(228)
(536)
(574)
(311)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الذي أرسل سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلِّ وسلِّم وبارك يا إلهنا على العبد المصطفى حبيبك سيدنا محمد, وعلى آله الأطهار, وأصحابه الأخيار ومن على منهجهم سار.
أما بعد، فيا أحبابنا ويا إخواننا ويا أهل ملتنا, ويا من جمعتهم بنا حقائقُ الإيمان بالله تعالى في هذا المكان، إن المهمة التي اجتمعنا عليها عظيمة, مُتعلقة بأسرار الوحي المُنزَّل على قلب النبي المُرسل, وحسبنا أننا نتصل بأنوار وحيٍ ما كان له مِن وعاءٍ في العالم إلا قلبُ سيد العالم, ما كان له مِن وعاءٍ يقدر على حمله إلا ذاكم القلب، وان كان أشرف ما في الإنسان قلبه، فأشرف الناس محمد, وهذا قلب النبي محمد استلم هذا الوحي المنزَّل من الواحد الأحد جل جلاله.
نحن أمام هذا الأمر أيها الأحباب, يجب علينا أن نرسِّخ أقدامنا في فهم إشاراتِ هذا الوحي، ثم تطبيقه والعمل به, ثم مخاطبة العالم به, فما وُجِّه الوحيُ لنا وحدنا، وما كان حِكرًا علينا, ولكنه خطابُ الله لعباده المُكلَ
ّفين, وكل مَن وَعاه جعل الله عليه مهمةً في تبليغِه لمن عداه, فلأجل هذا الفقه في حقائق هذا الوحي المُنزل انتشرت هذه الرسالة الغرَّاء والحنيفية السمحاء في مختلف أقطار الأرض, ولم يزل نشرُها وترديدُها بعونٍ من الله تبارك وتعالى بواسطة القلوب التي وعَت مِن سر هذا الوحي ما وعت, فبرز فيها ذلك السر أخلاقاً ومعاملةً وحسنَ خطاب أوقفَ الناسَ على شهودِ جمالِ تفضُّلِ الحق وإنزاله, فسارعت القلوبُ إلى هُدى الله تبارك وتعالى. جعلنا الله ممن يقوم بهذا الشأن وهذا المضمار على الوجه الأرضَى لإلهنا الرحمن جل جلاله وتعالى في علاه.
جميع ما تُطرِّق إليه من الموضوعات في هذا اللقاء المبارك أراه عند كلامنا عن العدل والمحبة والرحمة والسلام, مُتصلٌ بعضه ببعض، فإنه عند التعلق بحقيقة سلسلة لا إله إلا الله نرى جميع الفضائل والمحامد منبثقةً عن حقيقة هذه الكلمة، ومرتبطةً بها ارتباطاً عظيما, وإن من أعظم مظاهر هذه الكلمة التي هي أثقل كلمةٍ في الميزان وأفضل كلمة عند الله، ولو وُضِعت السماوات السبع والأرضون السبع في كفَّة، ووُضِعت لا إله إلا الله في كفة لرجحَت بهن لا إله إلا الله. مِن أعظمِ مظاهرِها العدل والرحمة والمحبة.
إن هذا العدل الذي هو الحكم بالإنصاف وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه, جاءت به الشرائع كلها، وأكدت عليه شريعةُ الله التي ختمَت الشرائع بنصوصٍ صريحة صحيحة, ويلفت النظرَ عند ذكر العدل والحُكم أن الآيات التي جاءت في هذا المضمار لم تُقيد ذلك العدل والحكم عند من يريد أن يحكم بالإسلام ولا بالمسلمين، وتأمل آياتِ الكتاب العزيز. يقول تعالى في ذكرِ مهمة الرسل كلهم في هذه القضية: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}الحديد25. لا ليقوم الرسل وأتباعُ الرسل, فمهمة هذا العدل العظيم أن يشمل الأرض، ومقصوده الأعلى أن يكون حاكماً لجميع من في الأرض، لأن فيه الخلاص لجميع من في الأرض من جميع مُشكلاتهم.
قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً}النساء105. في هذه الآية الكريمة بيانٌ واضحٌ لهذه الحقيقة وهي حُكم سيدنا رسول الله بين مسلم ويهودي يعيش في المدينة، وما استقر به العيشُ إلا بعد مصالحةٍ من سيدنا محمد, وفي ضمن هذه المصالحة كان في دائرة تكذيبه وإنكاره لآيات مُنزلة في التوراة، ومنتمٍ إلى طائفة كثيرة الأذى، كثيرة الكذب, كثيرة التحيُّل والمكر, هذا اليهودي الذي ينتمي لهذه الفئة, ولا نقول إن كل اليهود كانوا بهذه الصورة في المدينة, فإننا نتفقه من آيات القرآن أن الحق عندما يذكر الوصف الغالب على طائفة من أهل الكتاب يهود أو نصارى لا يشملهم ولا يعمُّهم. يقول سبحانه وتعالى: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }آل عمران113. ويقول: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}آل عمران75. فهذه أمانةٌ في العدل عندما نريد أن نحكم على فئة أو طائفة أو جماعة لا نجعل ذنبَ الكثير منهم واصلاً على البقية، ولو كان القليل قل: منهم.
إلى حد أن يميِّز الطائفةَ التي استقامت منهم على الحق والهدى, لنعلم أن شأن الاستقامة في منهج الله لا يتصل بجنس ولا ببلد ولا بقطر ولا باعتبار آخر. يقول سبحانه وتعالى: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِين}آل عمران113-114. تمجيد للمستقيمين منهم إلى الذين وُجدوا في عهد النبي. ويقول سبحانه وتعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً.. وليسوا كلهم كذلك ولكن " مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون * وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}المائدة82-83. هذه قضية علَّمَنا إياها أدبُ القرآن ألا نُطلق الحكم هكذا.
سرق طُعمة ابن الأبيرق درعاً على أخيه المسلم، ثم أعطاه اليهودي على أنه أمانة عنده ووديعة، فاستلمه اليهودي, فلما رأى أنه خاف الافتضاح ذهب به إلى بيت اليهودي, فأعطاه إياه على أنه وديعة عنده. فلما بحث هذا المسلم صاحب البيت عن درعه فلم يجده، وكان في الدرع زبيب فكان يمشي به وهو يتناثر في الطريق, فتتبع ذلك حتى وصل إلى بيت اليهودي, كان مرّ على بيته أولا ثم مرَّ على بيت اليهودي, فسأله وقد بات عنده: كنت عندي أين الدرع؟ قال لا أعرفه. ودعا بعض أصحابه وقبيلته قال تعالوا لا أفتضح أمام رسول الله. فجاءوا إلى رسول الله يحاولون أن يُغطوا القضية, ويقولون يا رسول الله إن اليهودي هو الذي سرق الدرع، وأراد أن يرمي به أخانا, لأنهم جاءوا إلى اليهودي يسألونه قال: هذا أعطاني إياه طعمة ابن الأبيرق، فسألوا: طعمة من أين جئت به؟ قال أنا ما رأيته، اليهودي يتهمني كذبا. فلما شرحوا القضية للنبي, ورتبوا ترتيبهم ليأتي الحُكم في تبرئة المسلم وإعطاء الحكم على اليهودي أنه سارق. فنزل القرآن بآيات من رب الكل {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ }النساء105. فلم يقل لتحكم بين المسلمين, ولا بين أتباعك. أنت الذي يحِق أن تُسلَّم زمام الحكم في العالم إليك، لأنك مبعوث رب العالَم إلى العالَم، وإذا حكمتَ حكمتَ بالحق والقِسط على القريب والبعيد, لا تعرف محاكات ولا تسترقُّك بشرية ولا غرض من الأغراض, فأنت عبدُنا الخالص لنا، لا تريد سوانا, ولم نقدم عليك سواك.
قال سبحانه وتعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً}النساء105. إذا عمل أحد أصحابك خيانة, وأراد أن يُلصقها بغيره ولو كان من غير الملة, لا ترضى بهذا السلوك ولا بهذا الأسلوب ولا تدافع عنه، ولا تكن للخائنين خصيما، {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ -يخونون- أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً}النساء107. أنت رسول الصدق إلى الكل فأمُرهم بالصدق, وقل لهم عند الحكم لا يأتي أحد بتوسلٍ بشيءٍ من الاعتبارات غير صدقِه مع الله تبارك وتعالى {وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} النساء107-108. خاطَب الذين تآمروا مع صاحبهم فقال {هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} من الذي سيقف أمام الحكم العدل ويجادل عن فلان أو فلتان؟ {فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً * وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً} النساء109-110.
انظر إلى الجمع بين إقامة العدل وبين الرحمة، ويفتح الباب للذي أخطأ على نفسه وأراد أن يتهم غيره، يقول له: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً}النساء110. تب واعترِف بما عملت, واعترف بسرقتك تجد الله غفورا رحيما. فما كان إلا أن خُذل ذاك, وهرب من المدينة المنورة.
هذا مظهر من مظاهر العدل ويكفي أن نذكر فيه أيضا حديثاً آخر, عن سيدنا عبد الله بن رواحة، أرسله النبي وكان يرسله في كل سنة إلى خيبر من أجل أن يخرص التمر بعد أن فتح النبي خيبر. فكان يخرص التمر ليعرف كم نصفه فيسلمونه إلى المدينة, فلما كان يخرص التمر أرادوا أن يُرشوه لأجل أن يُطلِّع الكمية من التمر قليلة، وحتى يسلموا قليلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقدموا لذلك مقدمات ومهدوا له الطريق، بأن شكَوا إلى رسول الله أنه يشدد عليهم ويجحف عليهم ويكثِّر عليهم, فلما قدَّموا هذه المقدمة وجاء عبد الله بن رواحة ليخرص التمر. قالوا يا عبد الله خفف بالتقدير ونعطيك كذا وكذا. التفت ابن رواحة, وهو خرِّيج مدرسة العدل, قال عبد الله بن رواحة عليه رضوان الله تعالى: والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إليَّ, ولأنتم أبغض إلي من عِدَّتكم من القردة والخنازير، ووالله ما يحملني حُبِّي له, ولا بُغضي إياكم على أن أزيد حبة ولا أنقصها. ما تحملني هذه المحبة لسيدي رسول الله والبُغض لكم لخيانتكم وغدركم, أترشونني بمال لأدخل النار يا أعداء الله؟ قال: ولكني من أجل الله لن أنقص ولن أزيد, وبُغضُكم لا يحملني على أن آخذ ما ليس لي وما ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فما أعجب هذا الأمر, هل رأيتم منهجا قام في العالم بمثل هذا؟ أو سار هذا النحو. إنّ مُحمداً آية الله الكبرى فصلوا عليه, أدخلنا الله في دائرته صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله.
نخرج الحين من بعد العدل إلى هذا الأمر الذي التجأ فيه أصحاب الملل المختلفة لمّا جاء حكم الإسلام إليهم, عاشوا في ظل العدل بعد أن جاء حكم الإسلام ينقذهم من الظلم بواسطة عدل الخلفاء الراشدين رضي الله تبارك عنهم وأرضاهم. حتى قال سيدنا عمر بن الخطاب لابن عمرو بن العاص لمّا لطم ابن القبطي من النصارى: لم لطمته؟ لأنك ابن أمير مصر!! ابن عمرو بن العاص؟ تعال تقدم, بعد أن شكاه وأرسل إلى عمرو وابنه ليحضرا, قال الطمه كما لطمك, وتعال أدِر السيف فوق رأس عمرو بن العاص.
قال سيدنا عمرو بن العاص ما ذنبي أنا يا أمير المؤمنين؟ هذا ولدي لطمه!! قال إنه لم يلطم هذا إلا احتماءً بإمارتك, لو أدبته ما فعل ذلك. لن نضربك , ولكن ندير السيف فوق رأسك نعطيك مثلها.. هذب ولدك. هذه مدرسة سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا جئنا إلى الرحمة فلن نجد أرحم من محمد لا بالقريب ولا بالبعيد ولا بالصغير ولا بالكبير, وحسبكم أنه ما طُلب منه الدعاء على قوم إلا رفع يديه فعدل من الدعاء عليهم إلى الدعاء لهم. سيدنا الطفيل بن عمرو من جماعة دوس, من جماعة أبي هريرة, جاء إلى النبي محمد, قال يا رسول الله دوسا عصت الله, ولا رضوا بالإسلام ادع الله عليهم, رفع النبي يديه, قال بعض الصحابة هلكت دوس, يدعو عليهم وينزل العتب عليهم, قال فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم يديه, قال: اللهم اهد دوساً وأتِِِِِ بهم مسلمين, قال فما مرت إلا أيام حتى وفد وافدهم بالإسلام إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
من أرحم من هذا النبي؟ ألا تقرأ قوله تعالى" النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ " الأحزاب6. والله لو كانت نفسك ترحمك أكثر منه ما كان أولى بك من نفسك, لكنه أولى بك من نفسك لأنه أرحم بك من نفسك, ألا تسمع حديثة الصحيح, يقول " مثلي ومثلكم كالفراش تتهافتون على النار وأنا آخذ بحجزكم ", اسمع حتى أخذته لطيفة " آخذٌ بحجزكم ", لو واحد يريد أن يسقط وجئت تأخذ بيده ربما تنقطع أو تنكسر, أو برجله ربما ينقسم نصفين أو بأذنه تنقطع, لكن بحجزته تأخذه يسلم تماما, قال وأنا آخذٌ بحجزكم, حتى طريقةِ حراستي لكم على النار ملآنة بالرحمة وبالشفقة, فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
علَّم أصحابه ذلك وعلَّم الأمة كذلك، وقال: الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض.. وتأمل الحديث من في الأرض يرحمكم من في السماء,
فيمن في الأرض هذا يبين لنا في الصحيحين أن بغيًّا من بغايا بني إسرائيل, عاصية من عُصاة بني إسرائيل رحمت يوما كلبا - قال نبينا - فغفر الله لها, جاءت من شدة العطش ما وجدت دلوا, فنزلت إلى البئر فشربت, فلما طلعت وجدت كلبا يلحس لسانَه بثرى الأرض المكان المبلل, فقالت: أصابه من العطش مثل الذي أصابني, فخرجَت إلى البئر وأخذت خفَّها فملأته ماء، وحملته بفمها, وطلعت وسقت الكلب قال رسول الله فغفر الله لها.. هذا بخدمة كلب.
لهذا فلا تتعجبوا من الشخصيات التي ذكرت بالمؤتمر وغيرها التي مرت في مثل تمبوكتو من أخلاقهم وآدابهم ورحمتهم, إذا تعلموا عند سيدٍ يقول رحمة الكلب كانت سببا للمغفرة ودخول الجنة كيف لا يرحمون بين آدم؟ كيف لا يرحمون المسلمين؟ كيف لا يرحمون الجيران؟ إنها مدرسة الكمال.
شؤون هذه الرحمة حسبنا قول الله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}الأنبياء107, ماذا فعل الكفار في غزوة أحد, أشد منظر كان آذى قلبَ النبي منظر حمزة بن عبد المطلب, شُق بطنه وأخرجت كبده وليكت, ما هذا التمثيل؟ ما هذا التصرف الشنيع الشديد؟ وبعد انتهاء المعركة قالوا: يا رسول الله ادع الله عليهم, رفع يده قال: إني لم أبعث لعّانا ولا طعّانا ولكني بعثت بالحنيفية السمحة وبعثت رحمة, اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون-صلى الله عليه وسلم-
المحبة شأنها شأن, وإذا دخلنا فيها نغرق في هذا الميدان, فنقول: حسبنا إننا عُلِّمنا محبة الكائنات من أجل مُكوِّنها, ومن أحب الصانع أحب صنعتَه, أنت لو أحببتَ الشركة كل ما تصنعه عندك جميل مهما كان الأمر, باعتبار ما بينك وبين الشركة من عاطفة ومودة حتى وإن كانت الصناعة غير متقنة, لكن الله الذي خلق كل شيء أحسن كل شيء خلقه, عُلّمنا هذا فصارت المحبة هي التي دفعت المجاهدين منا إلى الجهاد, فنحتاج أن نعرف أن الجهاد الفريضة الماضية إلى يوم القيامة يقوم على العدل وعلى الرحمة وعلى المحبة. لو لم نحبهم لما نجاهدهم, لو لم نحبهم لتركناهم في الكفر حتى يُشوَوا في نار جهنم, ومع ذلك كله في وقت استعمال السيف نستعمله, فريضة ماضية إلى يوم القيامة, لكن انظر إلى معنيين:
المعنى الأول: ليس الجهاد محصوراً في القتال, يقول صلى الله عليه وسلم: من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع, كان سيدنا عبد الله بن مسعود يقول: من رأى أن الغُدو في طلب العلم ليس بجهاد فقد نقص في رأيه وعقله.
الساعي على الأرملة والمسكين كالمُجاهد في سبيل الله, رأى أبو هريرة رجلاً خارجاً إلى المسجد في آخر الليل أين تريد؟ قال أريد صلاة الفجر. قال تريد الجماعة في المسجد وخرجت من قبل الفجر. قال نعم. قال: كنا نعد الخروج في هذه الساعة على عهد رسول الله بغزوة, الخروج آخر الليل إلى المسجد تعظيم لشعائر الله واستغفار بالأسحار قال كنا نعدها بغزوة .
ومع اتساع مفهوم الجهاد فيبقى الجهاد بكل أنواعه باقٍ إلى يوم القيامة، لكن كل شيء في موضعه, ومن الذي نحمل عليه السيف؟ هو الذي لم يكتفِ أنه أبى دعوة الله, دعوناه فلم يقبل, فلم يكتفِ بذلك فبعد أن لم يَقبل صدَّ أو آذى واعتدى, أو وقف مانعاً أن تصل الدعوةُ إلى من وراءه, في مثل هذا الحال هذا معتدٍ يجب أن نحمل السيف في وجهه, ومن هنا نعرف معنى الاتزان والبُعد عن التصرف الذي كان يتحدث عنه الأستاذ.
كيف نفقه أسرارَ هذا الوحي فقهاً لا تقف معنا فيه مشكلة أمام الأوضاع والأحداث المختلفة إلى يوم القيامة, فو الله إنها محجةٌ بيضاء ليلها كنهارها, لكن التقصير عندنا معاشر المسلمين, في حسن التبصُّر والاهتداء والاقتداء وتطهير السرائر حتى تفقه من سر الخطاب ما لا يمكن أن يُفقه بالكلام.
إن الصحابي الذي قرأ سورة الزلزلة واهتزَّ لها قلبه ورجف فؤاده فلما انتهى إلى قوله {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}الزلزلة7-8. قال حسبي هذا، يكفيني, قال: النبي فقُه الرجل, صرف له شهادة في الفقه في الدين, ما في سورة الزلزلة أحكام الوضوء ولا أحكام الصلاة ولا أحكام الطلاق ولا أحكام البيع ولا الشراء، فمن أين فقه؟ تعلق بحبل إذا قام بحقه لم يعمل إلا ما يوافق الشرع، وعاش عمرَه مُعظماً لشعيرة الله يبحث عن الفقه في دين الله لأن معاني {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْض} حضرت في ذهنه, فكانت قائدته إلى الجنة, ومن جعل القرآن أمامَه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره, ساقه إلى النار والعياذ بالله تبارك وتعالى.
إذاً نحتاج في فقه مقابلة العمل في أنفسنا والمقابلة من حولنا, أن نقول إن الجهاد الماضي إلى يوم القيامة, كان مظهرَ الرحمة وما عرفنا قتالاً في الأمم من عهد آدم إلى القرن الحادي والعشرين الميلادي هذا الذي نحن فيه, أحسن ولا أجمل من جهاد رسول الله محمد وأصحابه الكرام والأسس التي خلَّفها فينا. نحن نوقن أن الأنبياء كلهم جاهدوا أحسن جهاد وأعظمه, لكن كان محمدٌ أفضلهم وكان أكملهم, إنه الجهاد الذي علَّمنا فيه كيف نقتل الكافر المحارب (وإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة), أحسنوا القِتلة يعني هيئة القتل, فهي عند أهل العربية بالكسر قِتلة أي هيئة، وبالفتح قَتلة مرة, المرة من القتل, مثل أَكلة مرة واحدة, وأُكلة هيئة الأكل, كمثل الوُضوء والوَضوء إلى غير ذلك.
"فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة", يطالبنا بالإحسان والرحمة حتى عند الذبح, عجباً لهذه الشريعة، الناس محتاجون لأن يفقهوا عظمتها لأن يروا جمالها, ولن يأتي حتى نتذوقه نحن أولاً ونشرب كأساته, ثم نُعلِّم الناس ما هو هذا الجمال وما هو هذا الفضل من الكبير المتعال جل جلاله وتعالى في علاه.
في غزوة بدر استعمل النبي قوَّته المباركة الطاهرة في حماية جُثث المقاتلين الحربِيين المشركين المؤذين المعاندين, هم الذين أخرجوه, هم الذين وضعوا السلى على ظهره, هم الذين وضعوا الشوك في طريقه, هم الذين كادوا أن يخنقوه حتى خلّصه أبوبكر, فلما قُتلوا لم يترك جثثهم للسباع ولا للطيور, واستخدم القوة الأيادي الطاهرة النظيفة الشريفة, أيادي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار, اسحبوهم إلى القليب، فسحبوهم وقلبوا فيهم في القليب، ووقف النبي يقول هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا, لقد وجدت ما وعدني ربي حقا, صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
نظرتنا إلى الجهاد إذا قامت على وجهها فهو مِن أحسن ما يكون لنفي الإرهاب عن الأمة، بل لاستقامة شأنها وشأن مَن وراءها، إذا فُقه وأقيم على وجهه, نحن أمام العدل والرحمة والمحبة تُعبِّدنا بأن نحبَّ هداية الخلق أجمعين, قال صلى الله عليه وسلم ( فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحد خيرٌ لك من حُمر النعم ) فأي وسيلة استطعنا أن نبيِّن بها دينَ الله للكفار الموجودين معنا في الأرض فقصَّرنا فيها, فقد قصَّرنا في محبة الله وفي محبة خلق الله الذين لا نحبهم إلا من أجل الله. نكره الكفر, ونكره فعل المعصية، ونكره الفسوق, ونكره العصيان, ولكننا نُحب الخير لجميع الخلق، ومحبتنا الخير لهم لا يعني إقرارهم على كفر أو على ظلم, ويبينه الحديث الواضح لديكم (انصر أخاك ظالما أو مظلوما). قال أنصره إذا كان مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما؟ قال: كفَّه عن الظلم فذلك نصره. كذلك أنواع خطاباتنا للكفار اليوم هي محبتهم, أي محبة الخير لهم لا محبة الكُفر, ولذا نجد في الآيات فارقاً كبيراً بين الولاء والمودة وبين البر والقسط. فالبر والقسط مفتوحا {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الممتحنة8. لكن {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ - دون أن يذكر البر والقسط قال - أَن تَوَلَّوْهُمْ}الممتحنة9. الولاء, هذا الولاء الخطير أَن تَوَلَّوْهُمْ, أما البر والقسط مثل دفن المشركين في قليب بدر.
كان من سيد المرسلين لمّا مشى ومعه الأسرى قال لأصحابه: (استوصوا بالأسرى خيرا). اسأل اليوم حكومات العالم هل من أسيرٍ بينهم لقي من الرعاية ما استحى به من إحسان من حاربَهم؟ لمّا رجعوا من بدر وأوصى النبي بالأسرى خيرا, يقول بعض الذين أسلموا فيما بعد وكان أسيرا مع المشركين, قال: تقع في يد أحدهم التمرة والكسرة, فيؤثرنا بالكسرة، قال حتى أني استحي منهم لكثرة ما يؤثرونا بأحسن طعامهم, فجعلت أردها إليهم فيردونها إليَّ ما يمسها أحدهم بعد أن سمعوا رسول الله يقول استوصوا بالأسرى خيرا, عجب هذه التربية النبوية.
نحن على طريق الوسط الذي بُعث به رسول الله نعرف الغلظة والشدة على الكفار في بابين اثنين, باب مسِّهم للقيم والأخلاق لا نرضى به ولا نفتح لهم فيه مجالا, ولا نمكنهم من شيء منه قليل ولا كثير.
هذه الأخلاق النبوية مع اليهود في المدينة لمّا جاوزوا الحد إلى العِرض والأخلاق, واحتشمت امرأة من المسلمات, فجاءت عند بني قينقاع من اليهود من أجل أن تأخذ ذهباً منهم, فأرادوها على أن تكشف وجهها ورأسها فأبت, فجاء يهودي ربط طرف ثوبها الأسفل بطرفه الأعلى وهي قاعدة لم تشعر, فلما قامت ارتفع ثوبها فانكشفت فصاحت. فجاء المسلمون فتلاطموا مع اليهود فتقاتلوا, فوصل الخبر إلى رسول الله. لما وصلوا إلى هذا الحد, أعراب ينتهكون حرمة النساء ويتجرؤون على المحارم انتهى كل شيء, جمع الجيش وخرج مع الصحابة وكانت غزوة بني قينقاع, وكانت أول قبيلة من اليهود أُجليت عن المدينة, ولمّا خرجوا من المدينة ما قال النبي: أنتم أصحابهم يا بني قريظة, أنتم أصحابهم يا بني النضير أخرجوا كلكم من المدينة, هؤلاء اللي خانوا واللي تجرؤوا عليهم الأمر, وأنتم على عهدكم متى ما خنتُم نقوم عليكم. صلى الله عليه وسلم ما أعجب هديه الكريم , وما أعظم فقهه في هذه الشريعة.
تجدنا عندما تضعف صِلاتنا بأسرار الوحي الشريف نتحير أمام بعض القضايا, ولا حيرة إن شاء الله تبارك وتعالى, فيأتي التحيُّر كيف نعمل مع هؤلاء الكفار؟ والكفار بعضهم عندهم منظمات ومخططات وعداء كثير, طائفة منهم صنف كذلك، وصنف ليسوا كذلك، وواجبنا أن نبلغ الدعوة للكل.
لما أرسل الله سيدنا موسى إلى فرعون, والله يعلم أن فرعون لن يؤمن, لكن تعبَّد موسى وهارون بإرادة إسلامه، وقال {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}طه43, ومع طغيانه فلم يأمرهم بضربه، ولا بالإغلاظ عليه في القول! {إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً} اذهبا إلى هذا الطاغي وألِنَا له القول، لا خوفاً منه, ولا رغبةً فيما في يده, ولكن تقرُّباً إلى الله عسى أن يُهديه ويُسلم, {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} طه44. فتعبَّدهم الله بإرادة التذكر والخشية لفرعون، وفرعون لن يؤمن أصلاً, وقد علم الله ذلك.
حتى الجماعة الذين نزلت فيهم {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد}الكافرون1-3. لم يترك النبي دعوتهم, بعد نزول الآية لم ييأس من دعوتهم, بل استمر يدعو بينهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, ليؤدي عبوديته لله في إرادة الخير لخلق الله, وإن كان الله يُضل من يشاء ويهدي من يشاء, إلى حد أن قال له: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُون}فاطر8. وقال تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ}الشعراء3-4. قال لو أردتنا يا حبيبي لأنزل آية تخضع لها الرقاب من كل الكفرة, لا أحد يقدر على رفع رأسه, لكن لا أريد رِقابا، ولكن أريد قلوبا, قل لهم يُقبِلون عليّ بقلوبهم رغبةً ومحبة, وهذا معنى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}البقرة256. فمن أراد الهداية فليُقبل عليَّ بمحبة وليُقبل علي بصدق, وليُقبل علي برغبة, فدينُ الله مبني على هذه المحبة. وسر محبتنا للكائنات ولهداية الناس هو من محبتنا لله, قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّه}البقرة165. ما هذا الجمال.. فهم من أجل الله أحبوا هدايةَ الكل واجتهدوا في ذلك, ومع ذلك ذكر في الموضع الأول الذي فيه الغلظة والشدة ألا نسمح لهم باللعب بأخلاقنا ولا بقيمنا- فهذا الأول.
والثاني: اعتداؤهم, فمن ذا يُطالب ويقول أنتم يا معشر المسلمين دينكم دين رحمة وسماحة دعوا من يقتلكم يقتلكم, لا، بل لو اعتدى بعضهم على بعض, وقدرنا على أن ننصر المظلوم لنصرناه, انظر إلى هذه السعة في الشريعة, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: حضرت حلف الفضول لو دُعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت, حِلف كان بين المشركين, قال لو اجتمع المشركون على نُصرة المظلوم, سأشاركهم في هذا الحلف.
إذا فهذه خُلاصة عن ذاكم الطريق الواسع الوسط الذي يجب أن نقوم به.
ونحن نحمد الله جمعنا وإياكم، وأنتم أصحاب دور عظيم في واقع الأمة اليوم من حيث تشعرون ومن حيث لا تشعرون. استشعروا أن الناس في العالم يستمدون وجهاتهم واتجاهاتهم وأوصافهم من أفكارهم ومن شؤون بشرية، وأنتم تستمدونها من عند رب العرش العظيم, جاءتكم على يد النبي الكريم, فثبت الله أقدامكم ونصر بكم الشريعة.
ولا نزال مُحتاجين إلى هذه التجمعات وقد انشرحت صدورنا بزيارتنا لهذه المدينة, وتذكُّر ماضيها العظيم الذي يجب أن يأخذ محلَّه من خيالنا وأذهاننا بدل الضياع فيما يضُر من برامج تأخذ أوقات أبنائنا وبناتنا, فلنحيِ الخير والحق فينا.. نسأل الله أن ينظر إلينا وإليكم نظرة يدخلنا بها في عباده الصالحين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. والحمد لله رب العالمين.
01 جمادى الأول 1430