كشف الغمة 270- كتاب الجنائز ( 8) مسائل متعلقة بالكفن
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 270- كتاب الجنائز ( 8) مسائل متعلقة بالكفن
صباح الثلاثاء 28 رجب 1446
يتضمن الدرس نقاط مهمة منها :
- تكفين حمزة بن عبدالمطلب بثوب واحد
- حكم تبخير الأكفان
- كراهة إحضار نار في مجمرة للجنازة
- بيان كيفية وضع الكفن
- مواضع وضع الحنوط والكافور
- حل الروابط إذا وضع في القبر
- كيفية وضع الوزائر واللفائف لكفن الرجل والمرأة
- مما يكره اتباعه في الجنازة
- صفة كفن رسول الله
- عدد أثواب الكفن
- هل يجوز وضع قطيفة وفرش في القبر؟
- من صفات الكفن وما يكره
- أمر النبي بتجهيز الأكفان
- كفن المُحرم
- قصة وفاة سيدتنا فاطمة بنت أسد
- خصوصية ذو البجادين
- التوسل في الدعاء
- حديث الشفاعة في القيامة
نص الدرس المكتوب :
"ولما مات حمزة بن عبد المطلب -رضي الله عنه- كفنه رسول الله ﷺ في نمرة في ثوب واحد، وكان ﷺ يقول: "إذا جمرتم الميت فأجمروه ثلاثًا"، يعني به تبخيره عند إرادة غسله سترًا للرائحة الكريهة"، ولما حضرت وفاة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أوصت أن يجمروا ثيابها إذا ماتت ويذروا على كفنها الحنوط ولا يتبعوها بنار. قال أنس -رضي الله عنه-: "وكفن رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب بيض جدد سحولية يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة فأدرج فيها إدراجًا"، وفي رواية: "وكان فيها قميص"، وفي أخرى: "كفن رسول الله ﷺ في حلة حمراء ليس فيها قميص وجعل في لحده قطيفة كانت له"، وكان ﷺ يرخص في الكفن المصبوغ قبل نسجه كثياب الحبرة ونحوها ولكن البياض كان أحب إليه.
وكان ﷺ يقر أصحابه على الاستعداد للكفن خوفًا أن يأتيهم الموت بغتة، وكسا ﷺ رجلًا بردة فقال: يا رسول الله إنما أخذتها لأكفن فيها إذا مت. قال أنس -رضي الله عنه- فكفن فيها حين مات، وكان ﷺ يقف على غسل أزواجه وبناته ومعه الأثواب يناولهن ثوبًا ثوبًا من وراء الباب، وكان ﷺ يناولهن أولًا الحقوا في الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم يدرجنها بعد ذلك في الثوب الآخر، وكان ﷺ يأمر بشد الفخذين والوركين بخرقة تحت الدرع، وكان ﷺ يأمر بتطييب بدن الميت وكفنه ما لم يكن الميت محرِمًا فإنه كان يقول في المُحرِم: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبه ولا تحنطوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة محرمًا" ، وإن كان المُحرِم امرأة قال: "ولا تغطوا وجهها فإنها تبعث محرمة"، قال أنس -رضي الله عنه-: ولما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، دخل عليها رسول الله فجلس عند رأسها، وقال: رحمك الله بأبي وأمي كنت تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني وتمنعين نفسك أطيب الطعام وتطعميني تريدين بذلك وجه الله ثم أمر أن تغسل بالماء ثلاثًا فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله ﷺ بيده ثم خلع رسول الله ﷺ قميصه وألبسها إياه وكفنها فوقه، ثم دعا رسول الله ﷺ أسامة بن زيد وأبو أيوب الأنصاري وغلامًا أسود وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- يحفرون قبرها فلما بلغوا اللحد حفره رسول الله ﷺ وأخرج ترابه بيده، ثم لما فرغ اضطجع فيه ثم قال: "الحمد لله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت، اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي يا أرحم الراحمين، ثم صلى عليها وأدخلها اللحد هو والعباس وأبو بكر -رضي الله عنهم- أجمعين"، والله سبحانه وتعالى أعلم."
اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مُكرِمنا بشريعته وبيانها على لسان عبده وحبيبه وصفوته خير بريته سيدنا محمد بن عبد الله، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير. اللهم أدِمْ صلواتك عليه وعلى آبائه وإخوانه من أنبيائك ورسلك وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المُقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
وبعد،
يواصل الشيخ -رحمه الله- ذكر الأحاديث المتعلقة بتجهيز الميت؛ ومنه الكفن. وقال: "ولما مات حمزة بن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنه- كفنه رسول الله ﷺ في نمرة في ثوب واحد"، وهو سيد الشهداء كما سمّاه رسول الله ﷺ؛ حمزة بن عبدالمطلب.
وقال: "إذا جمرتم الميت فأجمروه ثلاثًا"، أي: التبخير "عند إرادة غسله سترًا للرائحة الكريهة".
"ولما حضرت وفاة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أوصت أن يجمِّروا ثيابها إذا ماتت ويذروا على كفنها الحنوط ولا يتبعوها بنار". فتبخير الأكفان قبل لبسها الميت من المُستحبات أن يُبخر؛ لأن الميت يلبس استعدادًا للقاء الله -تبارك وتعالى-، فتطيب له الأثواب التي يستعد فيها للمقابلة، وللقاء خاص بالجبار الأعلى -جل جلاله وتعالى في علاه-، فيا فوز من قبله ورضى عنه -جل جلاله- وتنثر له البشارات على أيدي الملائكة بعجائب من جود الرحمن -سبحانه وتعالى-، ويا خيبة من لقي الله وهو عليه ساخط -والعياذ بالله تبارك وتعالى-.
يقول: "أوصت أن يجمروا ثيابها إذا ماتت ويذروا على كفنها الحنوط ولا يتبعوها بنار"، فيُكره أن تتبع الجنازة بنار في مجمرة أو غيرها؛ لأجل البعد عن التشاؤم بالنار، فلا تحضر على الجنازة ولا عند الدفن شيء من أنواع النار. وقد بلغت الغفلة ببعض المسلمين والجهل أن يشعل بعضهم سيجارته عند دفن الميت ولا في الجنازة -والعياذ بالله تبارك وتعالى-؛ نار وعاده بفعل ما بين محرم ومكروه، اختلف العلماء فيه، فهذا من شدة الغفلة وشدة الجهل -والعياذ بالله تبارك وتعالى-؛ إنما الجنازة محل تذكار واعتبار وتلاوة وأذكار وبكاء من هيبة العزيز الغفار -جل جلاله وتعالى في علاه-، فلا تُحضر أي نوع من أنواع النار في الجنازة ولا عند الدفن، في سؤالٍ أن يقيه الله النار وحر النار وشر النار ولهب النار، ولا يقرب هذا الميت إلى النار.
إذًا فالأكفان تُجمّر أي: تُطيّب قبل التكفين. "إذا أجمرتم الميت فأجمروا وترًا"، والحديث أيضًا عند الإمام أحمد بن حنبل والحاكم عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه-.
كيفية تكفين الرجل:
وكذلك بعد ذلك يُبسط أوسع اللفائف أسفلها فتوضع أولًا مما يلي الأرض، ثم التي بعدها، ثم التي بعدها الثلاثة بالنسبة للرجل.
ويحمل الميت من على سرير الغسل الذي غسل عليه مستورًا بثوب، يترك على الكفن مستلقيًا على ظهره أيضًا، رجلاه إلى القبلة، فيُكفن كما يُغسّل أن تكون رجلاه إلى القبلة. ويأخذ أيضًا قطنًا يجعل فيه الحنوط والكافور؛ يجعل بين الأليتين ويشد عليه، فهذا من تكفين الميت. وكذلك يأخذ القطن ويجعل الحنوط والكافور، يترك على الفم والمنخرين والعينين والأذنين، وعلى أي جراح إن كان فيه جروح نافذة إن وجدت؛ ليخفى ما يظهر من رائحته.
ويجعل الحنوط والكافور على قطن ويترك على مواضع السجود تكريمًا لها:
-
باطن اليدين.
-
وعلى الجبهة.
-
والأنف كذلك.
-
وعلى الركبتين.
-
وعلى باطن أصابع الرجلين.
فهذه أعضاء السجود السبعة تكرم تكريمة خاصة. ويجعل شيء من الحنوط فيه قطن ويجعل في الكف اليمنى والكف اليسرى لليدين باطنهما، وعلى الركبتين، وعلى أصابع الرجلين كذلك، باطن أصابع الرجلين، والجبهة والأنف أعضاء السجود.
وإنه من كان من المؤمنين له ذنوب إن لم تُغفر فعذب بالنار، فإن النار لا تمس مواضع السجود على سجود ما تمسه النار، وتسلط على بقية جسده -والعياذ بالله تعالى- اجارنا الله من النار، وجعلنا ممن سبقت لهم منه الحسنى فهم عنها مبعدون، (لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ) [الأنبياء:102].
"يقول سيدنا عبد الله بن مسعود: تتبع مساجده" يعني: أعضاء سجوده بالطيب، "تتبع مساجده بالطيب".
-
كذلك يحنط رأسه ولحيته بالكافور، ويلف الكفن عليه، أول ثوب، ثاني ثوب وثالث ثوب؛ فإذا وضع في القبر يُحل الشداد اللي ربطتت بها الكفن عند الشافعية والحنابلة.
-
ويقول الحنفية: يلبس القميص أولًا، إن كان له قميص، ثم يعطف الإزار عليه، ثم تعطف اللفافة.
-
ويقول المالكية: يكون الإزار من فوق السرة إلى نصف الساق تحت القميص، واللفائف فوق ذلك.
بالنسبة للمرأة:
-
يقول الحنفية: تبسط لها اللفافة والإزار، ثم توضع على الإزار، وتلبس الدرع، ويجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق الدرع، ويُسدل شعرها ما بين ثدييها من الجانبين جميعًا تحت الخمار، ولا يسدل شعرها خلف ظهرها. يقول ؟؟ ثم يُجعل الخمار فوق ذلك، ثم يعطف الإزار واللفافة، ثم الخِرقة فوق ذلك تربط فوق الأكفان.
-
ويقول المالكية بالنسبة للمرأة: تلبس الإزار من تحت إبطيها إلى كعبيها، ثم تلبس القميص، ثم تُخمَّر بخمار، تُخمّر برأسها ورقبتها، ثم تلف بأربع لفائف كما تقدم معنا عند المالكية.
-
ويقول الشافعية: تؤزر بإزار، ثم تلبس الدرع، ثم تخمر بخمار، ثم تدرج في ثوبين. وقال الشافعي: يُشدّ على صدرها ثوب ليضم ثيابها فلا تنتشر.
-
والحنابلة يقولون: تُشدُّ الخِرقة على فخذيها أولًا، ثم تؤزر بالمئزر، ثم تلبس القميص، ثم تُخمَّر بالمقنعة، ثم تلف بلفافتين. سواء.
وذكرنا أنه: يُكره اتباع الجنازة بنار في مجمرة؛ في مبخرة؛ في أي شيء؛ فذلك مما ينهى عنه في حديث أبي داود: "لا تُتْبعُ الجنازةُ بصوتٍ -أي: صوت النياح- ولا نارٍ ".
"يقول أنس -رضي الله تعالى عنه-: كُفِّنَ رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب بيض جدد سحولية يمانية، ليس فيها قميص ولا عمامة، فأدرج فيها إدراجًا" -صلوات ربي وسلامه عليه- "وفي رواية: "وكان فيها قميص".
فحمل الشافعي وغيره: على أن القميص والعمامة ما يحسب من اللفائف في الثلاثة الأثواب، الثلاثة أثواب ما يحسب فيها القميص، وإن كان عليه قميص أو عمامة، ما يحسب في الثلاثة الأثواب ﷺ.
قال: "كُفِّنَ رسول الله ﷺ في حلة حمراء ليس فيها قميص وجعل في لحده قطيفة كانت له" ﷺ. "وكان ﷺ يرخص في الكفن المصبوغ قبل نسجه كثياب الحبرة ونحوها ولكن البياض كان أحب إليه"، فالسُّنة أن يكون كفن الميت أبيض، لونه أبيض.
إذًا:
علمنا عند الشافعية والحنابلة: أنه يُكفن الرجل في ثلاث لفائف بيض، لا يحسب منها القميص ولا العمامة. فإن كان ممن يستعمل القميص في الدنيا، فينبغي أن يجعل له قميص تحت اللفائف الثلاثة. وإن كان ممن يستعمل العمامة، فينبغي أن يجعل له عمامة.
وعلمنا من مذهب المالكية: أن كفن الرجل بخمسة أثواب؛ قميص وعمامة وإزار ولفافتان -هذا عند المالكية-.
الحنفية عندهم: تُكره العمامة في الأصح، كان يستحسنها المتأخرون من الحنفية لمن كان يستعمل العمامة في حياته.
وجاء عن ابن عمر أنه كان يعمم الميت من أهله، ويجعل العذبة على وجهه؛ وأما جعلهم للقطيفة في قبره ﷺ فهذا للتكرمة له -عليه الصلاة والسلام-، ولا يُقاس به غيره؛ ولهذا نص الإمام الشافعي -رحمة الله تعالى- وأصحابه: إلى كراهة وضع قطيفة أو مضربة أو مخدة في القبر، مكروه ما يحتاج الميت لهذا، وإنما فعل ذلك أصحابه مع رسول الله وحده تعظيمًا له من قِبَلهم -صلوات الله وسلامه عليه-.
فإذًا: هو عند الجمهور مكروه أن يفرش للميت فرش في قبره، أو يوضع له مخدة، إلا ما كان من التواضع والتذلل استعطافًا للرحمن، واسترحامًا واستمطارًا لرحمته، لبنة من الطين توضع تحت خده تواضعًا وتذللًا؛ فهذا الذي يليق بالناس في مقابلتهم ورجوعهم إلى ربهم -جل جلاله وتعالى في علاه-. وهو بعد ذلك إذا رضي عن عبده يكرم روحه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وأمَّا هو لا يُقبل عليه إلا متذلل منكسر مسترحمًا له -سبحانه وتعالى-؛ وهذا فَعَلَهُ سيدنا شقران، سيدنا شقران شل -أزال- القطيفة وكره أن يلبسها ويفتشها أحد بعده ﷺ فحطها في قبره، فكان منه اجتهاده، وسنة من التعظيم للنبي ﷺ، فلم تطب نفس شقران أن يستبدلها أحد بعد النبي ﷺ، ويستعملها وحتى يجلس عليها أو يلبسها، قال: خلاص خلها معه وحطها له في القبر ﷺ.
فإذًا:
-
يكره أن يوضع تحت الميت في قبره مضربة أو مخدة أو حصير أو أي شيء من الفرش؛ وبعد ذلك يقول بعض الحنفية: الكراهة تحريمية.
-
كذلك كما تقدم معنا لون البياض هو المستحب، "البَسوا من ثيابكم البياضَ، فإنها من خيرِ ثيابِكم، وكفِّنوا فيها موتاكم" يقول ﷺ.
-
وعلمنا ما تقدم من الشرط أن يكون الكفن غليظًا لا يصف لون البشرة.
-
وأنه تكره المغالاة في الأكفان.
-
كما يكره أن يكفن بمزعفر، أي: مصبوغ بالزعفران أو معصفر أي: مصبوغ بالعصفر، أو بشيء من الشعر.
-
ولا يجوز التكفين في الجلود، وتقدم معنا أمر النبي ﷺ بنزع الجلود عن شهداء أحد.
"وكان ﷺ يقرُّ أصحابه على الاستعداد للكفن خوفًا أن يأتيهم الموت بغتة"، أن يعدوا الكفن فما أنكر عليهم ولا كره منهم أن يعدوا الأكفان ليتذكروا الموت، وإن باغته الموت منهم فكفنه موجود؛ لا إله إلا الله.
"وكسا ﷺ رجلًا بردة فقال: يا رسول الله إنما أخذتها لأكفن فيها إذا مت؛ قال أنس -رضي الله عنه- فكفن فيها حين مات".
"وكان ﷺ يقف على غسل أزواجه وبناته ومعه الأثواب يناولهن ثوبًا ثوبًا من وراء الباب، وكان ﷺ يناولهن أولًا الحقوا -الإزار حقه- في الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم يدرجنها بعد ذلك في الثوب الآخر، وكان ﷺ يأمر بشد الفخذين والوركين بخرقة تحت الدرع، وكان ﷺ يأمر بتطييب بدن الميت وكفنه ما لم يكن الميت محرمًا فإنه كان يقول في المحرم: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبه ولا تحنطوه بطيب -لأن الطيب ممنوع على المحرم وهذا لا يزال محرم- ولا تخمروا -أي لاتغطوا- رأسه فإنه يبعث يوم القيامة محرمًا" -وفي لفظ: ملبيًا- ، وإن كان المحرم امرأة قال: "ولا تغطوا وجهها فإنها تبعث محرم -أي: ملبية-، قال: "يُبعَثُ المرءُ على ما مات عليه".
"ولما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم -فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي- علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه و-رضي الله عنهما-، دخل عليها رسول الله فجلس عند رأسها، وقال: رحمك الله بأبي وأمي"
تفدَّاها ﷺ، هذه الثالثة تفدَّى سعد بن أبي وقاص، وسيدتنا فاطمة بنته، وفاطمة بنت أسد جمعًا لهم في التفدي بين الأب والأم، ولم يكن ذلك لأحد آخر. "رحمك الله بأبي وأمي كنت تجوعين وتشبعيني وتعرين وتكسيني -فكانت تساعد أمه في تربيته عليه الصلاة والسلام- وتمنعين نفسك أطيب الطعام وتطعميني تريدين بذلك وجه الله ثم أمر أن تغسل". هذه فاطمة بنت أسد، حتى يقول بعض علماء الحديث والسنة: أنها الوحيدة التي لم تتعرض لضغطة القبر؛ لِمَا عمل معها ﷺ في قبرها؛ فاطمة بنت أسد -عليها رضوان الله تبارك وتعالى-.
قال: "أمر أن تغسل بالماء ثلاثًا فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله ﷺ بيده ثم خلع رسول الله ﷺ قميصه وألبسها إياه وكفنها فوقه، ثم دعا رسول الله ﷺ أسامة بن زيد وأبو أيوب الأنصاري وغلامًا أسود وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- يحفرون قبرها فلما بلغوا اللحد -خرج بنفسه للحفرة- حفره رسول الله ﷺ وأخرج ترابه بيده، ثم لما فرغ -من تهيئة قبرها لهذا لم تتعرض للضغط- اضطجع -ﷺ- فيه" فلهذا ما عاد تعرضت لضغطة القبر لاضطجاعه فيه-. وما ورد عن اضطجاعه في قبر أحد إلا فاطمة بنت أسد، "اضطجع فيه ثم قال: "الحمد لله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت، اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي، ثم صلى عليها وأدخلها اللحد هو والعباس وأبو بكر رضي الله عنهم أجمعين".
فتوسل إلى الله بذاته الشريفة وبالأنبياء الذين قد مضوا -صلوات الله وسلامه عليهم-، وهذا باب من أبواب التوسل الذي ورد في السنة المطهرة.
وجاء في رواية الطبراني في الأوسط وغيره؛ قال في دعائه لربه: "اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد"؛ وكان يقول عليها في حياتها: "فاطمة بنت أسد أمي بعد أمي"؛ كما قال أيضًا لسيدتنا أم أيمن -بركة الحبشية-: أنها أمي بعد أمي؛ فكُنَّ من النساء التي أكرمهن الله خدمة الجناب الشريف، فأسعدهن الله بذلك.
قال: "اللهم اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي يا أرحم الراحمين".
فلما وُضِعَت في القبر استحيت الأرض أن تضمها وأن تضغط عليها من فوق بعد اضطجاعه ﷺ ودعائه بهذا الدعاء، فلم يكن لها ضغطة قبر -عليها رضوان الله-.
"ثم صلى عليها وأدخلها اللحد -بيده الكريمة- هو والعباس وأبو بكر رضي الله عنهم أجمعين"، والله سبحانه وتعالى أعلم".
فهكذا كانت الخصوصية في دخوله ﷺ قبر بعض أصحابه الكرام؛ ومنهم سيدنا ذو البجادين -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- في رجوعهم من الغزوة، أدركه الموت فتوفي، وقام النبي حفر قبره، وكان ممن تولى حفر قبر سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر -كبار الصحابة- ثم صلى عليه ﷺ، ودخل في قبره وقال: "ناولوني إياه"، فناولوه إياه، فألحده بيديه وقال: "اللهم ارضَ عنه فإني أمسيتُ عنه راضٍ"؛ الله أكبر!.
"بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي".
والأنبياء لهم خصوصية، وهم مع الشهداء أحياء، وحياة الأنبياء أكبر وأعظم من حياة الشهداء من غير الأنبياء /صلوات الله وسلامه عليهم-.
ثم لا فرق عند التوجه إلى الله تعالى بأحد من محبوبيه، سواء كان في قيد الحياة الدنيا أو فارقها، فإن المكانة عند الله هي المكانة لهم أحياء وأمواتًا، (وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلْأَبْرَارِ) [آل عمران:198].
وقال ﷺ كما صح في سنن الترمذي للأعمى الذي عمي فدخل عليه يسأله الدعاء، ولكن النبي علمه التوسل يدعوه متوسلًا به، فقال: يا رسول الله عميت، ادعو الله يرد علي بصري؛ قال: "إن شئت صبرت، ولك الجنة، وإن شئت دعوت لك". قال: الجنة جزاء جميل، ولكن ادعُ الله يهب لي الجنة ويرد علي بصري. قال: "اذهب وتوضأ وصل ركعتين، ثم قل: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد -هذا الذي صلح عليه الضجة المبتدعون، وقالوا لا تقول يا فلان يا فلان، هذاك شرك، وهذا تعليمه ﷺ يا محمد إني أتوجه بك إلى الله، -إني أتوجه بك إلى الله" يا محمد وفي لفظ: "يا محمد يا أحمد يا أبا القاسم، إني أتوجه بك إلى الله في حاجتي هذه تُقضى، اللهم فشفعه فيَّ". يقول راوي الحديث سيدنا عثمان بن حنيف: "والله ما طال بنا المجلس ولا تفرقنا حتى دخل الرجل وهو يبصر"، عملية ناجحة سريعة من دون تدخل شيء من الأجهزة! راح توضأ وصلى ركعتين ودعا، وجاء إلا وقده مفتح خلاص، رجع بصره إليه؛ فقال ﷺ: "فإذا كان لك حاجة فافعل مثل ذلك"، أي حاجة تريد صلح مثلها، صلِّ ركعتين وقل: "اللَّهمَّ إنِّي أسْألُك وأتَوجَّهُ إليك بنَبيِّك محمَّدٍ صلّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَبيِّ الرَّحمةِ، يا محمَّدُ، إنِّي أتَوجَّهُ بكَ إلى الله".
حتى جاء صح عن عثمان بن حنيف هذا راوي الحديث، أنه جاءه بعض أصحابه في أيام سيدنا عثمان، في خلافة سيدنا عثمان وشكى إليه أنه يريد يقابل سيدنا عثمان، وما وجد له فرصة، وأنه يريد يكلم له عثمان؛ لأنه له صلة به من أجل يفسح له المجال وينظر في حاجته، قال: مرحبا ولكن أنت توضأ وصلِّ ركعتين وقل: "اللَّهمَّ إنِّي أسْألُك وأتَوجَّهُ إليك بنَبيِّك محمَّدٍ.." علَّمه الدعاء النبوي، "..يا محمَّدُ، إنِّي أتَوجَّهُ بكَ إلى الله، فيَقْضي حاجَتي هذه" تقضى"؛ ولا فرق عند الصحابة بين أنه كان في الحياة الدنيا القصيرة المحدودة، وفي حياته الأوسع في البرزخ ﷺ، فدعا؛ صبَّح الصباح عند سيدنا عثمان ما حصل أحد قدامه، قال له تفضل ادخل، وأهلًا ومرحبًا، اجلسه معه على طول في صحبه الذين يجلس معهم، حقه قال له: اجلس ما حاجتك؟، قال له: كذا وكذا؛ قضى حاجته، وقال: أي إن لك حاجة تفضل إلى عندنا؛ خرج لقي عثمان بن حنيف هذا، قال: جزاك الله خير كلمتْ فيه أمير المؤمنين فقدمني إليه؛ قال: والله ما رأيت أمير المؤمنين منذ فارقته كم ساعة، ما قدمتك ولا كلمته؛ أنت صليت وقرأت الدعاء؟ قال: نعم؛ قال: هو هذا السبب، ما هو أنا؛ ما شفت أمير المؤمنين من أمس لما كلمتنا إلى الآن، عادني ما شفته ولا كلمته في أحد، ولكن بركة هذا الدعاء؛ لا إله إلا الله! لا إله إلا الله.
وهكذا جاء في رواية الطبراني عن عبادة ابن الصامت: " أنه كان في زمنِ النبيِّ ﷺ منافقٌ يؤذي المؤمنين فقال بعضُهم: قوموا بنا نستغيثُ برسولِ اللهِ ﷺ من هذا المنافقِ"؛ فجاء إلى عند النبي ﷺ يكلمه ويخبره في شأن هذا؛ ثم جاءنا في صحيح البخاري أيضًا في حديث الشفاعة في القيامة، جاء فيه لفظ في البخاري بلفظ استغاثوا، إذا كرِبَ الناس في الموقف "استغاثوا بآدم" استغاثوا.. فسمَّى التوسل وطلب الغيث استغاثة، إن الاستغاثة: طلب الغوث، والتوسل للغوث، يعني طلب غوث، ويعتذر آدم، ويحولهم إلى نوح، ويعتذر نوح ويحولهم إلى إبراهيم، ويعتذر إبراهيم ويحولهم إلى موسى، ويعتذر موسى ويحولهم إلى عيسى، ويعتذر عيسى ويحولهم إلى سيد الوجود ﷺ، ويقول نبينا: "أنا لها أنا لها".
صلوات ربي وسلامه عليه، ويجعلنا في قربه، وأصلح شؤون أمته في المشارق والمغارب، ودَفع عنهم المصائب والنوائب، وتولانا والأمة في جميع الشؤون في الظهور وفي البطون، ووقانا شر النفوس وسيئات الأعمال وشر الإنس والجن والخلائق أجميعين، وجعلنا في الهداة المهتدين، وحمانا وحمى إسلامنا وديننا وأدبنا ومنهجنا في السير إليه، وأعاذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وبلغنا فوق آمالنا، وأصلح جميع أحوالنا وأحوال المسلمين في المشارق والمغارب بخير ولطف وعافية.
بسرِّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
04 شَعبان 1446