(231)
(536)
(574)
(311)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مسجد علي في منطقة صِيف، بوادي دوعن، 24 ربيع الثاني 1445هـ بعنوان:
سعي الإنسان وعظيم ما يترتب عليه في الدارين
الحمد لله الذي منه المبتدأ وإليه المآب والرجعى، القائل (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ * وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ) [النجم:39-42]، فنشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ربُّ الأرض والسماء ورب كل شيء ومليكهُ جل وعلا.
ونشهدُ أن سيدنا ونبينا وقُرّة أعيننا ونور قلوبنا محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء، وسيد الأصفياء، وأكرم الشفعاء، وأعظم الوجهاء، لدى الرحمن فهو أكرم الأولين والآخرين على الإله الحق المنان، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرم على الذي به شرّفتنا وجعلتنا خير أمة، عبدك المصطفى كاشف الغمة وجالي الظُلمة، نبي الرحمة سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وأهل بيته وصحابته المهاجرين والأنصار، ومن والاهم فيك واقتدى بهم واتبع الآثار على مدى الأعصار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيار خلقك معادن الأسرار والأنوار، وعلى آلهم وصحبهم ومن تبعهم بإحسان في السرِّ والإجهار، وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين الأخيار، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا كريم ياغفار.
أما بعدُ،،
فإن الرحمن جلّ جلاله، جعل لِسعي هذا الإنسان شأنًا عظيمًا يتطابقُ هذا الشأن ويتناسب مع مكانة الخِلافة عن الحق في الأرض، ومع كرامة هذا الإنسان الذي أراد اللهُ تكريمهُ إن قبل الكرامة، ومع عظمة الوحي والرسالة والبعثة للأنبياء التي خُتِمت ببعثة خاتمهم سيدنا محمد أصفى الأصفياء، صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
فيترتَّب على سعي الإنسان شؤوناً عظيمة، كُلُّ ما قضى الله تعالى وقدّر أن يتُم في عالم البرزخ، ثم في عالم القيامة، ثم في الأبد في الدارين الجنة والنار، كل هذا مُرتّب على سعي الإنسان.
سعيُ الإنسان خطير، سعي الإنسان شديد وكبير في المصير؛ إما في الخير وإما في الشر، ثم لا يملِكُ إلا ما سعى بمعنى: أن أي شيء دخَلَ بأي صورة من الصور تحت حيازتهُ وقدرتهِ ومُلكهِ وتصرّفه يضمحِل ويتلاشى، ما يبقى إلا السعي، ماذا سعى؟ فهذا الذي يتحكم في أحواله في البرزخ، يتحكّم في أحواله في القيامة، يترتب عليه كيف يكون حاله في القيامة.
سعيُ الإنسان، سعيهُ: انطلاقه، نيةً وفعلًا وقولًا فيما يُحِبُّ حصوله ويُحِبُّ تحقيقه والوصول إليه؛ هذا السعي بالقلب والجوارح، بالنية والقول والعمل هو الذي كلّف الله تعالى ملائكةً بكتابة دقائقهِ وتفصيلهِ، بعد أن آتى هذا الإنسان عقلاً وسمعاً وبصراً وهداه النجدين وبيَّن له الأمر وأرسل له الرسل وأنزل الكتب، فمن حين يبلغ هذا الإنسان إلى حين أن تخرُج روحه من جسده يُكتَبُ جميع سعيهِ مفصَّلاً.
قال تعالى: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ) [القمر:52-53] .
وقال عن كتابة هذا الذي وَكَّلَ به ملائكةً يكتبون سعيه، سعي كل مُكلَّف من الإنس والجن؛ ولو كلمة، ولو شطر كلمة، ويترتّب عليها أمور كبيرة، انظر قد يكون من سعي الإنسان في عالم الدنيا؛ المساعدة على سفك دم رجل مسلم مثلًا، لا بأفعال ولا بكلمات ولكن بشطر كلمة، شطر كلمة! نصف كلمة، فانظر ماذا يترتب على هذا السعي، سعي بنصف كلمة "مَن أعانَ على قتلِ مسلمٍ" بغير حق "ولو بشطرِ كلمةٍ لقِيَ اللهَ وهو مكتوبٌ بين عينيهِ: آيِسٌ من رحمةِ اللهِ"، انظر أين وصل خطر السعي للإنسان إلى هذا الحد!! نصف كلمة يُطْرد ويُبْعد بها عن الرحمة أصلاً، ويكون من اليائسين من رحمة الله يوم يلقى الله في القيامة، بسعي بنصف كلمة "من أعان على قتل مسلم بغير حق ولو بشطر كلمة لقي الله مكتوبًا بين عينيه آيس من رحمة الله" إذا فالأمر خطير! قال الله في خطر الألفاظ والكلمات التي يسهل علينا أن ننزلها من ألسنتنا: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:17-18] سبحان الله.
قال ﷺ في بيان هذا الخطر في السعي في الكلمات يقول: "إنَّ الرَّجلَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، ما كان يظُنُّ أن تبلُغَ ما بلغتْ، يكتبُ اللهُ له بها رضوانَه إلى يومِ يلقاه" كلمة واحدة، تكلّم بها بنية صالحة وكانت كلمة طيبة، أنقذ بها مسلم أو نصح بها مسلم أو أحقَّ بها حقاً أو أبطل بها باطلاً وقبلها الله منه؛ وإذا بالكلمة هذه التي نطق بها يُكتب له رضوان رب العرش إلى أن يلقى الله وهو راضٍ عنه.
خطير سعي الإنسان؛ وإن كان لا يستشعر هذا الخطر، وإن كان لا يستشعر هذا الخطر! يقول جلّ جلاله وتعالى في علاه: (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ) أي من قبورهم يبعث (أَشْتَاتًا) جماعات جماعات مُتفرقين (لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) [الزلزلة:6] ليطّلعوا على أعمالهم، فإذا (بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) [العاديات:9] وأُخرِجت الأجساد من القبور ونُفِخت فيها الأرواح، وقامت للقاء الملك الفتّاح -جل جلاله- (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) [العاديات:10] بُيِّن وأُبرِز وأُظهِر ما كان تُكِنْهُ الصدور ومخفي فيها برز (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18].
(وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) هذا يوم التحصيل، التحصيل لماذا؟ لسعي الإنسان، سعي الإنسان القلبي الذي ما كان يطَّلِع الناس عليه؛ في مقاصده، في إراداته، في أغراضه، ما يُبطنه وينطوي عليه باطنه، ما يطَّلِع الناس عليه، اليوم يُحصَّل- يوم التحصيل - يُبرز ويُظهر ويَبدو؛ خلاص يُجْمع كامل، هذا الذي كان في صدره؛ جميع نياته، وجميع وجهاته، وجميع إراداته، وجميع أغراضه، التي كان يُكنَّها في صدره.
(وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) ما في الصدر من إيمان، مِن نفاق، من كفر، من محبة، من بُغض، من إرادة خير، إرادة سوء، من كِبر، من تواضع، الذي في القلب يُحصّل، الذي في قلبك يُحصَّل، يُحصَّل؟ ما عاد يبقى مخفي، يُجَّمع ويبرز ويظهر. (لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18] (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف:49] قالوا (مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) [الكهف:49] (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:30].
قال إن تخافوا من شيء فأنا ربُّكم القادر على كل شيء، وبيدي أمر الأرض والسماء والدنيا والآخرة والمرجع الكبير إلي، وهناك حقائق السعادة أو الشقاوة الأبدية، وحقائق الفوز أو الخسران الأبديين يكونان هناك كذلك؛ فإن كان فيكم عقول أعظم شيء تخافونه أنا (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ)، لأن غيري مهما أراد أن يضرَّكم فهو محدود في قدراته، ومحدود في تنفيذ إرادته، ولا يبلغ كل ما أراد وهو منتهي، لكن أنا إذا أردتكم بسوء من يردّه؟ وأي واحد يريد أن ينفعكم ويعطيكم أو ترتجون منه خير فهو محدود في طاقته، ومحدود في زمنه، ومحدود في إمكانيته، ومحدود في حجم ما يعطيكم؛ لكن أنا إذا أعطي فإن كان شيء ترجونه فأنا، وإن كان شيء تخافونه فأنا (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)، قال أحذّركم نفسي مع أنّ لي رأفة ورحمة سبقتْ، بذلك يتيسر الطريق لكم أن تنقذوا أنفسكم من سخطي وغضبي وعقابي وشديد عذابي وعظيم تعذيبي لأنني رؤوف، لأجل يُحذِّر وهو رؤوف، من أجل تحمل الخوف والرجاء معاً، لأنه أحق ما يُخاف منه هو وأحق ما يُرْجى هو جلَّ جلاله، لأن الأمر أمره سبحانه وتعالى (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).
أعقبها مباشرة، فكيف العمل يا رب؟ وكيف نحذر؟ وكيف ننال رأفتك؟ مباشرة الآية بعدها: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [أل عمران:31]) (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [أل عمران:32]، الله لا يحب الكافرين: أهل السعي المرذول، أهل السعي الخبيث الذي يؤدي إلى غضب الجبار جل جلاله، أولئك السُعاة في الشرِّ، ومنهم الذين ينشرون الفساد ويحبون الفساد، والله لا يحب الفساد، والذين تأخذهم العِزّة بالإثم والظالمين والمعتدين والغاصبين والناهبين، والمُستحلّين لدماء الناس والمُستحلّين لديار الناس والمستحلّين لأعراض الناس والمستحلّين لحقوق الناس؛ كل أولائك أهل سعي خبيث، يدعوهم إليه إبليس والنفس والهوى وشياطين الإنس والجن؛ فويل لمن استجاب لهم وسعى ذلك السعي المرذول.
قال -سبحانه وتعالى-: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ…) [الإسراء:18]، تَمَكُّن إرادة العاجلة، العاجلة: الدنيا، لأنها مُعَجَّلة؛ حاضِر قَريب أمامك، ولكنه سريع الزوال، سَريع الانتهاء، سَريع الفَناء، لكن المُغترِّين به كثير، هو ذا الحاضر، القَريب يغترُّون به كثير، الذين تتحكّم فيهم عقولهم بقوّة إيمانهم، فَيُعِدُّون العُدّة للمُستَقبَل البَعيد قليل من الناس، أكثرهم الحاضر هذا يَغتَرُّون به.
يقول: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُرِيدُ…) [الإسراء:18]، صغير، كبير، ولو الدَّجال الخبيث يُريد العاجلة، ولو إبليس نفسه، وهل يجد إبليس في الدنيا كُل ما يريد؟ لا يقدر على كل ما يريد، لكن أُمِد في أجله إلى يوم النفخ في الصور يموت بعد ذلك، ولكن بعد ذلك يريد كذا ويحصل كذا ويحاول كذا ويجي كذا، حتى في البداية عندما قال (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء:62]، لن أقدر عليهم كلَّهم، يقول (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:82-83]، الذين تَتولاهم وتَحفَظهم أنا ما أقدر عليهم، فالكل مَقهور إبليس وغير إبليس تحت قُدرة -الله تعالى-، الفَعَّال لما يُريد على الإطلاق واحد اسمه الله وحدهُ هو الفعَّال لما يُريد، أمَّا ملائكة، أنبياء، شياطين، مسلمين، كفار، لا يَفعلون ما يُريدون، يُريدون أشياء وتصير أشياء، ويحاول كذا ويقع كذا ويتمنى كذا ويكون كذا.. ما يقدرون على كل ما يُريدون، كل نَبي من الأنبياء يُبعث فيُريد هِداية قَومه، كلهم! فما يَهتَدون كُلهم، فأُمنية الأنبياء أن يَهْتدوا من أُرسِل إليهم حتى لا يَبقى واحِد إلا دَخَل الجنة.
ويقول سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ…) [الحج:52]، ماذا تمنى؟ تمنى هداية قومه جميعهم، أولهم وآخرهم، ذَكَرهم وأُنثاهم، (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ…) [الحج:52] يقول لا تُصَدّقوه! هذا يكذب عليكم، هذا بيحرمكم لذائذكم، -لأنهم يرون العاجلة- سيقطعكم عن ملّذاتِكم وشهواتكم وماذا ستستفيدون منه، هذا يكذب عليكم.. (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ) [الحج:52]، مِن قُلوب الذين سَبَقت لهم السعادة، ويقولون هذا صادق ومن أول عمره بيننا وهو صادق، وجاء بالمعجزات عن الله الخالق، وكلامه هو المنطق وهو العقل (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الحج:52]، (لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ…) [الحج:53]، هؤلاء أصحاب المرض والقلوب القسوة، يظهر فيهم زرع إبليس، ويتأثرون ولا يصدِّقون بالأنبياء، ويُخالِفون الأنبياء ويُعانِدونهم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الحج:53-54].
وما كان من إيمان قوم كاملين إلا ما وَقع ليونس فقط (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ…) [يونس:98].
وليس من البداية، في البداية عارضوه وعاندوه وغضب، وحزن منهم وغضب وذهب من دون إِذن يسافر، فعاقبه الله، قال كيف تُسافر وما أذِنت لك أن تَخرُج من القرية وتُسافر؟ سندخلك وسط بطن الحوت، واقترعوا له وخرجت القُرعة عليه ورموه في الحوت، وهو حاضر وُمهيأ له والتَقمهُ، وإذا به صار وَسط بَطن الحوت وظُلمات الآن، أي ظلمات:
ظُلمة اللَّيل
ظُلمة عُمق البَحر
ظُلمة بَطن الحوت
(فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ) [الأنبياء:87]. (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا) [الأنبياء:87]، (مُغَاضِبًا): قومه (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ) [الأنبياء:87] : ما نُضيّق عليه، ما نُعاقبه على أنه خرج من دون إذن؟! لا يجوز لنبي أن يسافر من بُقعة إلا بإذن، فلما خرج (فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ) [الأنبياء:87]، لن نُضيِّق عليه في الظلمات (فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ) [الأنبياء87-88]، وأخرجه ومن وَسط بَطن الحوت وألقاه إلى اليم، من اليم إلى الساحل، وأنبت عليه شجرة من يقطين من هذه الدباء (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا…) [الصافات:147-148]، هؤلاء وحدهم الذين آمنوا من أقوام الأنبياء، وما أحد من أقوام الأنبياء آمنوا كُلهم.
إذاً الإرادة المُطلقة لله، والفعال لما يريد بكل معنى هو الله، والملائكة والإنس والجن والنباتات والحيوانات والجمادات مِن أولها إلى آخرها، مؤمنهم كافرهم تحت قهر الله، تحت إرادة الله -جل جلاله-؛ فيا ويل مَن وفَّقه -الله تعالى- للاستقامة على ما يُحب واتخاذ السبيل الذي به ينجو (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ) [الليل:5-11].
فسُبحان مولى العظمة، لكن لِمكانة الإنسان عند ربه جعل لِمسعاه ولِسعيه شأن كبير وخطير، النظرات كم يترتب عليها! السمع كم يترتّب عليه! (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]، يقول الله -سبحانه وتعالى-.
وأعلى السعي في عالم الأرض ما بَعث الله به أنبياءه ورُسله، من حين أنزل آدم إلى الأرض، قال خُذ شَرف الخِلافة، وكَرامة الطاعة، وتَنفيذ أمري ومنهجي (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) [طه:123-124].
وقامت لبِنة الخِلافة الأولى على ظهر الأرض بآدم وحواء، وجاءوا الأولاد وكلهم قاموا معه في سلوك هذا السبيل في الخلافة، إلى أن بدأ الانحراف من عند قابيل بسعي، مُغالبة نَفسه له، وتَمكّن منه الحَسد على أخيه، وتَبالغ به، حتى انقاد لنفسه الأمّارة وهَلك هَلاك عظيم، فكان:
أول من فَسَد سَعيُه
وأول من سعى سعي الشر في الأرض قابيل بن آدم، وأخوه عُصِم بِصدقهِ مع الله وأَدَبه مع الله وخَوفه من الله، حتى ما رَدّ عليه بالسوء فيما نَوى مِن قتله أبدا.
ولذا اعتنى الحَق لنا بذكر القصة في الكتاب العزيز: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) [المائدة:27-30]، ليسَ ضَعفاً ولا جُبناً، لماذا؟ (إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [المائدة:28-30]، هذا الخُسران الدائم المُؤبَّد على قابيل بن آدم؛ كان من السعي، السبب سَعيه (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ) [النجم:39]، وسَعيه هذا أوصلَهُ إلى أين؟ لا تُقتَل نَفسٌ ظُلماً إلى يوم القيامة إلا كان على ابن آدم الأول كِفلٌ منها، وإذا كُنا قَرأنا أنه من أعان على قَتل مسلم بغير حق، بنصف كلمة يكون آيس من رحمة الله تعالى، وكيف عشرين نفس؟ ثلاثين نفس؟ مئة نفس؟ مئتين نفس؟ ومليون نفس؟ تُقتَل ظُلم وعليه مِثل إثمها كُلها! لأنه أول من سَنّ القَتل "ومن سنَّ سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها"
فكل الذين يَقتلون النفوس بغير حَق تَقَع لِقابيل فيها ويل "لا تُقتل نفس ظلماً إلى يوم القيامة إلا كان على ابن آدم الأول كِفلٌ منها" ولو كان يلبس حق الأيام هذه كم تُقتل نُفوس ظُلم في غزة! وأعداء الله هؤلاء لا يقتِلون الناس بغير حق وعلى ابن آدم الأول كفلٌ منها، له نصيب لأنه أول من سَنّ القَتِل.
سَعي الإنسان خطير، سعي الإنسان خطير! وإن لم يَستشعر خَطَر سَعيه، وعليه أن يعرف مكانته وقَدره، وأنّ سَعيه إما:
يرفعه إلى أعلى عليين.
أو ينزل به إلى أسفل سافلين، هو السعي نفسه لا شي غيره (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ) [النجم:39-41].
فَبعث الله النبيين بخير سَعي، آدم جاء وبعده شيث ابن آدم وبعده إدريس، وبعده أنبياء وبعدهم النبي نوح، وبعده أنبياء والنبي هود والنبي صالح، وبعدهم أنبياء كثير إلى أن جاء النبي إبراهيم. هؤلاء الأنبياء يأتوننا في الأرض بِسعي عُبودية لله، وتَحكيم شرع الله، ورِعاية الحقوق التي شَرعها الله للناس وللنباتات وللحيوانات، وتَعليمنا كيف نتصرّف.
ويأتي منهج الله لِكُل أمة (وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ) [فاطر:24]، (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) [الإسراء:15]، وجاءت الرسل بالبينات، وخُتِموا بخاتم النبيين خير البريات صلى الله عليه وعلى ٱله وصحبه وسلم.
سَعيهُم هذا خير سَعي، فأتباعهم هم المُشَرَّفون الذين يقِفون عند حدود الله -تبارك وتعالى- في المَنظر، في المَسمع، في النُطق، في حركة اليد، والبَطن والفَرج والرِّجل و جَميع أعضائهم، ومن الحِكمة البَديعة أن جَعلها سبعة، الجوارح الظاهرة عندنا سبعة على عدد أبواب النار:
العين
والأذن
واللسان
والبطن
والفرج
واليد
والرِجل.
سبعة أعضاء؛ ما يَتَعَيّن للدخول من سَبعة أبواب جهنم إلا من عَصى الله بالأعضاء السبعة هذه، من عصى الله بهذه الأعضاء السبعة تتفتح له هذه أبواب جهنم بها، ومن عَصَمها عن مَعصية الله تعالى ما له دخل في أبواب جهنم.
قال لمّا طرد إبليس هذا وقال: (..لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:82-83]، إلّا عِبادك مِنهم المُخلَصين، (قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) [الحجر:41-43]، -اللهم أجِرنا من النار، اللهم أجِرنا من النار، اللهم أجِرنا من النار، اللهم أجِرنا من النار، اللهم أجِرنا من النار اللهم أجِرنا من النار، اللهم أجِرنا من النار.
كلمة مَن قالها بعد المغرب "سبعًا" فمات مِن ليلته أجاره الله مِن النار، أو قالها بعد الفجر "سبعا" قبل أن يتكلم ومات من يومه أجاره الله من النار، "اللهم أجرنا من النار" علّمنا إياها صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم، فكان هذا سَعيُ الأنبياء يُحرِّمون ما حرّم الله ويُحلِّون ما أحلَّ الله، ويَدعون الناس إلى القِيام على هذا المَنهج، رزقنا الله اتباع الأنبياء وجعلنا في هذا السعي المُبارك.
أكثرُ الناس يَغترّون بالدنيا العاجلة ويَنسون ما وَراء ذلك، يَنسون بِدايتهم وينسَون نِهايتهم ويغترّون بالحاضر، يقول (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ..) [الإسراء:18]؟ لا يحصلون على كل ما يريدون ولا شيء، ولا مَلِك من ملوك الأرض حصل على كل ما يُريد، وأكثر ما مَن ملك من ملوك الأرض إلا واحد صاح من ولده وواحد صاح من ابن أخيه، وواحد انقلبوا عليه شعُبه، وواحد أرجعوه لمحاكمة، وواحد أُتعب من بَطنه، وواحد أتعب من رأسه، وواحد تعب من قلبه، وواحد.. كلُّهم!! ولا واحد منهم مشى كما يُريد في الدنيا، إلا بِبليّة إذا ما عاد أراد الله لإنسان سعادة في الآخرة، سلّطه على كسب السيئات في الدنيا وعلى كسب المحّرمات وعلى ضُرّ الناس وأذاهم وخسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين (..ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) [الإسراء:18-19] مِن قِبل حضرة الربوبية، سعي مشكور من قِبل حضرة ربوبية، الله! وإذا قد الربّ يشكر سعيهم ماذا سعطيهم "ما لا عَين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17].
فمظاهر السَّعي للناس في الحياة، ما يَتعاونون عليه، ويُريدون تحقيقه في بيوتهم، في قُراهم، في مُدنِهم، بين أصدقائهم، في أماكن عملِهم، في مهنهم، في حِرفهم، على ماذا يتعاونون؟! على ماذا يتكاتفون؟!! أغراضهم في ذلك وما يتساعدون على الوصول إليه، هذا سَعي كَبير قوي، أُمِرنا فيه بأُسس: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]،
تعاون على صلة الرحم
تعاون على تعليم الأولاد، التعليم الذي يُنوّر قلوبهم ويربطهم بربهم -جل جلاله- ويهذب نفوسهم وأخلاقهم
التعاون على عِمارة المساجد، بذكر الله وبالصلاة وبتلاوة القرآن (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ..) [النور:36-37]،
تعاون على إنصاف المظلوم، إحقاق الحق وإبطال الباطل؛
هذا من مساعي الأنبياء، ونِعمَ السعي الذي اجتمع عليه أهل البيت، أهل القرية، أهل المدينة، أهل الحل والعقد، أهل الوظيفة، أهل الدائرة، أهل الوَزارة، كلٌّ في مكانه على ماذا يتعاونون؟ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ).
ويحصل تعاون على السرقة، على الكذب، على الخيانة، على نشر الصور الخبيثة، على نشر البرامج الفاسدة، على قطيعة الرَّحِم، على سب أحياء أو أموات، التعاون على هذا كله من التعاون بالإثم والعدوان، وهو من سعي إبليس الذي يحبه، والتعاون والتكاتف عليه هو الذي تتكوَّن به الّزُّمر في يوم القيامة.
وقلنا أن ما يدور في القيامة كلّه مرتب على سَعينا في الحياة هذه؛ كيف الزّمَر؟ نقرأ في كلام ربّنا قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ) [الزمر:68]، الموجودين في ذاك الوقت من الملائكة في السماوات ومِن الإنس والجن على ظَهر الأرض بل مِن الحيوانات وغيرهم، كل ذي روح يصعق حتى أهل البرزخ؛ البرزخ في برزخهم في عالم البرزخ عند النفخة الأولى في الصّور يصعقون، يذهب عنهم شُعورهم، يرقدون ما بين النفختين، (فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ) [الزمر:68]، ولهذا إذا بُعِثوا بعد ذلك يقولون الكفار والمشركين وأهل الفساد والسعي الخبيث: (يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) [يس:54]، المرقد ما بين النفختين هذا، تقول لهم الملائكة: (هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس:54]، ليس ما صدَق الأحزاب ولا صدقت الحكومات ولا صدقت الوَزارات؛ المرسلون هم الصادقون؛ الكلام كلام المرسلين في القيامة، وصدق المرسلون -صلوات الله وسلامه عليهم- أُمَناء الله لتبليغنا منهج الله.
يقول -سبحانه وتعالى-: (..ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ) [الزمر:68-70]، السعي هنا أمامك قليل أو كثير، ويا فوز مَن غفَر الله له ومَن عفا عنه ومَن سامَح ذنوبَه ومَن قبِل منه الحسنات، (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا) [الزمر:70-71]، ما معنى زُمرا؟ التعاون الذي كان بينهم و التكاتف في الدنيا على المسعى هو ذا الذي تتكون منه الزمر؛ كانوا يتعاونون على الضّر والشر في بلادهم أو في قُطْرهم، أو في محل غربة مغتربين فيها، أو يدخل مع عصابة مُعيّنة يعملون شيء من الشرور والمحظور بالناس.. زُمَر، وإذا الكفار زمر زمر زمر زمر على حسب ما كانوا يتعاونون مع بعضهم البعض ويتصلون ببعضهم البعض في مساعيهم الخبيثة.
(حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا) [الزمر:73]، الملائكة الموكلين بالنّار (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا..) [الزمر:71-73]، أين الزمر هذه؟
كانوا يجتمعون على صلاة الجماعة
كانوا يجتمعون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كانوا يجتمعون على ذكر الله تعالى
كانوا يجتمعون على إصلاح شوارع البلد، وصلاح أحوال أهل البلد وتعليم الأولاد وصلاح أحوال النساء كانوا مجتمعين أيضا هم في الدنيا، هذه هي الزُمر (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) [الزمر:73]، زُمرة زمرة زمرة (حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا..) [الزمر:73]، زائد هنا (و) لأنه إكرام لهم، تُفتّح الأبواب قبل ما يأتون، تكون مُفتّحة، فقط مُفتَّحةً لهم الأبواب؛ لا تنتظر، ما إن تصل حتى يفتحوا لك، تفضّل! تعال! مُفتحة لهم الأبواب.
أما أولئك - إهانة لهم - تكون الأبواب مُقفلة، هؤلاء (إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الزمر:73-75]، ما عاد بقي حُكم لا دُوَل ولا سلاطين ولا وُزراء ولا دول صغرى ولا دول كبرى؛ كل هذا الكلام يصبح هباء منثور، كلام فارغ وخيال مَر في وقت، مثل طيف، حلم.
دول كبرى، دول صغرى، أمم متحدة؛ مثل الخيال، نَوم ورأيتَ شي في النوم وقالوا له اذهب ولا منه شي (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ..) [غافر:16] وإيش لك الكلام كلُّه؟ قال لعبة، لعبة (..أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ..) [الحديد:20]، وهذا الذي معهم، هل معهم غير هذا!
بذلك نتبيّن خطر السعي، خطر سعي الإنسان فيجب أن نُقوّم مساعي صالحة، المسعى القلبي؛ يذكر النبي ﷺ من أنواع خطرِه كيف؟
لو أنَّ مُنكرًا أُقيم أو معصية عُملت بأقصى الشرق، فرَضِيَها رجل بأقصى الغرب كان شريك لصاحبه.
ولو أن حاضراً حضر مِن غير قصد حيث المُنكر وهو كارِه له، لم يُشارِك أصحابه في شيء من هذا الذنب
ولو أنّ طاعةً عُمِلت بأقصى المشرق فرَضِيَها رجل بأقصى المغرب شارك في ثوابها لها، برضاه بهذه الطاعة وفرَحه بهذه الطاعة (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا..) [يونس:58].
إذن سعيُ القلب خطير! وحُقَّ على كل مؤمن أن يُحسِن النظر في مسألة مسعاه، هو وأهل بيتهِ من حيث يشعر ومِن حيث لا يشعر ساعُون، والسعي قد يكون مُرتّب وقد يكون مُنظّم أو عشوائي أو تلقائي منهم؛ إن سَعَوا لصلاح الأسرة واستقامة أمرها على مُوجِب منهج الرحمن الذي خَلَقهم، فأحكموا ما يدور مِن أقوال، وما يكون من أفعال وسط البيت، وما يُشاهَد مِن مَنظُورات ويُتفَرّج عليه -الأفراد منهم أو مجموعهم- وما يَسمعُون كذلك، وما يكون الترغيب فيه من قِبَل الأب، من قِبل الأم، وما يكون التنفير عنه مِن قِبل أهل البيت كذلك فلَهم ما سَعوا.
صلاح هذه البيوت يترتب عليه شأن عظيم، أنّ الأسرة تجتمع في ظِلّ العرش، تحت لواء الحمد، على الحوض المورود؛ باجتماعِهم على نور وحْيِ الله أيام كانوا في الدنيا، يعيشون في بيت آدابُ مُحمّدٍ فيه، أداب مُحمّد فيه، يأكلون بسم الله ويشربون بسم الله ويلبسون بسم الله، ويتعلم من ذلك الكبار والصغار، هذا بيت مُتّصل بالسنة، بيت مُتّصل بالتعاليم النبوية.
وبيت تجدهم هم مسلمين ولكن يتغدون ويتعشون ويشربون ويدخلون ويأكلون بسم الله ما أحد! لا عند صغير لا عند كبير، لا عند ذكر لا عِند أنثى؛ هذا بيت أشبه ببيوت مَن لم يؤمن! أشبه ببيوت من له السعي فيه مُختَل.
ومن البيوت ما لا يغيب عنها قراءة القرآن في كل ليلة وفي كل يوم، ومن البيوت ما يمرّ شهر ما أحد يقرأ القرآن، وبعضه أكثر من شهر ما أحد يقرأ القرآن وسط البيت "البيت الذي يُقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض".
وهكذا مساعينا في أعمالنا، في مدارسنا، في مجالسنا ومع من نجالس من الأصحاب والأصدقاء؛ وأقلُّها أن يكون مسعانا في لغو أو في لهو فنخسر كثير من أعمارنا وكثير مما يمكن أن نكسبه من خلال هذا العُمر القصير وأيامنا في هذه الدنيا، يقول سبحانه وتعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ) [المائدة:2] ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر:1-3].
وهكذا نحتاج إلى إقامة هذا التعاون على ما يُرضي الله -جل جلاله- نُخالف فيه أنفسنا، بتدخَُلها أن تكون هي المعبود دون الله -تبارك وتعالى- بتسخيرنا لِشهواتها، وأكبر ما يُوقِع الناس في الخطر ويُسلّط عليهم عدوّهم إبليس هي النفوس إذا لم تتزكى، لذا يقول الله عن أهل الجنة: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ) [النازعات:40-41].
بينما تُرسَل حتى في أفلام الكَرتون للأطفال: وتُذكَر حتى على مستوى الجامعات؛ أنَّ حُريّة الإنسان باتّباع هواه هو الأصل وهو الشرف والكرامة، مع أنهُ مَقطوع بيقين أنّ الإنسان إذا مشى وراء هوى نفسه فإنه يَهون ويَسقُط ويَرذُل دنيا وآخرة، فتحوّلَت إلى أنّها مَكارِم وأنها سعادات يُعبِّرون عنها أن يكون حُر.
حتى أوجَدوا بيننا في بُلدان المسلمين إلى وَسط هذا الوادي مَن تغتَر مِن البنات ببعض البرامج والاتّصال بهذا الجوّال ثم تتنكّر لأُمِّها وتتنكّر لأبيها، ثم تَكتُب في مَوقِع لها أنّها تَخلَّصت من القِيود وأنها بالحرية ولا أمْر أب عليها ولا أمر أم ولا زوج ولا غير ذلك، ويكتُب بعض البنات لها نتمنّى نكون مثلك، أنت قُدوة لنا في هذا الخير! إلى أين لُعِب على العُقول؟! وإلى أين وُصِل إلى هذه القلوب وانحرَفَت -والعياذ بالله تبارك وتعالى- مِن تقصيرات وتَساهُلات بما أشفقوا على هؤلاء البنات وأحضروا لهم جوّالات، ثم ازداد خطر الجوال حتى وصل الى اتّصال بهذه البرامج، حتى قامت هذه الفكرة والتنكُّر للمجتمع والتنكُّر لأعْرَاف المُجتمع، والتنكُّر لِعادات المُجتمع والتنكر للدّين، والتنكر لوِلاية الأب والتنكر لمَكانة الأم إلى غير ذلك.
في بعض الدُول المُجاوِرة لنا لمّا جاءت هذه المَوجة وأغْرَوا النساء وقالوا: أي وحدة تريد أن تتحرّر وهكذا، تخرج تتفضّل، وتُساعَد، ويُتوَفَّر لها وَظيفة ويُتوفَّر لها سَكن، يُتوفَّر لها سيارة. واحدة مِمَّن أرادَ الله لها أن تُدرِك مَشتْ وَراء هذا التيّار وذهبت وخرجت مِن بيتها وأعطُوها السيّارة ومعها شُقّة، ثم يوم بَعد يوم اكتشفت أنّها صارت إنسانيتها فقَدَتها وكرامتها وكرامة أنوثتها فقدَتها، الفِطرة في الأسرة فقدتها؛ خسِرت الأبوّة، خسِرتُ الأمومة، خسِرت الحياة الزوجية السعيدة، وأنا الآن أغرُوني بهذا البيت وبهذا المُرَتّب وبهذه السيّارة؛ سكرتيرة في المَكتب الفُلاني؛ عين هذا تنهشني، وكلام هذا آذاني وإنهم أرادوني مَحل لِقضاء لَعِبهُم وشَهواتهم فقط! ما هذه الحياة التي وَصلت إليها؟! ورَجعتْ وتركت الوظيفة وخافت، وقالت اتركوني أعيش إنسانة في الحياة؛ عِندي أب له حنان وعندي أم لها حنان وعندي اخوان وعندي أخوات أعيش معهم حياة طبيعيّة آدميّة، ليست هذه الحياة! حياة حيوان، هي حياة وحوش، حياة الجمادات أحسَن منها -سبحان الله-! فتَدَاركها الله، وألّا غيرها (لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الحجر:72] لأنهم تَبِعوا أقوام أصلًا ما يُؤمنون بالآخرة (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ..) [النمل:4] كانت فاسِدة قبيحة مُزَيّنة لهُم (..زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) [النمل:4] وراء هذا العَمَه يَمشون وراءه، تعرف واحد يمشي وراء واحد أعمه؟ مالذي سيحصل مِنه والعياذ بالله تبارك وتعالى "يا عبادي كلُّكم ضالٌّ إلَّا من هديتُه ، فاستهدوني أهدِكُم".
والذين دَعَوهم إلى هذا التبرُّج، وإلى هذا الاختلاط، وإلى هذا التنكُّر للأبوّة والأمومة، وإلى هذا التنكر للزوجية بعُرفِها في الفِطرة وفي الشرائع، الذين دعوهم لهذا، رُؤساءهم وكُبَراءهم هم الواقِفون اليوم بقُوّاتهم مع الصَهَاينة للتّقتيل والتدمير والتخريب، فأيُّ قُدوة من هؤلاء بالله عليكم! هؤلاء يَصلُحون قادَة؟ هؤلاء يَصلُحون أُسوَة لعاقل؟! هؤلاء يَصلُحون نُضيِّع لهم أبناءنا وبناتنا يَتبعون مَن؟! هذه نِهاية حَضارتهم! وهل تريد شيء أكبر من كذا! المدارس يقولون للأطفال فيها أيّ واحد مِنكم ابن يُريد أن يتحوّل إلى بِنت مُمكن نحن نُجري له عمليّة على رَغم أنف أبوه وأمُّه! مَساكين أطفال يُعرِّضونَهم لفقد فِطرتهم وإنسانِيّتهم وطبيعتهم مِن أصلِها، طِفل مسكين! وهكذا صاروا يَعرِضون في المدارس.
كانوا أوّل يَتظاهرون بالإنصاف وحُقوق الآدمي وحقوق الأُسرة، ويقولون أي شَيء ما يَرغَب والِدك فيه ولا أسرتك، حتّى مِن المَواد المُقرَّرة في المدرسة تُناقِض مَبَادئهم أنت مَعفي عنها، ولكن هذا مُجَرّد تَستُّر، وانكشفت الحقيقة والوجه الآن، واترك أمك واترك أبوك!
ويأتي عندنا في بعض المدارس وسط حضرموت، جماعة من الذين دخلوا وسط هذه الحَبكة، أهل التيارات ويَدخلون مدرسة من مدارس البنات، ويكون من طَرْحهم أنه واجب أنك تعيشين حياتك، وأنّ أكبر مشكلات تعوقك في هذه الحياة الأب والأم، مُشكلة بسبب وُجودهم، واجب البِر أصبح مشكلة الآن! وأنتنّ مظلُومات بسبب أبائكم وأمهاتكم، يفرِضْن عليكن أشياء تُفِقدن مُتعة في الحياة، والانطلاق في الحياة، فيقولون هكذا؛ هذه واحدة من البنات قالت هذا ابوي، كيف أعاق أبوي؟! قالوا لها! هذا رقمنا إذا أبوكِ اعتَرضَك في شيء اتّصلي بِنا، مُنظمّة مُعينة من الخارج موجودة.
يعني ماذا؟ يعني هَدم الديار، هَدم البيوت، هَدم الأُسر، هَدم القِيم، هَدم الدّين، إغرَاء لهؤلاء المِسكينات شابّات ومُقبِلات على الحياة، يقولون أنّ التبرُّج سَعادة، أنّ الاختِلاط بالرجال سعادة، أنّ عَدَم التمسُّك بِالدّين سعادة، أنّ عدم الخُضوع لسُلطة الآباء سعادة، كلام مَقلوب مَعكوس تماماً، شَقاوَة مَحمُولة لهم، لِخُسران الدنيا والآخرة، لكنْ قد وصل إلى عِندنا هذا، وقد جرى هذا في بَعض مدارسنا، -وإنا لله وإن إليه راجعون-.
وإذا لم يَعلم المُؤمن خَطَر السَّعي وأنه مَسؤول حتى يقول ﷺ: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، ليس وراء ذلك مثقال ذرة من إيمان" لا إيمان أبداً، إذا حتى قلبه ما يُنكر هذا، ويتمنّى إزالتُه، ويسعى بما يقدر عليه ما عاد شي إيمان أصلاً -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
لهذا وَجب أن نُدرك خَطَر السَّعي، وأننا مسؤولون عن سَعيِنا، وأنّنا يجب أن نقوم بإيجاد وِصلات السعي للخير بيننا البين ونُوسِّع تلك الآفاق، ونتعاون على ما يُرضي ربنا -سبحانه وتعالى-، فإنّ ذلك من خير ما يحبُّه الله "ويد الله تعالى مع الجماعة"، وَجَعل الله لنا العِبرة بالصّلاة، صَلاة الرجل مع الرجل أزكى مِن صَلاتِه وحده، وصلاته مع الرجُلين أزكى مِن صلاته مع الرجل، وصلاته مع الثلاثة أزكى مِن صلاته مع الرجلين، كلما كَثُر الجَمع كان الثَّواب أكبَر وأعظَم.
فالله يجمع قُلوبَنا عليه وعلى الوِجهه إليه، وعلى صلاح بلادِنا وصلاح وادينا، وصلاح أهالينا وصلاح مَعاشِنا ومعادِنا، اللهم ثبِّتنا على ما تُحِب واجعلنا فيمن تُحب، ووفِّقنا لما تُحب وادفَع عنَّا جميع الآفات والكُرَب، اللهم وأنجِ وخَلِّص واحفظ واحرُس المسلمين في غزّة وعَسقلان والضّفة الغربية وبيت المَقدس وفِلسطين وبقيَّة أقطار الأرض في شامِنا ويمَنِنا وشرقِنا وغربِنا.
اجمع المُسلمين، ألِّف ذاتَ بَين المسلمين، احفظ المُسلمين، احفظ أعراضَ المُسلمين، صُن أموال المسلمين، احقِن دِماء المسلمين، رُدَّ كيدَ الكافرين والفاجِرين من عُداة الإنسانية وعُداة القِيم وأعداء الدِّين، اللهم اجعل كيدَهم في نُحورِهم وادفع جميع شُرورِهم، نسألك يا مُنزِل الكتاب يا سَريع الحساب يا هازم الأحزاب يا مُنشِئ السّحاب أن تَهزِمَهم وتُزَلزِل بِهم وتَدفع شرَّهم عن جميع أهل لا إلٰه إلا الله، بحق لا إلٰه إلا الله وأهلَها، واجعلنا عِندك من خِيار أهلِها يا ربّ العالمين.
25 ربيع الثاني 1445