(228)
(536)
(574)
(311)
مذاكرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بمنطقة الوجيب، حوطة الإمام أحمد بن زين الحبشي، مديرية شبام حضرموت، ليلة الأحد 19 ربيع الأول 1446هـ بعنوان:
نسيج مدرسة حضرموت وقيامه على الوحي والسنة وصلته بأهل الذوق من المؤمنين في مختلف الأقطار
الحمد لله، وأتمّ الله علينا وعليكم النعمة، لتمام النعمة التي كتبها رعيلنا الأول واتخذوا يوم نزول الآيات عيدًا، فيما أوحى الله إلى حبيبه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، لإتمام هذه النعمة ونحن كلنا مغموسين في نعمة الإسلام والإيمان الحمد لله، نعمة أهل السنة من خلال هذه الأمة المحمدية، نعمة أهل السند إلى رسول الله ﷺ.
نعمة التاريخ الذي اتصل بأسرار الوحي والتنزيل جيلًا بعد جيل، من حين دخول الإسلام إلى منطقة حضرموت من اليمن في عهد رسول الله ﷺ، في حياة رسول الله ﷺ، وكان التعيين الأول للخلافة والإمارة في حضرموت على يده ﷺ، وأرسل زياد بن لبيد عليه رضوان الله تبارك وتعالى، وكان يتنقل ما بين تريم وشبام في تلك الأيام في عهده ﷺ ثم في عهد أبي بكر الصديق عليه رضوان الله تبارك وتعالى، وإلى أيام من خلافة سيدنا عمر بن الخطاب عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
كان هناك تسلسل من سراية النعمة هذه وإتمامها، لأن مظاهر إتمام النعمة مع اتساعها وعُمقها تنتهي إلى شيء واحد بيّنه عليه الصلاة والسلام: الشيء الواحد الذي تنتهي إليه: دخول الجنة، هذا تمام النعمة، يوصلك إلى دخول الجنة، النجاة من النار.
ومعنى دخول الجنة: الظفر بسعادة الأبد، وشرف الأبد، وكرامة الأبد، وعز الأبد، ونعيم الأبد، وخير الأبد بلا حصر ولا عد (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
قبل ذلك تمام النعمة من بقاء هذه الخيرية في الأمة مع كثرة محاولات إبليس وجنده للفكر وللأخلاق، وترون تصاب الأمة بكثير في أفكارها وأخلاقها بكثير من الشر، ولكن لا ينتهي إلى أن يضمحِل الخير أصلًا، ولا إلى أن ينقطع هذا العمود وهذه السلسلة في صفاء الفكر وفي حسن الخلق، المأخوذ عمن جمع الله فيه مكارم الأخلاق وبعثه ليُتمم مكارم الأخلاق ﷺ.
وبذلك يدوم في هذه الأمة من شؤون النعمة وإتمامها: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من ناوأهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون"، ومنهم من هذا الصنف طائفة تكون في بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس كما أخبر ﷺ، والحديث في رواياته: "من ناوأهم، من خالفهم، من خذلهم"، طائفة الحق هذه في الأمة تلاقي من يناوئ وتلاقي من يخالف وتلاقي من يخذل، ولكن لا يضرهم شيء من هذا، لا يضرهم شيء من هذا.
وهكذا مجالس المولد التي هي نسيج من المدرسة، وكما سمعتم أيضا كانت نسيجًا من ذوق أهل الذوق في شرق الأرض وغربها، من حياته ﷺ، كيف من حياته؟ نثرًا وشعرًا، ذُكِر مولده وخصائص مولده ﷺ، منها على لسانه هو: "وإن أمي رأت حين وضعتني نورًا أضاءت له قصور الشام"، "وأنا رؤيا أمي وكذلك أمهات النبيين يرين"، ما تقول في صوم الإثنين؟ قال: "ذاك يوم ولدت فيه، ذاك يوم ولدت فيه، ولنعم الصوم فيه"، يقول ﷺ. وجاء بألفاظ منها الذي في صحيح مسلم ومنها في غيره من السنن، يقول له: "فالزم صوم يوم الاثنين فإنه يوم ولدت فيه"، يوم ولدت فيه ﷺ.
ثم يأتي عمه العباس ويقول له في آخر حياته ﷺ وهو راجع من غزوة تبوك، آخر غزوة غزاها: "ائذن لي أن أمتدحك بشعر"، قال: "قل، لا يفضض الله فاك". نظم قصة المولد، يقول له:
من قبلها، -أي قبل الحياة الدنيا- طبت في الظلال -أي في ظلال الجنة، أي مع آدم وحواء- وفي مستودع حيث يخصف الورقُ
ثم هبطت البلاد لا بشر أنت ولا مضغة ولا علقُ
بل نطفة تركب السفين -سفينة نوح- وقد ** ألجم نسرًا وأهله الغرقُ
تُنقَّلُ من صالب إلى رحم ** إذا مضى عالم بدا طبقُ
في بعض الروايات، بيت يقول له:
وردت نار الخليل مكتتمًا ** في صلبه أنت كيف يحترقُ
حتى احتوى بيتك المهيمن من ** خِندف علياء دونها النطقُ
وأنت لما ولدت أشرقت الـ ** أرض وضاءت بنورك الأفقُ
فنحن في ذلك الضياء وذلك النور ** وسبل الرشاد نخترقُ
في ذلك الضياء وذلك النور، الكلام بعد نزول الوحي، بعد مرور سبع وعشرين غزوة من غزواته ﷺ، "ونحن في ذلك الضياء وذلك النور" حق المولد حقك، من حين ولدت النور تعلق به بما رتبه الله عليه من نشأتك ومن بعثتك ومن رسالتك ومن غزواتك، "نحن في ذلك الضياء وذلك النور".
والنبي ﷺ سمع النظم للمولد فقال له: "لا يفضض الله فاك"، وصل العباس ستين، سبعين، ثمانين سنة وما خرج له سن، "لا يفضض الله فاك" وجاوز الثمانين ولا خرج له سن.
ثم لم يزل ذلك الأمر مذكورًا في كتب السيرة وكتب السنة، ولم يزل مذكورًا فيما بعد، حتى اجتمعت أصناف من السنن، من مثل ما دعا إليه من الاجتماع على الذكر، من مثل ما دعا إليه من الاجتماع على الدعاء، من مثل ما دعا إليه من الاجتماع على الصلاة عليه ﷺ، من مثل ما دعا إليه من العلم والتذكير، من مثل ما دعا إليه من إطعام الطعام، تجمعت عدد من السنن جاءت في كيفية واحدة، وصاروا يقرؤون سيرته ويصلون عليه ويذكرون الله ويطعمون الطعام؛ أيش اللي حصل؟ تطبيق السنة، تطبيق الهدي النبوي، تطبيق ما دعا إليه خير الخلق ﷺ.
هل عرفنا نصلي عليه من دون ما يدعونا الله ورسوله للصلاة عليه؟ ولا عرفنا نسبح ونحمد ونكبر من دون ما يدلنا الله ورسوله؟ أصلًا هذه الأعمال واحدة بعد الثانية، من اخترعها؟ وحي نزل وبلاغ عن المُرسل، قامت به هذه الأعمال، بالله عليكم، واحد يمكن أن يقول إنّ ذكر الله تعالى اخترعه فلان؟ من هو هذا فلان؟ الاجتماع على الذكر جاء به فلان؟ من هو هذا؟ إن كان محمد فنعم بمحمد، خاتم الرسل وبَيَّن.
قال له الرب: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ.. )، بسم الله الرحمن الرحيم، إذن من ابتدعه؟ الله أمر به ونبيه! بعد ذلك يقولون بدعة؟ سنة كم بدعة؟ والقرآن هذا ما معناه؟ وتفسيره ما هو؟ تفسيره هذا لا تجتمعوا على الذكر يعني؟ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ) معناه ما تقعد مع الذين يدعون ربهم؟ هذا معناه؟ هذا عكس تمامًا، قلب للآية، مخالفة للآية، هذا بدعة، خروج، مخالفة للكتاب، مخالفة للسنة، إنكار الاجتماع على الذكر والعبادة مخالفة للكتاب، مخالفة للسنة، بدعة حصلت في الأمة ما كانت معروفة في عهده ولا في عهد الصحابة.
في عهد الصحابة يقول لهم مرشدهم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا". قالوا: الآن سنعمل بالسنة، إذا مررتم برياض الجنة سبوا! إذا مررتم برياض الجنة أغضبوا! إذا مررتم برياض الجنة خاصموا! والله ما قال النبي كذا! ما أدري من الذي قال لك هذا! اذهب راجع نفسك من الذي قال لك تعمل كذا، النبي قال لك: "فارتعوا"، ادخل وسط الذكر، وما الرتع؟ قالوا: سبحان الله والحمد لله لا إله إلا الله والله أكبر، اقعد معهم، سبح معهم، احمد معهم، سيد الذاكرين يقول له ربك: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) وأنت مُتكبر على هؤلاء وترى نفسك فوقهم وأعظم منهم؟
وهذا حبيب الرحمن خرج، كما جاءنا يذكر ابن كثير في تفسيره وغيره من أهل التفسير وأهل السنة، لما نزلت الآية خرج يلتمسهم، فوجد جماعة من فقراء أمته حوالي الصُّفّة يذكرون ويدعون وجلس معهم، فأخذ يذكر معهم وقال: "الحمد لله الذي أراني في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم".
واحدة بعد الثانية من الأعمال في المولد وسط الكتاب موجودة ووسط السنة موجودة، ما أحد جاء بشيء، إلا كان يقول بعض علماء الهند عليه رحمة الله، الشيخ أبو الحسن الندوي، قال -وهو يذكرها في قصة التصوف وهي نفسها في قصة المولد- قال: قصة التصوف مع ناس كثير قصة واحد رجل عندنا غريب، كيف؟ قال: يحب عددًا من الأكلات عندنا الشعبية في الهند، ابتُكرت طريقة عجيبة لجمعها في طبخة واحدة، صادف أن هذا يبغضها وهي نفس المواد، لما تُقدّم إليه وحدها، كل واحدة وحدها، يفرح بها ويأكل منها، قال: لما جمعوها وعاد زاد حسنها وزاد ذوقها، صادف أن الرجل إلى حد ما ذُكِرت في المجلس يقوم، مِن بُغضه لها، قالوا ما فيها إلا نفس المواد التي هو يتناولها تمامًا ويفرح بها.
قال: هذه قصة التصوف مع كثير من الناس، قال تقول له أيش رأيك في الزهد في الدنيا؟ قال: الله، أمر عظيم، خير، طيب، أيش رأيك في كثرة الذكر، ذكر الله؟ أمر خير، ايش رأيك في التبتل إلى الله والانقطاع له؟ قال: الله، أمر عظيم. ايش رأيك في التواضع؟ قال: التواضع أمر عجيب، ايش رأيك في سخاوة النفس؟ ايش رأيك في سلامة القلب وتصفيته؟ يقول أمر طيب، تجمعها له مرة هي هذه نفسها، أيش رأيك في التصوف؟ يصيح، قال: أنت ما أتيت له بشيء، هي نفسها جمعتها بدل ما تكون مفرقة، مجموعة في تشكيلة واحدة زادت بهاءً وجمالًا، ولكن الرجل قصته مثل قصة ذاك تمامًا.
المولد كذلك، أيش رأيك في الذكر؟ جميل، صلاة على النبي؟ جميل، دعاء؟ جميل، ذكر السيرة؟ جميل، إطعام الطعام؟ جميل، قالوا ونحن ماذا نعمل الان؟ أيش رأيك في المولد؟ قال لا لا! ما هو؟ هي نفس الأعمال هذه ذكرناها لك، ذكر لله تعالى، صلاة على رسوله ﷺ، دعاء، تسبيح، تهليل، عملنا شيء ثاني؟ نحن جالسين وإياكم من قبيل، عملنا شيء ثاني غير هذا عملناه؟ أو حد شرب منا خمر ولا أحد عمل شيء؟ أيش الذي حصل بالمولد؟ أعمال دُعينا إليها على لسان الإله بواسطة مصطفاه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ)
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). هذه أوامر وهذا تنفيذها، هذا تطبيق للأوامر الإلهية وتنفيذ من جملة تنفيذ هذه الأوامر التي أمرنا بها الرب جل جلاله وتعالى في علاه.
لكن كما سمعتم، هذه المغالطات وهذه المستوردات وهذه التي سموها المُرَحَّلات، جاءت من هنا ومن هناك، هي شوَّشت على عباد الله وآذت خلق الله وأبعدت بين خلق الله، تمامًا كما أفسدت آل السياسة، أرادت تفسد آل الدين، وكلها سياسة ترجع بعد ذلك، أفسدت آل السياسة وضربوا ذا بذا، والحزب ذا بالحزب ذا، والجماعة هذه بالجماعة هذه، والطائفة هذه بالطائفة هذه، ويقضوا بعد الطائفة غرض ويبعدونها ويأتوا بالطائفة الثانية ويضربوا ذا، بعيد منكم أو أمام أعينكم ترونه؟!
وانتهى الآن من غير شك أنه مهما عملوا هم فاشلون (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ)، وكتب الله: (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي). وظهر الآن في صوره الحقيقية أو الآخرية لها في ما يحصل في مثل فلسطين هذه الأيام، واللي سبق في السودان يشوف، واللي سبق في الصومال يشوف، واللي سبق في العراق يشوف، واللي دار عندنا في اليمن يشوف، وأيش معناه وأيش نتائجه؟ وأين فوائده ومن استفاد منه؟
ضربونا بعضنا البعض، آذونا ببعضنا البعض، شلوا فلوسنا ومصانع توقفت، جددوها من جديد من شان يبيعوا الأسلحة من شان نضرب بعضنا البعض، وحاصل ما هو حاصل، والله يحول الحال إلى أحسن حال.
وتشاهدون هذا، والمُتشدقون في العالم بحقوق الإنسان لا عاد دروا بالإنسان، ولا بالأطفال ولا بالنساء ولا بالعزل، والقتل كل يوم، كل يوم، كل يوم.. في أيامكم هذه سيكملون السنة كاملة على مواصلة العدوان والظلم والطغيان، والكل يتفرج من الشرق والغرب، وصناع القرار ماذا عندهم من أخبار؟
لتعلموا إن كان شيء عدل فهو في دين محمد وفيما بُعِث به، الذي لو احتكم إليه أهل الشرق والغرب لما وقع ظلم، لكن خروجنا عن منهج هذا النبي، تمرُّدنا على مسلك هذا النبي وأوامره ونظامه الذي جاء به عن الله هو الذي أوقعنا فيما أوقعنا فيه، ولن يُسلَّط علينا هؤلاء من الخارج حتى نخالف نحن من الداخل (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
قالوا أنّ ملك الصين في أيام الصحابة استمدّ به ملك الروم، وقال له أن هؤلاء العرب كان دراستنا عنهم أنهم قوم رعاع ومتفرقين، واجتمعوا بهذا النبي الذي بُعِث فيهم وصاروا شيء ثاني، والآن ما يقابلوننا في موقف إلا هزمونا، وأسألك أن تمدني بمدد من عندك جيش نقاتلهم، الملك الصيني في تلك الأيام كان من أهل الكتاب، عنده من آثار النبيين أخبار، أرسل إليه، قال له: قبل أن أُمدّك بالجيش من عندي أرسل من عيونك بينهم من يأتي لي بخبر، كيف يبيتون وكيف يظلون، وكيف أعمالهم في الليل والنهار.
أرسل الجواسيس ودخلوا ورجعوا، قالوا: إن هؤلاء في الليل مشغولون بالكتاب الذي نزل على نبيهم ويقرؤون، ويجتمون صلواتهم محددة في أول الليل وفي وسطه وبعد ذلك في آخر الليل ويقومون ويستغفرون.. هذا شغلهم في الليل، في النهار يخدمون بعضهم البعض ويتدارسون البلاغ الذي يبلغه نبيهم ومعاني الحديث هذه، ويخدم بعضهم البعض.
كتب إليه قال هذا شغلهم في الليل وفي النهار، أرسل إليه ملك الصين قال: أنا مستعد أمدّك بجيش يكون أوله عندك وآخره عندي، ولكن والله الذين هذا وصفهم لو اجتمعت عليهم الجبال لأبيدت دونهم، ولو اجتمعت عليهم بحار الدنيا لأبيدت دونهم، وأنا ونصيحتي لك لا تتعرض لهم، لكن إن أردت تسترد ملكك منهم ابعث بينهم من يشغلهم عن هذه الأعمال، واشغلهم بالبغضاء وبالشحناء، فإذا شغلتهم عن هذه الأعمال فستسترد ملكك منهم، أنت أو أحد من أولادك من بعدك، إذا انشغلوا عنها، أما ماداموا في هذا المسار فلا أنا ولا أنت سنقدر عليهم.
وكلام كلام حق، يأتي لأن الله سبحانه وتعالى ما يخذل الصادقين معه ولا يخذل الموفين بعهده، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)، (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
والآن نتذاكر من نسيج مجتمعنا، كانت هناك بين قبائلنا وبين عشائرنا في الوادي الميمون مُعاونة على نصرة الله ورسوله في كثير من جوانب الحياة، وما عندنا قبيلة إلا وفيها نماذج من أصفياء وأتقياء، وقوم ذاقت قلوبهم معنى لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعاشوا لها وماتوا عليها، عليهم رحمة الله تبارك وتعالى.
نعد إلى هذا المعنى وننصر الله سبحانه وتعالى في أنفسنا وأهلينا وأولادنا، ونسد ثغرات الضحك علينا والخداع لنا والكذب علينا، بواسطة البرامج والصور المختلفة ونشر المنكرات والمخزيات، فإن الله تعالى ناصر من نصره، (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
والأشياء التي نتعاون عليها مذكورة في الآية: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ)، ما يبقى في البيت واحد ما يصلي، من سبع سنين إلى ما فوق، ولا ينام عن صلاة صبح، ولا يتهاون بالجماعة لا رجل ولا مرأة.
(أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ) نؤدي حقوق الله تعالى، نتراحم فيما بيننا ونتفقد جيراننا.
(وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ) كل ما أحبه الله (وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ)، بهذا ينصرون الله؛ فينصرهم الله، (وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
فالحمد لله على هذا الاجتماع، والحمد لله كما سمعتم، نحن من قبائل شتى وبلاد شتى، ومعنا من خارج حضرموت، من خارج اليمن، من هنا ومن هناك، والكل في رابطة موجودة بهذا الحبيب ﷺ وبما بعث به، وهي تجمعنا مع المخلصين في شرق الأرض وغربها، عرب وعجم، إنس وجن، تجمعنا هذه الرابطة بهم، وإذا شاء الحق أظهر سر هذه الرابطة وأبدى لها ما يقتضيه جوده مِن جمع القلوب وجمع الشمل للمسلمين ورد كيد أعدائهم.
الحمد لله على هذه النعمة، في خلال هذا النسيج المبارك ترون من الشيخ سعيد بن سلامة - طول الله عمره في عافية وأعانه وأخذ بيده وأهله وقرابته وأصحابه - هذه المكارم، هذه النية، هذه الوِجهة، هذه السماحة في النفس، هذه المحبة لهذا الخير موروثة، وإرثها بحمد الله ما هو من مُجرد فكر بشري ولا من مجرد تجارب في الحياة، أصلها وحي.
وحي أمرنا بالتعاون على مرضاة الله، وحي أمرنا بالتحابب في الله، وحي أمرنا بالاجتماع على ذكر الله، وحي وعدنا على إطعام الطعام، هذه التي ساقته وأورثته هذا، ولا شك أنه ورثه من آباء له، وورثه ممن جالسهم من الأخيار الذين مضوا، والله يبقي الخير فينا وفي ذرارينا، ويحمينا من طغيان أعدائه لنا.
لا يلعبون على صغارنا ولا على كبارنا، ولا على السياسيين فينا ولا على الصناع فينا، ولا على أهل الحِرف فينا، ولا على المزارعين فينا، ولا على العلماء فينا، ولا يضحكون على صغير ولا كبير، يرد الله كيدهم في نحورهم، ويدفع عن المسلمين جميع شرهم.
وتتلاقى النيات الصالحة من السياسي ومن المزارع ومن المهندس ومن الطيار، ومن الصانع ومن العالم ومن التاجر ومن أهل الحِرف، يتلاقون على نصرة الله ونصرة رسوله في دائرة قال الله عنها: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ).
فإذا رحمهم لو اجتمع عليهم أهل الشرق والغرب لا يقدرون عليهم، وقد رحمهم رب المشارق والمغارب.
اللهم ارحمنا وبارك في جمعنا وبارك في لقائنا واجعل فيه سراية نور من أنوار البعثة النبوية، تمتلئ بها القلوب إيمانًا ويقينًا وصدقًا وإخلاصًا، وتنتفي عنها الأوهام والظنون والخيالات التي تحدثها الغفلات، والإصغاء إلى أقوال المرجفين من الكفار والفجار والفساق على ظهر الأرض.
اللهم واجعل أسماعنا مُصغية لما أوحيتَ إلى نبيك، واجعلنا في الذين يدخلون في بشارة (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ).
واجزِ عنا مناصبنا خير الجزاء، وأعياننا ومسؤولينا، ومن يحمل قلبه نور إرادة للخير للأمة ووفاء بعهدك الذي عاهدته عليه، مستعدًا بذلك لحياة الأبد، خذ بأيديهم يا ربنا، وأجرِ الخير على أيديهم يا ربنا، واجعلنا متعاونين على ما تحب فيمن تحب برحمتك، والحمد لله رب العالمين.
19 ربيع الأول 1446