جل جلاله وتعالى في علاه، أولئك محل نظر الله تعالى من البرية، فالحمد لله الذي جعلنا في خير أمة، وجعلنا من المسلمين.
شأن الارتباط بالأنبياء:
وفيما نحن فيه من صدد الذكرى لأئمتنا وسراجنا من الهداة المهديين، نتصل بحقيقة من حقائق الدين، وبأساس من أُسُس الصلة والتبيين والربط والتمكين، بِحُكم سنة الله تبارك وتعالى في هذا الخلق وهذا الوجود.
وما جعل جل جلاله بعد اصطفاء النبيين والمرسلين وجعلهم رموزاً للإيمان به، لتوحيده، لمعرفته، للعمل بشريعته، للاتصال به جل جلاله - لا يمكن لجميع المكلفين أن يكون لهم حقيقة اتصال بالإله، ولا إيمان به، ولا توحيد الله، ولا معرفة به، إلا بهؤلاء النبيين وما جاءوا به، والارتباط بهم، والإيمان بهم، وتصديقهم، وتعظيمهم، وإجلالهم، ومحبتهم.
وقال الله: (إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أجللتموهم وأكرمتموهم، (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا).
والوعد منه سبحانه وتعالى والعهد لمن قام بذلك: (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، جل جلاله وتعالى في علاه.
مكانة السابقين الأولين واتباعهم:
لما كان الأمر كذلك، كان بعد ذلك جميع أتباع الأنبياء علائم النور الذي بُعث به الأنبياء، والمنهج والدين الذي هو دين الإسلام من عهد آدم إلى رسول الله ﷺ إلى آخر من يكون على ظهر الأرض من أهل الدين الحق، الإسلام: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ).
جميع أهل الدين علامات أو علائم متصلة بالبعثة النبوية، ولكن هم في ذلك على حسب الاتصال بالأنبياء، وعلى حسب إرث الأنبياء تعلو درجاتهم، ويكون الذكر لهم من ذكر الأنبياء، ومن الاهتداء بهدي الأنبياء، لأنهم ترجمة الوعي لما بُعثوا به، والعمل به، وتطبيقه؛ فترجمة ذلك هم الأكابر.
لذلك جاء لنا القرآن بقوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ). هؤلاء لا أنبياء ولا مرسلين، ولكنهم اللبِنة الأولى في فهم الوحي الخاتم، ووحي الرسالة التي خُتِمت بها النبوة والرسالات، وحي سيد المرسلين محمد ﷺ، ورمز الاتصال به، والولاء له، والمحبة له، والقيام بنصرته؛ فجِعِلوا بذلك مكان القدوة، ومكان الأسوة، ومكان الذكر، بل مكان الاتباع الذي رتب الله عليه رضوانه: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ).
لما كان الأمر كذلك، رأينا في نفس السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ذِكرهم تبع القرآن لأنبياء الله، ثم لأولياء الله من الأمم السابقة، وتبادلهم بينهم ذكرياتهم وأخبارهم وأحوالهم في تبعيتهم لسيدنا محمد ﷺ، الذي عاش بينهم يتلو علينا وحي الله، وفيه قصص الأنبياء وفيه قصص الأولياء السابقين؛ على سبيل التمجيد والتكريم والتعظيم والحث والرغبة والتشجيع على اتّباعهم، (أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)، (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ)، قال سبحانه وتعالى: (نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، من أولئك الأولياء.
فجاء السابقون الأولون يذكرون كل هذا، ويضيفون إليه ذكرى من تقدَّم منهم بينهم البين، وحتى كان في خُطَب سيدنا علي بن أبي طالب التشوُّق للذين مضوا، وذكر بعض أحوالهم وأخبارهم عليه رضوان الله، وتأوُّهه "واشوقاه" إلى لقائهم، وذكره لميزاتهم التي امتازوا بها في دِقّة وعي الخطاب والوحي، وحسن العمل به، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
كذلك سادتنا الخلفاء الراشدون، ثم جميع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؛ هذا الذي بقي في التابعين مسلكاً ومنهجاً، وأضافوا إلى ذكر كل ما سبق ذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وذكر أخبارهم، وذكر أحوالهم، وذكر سيرهم، وذكر مواقفهم، وعلى ذلك مضى تابعو التابعين، وأضافوا إليه ما كان من سادة التابعين وأئمة التابعين عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
فكان استمرار وتواصل وتوارث ذكر الصالحين من الأنبياء والأولياء ديدن أهل الحق والهدى ومسلك المؤمنين، وخصوصية التحقُّق بحقائق الدين، ومعرفة معاني التطبيق الذي هو العمل به في هذه الرموز وهذه الذوات التي يُقتدى بها بأمر الله وأمر رسوله ﷺ: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين"، إلى غير ذلك من النصوص الواضحة.
فكان المسلك واضحاً وصريحاً لا غبار عليه، كما أنهم يحملون تفنيد وتبيين مسالك الكفار والفجار، وشرورها وأضرارها، وسوء عواقبها، وهو الذي جاء في القرآن وأُمِرنا بالاعتبار به. وجاء ذكر فئات الكفر والمعاندين للرسل، وسوء عواقبهم، وسوء غاياتهم ومآلاتهم، مشروحة في كتاب الله، ثم على لسان رسوله ﷺ، ثم كان ذلك مسلك مَن ذكرنا مِن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم بإحسان رضي الله تعالى عنهم.
وهو الذي بيَّنَتهُ لنا سورة الفاتحة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).
أمامنا فرقتين! :
إذن، فالناس أمامنا المكلفين فرقتان: فرقة أنعم الله عليهم، نحبهم ونحب أن نقتدي بهم، ندخل في غمار مسالكهم ومسارهم، فالصراط صراطهم: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).
وفريق آخر مُخالفون خارجون عن هذا المنهج، نحذر منهم ونقول: يا رب، لا نقرُب من طريقهم: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).
لا نسلك شيئاً من مسالكهم، ولا ننتهج في شيء من مناهجهم التي خالفوا بها هذا المنهج، بل: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ). رفض، رفض لمسالكهم، رفضٌ لخططهم، رفضٌ لمناهجهم التي خالفوا فيها الحق ورسوله ﷺ، لا نرتضيها أصلاً: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).
هذه التربية التي في الفاتحة الكريمة وفي بقية سور القرآن، تربَّى بها أخيار الأمم قبلنا، وأخيار هذه الأمة جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).
يقول فيها أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
ويقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا).
وقال جل جلاله وتعالى في علاه: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، يعني وهمٌ وخيالٌ وخبالٌ، لا عزة عند من كفر كائناً من كان، في أي صور من صور العزة هنا (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).
مسالك أهل العقول الراجحة:
كانت بيانات واضحة في كتاب الله تعالى ومسالك صالحة سلكها أهل الموازين والعقول الراجحة، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
يقول سيدنا يوسف: (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)؛ تركت: اعتزلت، بعدت عنهم، (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ).
وفي هذا كله جاءت الملة كلها بعد بعثة نبينا محمد، وسماها الله ملة إبراهيم، ونسبها إلى الخليل إبراهيم، وإبراهيم واحد من أنبياء الله ورسله، أفضل الرسل بعد نبينا محمد ﷺ وعلى آله، اقتفى أثر من قبله من الأنبياء، وكان إماماً في المعرفة بالله تبارك وتعالى ذا مرتبة كبيرة، فنُسِبت المِلة إليه.
إذ مَرَّ أيامٌ على الأرض ليس فيها من المؤمنين الموَحّدين بل: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، ثم آمن له لوط، وهدى الله من هدى على يده، وجاءه الأولاد البررة إسماعيل وإسحاق، وهبهم له الرحمن بعد كبر سنه، صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين وعلى تابعيهم بإحسان.
رابطة الأتباع بالأئمة:
فكان هذا، ومن العَجب أن أئمة الكفر والضلال الذين قال الله عنهم: (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ)، معنى أئمة الكفر: الكفر له أئمة متبوعين، والكفر والشرك والضلال والفِسق كله له أئمة متبعين، وله أتباع يتجمعون في أماكن العذاب في القيامة، ثم في النار والعياذ بالله، يلعن بعضهم بعضاً، ويرجع بعضهم إلى بعض: (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىٰ بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ)، (وَتَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ).
إذن هنا أيضاً الكفر ما يستقيم - حتى هو الكفر - إلا بأئمة، لكن أئمة نار وأئمة كفر والعياذ بالله، فكيف يستقيم الحق بغير أئمة والهدى؟! إنما يستقيم بأئمة.
قال الله عن هؤلاء: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ).
وقال في الآخرين: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)، أئمة يدعون إلى النار - والعياذ بالله تبارك وتعالى، فهؤلاء أئمة الكفر - (فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)، أئمة الكفر!
وهنا أئمة الإيمان وأئمة الهدى وأئمة التوحيد، هم الأنبياء وورثتهم، والأنبياء وورثتهم لهم إمام واحد وسيد يرجعون إليه، ويتظلَّلون بظل لوائه يوم القيامة، هو محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله.
فكان هذا الترتيب والتركيبة الربانية لشأن هذا الخلق، فلذلك نجد أن أنواع أفكار الكفر إنما تجد مجالها في الحياة انطلاقاً وقوةً ووجوداً فعلياً بقدر رابطة الأتباع بالأئمة، وإذا انحلَّت روابط الأتباع بالأئمة، الفكرة هذه الكفرية تضمحل وتتلاشى، كما رأينا ذلك في كثير من أفكار الكفر التي جاءت ثم تنكَّر لها أربابها من بعدها، وراحت وجاءت فكرة ثانية بعدها وهكذا.
شريعة واحدة ثابتة:
لكن ثوابت الدين - كما كان يتكلم عليها الحبيب أبي بكر المشهور عليه رحمة الله تعالى - الراسخة الثابتة، هي من عهد آدم إلى سيد المرسلين الخاتم ﷺ، شؤون الإيمان من أولها إلى آخرها واحدة، ثم شؤون الشرائع، مِنها منهيات في كل الشرائع من عهد آدم إلى عهد النبي محمد ﷺ، ومنها فرائض في كل الشرائع، مثل الصلاة، مثل الزكاة، مثل الصدق، مثل الأمانة.. وهذه ثابتة من عهد آدم إلى محمد ﷺ؛ شرعية ما تتغير.
ثم منها ما يتعلق بشؤون الحياة العملية الفرعية، هذه فيها الشرائع: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) كما قال الله، ثم نُسِخت جميعها بما اختار الله أن يكون منهاجاً كاملاً تامّاً مصلحاً لأحوال المُكلفين في مختلف الظروف والأزمان والأحوال والأطوار إلى أن تقوم الساعة، أنزلها على محمد ﷺ ختماً للشرائع كلها، ونسخاً لكل ما كان مخالفاً قبلها في شؤون الفرعيات والتشريعات.
أما الإيمانيات وأما الأسس الثوابت فهي واحدة، لم تأتِ شريعة من الشرائع تبيح الزنا، ولا تبيح الربا، ولا تبيح العقوق، ولا تبيح الظلم أصلاً، محرماتٌ محرماتٌ من عهد آدم إلى النبي الخاتم ﷺ، إلى أن تقوم الساعة، حرَّمها الله جل جلاله.
وهكذا، فما بقي إلا بعض تلك الفرعيات التي يُرتب الله فيها شؤون الخلق طوراً فطوراً، فأوحى إلى كل نبي ما يناسب أمته وأتباعه. ثم أراد الختم ليكون منهاجاً شاملاً لجميع الأجيال الآتية إلى أن تقوم الساعة، فبعث نبينا محمد ﷺ بذلك الشرع المصون الشريف الكريم الكبير.
سبب رسوخ استقامة الأمة:
وبعد ذلك، يبقى استقامة الأمة وصلاحها ما بقي فيها هذا الشأن في الرابطة بهذه السلسلة وبأهل الخير فيهم، رابطتهم بالنبيين، وما تُترجم إلا برابطتهم بالنبي محمد ﷺ، رابطتهم بالنبي محمد ما تتترجم ولا تقوى ولا تثبت ولا ترسخ إلا برابطتهم بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وهي لا تصِحُّ حتى يرتبطوا بالسند إليهم من الذين جعلهم الله في كل خَلَفٍ عدوله، في كل خَلَفٍ عدوله: يُعدِّلون المائل، ويُقوِّمون المِعوج، ويبينون الحقيقة، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
فما نحن فيه أمر مُتَّصل بِسِر القرآن والوحي الشريف في ذكر هؤلاء الرموز والهداة والورثة لأمانة شرع الله سبحانه وتعالى وحقائق دينه، حتى يجعل الله تعالى أهل الجنة يوم القيامة زُمَراً يُدعَون إلى الجنة، وكذلك أهل النار زُمَراً، على حسب ما كان من أئمة الهدى والإيمان من النبيين المرسلين، كل نبي لأمته، وكل أمة كَبُرت وكثُرت، أئمة من وسطها تابعين لذلك النبي، وأكثرهم هذه الأمة المحمدية التي هي أقل الأمم أعماراً، وأكثرها أجوراً، وأعظمها قدراً عند الله جل جلاله وتعالى في علاه.
بذلك نعرف ما سمعنا فيما تقدّم قبلنا من تقديم والكلمة للدكتور محمد عن الإدراك لمواريث النبوة، وترجمة الكتاب والسنة والوحي والهدي والمسلك والرشد والهدى في أحوال وأقوال هؤلاء الرموز، فذلك من ضرورة دين الله جل جلاله وتعالى في علاه.
فلا يمكن أن تكون حقائق الإيمان موجودة في قلب مؤمن إلا وهو موالٍ لهؤلاء الأولياء والأصفياء بعد أولئك الأنبياء والملائكة: بَل مؤمن ومُصدِّق بالملائكة والنبيين وما أنزل الله عليهم من كتب وما بُعثوا به من الحق، صلوات الله وسلامه عليهم.
المهاجر إلى الله:
فنأتي إلى هذا الخير الذي بقي فينا واستمر بحمد الله تبارك وتعالى، وهذه النهضة التي قامت في هذا الشعب المبارك بعد الآثار التي كان أولها لسيدنا المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى، وهذا إمام نقول كيف حفظ الله له سر وجهته، فلم يُسمَّ المهاجر إلى حضرموت، ولا المهاجر إلى اليمن، ولم يُسمَّ إلا المهاجر إلى الله! إلى الله؛ لأنه ما كان يحمل في طي وجهته ولا نيته ولا مقصده في الهِجرة إرادةً لخصوص أرض ولا بُقعة ولا شيء من الأغراض، كان يريد الله، كان يريد أن يؤدي الأمانة، كان يريد أن يحفظ العِترة والذرية، كان يريد أن يُبلِّغَ هذه الرسالة وينظر الموضع الذي يستطيع فيه أن يقيم بالأمر على وجهه. فبذلك هاجر ولذلك هاجر، فاشتهر بترتيب الحق تعالى أنه المهاجر إلى الله، المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى عليه رضوان الله.
قيام النهضة المباركة:
وجاءت هذه التجديدات إلى هذه النهضة التي قام بها الحبيب أبو بكر العدني بن علي بن أبي بكر بن علوي بن عبد الرحمن المشهور، أعلى الله درجاته وجمعنا به في أعلى الجنة، وإذا نظرنا وجدنا عمق اتصاله بسلسلة السند ورجال الأمانة في الأمة على مدى الأجيال، عُمق اتصاله بذلك كان قامت عليه هذه الأسس وقامت عليه هذه النهضة المباركة، وهذه القاعة التي أنتم فيها تُسمى باسم شيخه ومربيه ومراعيه الحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف، أعلى الله درجاته وجمعنا به في أعلى جناته.
وما تابع ذلك من أنواع من الأنشطة لما جاءت وظهرت، كان الحبيب علي المشهور بن محمد بن سالم بن حفيظ عليه رحمة الله تبارك وتعالى، في أوائل المساندين والمساعدين والباذلين للقوة والقدرة والجاه والوسع والجهد، فكان كثير الفرح بالحبيب أبي بكر المشهور وبما يقوم به من أنشطة في مظهر مِن مظاهر الصدق في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، التي يتفانى أربابها في القيام بحقها لوجه الله جل جلاله، ويفرحون بكل من يقوم فيها بدور، وينهض فيها بنهضة، ويوسع لها مجالاً، ويبذلون ما في وسعهم له ومعه تعاوناً على ذلك البر وتلك التقوى، وعلى المواريث العظيمة الثقيلة المُوَرَّثة لخير البرية في خيار أمته ﷺ، مِن عترته وعموم ورثته من أهل التقوى والإنابة والدين والخشية والعدول في كل قرن وفي كل زمان.
ورأينا ما بينهم من تلك التعاونات والمودات والمحبات في الله التي ترجمت أيضاً ما كان بين آبائهم وبين شيوخهم من سر الموَدَّة في الحق جل جلاله، والتعاون على مرضاة الحق سبحانه وتعالى بما استطاعوا، وما سبق في أيام شيوخهم من بدئهم الجد والاجتهاد والجهد.
نبذة من حياة الحبيب علي المشهور بن حفيظ:
وما سمعتم الإشارة إليه في حياة الحبيب علي المشهور صاحب الذكرى عليه رحمة الله تبارك وتعالى، من مكافحة ومكابدة من الصغر، وتعليم، واتصال ووصال، وإقبال ومراعاة للصفات وللأحوال، وقراءة على الشيوخ أرباب الرسوخ، من أهل الإرث ومن أهل الصدق ومن خيار الخلق عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، من حفظ للقرآن إلى تعلم للعلوم، ومن تربيات كثيرات.
ثم أيضاً في ريعان شبابه وشبابه أُرسِل إلى دوعن وإلى مدرسة أقيمت في الجُبيل بنظر والده عليهم رحمة الله تبارك وتعالى، وأقام بها خمسة عشر سنة، فتعلَّم على يديه جيلٌ ثم جيلٌ ثم جيل، ثلاثة من الأجيال؛ فدرَّس قوماً ودرَّس أولادهم من بعد، وربما أدرك آخر دراسته بعضَ أولاد الأولاد من الذين كانوا معه في الدفعة الأولى الذين درَّسهم في ذلك الوادي.
مواجهة الشدائد في حضرموت:
وجاءت الشدائد - كما سمعتم - في حضرموت في أيام الشيوعية وانتشار التَّبَعِية في الإلحاد إلى المعسكر الشرقي في تلك الأيام، بعد عبث المعسكر الغربي أيضاً في الوادي ومحاولة أيضاً شق الصفوف وبعث الخلافات والنزاعات، ثم سلّمت الزمام إلى المعسكر الشرقي ليقوم بدوره في القضاء على هذه المواريث.
وحصل ما حصل ووصل إلى حد سحل الناس وهم أحياء في عدد من المناطق في حضرموت وبعض المناطق الأخرى، وانتهى كل ذلك بعد اختطافات وبعد حبس وبعد إغلاق أماكن الدراسة والعلم إلى غير ذلك مما كان، وما كان رجوعه من دوعن إلا بعد الاستحواذ على المدارس كلها من قِبَل الدولة في تلك الأيام، التي لا تُحب أن يبقى اسم للدين في وسط المدارس، ولا مكانة للتربية، ولا الربط بالله وبرسوله.
وجهودهم كلها ذهبت، أصحاب المعسكر الغربي وأصحاب المعسكر الشرقي، أمام هذه الهامات من الإرث النبوي وجهودهم، وعملوا فيها ما عملوا، ونالوا ما نالوا، وكل ذلك رجع بالخسران عليهم وبالفشل لهم، ولم تزل صروح هذا الإرث في تجدد وتجديد، لا تقبل التبديد بفضل الواحد المجيد جل جلاله: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
حتى جاءت مثل هذه النهضة المباركة، وجاء الإحياء لكثير من السيرة، ولكثير من تنوير البصيرة، ولإبعاد كثير من الغَبَش والأوهام والخيالات التي كان يقوم عليها أمر الباطل، ولا يزال قائماً على مثل ذلك، مما أصاب البلد والمنطقة في تلك المدة. فجاءت هذه الأنوار لهذا التجديد ولهذا التمديد للمنهج الرشيد والمسلك السديد بفضل الله سبحانه وتعالى.
فكانت هذه الأحوال والشؤون عند أمثال هؤلاء، حتى جاء وقت اختطاف والده عليه رحمة الله تبارك وتعالى وهو في أول الرابعة والثلاثين من عمره، وحمل هذه الأمانة، ولما ذهب الأخ عبد الله لإخباره بالاختطاف وهو في مناطق دوعن، وجده أيضاً خارجاً من المكان الذي هو مستقر فيه من الجبيل في جهة الأيسر في دعوة إلى الله تبارك وتعالى، فهم حاملي هم هذه الأمانة حتى في تلك الظروف وتلك الشدائد، إلى أن جاء استحواذ السلطة على المدارس، ومنها أزاحوا وأبعدوا من المدرسة، وأرادوا تغيير المنهج كله وغيَّروا المنهج.
قيامه بالإرث النبوي في تريم:
وعاد إلى تريم - عليه رحمة الله تبارك وتعالى- وهو في سن الثلاثين من عمره، واستمر في الخدمة العجيبة البديعة الخالصة التي أكثرها مخفي ومستور للكبير وللصغير وللذكر وللأنثى؛ في ما يُقرِّب إلى الحق، في ما يُحب الحق، في ما خلَّف رسول الله ﷺ عبر هؤلاء الورثة الذين غاصوا على دقائق وحقائق ما أراد ﷺ في بعثته وما جاء به، وتشبّثوا بذلك اللُّباب ومشوا على ذلك الهدى والصواب، عليهم رضوان الله تعالى.
فكانت خدمته - كما سمعتم - موزَّعة من هنا ومن هناك، ومن جملتها شأن عموم الدعوة إلى الله تبارك وتعالى؛ بكلام، بمجالسة، بمخاطبة، بكتب، برسائل، بتفقُّد للأحوال، بمواساة... إلى غير ذلك. حتى أجرى الله على يده كثيراً من حفظ هذا الإرث النبوي في الوادي المبارك الميمون.
وقام ما قام مِما سمعتم الإشارة إليه من مثل الإفتاء، ومن مثل تراتيب زيارة النبي هود - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - ومن شؤون الإصلاح بين الناس، ومن شؤون التدريس والتعليم للذكور وللإناث، ومن شؤون الأوصاف؛ في الحلم والصبر والصدق والإخلاص والتضرع للرحمن جل جلاله، وحسن المخاطبة له، وحسن الصِّلَة بهذا الموروث عبر رجاله إلى رأسهم خاتم الإرسال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فكان في ذلك ما كان يُعبر عنه الحبيب محمد الهدار، يقول في زيارته لما جاء الحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف: يا حبيب عبد القادر، تريم مركبة على رأسه هذا، ادعوا له وانظروا إليه، تريم مركبة على رأسه، يشير إلى أن الله أجرى على يده الخيرات في البلدة التي هي رأس في الوادي الميمون، لحمل أمانة هذا المنهج والشرع المصون. فأجرى الله تعالى على يده هذه المنافع الكثيرة في أوقات الشدة إلى أن تفرّجت، واستطاع أن يوسع المجال ويظهر شيئاً مما حقه الظهور في خدمة الشرع ونفع الناس، عليه رضوان الله تبارك وتعالى ورحمته.
وكان له في ذلك مواقف وقصص كثيرة كبيرة طويلة عريضة للخاصة وللعامة، مع الجهات الرسمية، ومع عوام الناس، ومع خواص الناس، ومع العلم وأهل العلم؛ حتى كان من النهضة لما سكنت الأحوال وأُمكِن أن يرجع شيء من الدروس إلى رباط تريم، فكان له السبق في عقد الحلقات.
وابتدأنا بعد إغلاق الرباط حلقات أولية كم نفر، كنت أنا والعم حسن بن أحمد العيدروس رحمه الله تعالى، ومعنا اثنين ثلاثة عند الحبيب المشهور في با بطينة بدأنا إرجاع هذه الحلقات، ثم كان أيضاً مجيء الحبيب سالم الشاطري من عدن ورجوعه إلى تريم، وبداية عقد الحلقات.
وكان ابتدأوا: الحبيب مشهور، والحبيب سالم الشاطري، والحبيب عمر بن زين عيديد، والشيخ فضل بن عبد الرحمن بافضل، ومعهم الشيخ علي بن سالم بكيّر يعقدون لهم دروساً ومجالس في التفسير وغيره وسط الرباط، في يومين بالرباط، وبدأت أيضاً حلقات بين المغرب والعشاء ترجع، فكُنّا حلقة مع الشيخ فضل، وحلقة مع الحبيب سالم، وحلقة مع الحبيب المشهور، عليهم رحمة الله تبارك وتعالى.
واتسعت الدائرة شيئاً فشيء، واستلم أيضاً إدارة الرباط سنوات في تلك الفترة، وجهود عمّت الزوايا والأربطة والمجالات التي يمتد لها نور الخدمة لهذا الشرع المصون والوحي الشريف على الطريقة الموروثة المرضية.
دعوات مباركة:
فالله يتقبل منهم، ويُعلي درجاتهم، ويعيد عوائدهم علينا وعليكم، ويجمعنا بهم في دار الكرامة، ومستقر الرحمة، وهو راضٍ عنا، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
اللهم بارك في هذه الاجتماعات، وهذه الانتفاعات، وهذه الآثار المباركات لهذه النهضات الطيبات، وجهد مركز الإبداع الثقافي، ومن قام معهم من أهل هذا الرباط وهذه الكلية والدار، ويجعلنا وإياهم مغموسين في أنوار الاتصال والإقبال والاقتداء والاهتداء ظاهراً وباطناً، يا حي يا قيوم.
وتدارك الأمة وأغِثها، وعجِّل بتفريج كروبها، ودفع الآفات عنها، ورُدّ كيد أعدائك أعداء الدين في نحورهم، واجعل كيدهم في تضليل، واجعلهم كعصف مأكول، وآتنا ما وعدتنا على رسلك، ولا تخزنا في الدنيا ولا يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وانظر إلينا أجمعين، وبارك الله في هذا الافتتاح وما يعقبها من الجلستين للأبحاث التي تُلقى لكم في هذا المضمار والشأن.
اللهم انظر إلينا وثبِّتنا وارعنا بعين عنايتك حيثما كنا، وأصلح البلاد والعباد والأمة، واكشف الغمة، وعاملنا بالجود والرحمة، برحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.
22 شوّال 1446