(536)
(228)
(574)
(311)
كلمة العلامة الحبيب عمر بن حفيظ في مسجد الصحابي الجليل الحارث بن عمير الأزدي، في منطقة الطفيلة، الأردن، ليلة الأربعاء 18 جمادى الأولى 1446هـ
لمشاهدة مقاطع من زيارة الصحابي الجليل الحارث بن عمير الأزدي وزيارة منطقة الطفيلة:
نسأله الصلاة والسلام منا على عبدهِ ومصطفاهُ خِيرتِهِ من خلقِهِ، خاتمِ رسلِ اللهِ وخاتمِ أنبياه، وسيّدِ أصفياه وأهلِ رضاهُ. أدِمْ اللهمَّ صلواتِكَ على الرحمةِ المُهداةِ، والنعمةِ المُسداةِ، السراجِ المنيرِ، البشيرِ النذيرِ، عبدِكَ سيدِنا محمدٍ ﷺ، وعلى آلِهِ المطهَّرين، وأصحابِهِ الغُرِّ الميامين، ومن والاهم فيكَ واتَّبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعلى آبائِهِ وإخوانِهِ من الأنبياءِ والمرسلين، وآلهم وصحبِهم وتابعيهم، والملائكةِ المقرَّبين، وجميعِ عبادِ اللهِ الصالحين.
أما بعد، فإنا بفضلِ ربِّ السماواتِ والأرضِ اجتمعنا وإياكم في فرضٍ من فرائضِ الصلواتِ التي هي من أعظمِ شعائرِ دينِهِ جلَّ جلالُه، وهي عنوانُ العبوديةِ له، والعبوديةُ له إدراكُ الحقيقةِ، وإدراكُ الحقيقةِ: خروجٌ عن الغوايةِ والضلال، ونجاحٌ في الاختبارِ الذي اختبرَ اللهُ به المكلَّفين على ظهرِ هذه الأرض.
خلقنا فجعلَ لنا سمعاً وأبصاراً وأفئدةً لأجلِ أن نشكر، وجعلَ حُسنَ استعمالِ الأبصارِ والأسماعِ والأفئدةِ سبباً للنجاة، يهدينا إلى توحيدِه والإيمانِ به، وإلى تصديقِ رسلِهِ وما جاؤوا به عنه. وبذلك نتخلَّصُ من الفشلِ الذي يقعُ فيه كلُّ مَن لم يؤمن باللهِ عزَّ وجلَّ، ولم يُصغِ لدعوةِ رسلِه، فيتَّبعُ هواه ويعبدُ شهواتِه وأغراضَه ومقاصدَه في الحياة.
هذا وصفُ الناسِ الذين لم يستسلموا لأمرِ الله، سواء سُمُّوا بمُثقَّفين، أو سُمُّوا برؤساء، أو سُمُّوا بوزارات، أو سُمُّوا بأحزاب، أو سُمُّوا بهيئات؛ كلُّ مَن يعيشُ على ظهرِ هذه الأرضِ غيرَ مُنقاد ومُسَلِّم الزمامَ لأمرِ الإلهِ الذي خلق فهو الفاشلُ الذي غلبتْه نفسُه وهواه.
(فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)
هذا سببُ النجاةِ والفلاحِ والنجاحِ لِكُلِّ مكلَّفٍ على ظهرِ الأرض: نهيُ النفسِ عن الهوى.
وهو الأمرُ الذي يتعلَّقُ بشأنِ مُهمَّة وعظمة صاحب هذا المقام الذي شرَّفَ اللهُ هذه الديارَ والمنازلَ بوجودِ جُثمانِه الشريفِ وجسدِه المنيف، وهو رسولُ مَن؟ وحاملُ رسالة مَن؟ ومُبلِّغٌ أمانة من؟
جاء من عند أكرمِ الخلقِ وأشرفِ الخلق، والدنيا بما فيها من أهواءٍ وغَلَبةِ نفوسٍ، قابلَ مَن قابلَ هذا الذي جاء بالنورِ والهدى والنجاةِ والفلاحِ والفوزِ بالسوءِ وبالشرِّ وبالأذى، حتى قتلوه -عليه رضوانُ اللهِ تعالى ورحمتُه- وصلبوه.
ودعا اللهَ أن يُبلِّغَ عنه نبيَّه، فبلَّغَ نبيَّه المصطفى ﷺ، فكان سبباً لغزوةِ مؤتة، بوّابةِ الفتوحاتِ الإسلاميةِ كلِّها -عليه رضوانُ اللهِ تبارك وتعالى- واللهِ لقد رَبِحَ، واللهِ لقد نَجَحَ، واللهِ لقد أفلَحَ، وخابَ مَن قتلَه، وخابَ مَن خاصَمَه، وخابَ مَن أبغضَه، وخابَ مَن عاداه.
وهذه قصةُ الحياةِ كلها: مستقيمٌ على منهجِ الله، خاضِعٌ مُسلِّمٌ هواه لأمرِ اللهِ جلَّ جلاله، فائزٌ وناجحٌ في الحياتين، نائلٌ حقيقةَ السعادتين وإن قُتِلَ وإن صُلِب، وما بين متكبِّرٍ أو متجبِّرٍ أو متَّبِعٍ لهواه ولنفسِه خاسر وخائب في الحياتين، وإن كان معه مُلكُ الأرضِ بما فيها، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).
فباجتماعِنا في هذه اللحظاتِ وإقامةِ هذه الصلاةِ بجوارِ هذا المعنى من الرسالةِ التي يتخلَّصُ بها الناسُ من شرِّ أهوائِهم وسُلطةِ عدوِّهم عليهم، فيحوزون بذلك سعادةَ الحياة القصيرة وسعادةَ الحياة الطويلة، حياة البرزخِ ثم القيامة، ثم حياة الأبد في دارِ الكرامة لمن سَعِد، أسعِدنا اللهم مع السعداءِ برحمتِك يا أرحمَ الراحمين وأكرمَ الأكرمين.
قال ربنا الرحمن: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) أي: ليَخرُجَ الناسَ عن أهوائِهم، وأن تَتغلّب عليهم شهواتُهم وعدوّهم فيصرفَهم عن منهجِ الله.
وهو القائل -عدوُّ الله-:(لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)، ثم قال: (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا)، وقال: (لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)
لكنَّ طاعة الرسلِ تُخلِّصُ من إبليسَ والنفسِ والهوى وكلِّ قاطعٍ يقطعُ عن الله، وتوقِفُ الإنسانَ على الحقيقةِ في الاستمساكِ بالعروةِ الوثقى.
أنه عبدٌ خُلِقَ لِمُهمَّةٍ عظيمةٍ، وراءَه الوفاةُ ثم بعدَها حقيقةُ الحياةِ وطولُ الحياةِ، والمستقبلُ العظيم الذي يُحدِّثنا عنه الرسلُ ويأمروننا بالاستعدادِ له.
ووجدنا حديثاً عن المستقبلِ عند الكفارِ والفُجّار، يعنون به ما قُدِّرَ له من العمرِ القصيرِ في الحياةِ الدنيا، أهذا مستقبل؟ أهذا مستقبلٌ بعده الوفاة؟ أهذا مستقبلٌ لا يُدرى أهو سنةً أو عشراً أو عشرين أو خمسين؟ لا يتجاوزُ ذلك، وأقلُّ الأمّةِ من يتجاوزُ السبعين من عمرِه، أهذا هو المستقبل؟ لا يعرفون إلا ذلك! ذلك مبلغُهم من العلم -والعياذُ باللهِ تبارك وتعالى.
(وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)
ولكنَّ المستقبلَ الصعبَ الكبيرَ العظيم هو الذي أقامنا الأنبياءُ في الاستعدادِ له: مستقبلُ الخاتمةِ، ومستقبلُ البرزخِ، ومستقبلُ القيامةِ، ومستقبلُ الخلودِ إما في الجنةِ وإما في النار، جعلنا اللهُ من أهلِ جناتِه.
هذه ناشئةُ الليلِ جاءتنا، بدايةَ الليل ومنشأه (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا).
نفتتحُها بهذه الصلاةِ في الجماعةِ والخضوعِ والسجودِ؛ لنكونَ في بقيَّةِ ليلِنا على حالةٍ شريفةٍ مع مولانا وخالقِنا، موفينَ بالعهدِ قائمينَ بحقِّ هذه العبوديةِ، كما نستفتحُ نهارَنا بصلاةِ الصبحِ التي هي أثقلُ صلاةٍ على المنافقين.
فالله تعالى يُحقِّقنا وإياكم بحقائقِ الإسلامِ والإيمان، ويقبل منا مجيئَنا إلى هذه الرَّحاب، وإلى مكانِ ما دُفِنَ رسولُ رسولِ اللهِ ﷺ، والذي لم يُقتَل بين رُسُلِه غيرُه في أيام أداءِه هذه الرسالة، فقُتِلَ وهو رسولٌ للمصطفى محمدٍ ﷺ، فجعلَ اللهُ من آثارِه غزوةَ مؤتة وفتوحاتٍ كبيرة، فرضيَ اللهُ عنه وأرضاه.
وبارَك لنا ولكم في هذا الاجتماع، ونفعنا به في الحياة، ونفعنا به عند الوفاة، ونفعنا به في البرزخ، ونفعنا به يومَ القيامة، حتى نرى هذه الوجوهَ التي صَدَقَت مع اللهِ وأخلصَت لوجهِ الله، الوجوه الناضرة التي هي إلى ربِّها ناظرة، ونَرِد مواردَهم، ونحضُر معهم، وندخل معهم الجنةَ في زُمرة زينِ الوجودِ عبدِ اللهِ محمدٍ ﷺ.
اللهم أكرِمنا بذلك، وبارِك في القائمين على هذه المساجدِ والمقاماتِ، وفي أهلِ هذه البلدانِ وإسلامِهم وإيمانِهم، ورقِّنا وإياهم مراتبَ الإحسان، وزُجَّ بنا في المعرفةِ الخاصةِ والمحبةِ الخالصة، وزِدنا من هذا الزادِ الأشرف، خيرِ زادٍ للمستقبلِ الأطول، زِدنا منه وثبِّتنا على ما تُحب فيما نقولُ ونفعلُ ونعتقد، وتوفَّنا مسلمين مؤمنين، صادقين مخلصين، نُحبُّ لقاءَك وأنت تُحبُّ لقاءَنا، حتى نجتمعَ بهؤلاءِ الأكرمين.
وينادي لسانُ الحال منَّا عند الوفاةِ: واطَرَباه، غداً ألقى الأحبَّة محمداً وحِزبَه.
اجعلنا اللهم كذلك، واسلُك بنا أشرفَ المسالِك.
وأصلِح هذه البلادَ وبلادَ المسلمين، ورُدَّ كيدَ المعتدين والظالمين والغاصبين.
فرِّج اللهم على أهلِ غزةَ والضفةِ الغربيةِ، وأهلِ بيتِ المقدسِ وأكنافِه، وأهلِ الشامِ كلِّه من لبنانَ وسوريا والأردنِ، وجميعِ الشام وجميعِ اليمنِ والشرقِ والغرب، يا كاشفَ كلِّ كربٍ، أرِنا عِزةَ هذه الرسالةِ وأربابِها، وعزةَ مَن قامَ بخدمتِها قبلَنا، وثبِّتنا على دربِهم.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)
بسرِّ الفاتحة إلى حضرةِ نبيِّك المصطفى محمدٍ ﷺ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
دعوناك كما أمرتنا فاستجِب لنا كما وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
بسم الله الرحمن الرحيم (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
#الحبيب_عمر_بن_حفيظ #الأردن #موسم_مؤتة #عمر_بن_حفيظ #اقرأ #عاجل #habibumar #habibumarbinhafidz #Jordan
19 جمادى الأول 1446