كشف الغمة -40- مواصلة شرح باب كيفية إزالة النجاسة
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: مواصلة شرح باب كيفية إزالة النجاسة
صباح الأربعاء: 1 محرم 1445هـ
يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:
- معنى قوله ﷺ في ثوب المرأة: يطهّره ما بعده
- تطهير ما يصيب ملابس النساء من نجاسة في الطرق
- ما يعفى من المرور على نجاسة
- إذا أصابت أسفل الخف أو النعل نجاسة
- كل ما لا يؤكل فلبنه حرام
- حكم التداوي بأبوال الإبل
- ما أُكِل لحمه فلا بأس بسؤره
- حكم بول وروث الحيوان المأكول اللحم
- ألبان الحيوانات الحمر التي لا تؤكل
نص الدرس مكتوب:
"...وسألته امرأة فقالت: يا رسول الله إن لنا طريقًا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مُطرنا؟ فقال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت المرأة: بلى، قال: فهذه بهذه، وكان أبو هريرة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا وطئ أحدكم الأرض بنعله الأذى فإن التراب له طهور".
وكان ابن عباس يقول: إذا مر ثوبك على قذرٍ رطبٍ أو وطئته فاغسله وإن كان يابسًا فلا عليك، وكان أبو قلابة يقول: ذكاة الأرض يُبسها فإذا يبست المتنجسة طَهُرت.
وكان ﷺ يرخص للأعراب في عدم الغسل من أبوال الإبل والبقر والغنم للمشقّة في ذلك عليهم. وقَدِمَ عليه رهطٌ من عُكلِ أو من عرينة فاستوخموا المدينة حين قدموها، فأمر لهم النبي ﷺ بلقاحٍ وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها.
وقال البراء بن عازب رضي الله عنه: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ما أُكل لحمه فلا بأس ببوله". وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ما أنزل الله داءًا إلا وقد أنزل له شفاء، وفي ألبان البقر شفاءٌ من كل داء".
وكان عليّ رضي الله عنه يقول: لا بأس ببول الجمال وكل ما أُكل لحمه، وكان السلف لا يرون بأسًا بطهارة البصاق والمخاط والعرق واللعاب من سائر الدواب، وكان أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه يقول: لم يبلغنا عن ألبان الحُمُر شيء إنما نهى النبي ﷺ عن لحومها.
وكان إبراهيم النخعي يقول: كانوا يستشفون بأبوال الإبل ولا يرون به بأسًا، ويشربون أبوال البقر والغنم.
قال العلماء: وفي الحديث دليلٌ على طهارة بول ما أُكل لحمه؛ فإنه ﷺ لم يأمرهم بغسل فمهم ولا ما أصابهم منه لصلاةٍ ولا غيرها."
اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات).
الحمد لله مُكرِمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، سيدنا محمد خيرة الله وصفوته، صلى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه وعلى آله وصحبه وأهل متابعته، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الله في خليقته، وآلهم وصحبهم وتابعيهم، والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وقد تقدَّم معنا فيما ذكَره الشيخ -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- قول النبي: "يطُهَِّره ما بعده" فيما رواه عن ابن عمر. وأصل الحديث عند مالك والترمذي وابن ماجة وغيرهم: قالت أم سلمة: قال رسول الله ﷺ: "يُطَهِّره ما بعده"، أنها سألت النبي ﷺ: أني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ فقال لها: "يطُهَرِّه ما بعده".
وهكذا ما جاء في أنه سألته امرأة قالت: "يا رسول الله إن لنا طريقًا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مُطرنا؟ فقال: أليس بعدها طريق هي أطيب منها؟ قالت المرأة: بلى، قال: فهذه بهذه."
إذًا وتطهير ما تُصِيبه النجاسة من ملابس النساء في الطُّرق:
- يقول الشافعية والحنابلة: لابد من غسله، وإن كان جافًا فلا يتنجَّس، وإذا خرج بما بعده؛ فالطهارة قائمة في الثوب.
- وقال المالكية: يُعفى عمَّا يُصِيب ذيل ثوب المرأة من النجاسة إذا مرَّت بعد الإصابة على موضع طاهر يابس -سواء كان أرض أو غيره-.
فقيدَّوه بأن يكون الذَّيْل يابس وأطالته للسَّتر لا للزينة والخُيَلاء، وأن تكون النجاسة التي أصابت ذيل الثوب مُخَفَّفة جافَّة، فإن كانت رَطْبَة يجب الغُسْل، إلا أن يكون معفو عنه مثل طين الشارع، وأن يكون الموضع الذي تمر عليه بعد الإصابة طاهر يابس.
وهكذا جاءنا عن ابن مسعود قال: كنا نصلي مع رسول الله ﷺ ولا نتوضأ من المواطئ -المواطئ: موطىء أقدامنا في الأرض- وكان رسول الله ﷺ لا يتوضأ من موطئ. أي: محل الأقدام. وأيضا قال الفُقهاء عندنا: يُعفى عن طين الشارع ولو تُيّقَّن نجاسته، والمراد هو: ممَّر الإنسان-حتى في البيت ما هو شرط في الشارع-. في البيت إذا ممرّه من محل وضوئه إلى محلّ صلاته؛ فيُعفى عن ذلك -ما لم يرى عَيْن النجاسة-. فأما إذا وقع على عين النجاسة فيجب عليه أن يتطهَّر، وإذا لم يتعمَّد ولم يرَ عين النجاسة فمروره معفوٌّ عنه.
ويقول: "وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول سمعت رسول الله ﷺ: إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب طهور"، يعني: يمر على التراب فيخرج ما عَلِق به من الأذى. "وكان ابن عباس يقول: إذا مَرَّ ثوبك على قذر رطب أو وطئته فأغسله، وإن كان يابسا فلا عليك. وكان أبو قلابة يقول: ذكاة الأرض يُبْسُهَا" -زكاة الأرض يُبْسها- "..فإذا يَبِسَت الأرض المتنجسة طَهُرَت". وهكذا يقول كذلك الشافعية والحنابلة: إذا أصابت أسفل الخُفْ أو النَّعل نجاسة يكون تطهيره بغسله، ولا يُجزِئ دلْكُه كالثوب والبدن.
وبعد ذلك تحدَّث عن أبوال وروث المأكولات من الحيوانات؛ مالَ بعض فقهاء الشريعة إلى أنها طاهرة، وقال آخرون هي نجسة.
قال: "وكان ﷺ يرخص للأعراب في عدم الغسل من أبوال الإبل والبقر والغنم للمشقّة في ذلك عليهم. وقَدِمَ عليه رهطٌ من عُكلِ أو من عرينة ، فاستوخموا المدينة حين قدموها فأمر لهم النبي ﷺ بلقاحٍ وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها." وذلك لأن في أبوالها بعض الدواء لبعض الأمراض.
وذكر لنا عن البراء بن عازب يقول: "سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ما أُكل لحمه فلا بأس ببوله". وابن مسعود يقول: "سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ما أنزل الله داءً إلا وقد أنزل له شفاء، وفي ألبان البقر شفاءٌ من كل داء"، ألبان هذا ما هو أبوال.
"وكان عليّ رضي الله عنه يقول: لا بأس ببول الجمال وكل ما أُكل لحمه، وكان السلف لا يرون بأسًا بطهارة البصاق والمخاط والعرق واللعاب…"، هذه الأشياء كانت مستقذرة ولكنها ليست بنجسة "من سائر الدواب،" أيضا لعاب الحيوان كذلك.
"وكان أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه يقول: لم يبلغنا عن ألبان الحُمُر شيء إنما نهى النبي ﷺ عن لحومها."
ولكن كذلك كل ما لا يؤكل فلبنه حرام على ما قال جماهير أهل الفقه في الشرع المصون. وأما للتداوي فيجوز التداوي بأبوال الإبل ونحوهها -إذا عَرَف فيه الفائدة ولا يقوم غيره مقامه-.
"وكان إبراهيم النخعي يقول: كانوا يستشفون بأبوال الإبل ولا يرون به بأسًا، ويشربون أبوال البقر والغنم."، هذا محمول على التداوي وعلى الطهارة عند من قال بطهارة روث المأكول وبوله.
وحديث الجماعة من عُرَيْنة قَدِموا على النبي كما يروي سيدنا أنس بن مالك: قدموا على النبي ﷺ المدينة فاجتووها. يعني: أصابهم المرض وما توافقت طبيعتهم مع جوّ المدينة. فقال لهم ﷺ: "إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها". قال: ففعلوا فصحّوا، ولمَّا صَحُّوا وقووا؛ أغواهم الشيطان ومالوا على الراعي وقتلوه، وارتدوا عن الإسلام وسرقوا الإبل، وبلغ النبي وبعث في أثرهم، أتى بهم وفعل بهم ما فعلوا بالرُّعاة، قطَّع أيديهم وأرجلهم وتركهم حتى ماتوا، كما فعلوا بالرعاة. فانظر إلى قِلَال الحياء هؤلاء! يُكرمهم ويعطيهم ويصحّون ويقوون-يشفون من المرض-، ثم بعد ذلك يقتلون رعاة الأبل ويسرقونهم ويهربون بالإبل! وإنَّا لله وإنا لله وإليه راجعون! نفس الإنسان إذا ما زَكَت تفعل الغرائب! وتتجاوز الحيوانات كلها في انتهاكها للحُرُمات! ما تحصل حتى عند الحيوانات!
وهكذا جاءتنا الأحاديث. ويُروى أيضاً: "ما أُكِلَ لحمه فلا بأس بسُورِه"، وتقدَّم: "ما أُكِلَ لحمه فلا بأس ببوله". وقوله: "في ألبان البقر شفاء من كل داء". الحديث عند الحاكم صحّحه ووافقه الذهبي. ويقول إبراهيم النخعي: "كانوا يستشفون بأبوال الإبل ولا يرون به بأسًا"،
فأمَّا بول الآدمي -عذرته- فبالاتفاق أنها نجسة من غير شك. وتقدَّم معنا حديث الذي بال في المسجد وأمر النبي بِصَبِّ الماء عليه، إنما الخلاف في بول وروث الحيوان مأكول اللحم؛ فيقول المالكية والحنابلة: أنها طاهرة -بول وروث الحيوان المأكول-؛ واستدلّوا بصلاة ﷺ في مرابط الغنم، وأمره للقوم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، وحمله غيرهم على أنه لم يكن هناك نجاسة لقاها عندما صلَّى في مرابط الغنم، وأنه إنما أمرهم بشرب أبوالها لأجل المداوة، فتداووا ثم بطروا وكفروا النعمة.
وهكذا.. كل حيوان حيّ -بحري أو برّي-:
- لعابه طاهر، إلا الكلب الخنزير، ولم يستثني ذلك المالكية، وغيرهم استثنى الكلب والخنزير. وهكذا كل ما يَرْشَح -الرشح كاللعاب والدمع والعرق والمُخَاط ونحوه-
- يقول الشافعية: فله حكم ذلك الحيوان، إن كان ذلك الحيوان نجس فهو نجس وإن كان طاهر فهو طاهر.
- وأمَّا العرق كذلك من الحيوانات فهو أيضا طاهر عند جمهور أهل الفقه. كما يقول الشافعية وغيرهم: إذا كان الحيوان طاهر فعرقه طاهر، وإن كان نجسا فعرقه نجس.
وأمَّا ألبان الحُمُر فهو نجس عند المالكية والشافعية والحنابلة، ومكروهة عند الحنفية. ما هي؟ ألبان الحُمُر فهي نجسة. وكل حيوان لا يؤكل لحمه فلبنه نجس.
فعرفنا ما استدلَّ المالكية والحنابلة به على طهارة بول ما أُكِل لحمه: أنه ﷺ لم يأمرهم بغسل فمهم ولا ما أصابهم منه لصلاة ولا لغيرها، والله أعلم.
رزقنا الله الطهارة والنَقَا، والصِّحَّة والتُّقى، والاستقامة على منهجه ﷺ صِدْقَاً وحَقَّا، ووقانا الأسواء والأدواء وكل بلوى في السَّرِّ والنجوى، وأصلح شؤوننا وأُمَّتِه أجمعين…
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابة
الفاتحة
02 مُحرَّم 1445