كشف الغمة- 302- كتاب الزكاة (10) زكاة الركاز

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة 302- كتاب الزكاة (10) زكاة الركاز

صباح السبت 12 ذو القعدة 1446هـ 

 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  ما هو المعدن والركاز في الزكاة؟
  •  أنواع المعادن وما الذي يُزكى منها
  •  الركاز والمال المدفون
  •  قيمة زكاة الركاز
  •  ما هو الجبار ؟
  •  حكم من سقط في بئر هل على حافره شيء؟
  •  انحسار نهر الفرات عن جبل من ذهب آخر الزمان
  •  العنبر ليس بركاز
  •  قصة فأرة تخرج دنانير من جحر
  •  حكم ما وُجد في القبور
  •  بيان أحكام ما أتلفه الحيوان

نص الدرس مكتوب:

باب زكاة المعدن والركاز

 

 

"قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "العجماء جرحها جُبار والبئر جُبار والمعدن جُبار وفي الركاز الخمس"، وسيأتي في باب إقطاع العمال إن شاء الله تعالى أن رسول الله ﷺ أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبيلة بناحية أرض الفرع فتلك المعادن كلها لا يؤخذ منها إلى الآن إلا الركاز يعني الخمس .

 

وقال بعض العلماء المعدن غير الركاز لقوله ﷺ: "المعدن جبار"، وكان عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- يقول: تخرج معادن مختلفة بقرية يقال لها فرعون فيها أتلال الذهب يذهب إليها شرار الناس وبينما هم يعملون فيها إذ حُسِرَ لهم عن الذهب فأعجبهم معتمله إذ خسف به وبهم، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما يقول في العنبر، ليس بركاز إنما هو شيء دسره البحر، وقال المقداد -رضي الله عنه-: ذهبت مرة لحاجتي فإذا فأرة تخرج من جحر دنانير فأخذتها فإذا هي ثمانية عشر دينارًا فذهب بها إلى رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله خذ صدقتها، فقال: "هل أهويت إلى الجحر؟ قلت: لا، فقال: بارك الله لك فيها".

 

وكان مالك -رضي الله عنه- يقول: الذي سمعته من أهل العلم أن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفين الجاهلية ما لم يطلب تحصيله بمال ولا يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل ولا مؤنة، فأما ما طلب بمال وتكلف فيه فأصيب مرة وأخطأ مرة فليس بركاز، وكان ﷺ يقول: "ما وجدتم في قبور الجاهلية فخذوه"، وقال ابن عمر: "كنا مع رسول الله ﷺ في سفر فمررنا بقبر فقال رسول الله ﷺ: هذا قبر أبي رغال كان من قوم ثمود فلما أهلك الله قومه بما أهلكهم به منعه لمكانه من الحرم ودفعه عنه فلما خرج موضع قومه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فمات، وقد دفن معه غصناً من ذهب إن أنتم نبشتم عنه وجدتموه معه فابتدره الناس فأخرجوا منه الغصن وأخذوه"، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول كثيرًا: من وجد في قبور الجاهلية شيئًا فهو له، والله سبحانه وتعالى أعلم".

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتك، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.

 

 

الحمد لله مكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان عبده المصطفى محمد ذي المراتب الرفيعة والجاهات الوسيعة، اللهم أدم صلواتك على المختار سيدنا محمد وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار، ومن سار على دربه إلى يوم الوقوف بين يديك يا كريم يا غفار، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين معدن الأنوار، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى ملائكتك المقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

وبعد،

يتكلم الشيخ عما ورد في زكاة المعدن والركاز؛ وهو ما يستخرج من الأرض بعلاج. 

  • فإن كان مما يستخرج بالعلاج غير مدفون من قبل يقال: معدن.

  •  وإن كان مدفونا من قبل فيقال له: ركاز.

وعلى هذا فرق الجمهور بين الركاز وبين المعدن. 

وعمم الحنفية معنى الركاز: عندهم في كل ما يستخرج من الأرض له قيمة، فيدخل فيه دفين الجاهلية ودفين الإسلام وتدخل المعادن كلها في معنى الركاز عندهم. 

وقال الجمهور: المعدن ما يخرج من الأرض بعلاج، يعالج فيستخرج من الأرض، المعدن يعني يكون اسم للمحل الذي يستقر فيه واسم لما يخرج من ذلك المكان؛ مشتقٌّ من عَدْنٍ وعَدَن، كما قال تعالى في دار الإقامة والاستقرار: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ [التوبة: 72]، يعني: محل الاستقرار والخلود، وهذا المعدن المستقر الجواهر، فكل ما يخرج من الأرض مما يخلق فيها من غير جنسها مما له قيمة يقال له: معدن.

ثم خصص الشافعية وجوب الزكاة في المعدن بالذهب والفضة، ما استخرج من الأرض من الذهب والفضة.

وهكذا يقول الإمام أحمد في المعادن: تستنبط ليس هو شيء دفن، فأما الدفين فهذا يقال له كنز وإن كان من أيام الجاهلية:؛ يعني دفن في الأرض قبل ظهور الإسلام فيقال له ركاز. 

فالركاز في الاصطلاح عند الفقهاء: مخصوص بما دفن مما له قيمة في الأرض قبل ظهور الإسلام؛ فيكون لأول من يملك هذه الأرض أو يحييها، فأول من وقع عليه ملكها يكون ما وسطها أو ما تحتها ملك له، ولكن بعد إخراج الخمس وهي زكاة الركاز، 

وهذه المعادن منها:

  • جامد يذوب وينطبع بالنار مثل: الذهب، والفضة، والحديد، والرصاص، والصفر، يكون في بطن الأرض ويذوب بالنار.

  • وجامد لا ينطبع بالنار مثل: الجص، والنورة، والزرنيخ وغيرها أمثال ذلك.

  • وما ليس بجامد من معادن في الأرض مثل: الماء، والنفط، والزئبق وغيرهم مما يكون في باطن الأرض مما ليس بجامد؛ فكلها معادن. 

ولكن الذي يتعلق به الزكاة عند الشافعية هو الذهب والفضة فقط، فإذًا الركاز عند جمهور الفقهاء مغاير للمعدن. 

وأما الحنفية فالركاز عندهم أعم من المعدن يطلق عليه وعلى الكنز، ويقال كنزت المال إذا جمعته وادخرته، فالمال المدفون يقال له: كنز، وهذا أعم من الركاز سواء كان من أيام الجاهلية أو دفن قريبا أو في أيام الإسلام.

 

فإذًا هذا المعدن والركاز "قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "العجماء -أي: البهيمة، الحيوانات البهايم- جرحها جُبار والبئر جُبار والمعدن جُبار وفي الركاز الخمس". فمن وجد ذهبًا أو فضة ودلت العلامات أنه من أيام الجاهلية -دفن قبل الإسلام-؛ فهو ملك لمن وجده أو من ملك تلك الأرض التي هو فيها،  أول من مالك لها، وعليه في الحال أن يخرج الزكاة وهي خمس "وفي الركاز الخمس".

 أما ما يتعلق بالجبار، من معانيه البريء، من معانيه الهدر، وكل ما أفسد وأهلك مثل السيل، ويقال: ذهب دمه جبارا يعني: هدرا،  وكذلك يقول حرب جُبار، يعني لا دية فيها ولا قصاص، والفقهاء يستعملون كلمة جبار بمعنى الهدر فإذا وصفوا فعل آدمي بأنه جُبار فالمراد أن ما تلف بسبب ذلك الفعل يكون هدرا لا ضمان فيه، "العجماء جرحها جُبار" إذا جرحت أحد من دون تكسير من صاحبها فلا قصاص لا عليها ولا على صاحبها، فما أتلفته الدابة المنفلتة من غير تقصير من صاحبها أو من هي في يده ما أتلفته فهو الجبار، "العجماء جرحها جُبار والبئر جُبار والمعدن جُبار" كما جاء في الصحيحين. 

فالعجماء: البهيمة، سميت بذلك لأنها لا تتكلم، فإتلافهَا بأي وجه من الوجوه يعتبر جُبار، لا قِصاص فيه، ولا دِيَةَ له، ولا أَرْشَ له. 

 

وهكذا من حفر بئرًا في داره -في ملكه-، ودخل الدار الرجل بإذن صاحب الدار، فجاء وسقط الرجل في البئر حق صاحبه هذا،  فماذا عليه؟  

  • يقول المالكية والحنفية: جُبار؛ ماعليه شيء. 

  • يقول الحنابلة والشافعية: 

    • إن كانت البئر مكشوفة والداخل بصير يبصرها فلا ضمان.

    • أما إذا كان الداخل أعمى ما انتبه منهُ ولا أمسك بيده فسقط، أو كانت البئر في ظلمة لا يبصرها، فعلى صاحب الدار الضمان عند الحنابلة، كما هو عند الشافعية في الأظهر.

وأطلق المالكية والحنفية أنها جُبار، "البئر جُبار".

فالبئر الذي حفرهُ الإنسان في ملكه، ثم جعل عليها علامة ويبصر بها البصير ليحذر منها؛ فمن تعامى وتغافل وسقط فيها فلا شيء على حافر البئر، وأما إن كانت في الطريق حفرها فوقع فيها أحد فهو يضمن أو ليست في ملكه، يضمن من وقع فيها.

وتوسع الشافعية في منع الإرث لمن سقط مُوَرِّثه في بئر -هو الوارث حفره- فإذا الوارث حفرها فسقط مُوَرِّثه فيها أبوه وهو سقط فلا يرث منه شيء، هذا من توسع الشافعية في معنى ليس للقاتل من التركة شيء -عدّوه أن أي وجه من الوجوه في سببية القتل ولو بوجه بعيد- كأن حفر بئرا فوقع مورِّثُهُ فيها فمات، فلا إرث له، سداً للذريعة وحسماً للمادة حتى لا يستعجل الناس على موت موَرِّثيهم. وفيه خلاف بين الائمة الأربعة، بخلاف القاتل المباشر قاتل العمد والعدوان هذا بالاتفاق لا يرث شيء من تركةِ المقتول.

 

قال: "العجماء جرحها جُبار والبئر جُبار والمعدن جُبار" يأخذه صاحبه إنما عليه زكاة ربع العشر، "وفي الركاز الخمس"، وسيأتي في باب إقطاع العمال إن شاء الله تعالى أن رسول الله ﷺ أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبيلة بناحية أرض الفرع فتلك المعادن كلها لا يؤخذ منها إلى الآن إلا الركاز يعني الخمس .وكذلك المعادن غير الذهب و الفضة ما يؤخذ منها شيء، "وقال بعض العلماء المعدن غير الركاز لقوله ﷺ: "المعدن جبار"، وكان عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- يقول: تخرج معادن مختلفة بقرية يقال لها فرعون فيها أتلال الذهب يذهب إليها شرار الناس وبينما هم يعملون فيها إذ حُسِرَ لهم عن الذهب فأعجبهم معتملهُ إذ خُسف به وبهم".

وكذلك ينحسر نهر الفرات عن جبل من ذهب في آخر الزمان فيتقاتلون عليه، فيقتل في كل مئة وتسعة وتسعون و-العياذ بالله تعالى-، كل واحد يقول أنا لعلي الذي أخذهُ فأظفرُ به من طمعهم على الدنيا وتفانيهم عليها، كما ترون هم ينصبون القتال من أجل شيء من أغراض الدنيا، إما توسع في أرض، وإما أخذ ثروات، وإما بسط يد وحكم على الأرض، يقيمون الحروب كلها على هذا! أي أغراض لهذه الحرب،  أي مقاصد شريفة لهذه الحروب التي يقيمونها؟! ولا شيء إلا الطمع، ولا شيء إلا هذا الحقارة والعياذ بالله -تبارك وتعالى- وهكذا حتى نهى  قال من كان هناك فلا يعلق نفسه بشيء من هذا، ولا يأخذ شيء، ينصرف عنهم ويتركهم هم وقتالهم على نهر الفرات.

 

قال: "وكان ابن عباس -رضي الله عنهما يقول في العنبر، ليس بركاز إنما هو شيء دسره البحر -فيُتَطيَّبَ به-، وقال المقداد -رضي الله عنه-: ذهبت مرة لحاجتي فإذا فأرة تخرج من جحر دنانير فأخذتها فإذا هي ثمانية عشر دينارًا فذهب بها إلى رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله خذ صدقتها، فقال: "هل أهويت إلى الجحر؟ قلت: لا، فقال: بارك الله لك فيها".

"وكان مالك -رضي الله عنه- يقول: الذي سمعته من أهل العلم أن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفين الجاهلية ما لم يطلب تحصيله بمال، ولا يتكلف فيه نفقة ولا كبير عمل ولا مؤنة، فأما ما طلب بمال وتكلف فيه فأصيب مرة وأخطأ مرة فليس بركاز -هذا المعدن-، وكان ﷺ يقول: "ما وجدتم في قبور الجاهلية فخذوه"، وقال ابن عمر: "كنا مع رسول الله ﷺ في سفر فمررنا بقبر فقال رسول الله ﷺ: هذا قبر أبي رغال كان من قوم ثمود فلما أهلك الله قومه بما أهلكهم به منعه لمكانه من الحرم ودفعه عنه فلما خرج موضع قومه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فمات، وقد دفن معه غصناً من ذهب إن أنتم نبشتم عنه وجدتموه معه فابتدره الناس فأخرجوا منه الغصن وأخذوه" -رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه-، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول كثيرًا: من وجد في قبور الجاهلية شيئًا فهو له"، ويدخل في الركاز.

 

وهكذا ما يتعلق بما أتلفه الحيوان، فما تفسده الدابة من زرع وشجر إذا وقع في الليل وكانت وحدها، وإذا لم تكن يد لأحد عليها فيكون هناك الضمان، وأما إذا وقع ذلك في النهار إذا كان في النهار ولأحد يد عليها فعليه الضمان، وإذا لم تكن يد لأحد عليها أن يدابها فلا ضمان فيه.

وهكذا جاء "أنَّ ناقةً للبراءِ بنِ عازبٍ دخَلَتْ حائطَ رجُلٍ فأفسَدَتْه، أنَّ علَى أَهْلِ الماشيةِ حفظَها باللَّيلِ ، وعلَى أصحابِ الحوائطِ حفظَها بالنَّهارِ ، وأنَّ ما أفسدت -أصابت- المواشي باللَّيلِ مضمونٌ على أَهْلِها"، أطلق الحيوانات ولا تأكل زرع الناس في الليل والناس في الليل ينامون ولا يقعدون عند الزرع؛ فهو المُقصِّر هذا صاحب الماشية فعليه الضمان، أما في النهار فمن العادي أن تمشي وأصحاب الزرع يحمون زرعهم، فجاء وقال: انظر حقك الغنم أكلت، قال: متى؟ قال: في ظهر النهار، إذن في النهار وأنت وينك تتركها وهي تفقه؟ هي تعرف مكلفة! جاء واحد وقال: انظر الغنمة حقك أكلت من حقنا الزرع، قال: سنكلمها نقول لها مرة ثانية! ما تعقل أنت عليك تحفظ زرعك في النهار، وفي الليل نعم أطلق الغنم، أما إذا في الليل أكلوا زرعك عليه الضمان وعليه ضمان ما أكل، وأما في النهار فكلٌ ينتبه من مكانه، ومن المعتاد أن يسرحن ويمشين في النهار، وهكذا جاءت بعد ذلك تفاريع الفقهاء فيما يضمن وما لا يضمن بسبب البهائم. 

 

نسأل الله أن يرزقنا الاستقامة واتباع الحبيب الأعظم في جميع الشؤون ويحيي شريعته وسنته وهديه فينا، ويصلح ظواهرنا وخوافينا، ويرفعنا مراتب قربه في لطف وعافية، ويدفع الشرور عنا وعن الأمة أجمعين، ويجعلنا في الهداة المهتدين. 

 

 

بِسِرِّ الْفَاتِحَةِ

 إِلَى حَضْرَةِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ 

الْفَاتِحَة

تاريخ النشر الهجري

14 ذو القِعدة 1446

تاريخ النشر الميلادي

11 مايو 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام