كشف الغمة- 290- كتاب الجنائز (27) فرع في النهي عن سبِّ الأموات

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  كشف الغمة 290- كتاب الجنائز (27) فرع في النهي عن سبِّ الأموات  

صباح الثلاثاء 24  شوال 1446هـ 

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها:

  •  النهي عن سب الأموات
  •  ذكر محاسن الأموات
  •  لا نؤذي الأحياء بذكر قرابتهم من المشركين 
  •  كان النبي لا يذكر مساوئ الأموات
  •  حديث: لا تسبوا الموتى فتغضبوا الأحياء
  •  الحي يمكن الاعتذار إليه والميت حقه في الاخرة

نص الدرس مكتوب:

فرعٌ: في النهي عن سبِّ الأموات 

"كان رسول الله ﷺ ينهى كثيرًا عن ذكر مساوئ الأموات ويقول: "إنهم قد أفضوا إلى ما قدَّموا"، وفي رواية: "لا تسُبوا موتانا فتؤذوا أحياءنا"، وكان ﷺ كثيرًا ما يقول: "اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساوئهم، وكان قتادة -رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله ﷺ إذا دُعِيَ إلى جنازة سأل عنها فإن أُثْنِيَ عليها خيرًا قام فصلى وإن أُثْنِيَ عليها غيرُ ذلك قال لأهلها: شأنُكم بها، ولم يُصَلي عليها"، وقال نبيط بن شريط الأشجعي -رضي الله عنه-: مر النبي ﷺ بقبر أبي أحيحة فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: هذا قبر أبي أحيحة الفاسق فقال خالد بن سعيد -رضي الله عنه-: والله ما يسرني أنه في أعلا عليين وأنه مثل أبي قحافة، فقال ﷺ: لا تسبوا الموتى فتغضبوا الأحياء"، والله -سبحانه وتعالى- أعلم."

آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

 

الحمد لله على الدِّين القويم والصراط المُستقيم، وبيانهِ على لسان الرؤوف الرحيم، ذي الخُلق العظيم، عبْدهِ المُختار سيدنا مُحمّد صلى الله وسلَّم وبارك وكرَّم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وعلى آله وأصحابه ومن سار على منهجه القويم، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين أهل الإجلال والتكريم والتفخيم، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المُقربين، وعلى جميع عِباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكْرمين وأرحم الراحمين.

 

وبعدُ،

فيشير الشيخ الشعراني -عليه رحمه الله تعالى- في هذا الفرعِ إلى ما جاء من النهي عن سبِّ الأموات؛ أي: على وجهِ الخصوص، والسبُّ محرمٌ في الشريعة للأحياء وللأموات، ولكن على وجه الخصوص للأموات لأنهم:

  • لا يدافعون عن أنفسهم.

  • فيتولى الجبّار الأعلى -عزَّ وجلَّ- الدِفاع عنهم؛ فيتعرض من تكلم على أحد منهم وسبَّه إلى نِقْمَةِ الجبّار -جلَّ جلاله وتعالى في عُلاه-.

فأُمِرْنا أن نكُفَّ عن ذِكر مساوئهم وأن نذكُر المحاسن. 

  • فذِكرُ المحاسنِ للأحياء والأموات سُنةٌ من سُنن خير البريات صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. 

  • وِذكرُ المساوئ عادةُ المنافقين والزائغين، وذوي كَدَر البواطن من أهل الضغائن وأهل الحسد وما إلى ذلك من الأمراض الباطنة؛ فشأنهم يحبون أن يذكرون المساوئ، وشأن النبوة وأتباعها يذكرون المحاسن ويكفُّون عن ذكر المساوئ؛ حتى للأحياء فضلًا عن الأموات.

 

"كان رسول الله ﷺ ينهى كثيرًا عن ذكر مساوئ الأموات ويقول: "إنهم قد أفضوا إلى ما قدِّموا"، كما جاء في البخاري وعند الإمام أحمد في المسند وعند الدارمي. 

وفي رواية: "لا تسبوا موتانا فتؤذوا أحياءنا"؛ أي: من قرابتهم، ومن أهل صداقتهم ومودتهم؛ فإنهم يتأذون، يعني: ولو كان الأموات من المشاهرين بالكفر والمجاهرين بالكفر.. نعم؛ وإن كانوا كذلك فإنه يتأذَّى بذلك من أسلم من قرابتهم.

 

ولذا قال ﷺ لما طُلِبَ منه أن يؤمِّنَ عكرمة بن أبي جهلٍ، وأرسل إليه من عِمامتِه ليكون أمانًا له، فقال: "إن عكرمة إذا أتاكم فلا تذكروا أباه أمامه بسوء"، أبو جهل فرعون هذه الأمة؛ ولكن قال: لا تذكروه أمام ولده بسوء، مع أنه كافرٌ يجوز ذكره بكُفره، فإنما المُحرّم سبُّ المسلمِ الذي لم يكن مُعْلِنًا بفسقه، فيحرُم ذكره بسوءٍ مهما عَلِمْتَ عنه فحرام تذكره بسوءٍ، ولا حرمة للمُعْلِنِ بفسقه ولا للكافر؛ ولكن مع ذلك كله فالأدب النبوي اقتضى ألا تؤذي الأحياء بسبِّ الأموات.

 

يقول: وكان ﷺ كثيرًا ما يقول: "اذكروا محاسن موتاكم وكُفُّوا عن مساوئهم"، ويقول: "أنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"، وهكذا "لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا به الأحياء"، أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي عليه.

 

"وكان قتادة -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ إذا دُعِيَ إلى جنازة سأل عنها فإن أُثْنِيَ عليها خيرًا قام فصلى وإن أُثْنِيَ عليها غيرُ ذلك قال لأهلها: شأنُكم بها، ولم يُصَلي عليها"، ولم يذكر شيئًا من المساوئ ﷺ. كما رواه الإمام أحمد في المسند وابن حبان والحاكم في المستدرك.

 

وخِيار الناس إنما يُثْنُونَ على أهل الخير، وقال -مشيرا إليهم- ﷺ: "أنتم شهداء الله في أرضه، من أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرًا وجبت له النار". ولا يُذْكَرُونَ بشرٍّ إلا متجاهرٌ بالفسقِ معاند.

 

"وقال نبيط بن شريط الأشجعي -رضي الله عنه-: مر النبي ﷺ بقبر أبي أحيحة فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: هذا قبر أبي أحيحة الفاسق فقال خالد بن سعيد -رضي الله عنه-: والله ما يسرني أنه في أعلا عليين وأنه مثل أبي قحافة" لا حول ولا قوة الا بالله، 

فقال ﷺ: "لا تسبوا الموتى فتُغضِبوا الأحياء"؛ لأن هذا قريبه، فلما قال سيدنا أبو بكر: "الفاسق"، ثارت نفس هذا -خالد- وقال ما أردته مثلك ولو يرجع إلى أعلى عليين أحسن ، لا حَوْلَ ولا قوة إلا بالله! فقال: "لا تسبوا الموتى فتُغضِبوا الأحياء".

 

وهكذا صحّ عنه ﷺ: "سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر"، ولا ينقص الإثم بموت الميت بل يتضاعف، وإن الحي يمكن إستحلاله والاعتذار إليه حتى يسامحك، والميت كيف تعمل؟ أمامك سيقع لقاؤه هناك، ويرى ماذا يعمل بك! إذا يأخذ حقه منك، فكم يُؤْخَذُ في مقابل الكلمة التي قلتها عليه من صلواتك ومن زكواتك ومن أعمالك الصالحة تروح له بسبب كلامك عليه!. 

 

وهكذا فالمسالك القويمة هي التي دعانا إليها صاحب الرسالة ﷺ في التعامل مع الأحياء ومع الأموات، وكان من هديه الثناء على من يستحق الثناء ممن لا يضره الثناء ولا يغتر به من الأحياء، والثناء أيضا على كثير من الأموات بما أعلمه الله من شأنهم وأحوالهم وأخبارهم، رضي الله تبارك وتعالى عنهم.

 

نسأل الرحمن أن يسير بنا مسار عبده المصطفى محمّد ﷺ، وما جاء به عن الله في هذا المنهج القويم.

وأن يضاعف -سبحانه وتعالى- حسنات المنتقل إلى رحمته رمضان بن سعيد، ويجمعنا به في أعلى درجات دار الكرامة، وجمع له سعادات العودة من العمرة والزيارة، والوقوع في الحادث وليلة الجمعة، وهو في غير بلده في الغربة؛ فاجتمعت له سعادات وشهادات، يجعله الله عنده في خواص الشهداء وأكارم السعداء، ويربطه بنبي الهدى ويحشره في زمرته غدًا، ويثبته بالقول الثابت، ويَخْلُفه فينا وفي أهل البلدة وفي المسلمين بخَلَفٍ صالح، ويبارك في أولاده وفي المولود الذي يولد بعد وفاته، بركة تامة، وفي جميع إخوانه وأخواته وقراباتهم، ويُسيِّرُ بهم مسار الصالحين من عباده وأهل وداده، ويقيهم جميع الأسواء في السر والنجوى بخير ولطف وعافية.

 

 

بسرّ الفاتحة 

إلى حضرة النبي اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.

تاريخ النشر الهجري

24 شوّال 1446

تاريخ النشر الميلادي

22 أبريل 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام