(575)
(536)
(235)
محاضرة العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ في جلسة الجمعة الشهرية الـ33، في ساحة الخياط - حارة السحيل، بمدينة تريم، ليلة السبت 16 جمادى الأولى 1444هـ، بعنوان:
( تهافُت تلبيس الأدعياء بالشعارات البرَّاقة المخالفين لمنهج الإله، ووجوب تمسُّك المؤمنين بتلبية نداء الحق على لسان رسوله ).
الحمد لله يُمِدُّ بالتوفيق من طلب منه الإرشاد والهداية، ويأخذ بِيد المُقبلين عليه حتى يبلغوا في خيرات الدارين إلى أجلِّ غاية، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له منه المُبتدأ وإليهِ الأمرُ في النِّهاية، ونشهدُ أنّ سيدنا محمداً عبدهُ ورسولهُ خير الحمد لله يُمِدُّ بالتوفيق من طلب منه الإرشاد والهداية، ويأخذ بِيد المُقبلين عليه حتى يبلغوا في خيرات الدارين إلى أجلِّ غاية، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له منه المُبتدأ وإليهِ الأمرُ في النِّهاية، ونشهدُ أنّ سيدنا محمداً عبدهُ ورسولهُ خير هادٍ إلى الله ودالٍّ عليه خُتِمت به النُّبُوَّة والرِّسالة ودلَّ خير الدّلالة، وكان القدوة العظمى في المقاصد والنِّيات والأقوال والأفعال بِكُلِّ حالٍ وكل حالة.
اللهم أدِم صلواتك على النور المبين عبدك المُجتبى سيدنا محمد، وعلى القلوب التي استجابت لِنِدائه ولبّت دعاؤه، خصوصاً آل بيتهِ الأطهار وصحابتهِ الأخيار، ومن مشى على ذاك المسار ويمشي إلى يوم لقائك يا كريم يا غفار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معدن السر والأنوار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المُقرّبين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وفي صِلاتِ القلوبِ بِرَبِّها وما جاء عنه وتماسكها بِحبل الإقبال على الحقِّ جل جلاله والتعاون على مرضاته؛ تُقام لنا هذه الجلسات ونلتقي بالأحباب والأعيان في هذه الحارات في بلدة حملت راية الحقِّ والهُدى على مدى القرون، وكان مِن مزاياها وخواصِّها بعدما شاركت عموم اليمن في أنّ دخولهم إلى الإسلام بالطَّوعِ والمحبة بلا قتالٍ ولا سيف في حياةِ المُصطفى المُجتبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ثم ما حُظوا به من نظرهِ وعنايتهِ ودعائهِ الكثير لهم صلى الله عليه وسلم وذكره الفضائل والمناقب لليمن وأهلهِ.
ثم ما كان في البلدة بعد وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم مِن ثباتٍ فلم تظهر الرِدّة في واحد مِن رجالهم ولا من نسائهم، بل ناصروا الصحابة حينما أرسلهم الصِّدِّيق لِيُقاتلوا أهل الرِّدّة ويُواصِلوا نُصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما بُعِث به عن الله تعالى، ووجدوا المدينة بهذا الحال وواليها من أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد عليه رحمة الله تبارك وتعالى كتب إلى الصديق بحال أهل البلدة، وأنه لم يرتدَّ عن الإسلام من أهل تريم رجلٌ ولا امرأة ولا صغير ولا كبير وناصروا الصحابة، وأنهم لما بلغهم وفاة المصطفى ومُبايعة الناس بالمدينة لأبي بكر أخذ البيعة لأبي بكر فلم يتردّد من أهل البلد أحد، وبايعوا لأبي بكر خليفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فدعا الصِّدِّيق بالدعوات المشهورة أن يُبقي الله البلدة معمورة إلى يوم القيامة، وأن يبارك في مائها، وأن يُكثر بها العلماء والأولياء حتى يُنبتون بها كما ينبت الزرع بالماء، وحقق الله دعوات الصديق.
وقد سميت مدينة الصديق في القرون الأولى لمكان دعوة الصديق لها وحال أهلها الذي بلغه عليه رضوان الله تبارك وتعالى، واستقبلت عددا من الصحابة ومن البدريين أهل بدر قبر فيها عدد تحكي بعض الروايات لنا في التاريخ أنهم يصلون إلى السبعين من الذين شهدوا بدرا فضلاً عن من سِواهم من الصحابة عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.
ومرّت بها القرون وورد إليها أيضاً مِن مُختلف الجِهات واردون ومنهم من الصلّح والأولياء والعلماء وكان من خير ما ورد إليهم ورود أهل المصطفى صلى الله عليه وسلم وذِريّته بورود المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى ثم استقرار الإمام علي بن علوي خالع قسم وسط المدينة المباركة، وانتشار الآثار في حمل هذه الراية في الوادي وخارجه وفي اليمن وخارجه وانتشرت إلى المشارق والمغارب، في وعيٍ أنها أمانة الله التي أشفق منها السماوات والأرض والجبال وحملها الإنسان فحامِلُها أعظم شاناً من السماوات والأرض والجبال، ومُضِيّعها والمُقصِّر فيها والخائن فيها كالأنعام بل أضلّ يستقِرّ في مأوى العذاب والغضب والعِياذ بالله تبارك وتعالى.
أدرَكوا هذه الحقيقة التي لا يُمكن أن تُغيّرها أفكار مُفكّرين ولا اتِّجاهات مُتّجهين، ولا أعمال الناس والجنِّ على ظهر الأرض في شرقِ الأرض وغربها، ولا يُغيِّر هذه الحقيقة ابتكارات والاختراعات لأسلحة أو لمواد اتصالات وأجهزة اتصالات أو مواصلات، أو أسبابِ عملٍ في الحياة أو شيء مِما يمكن أن يحدث في الوجود لا يُغيِّر من هذه الحقيقة شيء، منهج للرحمن من قام به هو السعيدُ وهو الشريفُ وهو العزيز وهو الواصلُ إلى نعيم الأبد وإلى دار الخُلد في الكرامة السرمدية، ومن خالفه فهو الذليل وهو المُهان كائناً من كان.
وأدركوا أنه لا يجوزُ لعاقلٍ عَقَل هذا الشّرف عن ربه جل جلاله أن يغترَّ بِزُخرفِ الحياة ولا بمظاهرها الزائِلة، الفانية، المُتقلِّبة، المُتغيِّرة التَّغيُّر الكثير بأربابها وأصحابها ولكن إبّان ظهورِ كل نوع منها ووجهٍ له مُطبِّلون ومُراقصون وراءه ومُعظِّمون وكأنه كلّ شيء، ثم لا يلبث أن يتساقط ويتداعى ويهبِط ويُسَبّ ويُذَم من قِبَل الذين كانوا يُصفِّقون له.
أفكار ومبادِئ واتِّجاهات على هذا الحال ظهرت على ظهر الأرض هنا وهناك، وما يُسمّى بحضارات وما يُسمّى باختراعات وما يُسمّى بِتَقدُّمات، كلّ ما خالفوا فيه هذا المنهج الربانيَّ الرّحمانيَّ القُرآنيَّ النّبويَّ المُحمّدي عاد نهايته وعاقبته إلى سوءٍ وشرٍّ وضرٍّ وفسادٍ يطيح بأصحابه حتى يرجِعُ إلى سَبِّهِ وذمِّهِ من كان يُصَفِّقُ له.
ولم يزل الحال كذلك سُنّة الله في الوجود وتتقلّب الأحوال، ويُحاوِل إبليس ومن معه مِن جُنده الجن والإنس أن يُرسلوا إلى الناس تزويقات وتصويرات ولعب بالأفكار ولعب بالعقول مختلفة مُتنوِّعة غايتها أن تدعو إلى مُخالفة أمرِ الله، أو خروج تعظيم الحقِّ من القلوب وتعظيم رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، ليُتَّخذ بدله قُدوات من الساقطين الهابطين الأشرار وتضعُفَ رابطة الاقتداء بنبي الهدى صلى الله عليه وسلم عند عقول كثير من الرجال والنساء، والحق يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
وكثُرَت الفِتن وأنواع العذاب في الدنيا قبل الآخرة من هذه المخالفات، ولم تزل تُزَوَّق وتُزيَّن لأصحابها بأنها نوع من التقدُّم ونوع من التحرُّر ونوع من التطوُّر ونوع تقتضيه الحياة ويقتضيه الزمان، وكلُّها كلماتٌ جَوفى لا حقيقة لها بل (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا).
ومن أظلمُ مِمّن خالف منهج الرحمن وادّعى منهجاً من عنده، (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)، (قُلْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰٓ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْمَٰعِيلَ وَإِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلْأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُسْلِمُونَ).
(وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، فلن يُقبَلَ منه أين وعند من، فهل من عِبرةٍ مُقابل ذلك بِقبولٍ عند حكومة وعند هَيئة أُمم مُتّحدة وعند غيرها من المظاهر، إذا كان لا يُقبل عند رب الدنيا والآخرة، إذا كان لا يُقبل عند رب الأرض والسماء فما مِقدار القبول عند هؤلاء وإلى أين مداه؟ وما الذي سيحدث وما الذي سيحصل عليه صاحبه إن قَبِله هؤلاء ولم يقبَله الله جل جلاله! عسى أن يُغرونه بوظيفة أو بوزارة أو برئاسة في دولة أو يُعطونه سيارات أو مبالغ أو رصيد في بنك من البنوك، هذا غاية ماعنده! ثم أكدارُه وآفاتُه وهمومُه وغمومه لا يقدرون على تفريقِ شيء منه، ثم شتات شمله وانقطاع حقائق الطمأنينة عن قلبه لا يقدِرون أن يعملوا شيئاً فيها، ثم ما يُنازله من أمراض وعلل أو يُصادفه من حوادث لا يقدرون أن يدفعوا عنه شيئاً منها، ثم موت وهلاكٌ أبدي وخُسرانٌ للدارِ الآخرة، ما الذي أكسبوه؟ ما الذي أفادوه؟ ثم يتمنى أنهُ لا يعرفهم ولا يعرفونَه وأنه ما كان منهم على بال ولا كانوا منه على بال، ويتبرأ منهم ويتبرؤون منه.
(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً) غَيض وحَمَق في قلوبهم، (لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً) رجعة إلى الدنيا، (فَنَتَبَرَّأَ مِّنْهُمْ) ما نتّبعهم ولا نمشي وراء شهاداتهم ولا وظائفهم ولا كلامهم الْكاذب الفارغ، (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا) ونعادي ونحارب خططهم التي لعبوا بها على الأُسر ولعبوا بها على الأديان ولعبوا بها على العقول، لا نرجع إلى الأرض ونكون جنود مع الله ومع الرسول ما هو مع هؤلاء، مع الأولياء والصالحين ما هو مع الأشياء ولا مع الكافرين الفاجرين، (لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَٰلَهُمْ حَسَرَٰتٍ)، هذه النهاية، كلٍّ يتحسر التابع والمتبوع، (حَسَرَٰتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ) فوق ذلك نار موقدة ولا يخرجون منها.
هذه الغايات في واقع الأمر وحقيقته لا شكّ فيه ولا غيب عند مؤمن فمن يتّبع؟ ولمَ نفتح هذه الأبواب لهم يلعبون بنا وبأحوالنا حتى ننسى قِيمنا وننسى واجباتنا ومُهمّاتنا، يتبطّل أو يتعطّل السلام بيننا ويُستبدل بِحياكة بغضاء وشحناء وتُهَم ووساوس في قلب ذا على ذا وقلب ذا على ذا وهي الحالِقة، "أما إني لا أقول تحلق الشعر لكن تحلق الدين"، تحلق دين الإنسان، من قال! صاحب الرسالة الصادق صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، فوجود القلوب التي وعت خِطاب الرب وعلمت مُهمتها في الحياة كنز وغنيمة لنا في حاراتنا وأماكننا.
فقدتُم مثل هذا المعلّم إبراهيم بن عبد الله با غريب عليه رحمة الله تعالى، هذا صاحب قلب أُصيغَ بصياغة الكتاب والسنة والهدي والنورِ الرباني، ما يغرُّه أقاويل آل الشرق والغرب، ولو عرضوا عليه ما عندهم مُقابل أن يترُك سنة من السنن لرفضها، لأن قلبه استقرَّ على معرفة عظَمة الإلهِ الأكبر وأن الخطر في التولّي عنه ولذلك تورّع في شؤونه، ورضي بِعيشته وما يسّر الله له وإن قلَّت وإن ضَعُفت، ما هو للبيع لإبليس ولا لجنده ولو بالدنيا وما فيها ذهب ما هو للبيع.. هذا قد أبرمَ بيعاً مع رب السماوات والأرض، أمثال هذه القلوب إذا فُقِدت منا فقدنا كنوز وفقدنا مواهب وفقدنا قِيم، أعلى الله درجاته وجمعنا به في أعلى الجنة، تذكرون وتذكرون الأخ مِرسال رفع الله له الدرجات وجمعنا بهم في الجنات من غير سابقة عذاب ولا عتاب ورحمهم الله برحمته الواسعة.
ونرجع فننظُر إلى أننا بِحاجة إلى الحِفاظ على القِيم والشِّيم وكنوز الصِّلة بالإلهِ الأعظم مما خلّفَ لنا خيرُ العرب والعجم، وأنه لا يجوزُ أن نبيع أوقاتنا ولا أفكارنا لِثُلّة في الشرق أو في الغرب يدّعون ما يدّعون، وحسبكم أن لعبوا على العالم الإسلامي لعباً كبيراً وشتّتوا شملهم وأثاروا الحروب بينهم وأخذوا ثرواتهم، وهم يدّعون التقدُّم وحقوق الإنسان وما إلى ذلك صور وعناوين لا حقيقة لها في الواقع والعمل، ثم بدأ الحق الآن يعاقبهم بِنشر الحروب بينهم وبنشر ما كانوا يتسبّبون فيه في العالم الإسلامي إلى أراضيهم التي جلسوا عقوداً من الزمن يتبجّحون بأنها المُتقدّمة المُتطوِّرة العظيمة التي إليها المرجع والنموذج في هذه الحياة ولا فوقها.
تسبّبوا في بلاد المسلمين فيها ثروات الدين فأغوَوهم وأغرَوهم أن يحتقروا الدين ويبتعدوا عنه فاستجاب الكثير لهم، وفيها ثروات الدُّنيا فلفّوا عليهم ليأخذوا الثمرةَ لهم وليضحكوا على هؤلاء وليملؤوا كيس هذا مقابل أن يفتقرَ الألوف في بلده ومئات الألوف في مُقابل أن يفسح لهمُ المجال في أن يأخذو ما يشاءوا، ومضوا على مثل هذا الحال وتسببوا في انقطاع كهرباء وتسببوا في طوابير على مواد غذائية وغيرها وتسببوا في مشاكل للبنيات التحتية واليوم مثل هذا يوجد نماذج في دولهم المُتقدمة، والطوابير قامت وإرشادات دول تعتبر متقدمة لا تغسلوا السيارات بالماء ممنوع، الماء.. نحن في أزمة سيقوم ما يقوم، وصاروا على طوابير في البترول وغيره، وصاروا مُهددين بالطاقة الكهربائية هنا تنقطع هنا وهناك، ومُقبِل عليهم الشتاء وفي تحمُّل كبير عظيم حكومات وشعوب وفي شيء من القلق، الذي كان يعملون به بشعوب الإسلام يُكالونَ به والجزاء من جنس العمل، والأمر لا يقف عند هذا.. ما هو مُقبل أكبر وفي الآخرة ما هو أجل وأعظم، (وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ).
لكن ما معنى هذا الاغترار من أبنائنا وبناتنا بهم وبأقاويلهم وبِزُخرف أقوالهم وبكلامهم الفارغ وأفكارهم الساقطة الهابطة التي لبِثوا يعبثون بها علينا سنين، لا حقيقة إنصاف ولا حقيقة عدل ولا حقيقة رعاية لِحَقِّ الشعوب، ولكن يُفتِّرون ويُخدِّرون هذا بكلمة من هنا وعمل من هنا ومشروع من هنا والّلهف على حقائق الثروات بأيدي الخباث على ظهر الأرض يلعبون بها، والتعب والفقر لأهل البلدان التي فيها الثروات والبلدان التي فيها هذه الخيرات، هو هذا التقدُّم؟ هو هذا الحريّة؟ هو هذا حقوق الإنسان؟ شعارات ملآنة ما لها حقيقة، ما لها وجود! وجود القيام في كلام خير العرب والعجم وفي سيرتهِ وفي منهاجهِ وفي اتِّباعه وفي أتباعه صلى الله عليه وعليه وسلم.
وكما أنه لا مُنقذ ومخلص لمشاكل وآفات من يعيش على ظهر الأرض قبل ألف وأربعمائة سنة، فوق الألف والأربعمائة سنة، ثلاثة عشر أخرى في يوم بِعثتهِ، كان لا مُخلِّصَ ولا مُنقِذَ لهم على الحقيقة ولا رافع لِكُرَبهم ولا مُخرِج لهم من الظُّلم إلى العدل، ومن الإساءة إلى الإحسان، ومن الشِّرك إلى التوحيد، ومن الفساد إلى الصّلاح، ومن الضّلال إلى الهُدى إلا مُحمّد وما أرسله الله به، فَفِي هذا العام الذي نحن فيه الرابع والأربعين بعد الأربعمائة والألف من هجرتهِ، وآخر الثاني والعشرين بعد الألفين من ميلاد المسيح عيسى بن مريم لا مَخرجَ لِمَن يعيشُ على ظهرِ الأرضِ ولا خلاصِ من شَرِّهم وضرِّهم وطُغيانهم إلا محمد وما جاء به، والله العظيم، والله العظيم، والله العظيم، لا مَخلص ولا مَخرج إلا مُحمد وما جاء به، ولن تفيدنا أفكار شرق ولا غرب، جاءت لنا بِكَرب بعد كرب وأتعبتنا في الدنيا قبل الآخرة ولا مَخلَص لنا ولا لهم إلا أن نعودَ إلى هذا السِّراج ونستضيئَ به وإلى هذا النور ونتنوَّر بهِ وإلى هذه الأُسوة ونقتدي به صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وهكذا النتائجُ فيما يعيش عليه البشر في الشرق والغرب لا في هذه الأمة وحدها ولكن من أيام آدم وأِنزِل إلى الأرض خليفةً عن الله في حُكمٍ حَكمَ الله به (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ)، (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)، هذا الحُكم من الخالق ما يملِك أحد أن يُغيِّره، ما في مُلكه، ما يقدِر، ما يملِك أحد أن يغيره، لا إنسي ولا جِني ولا مَلَك ولا صغير ولا كبير، حُكم ربهم كلُّهم وخالقهم فهو هو ليس في الدنيا إلا هو، الحُكم في الآخرة له، ولكنه طوى في الدنيا الحقائقَ بكثيرٍ من كثائف الأوهامِ والخيالاتِ والظنون، حتى يحسبون أنها شيء، ثم فإذا بها: (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)، يتجلى في عالم الآخرة واضحاً جليّاً.
أيُّها الأحباب: يجب أن تنهض عزائمُنا للتلبِية لِنِداء من ائتمنَهُ رب السماوات والأرض على هِدايتنا.. إنه محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ولن نجد الطريقَ إليه إلا بما خلّفَ فينا، وخلّفَ فينا كتاباً عظيماً وسُنّةً عُظمى لا سبيل إلى فهمِ معناها إلا بآل بيتهِ وصحابتهِ، وإلا بِخُلفائهِ وورثتهِ من الذين يستنبطونَ الأمر من الكتاب والسُنة، فلا سبيلَ إلى تركِ الالتفافِ حولهم والإقبالِ عليهم والدخول من أبوابِهم إلى رحابِ الكتاب والسُنة، حتى لا يبقى الكتاب والسنة لعباً في شيء من الأفكار المُظلمة التي بدأت في عهد الصحابة بقومٍ ادّعَوا اتِّباع الكتاب على غير بصيرة بِلا سَند، بلا مُعلم يتلقى عن محمد لا من آلِ بيته ولا من أصحابه، يقول عنده الكتاب نحن عرب ونعرف العربية.. وبعد؟ جاءوا بالآيات التي وردت على المُشركين فأرادوا تطبيقها على خُلاصة المؤمنين المُوحِّدين، بل على خُلاصة الأمة من السابقين الأولين، وقاتلوا في سبيلِ ذلك بِفهمٍ مغلوط في كتاب الله جل جلاله وتعالى في علاه.
وهكذا حتى اضطرَّ بعض الصحابة - وهو أعلم بالقرآن - وقد جاء من غزوٍ في سبيلِ الله ودخل إلى بلاد الإسلام فسمع الأذان ففرح، له مُدة لم يسمع النداء والآذان لأنه في ثغرٍ يُقاتل الكفار، أقبلَ عليهم فسلّمَ عليهم، قالوا لا عليك السلام، رأوه ما هو منهم، أقوام لهم أفكار مُصاغة بِطريقة مُعيّنة وهم ظاهرهم مسلمين، قالوا لا عليك السلام، قال لهم ألستُم إخواني المسلمين؟ قالوا وأنت أخو الشياطين، قالوا لنقتُلنّك، قال لهم ألا ترضَون مني بما رضي به مني رسول الله يوم جئته وكنت مشرك كافر، كنت مشرك كافر وجئت إلى عند النبي وارتضى مني، قالوا ماذا؟ قال ارتضى مني بِشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنا الآن سأشهد أمامكم، ما هم راضين، وهذا هدي النبي وطريقته؟ لو كان فعلاً مشرك وما هو مشرك.. لو كان فعلاً مشرك وكافر، فهذه هي طريقة هدايته التي عمل بها رسول الله ولا هم حول رسول الله ولا سنته بما في أفكارِهم، فلقوا واحداً من الصحابة جماعة منهم، قالوا من أنت؟ أنت من المشركين، قال نعم أنا سمعت أنه عندكم في القرآن آية تقول: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) قالوا نعم، قال بس أنا بغيت أسمع منكم هذا كلام الله.. هو أعرف منهم، هو سمع كتاب الله من فم محمد، ما هو محتاج يقرأون عليه هؤلاء الخوارج لكن أفكار ادَّعت الكتاب كذباً، وايش معه ليخلص نفسه منهم قال أنا بس من المشركين داري بنفسه أنه تعلم التوحيد من رأس التوحيد على يد محمد صلى الله عليه وسلم، لكن هؤلاء القوم ما يُرضيهم توحيد محمد، بغوا توحيدهم وتوحيد إبليسهم هم، قالوا نعم، قالوا بس بنجيره وبنقرأ عليه القرآن، اسمع.. قاموا يقرأون - هو أعرف بالقرآن منهم وأعلم - لكن من شأن يبلغهم مأمنه وصلوه، فك على نفسه منهم قال روحوا، لا يحتاج منهم يعلمون القرآن وهو أعلم بالقرآن منهم وقد أخذ القرآن من معدنه ومِن مَن أنزِل عليه صلى الله عليه وعليه وسلم.
وهكذا وإذا سمعتم بحمدِ الله أعيان عندكم في الحارة ومقادِمة على نور من الإيمان والمعرفة بِمسلك سلكهُ من قبلهم لا بِهَوى أحد ولا تحت سياسة أحد ولا تحت صِياغة لِوضع مُعين، بل مُقتضى القرآن مُقتضى السنة مُقتضى البلاغ النبوي مضى عليه مَن قبلكم مَن مضوا، بِحمدِ الله يأخذ الله بيدِ الذي عيّنوهُ فيكم جديداً تولاه الله وشرح صدره، ومع بقية إخوانه والأعيان والعلماء الذين عندكم يتمّ التعاون ويد الله مع الجماعة، وتنفتح أبواب إن شاء الله للقيام بالأمر كما يُحِب الله ويرضى، قال نحب أن نمشي على ما مضى عليه آباءنا وأجدادنا، تعلم من الآباء والأجداد يعني الذين لم يفسحوا المجال للتأثُّر بأقاويل آل الشرق وآل الغرب ولا أباطيلهم ولا أضاليلهم هذا معناه، وما كان مرجِعهم إلا الأصفياء والأولياء الذين تنقَّوا عنِ الهوى وورثوا وخلفوا من لا ينطِق عنِ الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى، نِعمَ الطريقة إن كانت هذه الطريقة فأنعِم بها، هي طريقة الكتاب هي طريقة السنة هي طريقة الهَدي، أما سواء باسم الكتاب والسنة وإلا باسم علمانية وإلا باسم عَولمة والا باسم حداثة وإلا باسم تقدُّم.. خالِف واخرج عن المنهج الأصل! هذا الذي يجب أن يُرفض، هذا الذي يجب أن يُرد، هذا الذي يجب أن يُمنع، هذا الذي يجب أن لا يضحك علينا ولا يستغلّنا ولا يأخذ منا أحداً الى يدِ عدوِّه إبليس والعياذ بالله تبارك وتعالى.
فنعم الطريقُ طريق اتِّباع الهوى وتبعيّة الهوى لما بُعِث به هادينا إلى سبيل السواء، القائل: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جِئتُ به"
ووِصلات اللقاءات في المساجد وعلى الدروس في مثل هذه المدرسة المباركة ومعلامة باغريب والمساجد والحلقات ودُور الدعوة والخروج في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، كان مثل أواخِر النّشاط الذي قبلنا واهتمّ به بعد الحبيب عبد الله الشاطري وجماعة في أيام الحبيب علوي والوالد محمد بن سالم بن حفيظ عليه رحمة الله تبارك وتعالى، وفي كل أسبوع لهم خرجات إلى هنا وإلى هنا وإلى هنا ويمرّون على القُرى، منهم الحبيب المستور بن عبدالله بن شيخ عليه رحمة الله تبارك وتعالى، وكان الحبيب علوي يقول للحبيب عبدالله بن محمد روح اخرج مع بن حفيظ والجماعة لأجل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وكان همّ يحمله خِيار الأمة ويعلم الناس مكانةَ هذا الأمر لِكُلِّ من وُفِّق وهُدي واستنار عليهم الرضوان.
وهكذا يجب أن نتكاتف وأن نتعاون وأن نهتمّ وأن نقومَ بِشَرفِ الاستجابة للنِّداءِ العُلوي، ونضع على قلوبِنا وأُسرِنا وأبنائنا وبلادنا سوراً من هذه الاستجابة تمنع عنّا كذِب المُفترين الغاشِّين الخادعين في تزويقِ أقاويل تتعلّق بالأخلاق أو بالأفكار يُناقضون بها شرع الله تبارك وتعالى، هذا باسم منظمة وهذا باسم تقدُّم وهذا باسم مساعدة والخلاصة انقطِع عن القِيَم، أبعِد تعظيم الرب، أبعد تعظيم النبي محمد.. نَعرِض عليك نماذج عظِّمهُم وإن كانوا أحقر خلق الله! مجِّدهم وإن كانوا أظلم عباد الله، مجِّدهم وشرِّفهم.. هذا الذي ينطوي عليه أمرهم.
ويا مرأة تجرّأي على قِيمُ البلد، وما قِيمُ البلد إلا قِيم الشرع المَصون، إلا قِيم القرآن، إلا قِيم السُّنّة المُباركة، ويُقال لها هذا تشدُّد وهذه عادات مُتعِبة وأنت في زمن الحُريّة وعيشي حياتِك! ومعنى عيشي حياتِك؟ تخلّي عن الإله وما جاء به رسولك وتابعي الساقطين البعيدِين عن الله تبارك وتعالى.. أنتي بذلك تعيشين حياتك! تنكّري للأدب تنكّري للحجاب تنكّري لِلفضائِل.. خلاص وهذا معنى عيشي حياتك! هذه حياة الفَسَقة، هذه حياةُ السّاقطين، هذه العيشة بئست العيشة وبئست الحياة حياة البعيدين عنِ الله تعالى في علاه.
أيقِظ اللهم قلوبنا، نَوِّر اللهم أفئدتنا، صفِّ اللهم سرائرنا، نَوِّر بصائِرنا، ارزُقنا حُسنَ الاستِجابة والتّلبِيَة لِنِدائِك على لسان خاتم أنبيائك، ثبِّتنا على الاستقامة وأتحِفنا بالكرامة في الدُّنيا والبرزخ ويوم القيامة، واغفِر للمُتقدِّمينَ من أهل ذلك المسلك، وارحم جميع أبائنا وأمهاتنا ومن مضى على لا إله إلا الله، وارزُقنا التعاون على مرضاتِك والتحابُبِ فيك والاجتماع على ما يُرضيك ظاهراً وباطناً بِرحمتك يا أرحم الراحمين والحمد لله يا رب العالمين.
16 جمادى الأول 1444