أسرار تلبية القلوب نداء الحق تعالى ومجالاته وآثاره على مدى العصور

للاستماع إلى المحاضرة

محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في مجلس البردة الأسبوعي في مسجد الروضة المباركة في عمان، الأردن، ليلة الجمعة 13 جمادى الأولى 1446هـ بعنوان:

أسرار تلبية القلوب نداء الحق تعالى ومجالاته وآثاره على مدى العصور

الصورة

 

فوائد مكتوبة:

https://omr.to/M130546-burdah-f

لتحميل المحاضرة (نسخة إلكترونية pdf):

https://omr.to/M130546-burdah-pdf

 

نص المحاضرة:

الحمد لله، الخالق المُبدئ المُنشئ الفاطر المُعيد، الذي إليه المَرَدّ والمرجع والمصير، لا إله إلا هو وحده لا شريك له، سبحانه من عليمٍ خبيرٍ، سميعٍ بصيرٍ، عليٍّ قدير، بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع كل شيء.

ونشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وصفيّه ونجيّه وخليله، هدانا به إلى أقوَم الطريقة والاستمساك بالعُروة الوثيقة، وجعله عنده خير الخليقة، وجعل أمته خير أمة وآله خير آل وصحبه خير صحب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم وشعيب وموسى وعيسى ومن بينهم من أنبياء الله ورسله، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقرّبين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

قلوب لبّت نداء الله ورسوله

وجعل سراية هذه الصَّلوات مُوجبة لأن نلحق بخير البريّات، ومرافقته في المراتب الرفيعات، وأن تعود علينا عوائد الإجابة من القلوب المُنيبات الطاهرات المُلَبّيات لنداء الله تبارك وتعالى، خصوصاً من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.

والذين أنتم في ذِكرى من ذكرياتهم في هذا الموسم، في مثل هذا الشهر من العام الثامن من الهجرة، أي ما قبل ألف وأربعمائة ثمانٍ وثلاثين سنة، كانت هذه الوقعة، وكانت كما سمعتم مفتاح الفتوحات لدين الله تبارك وتعالى بِجدّ أولئك وصدق أولئك، قلوب لبَّت نداء ملك الملوك جلّ جلاله وربّ الأرباب، ربّ السماوات وربّ الأرض وربّ العرش العظيم، حينما وصلها النداء على لسان وَيَد وقلب نبيّ الهدى صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله. 

إيثار الله ورسوله عن كل ما سواهما

فكانت ترجمة هذه التلبية لهذا النداء كل ما حصل منهم من بعد الإيمان بالمصطفى في أنفسهم وأخلاقهم ومعاملاتهم، وأُسَرهم وشؤونهم وبَذلهم وتضحياتهم، إلى أن لقوا ربهم جلّ جلاله وتعالى في علاه، على المتابعة وعلى الاقتداء وعلى إيثار الله ورسوله على ما سواهما، إيثار الله ورسوله على ما سواهما! مِن كل ما يُتصوّر ويُتخيَّل، بكل ما ينزل بساحتهم أو ساحة أفكارهم أو خواطرهم أو قلوبهم، أو ساحات مُجتمعاتهم أو ساحات انطلاقاتهم في الحياة.

أيُرتجى الخير ممن لا خلاق لهم؟

آثَروا في كل ذلك الله ورسوله على كل ما سواه، فلم يأخذوا مِما ينزل ببالهم ولا بفكرهم ولا بخواطرهم ولا بمجتمعاتهم ولا بالظروف والأحوال إلا ما اجتهدوا أنه الأحبّ إلى الله ورسوله، والأرضى لله ورسوله، ولا يخافون لومة لائم.

ومَن يُبالي بلومة لائم ممن هو شبيه البهائم بل أضلّ؟ يلومونا على طاعة الله، يلومونا على تحقيق العبودية لله، يلومونا على التبعية لمحمد بن عبد الله، ويُحبّون أن يُزَيّنوا لنا تبعية أفكارهم، أفكار من لا خلاق له، أفكار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، أيُرتجى أن يأتي على يديه سعادة؟ أيُرتجى أن يأتي على يديه خير؟ أيُرتجى أن يأتي على يديه هدى؟ لا والله، بل هم في دوائر: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)، (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ).

التحقق بأوصاف أهل العناية الربانية 

فنِعْمَ الوليّ للمتقين ربُّ العالمين، ونِعْمَ ولاء المتقين لربّ العالمين الذي قام عليه ولاء رسول الله وولاء الأنبياء والمرسلين والمؤمنين الصادقين المخلصين، في تصريحات يُصَرِّح بها الحق الأعلى جلّ جلاله، في كتابه المنزل على نبيه المصطفى ﷺ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ).

ومن يرتدّ عن دينه؟ مَن غلبته نفسه أو هواه أو شهواته، أو أصغى لدعوة فاسق أو مُجرم على ظهر الأرض من العتاة والطغاة، (مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ). 

وفي باطن الآية لا تحصل رِدّة وبُعد عن هذا الدين من قِبَل فئات من المسلمين يُصدّقون نظريات أو أفكاراً أو خططاً مخالفة للشرع، إلا وجاءت يد العناية الربانية لتبعث في الأمة أقواماً من هذه أوصافهم (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).

ومهما اشتدّت الفتن وانتشر الفساد فالترشيح أمامك لِتظفر بهذا العطاء الكبير من الإله الكبير جلّ جلاله، وتدخُل دوائر السعادة الأبدية لتكون مِمّن صنعتهم يد العناية الربانية، (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ).

فما يكون بعد ذلك من سببية أولياء الله وحملة راية محمد ﷺ إلا سَبَبية مُنطوية في عين عناية المُسبِّب جلّ جلاله، فما وصل على أيديهم نَسَبهُ الحق إليه وقال: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ). 

يأتي الله على أيدي أولياء وأصفياء بقومٍ هذه هي أول أوصافهم: حنان ورأفة ورحمة، وعاطفة جيّاشة تملأ أرواحهم، (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)! هل سمعتها؟ هل سمعتها! من المُتكلّم بها؟

خلاصة في التعامل مع المسلمين والكفار

(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، خلاصة قوية عميقة في المعاملة مع المسلمين والكفار. 

(أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، لا يجد المؤمن منهم إلا ذلّتهم وتواضعهم وسعيهم في إرادة خيره وعطفهم عليه، ومعاملته إياهم كأنفسهم وكبارهم خير مما يعاملون به أنفسهم، يؤثرونه على أنفسهم، ولا يجد الكافر منهم استدراجاً لهم ولا كيداً بهم، ولا مكراً بهم بتصديق لشيء من أطروحاتهم ولا لشيء من دعواتهم. 

(أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ): لا يُغرَون بما عندهم ولا يغترّون، ولا يَرهبون مما عندهم ولا يخافون. 

(أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ): يريدون منهم أدنى انحراف لا يجدون، يريدون منهم أدنى استمالة لا يجدون. 

امتداد أنوار الرعيل الأول وانتشارها

يجدون قلوباً آثرت ربّ العرش ورسوله المُقرَّب ﷺ على كل من سواهما؛ (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ): وكان مِن أعلى ما ظهر في العالم ما كان على يد المصطفى ﷺ مباشرة من أيام بعثته، بعد مرور ثلاثة عشر سنة من البعثة ولم يزل بمكة المكرمة، والأتباع له مُستضعفون أكثرهم لسلطة الكفر التي كانت بمكة والشرك، وأكثر أيضاً أهل الأرض تحت سلطات فارس والروم بكفرهم وضلالهم، مِن عَبَدة نار إلى قائلين بالتثليث، وعَبَدة لسيدنا المسيح عيسى بن مريم ومُحرّفين لما جاء عن الله وعن عبده سيدنا عيسى عليه صلوات الله وتسليماته، وإلى أنواع من الشرك والإلحاد والجهل في العالم، على مثل هذا الحال كان أيام البعثة. 

طلب التنوّر بنور الله

وإذا بالنور الذي يتلألأ يجوب الآفاق، ويهدي الله لنوره من يشاء، حتى قامت قائمة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" في مختلف الأقطار، وانتشرت لها الآثار، ولم تزل مُستمِرة بسحائبها الأمطار إلى مجالسنا هذه التي نقتفي فيها الآثار، والتي نتّصل فيها بأولئك الكبار، والذين تُشعشع في قلوبنا تلكم الأنوار التي نوَّرهم بها رب السماوات والأرض، نور السماوات والأرض جلّ جلاله وتعالى في علاه.

لنتهيأ وكُل صادق منا يتهيأ لساعات في يوم القيامة موصوفة بقول الرحمن: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

ونحن نقول قولهم ونتوجَّه إلى ربنا الرحمن الرحيم: ربنا أتمِم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير، ربنا أتمِم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير، ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير.

قوم يحبهم ويحبونه

فيا قُرَّة عين من استُجيبت فيه هذه الدعوة من كل حاضر أو حاضرة، إنساً أو جِناً، وإنما مدَّ الله هذه الحبال وفتح هذه الأبواب ليُسعِد من يسعد، وليأتي بقوم يحبهم ويحبونه.

(فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ) نقرأها بصيغة المستقبل وفعل المضارع الذي يقتضي الاستمرار، (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) في كل قرن، في كل شهر، في كل أسبوع، في كل يوم من الأيام.

نقرأها (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)، ففي أي قرن أو في أي سنة أو في أي شهر أو في أي أسبوع أو في أي يوم ارتدّ من ارتد، وصدّق أهل الكفر ومن ألحد من صدّقهم، (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ).

ووجهتنا إلى رب العرش أن يجعلنا ومَن في ديارنا مِن هؤلاء الذين يأتي بهم، الموصوفين بهذه الأوصاف: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ).

أيقنّا أنه فضلك وتؤتيه من تشاء، وأيدي الفقر إليك امتدت، وأيدي الضعف إليك امتدّت، وأيدي الاضطرار إليك امتدّت، وأيدي الحاجة إليك امتدت، أكرمنا بفضلك يا مُتفضِّل، وآتنا من فضلك، واجعلنا ممن شئت أن تؤتيهم فضلك. 

(ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ)، مهما خطر على بالك مِن مِنَح وعطايا فالله أوسع من ذلك، (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وفي خبايا علمه وجود ما لا تعلمه سيؤتيك إياه أيضاً، ما تعلم وما لا تعلم، وما سألت وما لم تسأل، (وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

تأمل: إنما وليكم الله ورسوله!

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ)، أخرِجوا حبّ الشهوات واتِّباع الشبهات، أخرِجوا ولاء من عادى الله من قلوبكم، (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ).

وحرام أن يتربّى قلب في بيوتنا على ولاء من عادى الله، على ولاء من خالف شرع الله، ونحن أتباع من كان يقول في دعائه كل يوم: "نُحِبّ بحبّك الناس ونعادي بعداوتك من خالفك من خلقك" ﷺ.

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)، وحرام أن يتربّى في بيوتنا مَن يسبّ المؤمنين، من يكره المؤمنين، أحياء أو أموات، مَن تقصر هِمّته عن ولاء وموَدّة المؤمنين أحياءً أو أموات. 

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) ايش هذا الكلام الواضح! ايش هذا الكلام الصريح! ايش هذا الكلام الذي ما بعده بيان!

(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) ويرفض ولاء الدينار والدرهم، ويرفض ولاء الجاه والمظهر، ويرفض ولاء الكفار والفجّار وإبليس والنفس الأمّارة! (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) لهم الغَلَبة والرِّفعة والعِزّة في الدنيا ثم في الآخرة. 

النصر الكبير والنصر المعجل

(إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)، والعياذ بالله تبارك وتعالى. 

فتِلكم النصرة الكبرى، نصرة أن تأمن من فتنة القبر وعذابه، نصرة أن تأمن من فضيحة يوم القيامة، نصرة أن تُؤتى كتابك بيمينك، نصرة أن ترافق حبيب الرحمن، نصرة أن تَرِد على حوضه المورود، نصرة أن تُدخل وأهل بيتك إلى جنات الخلود؛ هذه النصرة الكبرى! 

وجميع الانتصارات في الدنيا بالنسبة لهذه إنما هي مُقَدِّمات يسيرات، ليست بشيء أمام النصر الكبير!

النصر الكبير أن لا يسودَّ وجهك يوم تبيضُّ وجوه وتسودُّ وجوه، النصر الكبير أن لا تُعرَّض لنار جهنم الموقدة التي تطّلع على الأفئدة. 

النصر الكبير أن يُسمعك الكبير: "أحِلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً"، هذه النصرة الكبرى! 

لذا لمّا ذكر الله الحقيقة قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) من مظاهر النصرة الكبرى، (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ).

حتى ذكر الآن بعض أهل الذوق والعارفين لما قرأ الآية: انظر يعيب علينا التفاتنا إلى النصر المُعجّل هذا، (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا)، أنتم معلقين بها، كان يعاتبنا يقول ما تلتفتوا لفوق وما تؤثروني على كل شيء؟ وخذوا هذا في الدنيا، (وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا) هي المُحبَّبة إلى قلوبكم وكان الأولى أن تخلُص محبتكم لي!

(نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَاراً للَّهِ)، (كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ) في القراءات الأخرى، (كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ).

وسيخرج ابن مريم إلى الأرض ويجد فينا من أنصار الله مثل حوارييه وخيراً منهم، بإبقاء الخير في هذه الأمة من الرحمن ببركة المصطفى محمد. 

فضل قراءة سورة الكهف

الحمد لله الذي جمعكم، جزى الله السيد أحمد الصُّوِّي خير الجزاء على ما يقوم به، وأجرى الله على يديه وأهل لجنة هذا المسجد وما ما يستمر من هذا الخير وهذا العطاء، وهذه القراءة لسورة الكهف ليلة الجمعة، التي من قرأها ليلة الجمعة أشرق له نور من مكان قراءتها إلى البيت العتيق، وفي رواية: "إلى السماء إلى الجمعة الأخرى"، و "لا يزال في نور من ربه.."، إلى فضائل جاءت في قراءة هذه السورة الكريمة ليلة الجمعة ويوم الجمعة.

موسم مؤتة وطلب حسن التلبية لله

والحمد لله على هذا الاجتماع وهذا الموسم الذي يتجدّد بنا في هذا الشهر الكريم شهر جمادى الأولى، التي كانت فيه هذه الغزوة بأولئك الصالحين الصادقين المُنيبين الخاشعين الخاضعين المؤثرين لله.

اللهم يا من أكرمتَ قلوبهم بحسن التلبية لندائك، لا تجعل قلباً من قلوب الحاضرين والسامعين لنا ولهم إلا مُكرَماً منك بحسن التلبية لإجابة النداء، والاهتداء بنبي الهدى، اللهم حتى تُرينا وجوههم في البرازخ ويوم القيامة وفي دار الكرامة، ولا تُخلِّفنا عنهم.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)، (رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا).

 

الدعاء للمسلمين

فيا ربِّ واجمعنا وأحباباً لنا ** في دارك الفردوس أطيب موضعِ 

فضلاً وإحساناً ومَنّاً منك يا ** ذا الجود والفضل الأتمّ الأوسعِ

وأصلح الشام كله وهذا البلد، بلد الأردن، وخُذ اللهم بيد رُعاتها ورعاياها إلى ما هو أحبّ وإلى ما هو أطيب، وانظر اللهم إلى أهل فلسطين، وفرِّج على أهل غزة وأهل بيت المقدس وعلى أهل الضفة الغربية وعلى أهل رفح وعلى جميع أهل فلسطين، وعلى أهل لبنان، وعلى المسلمين في اليمن والشام والشرق والغرب.

يا كاشف كُل كرب، أنت العُدّة ونِعم العُدّة أنت، فاردُد عنا كيد الفاجرين الكافرين الغاصبين الظالمين المعتدين المجرمين، الذين تعدّوا الحدود في كل إنسانية وفي كل مِلّة وفي كل ذوق وفي كل فِطرة.

اللهم شتِّت شملهم، وفرِّق جمعهم، وادفع عن المسلمين جميع شرورهم، ندعوكَ بما دعاك به سيد الأحباب من أنزلت عليه الكتاب ونقول لك يا ربنا الوهاب:

اللهم مُنزل الكتاب، ومُنشئ السحاب، وسريع الحساب، هازم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم، اللهم اهزمهم وزلزلهم، اللهم اهزمهم وزلزلهم، ومزّقهم كل ممزّق مزّقته أعدائك، انتصاراً لأنبيائك ورسلك وأوليائك.

يا الله يا الله.. 

أرِنا بيت المقدس معموراً بالإسلام والإيمان والدين والحقّ والهدى، لا يتسلّط عليه مجرم ولا ظالم ولا غاصب ولا فاجر ولا كافر، يا حيُّ يا قيّوم، يا حيُّ يا قيّوم، تداركنا وأغِثنا والبلاد والعباد، وثبِّتنا أكمل الثبات، وقِنا جميع الآفات.

سيدنا ومولانا، مجمع كتبته لنا في الأزل، فاجعلنا فيه مِن خواص مَن يُقبَل، وخواص مَن يُعطى منك العطاء الأجزل، وخواص من تدفع عنه شرّ نفسه وهواه، وشرّ زلّاته في كل ما زَلّ.

إلهنا وسيدنا ها نحن بين يديك والحال لا يخفى عليك، وليس لنا إلا أنت فاقبلنا يا أكرم الأكرمين، افتح لنا أبواب رضوانك الأكبر.

يا سيدنا، نبيت ليلتنا وأنت تُحبنا ونحن نُحِبّك، وأنت ورسولك أحب إلينا مما سواكما، يا الله حقِّقنا بذلك، يا الله أكرِمنا بذلك، يا الله مُنَّ علينا بذلك في لطف وعافية. 

وعجِّل بتفريج كروب الأمّة واكشف الغُمَّة، واجعلنا مُتحابّين فيك، مُتجالسين فيك، مُقبلين بالكُلِّيَّة عليك، وانفعنا بما جمعتنا وأسمعتنا، وزدنا من فضلك ما أنت أهله، يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وعفواً على التطويل والتأخير، جمعنا الله في كل مقام كريم.

 

 

 

تاريخ النشر الهجري

14 جمادى الأول 1446

تاريخ النشر الميلادي

15 نوفمبر 2024

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية