للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني:  باب آداب النوم والانتباه

 

 الثلاثاء: 2 ذو الحجة 1444هـ

يتضمن الدرس نقاط مهمة، منها:

  •  ماذا جعل الله في النوم؟ 
  •  الحكمة من طي الثياب قبل النوم
  •  النوم على وضوء
  •  استجابة الدعاء لمن ينام ذاكرا طاهرا
  •  وضوء الجُنب لأجل النوم أو الأكل
  •  أصدق الرؤيا في الأسحار
  •  لمن تكون أصدق الرؤيا؟
  •  هل يترتب حُكم من رؤيا؟
  •  بيان معنى: ملائكة النهار أرأف من ملائكة الليل؟
  •  العامل بالآداب كأن نومه يقظة

نص الدرس مكتوب:

"باب آداب النوم والانتباه"

"كان رسول الله ﷺ يقول: "اطووا ثيابكم ترجع إليها أرواحها" -يعني عند النوم-، وكان ﷺ يقول: "لا ينام أحدكم إلا على طهارة"، وكان ﷺ يقول: "وضوء النوم أن تمسّ الماء ثم تمسح بتلك المسّة وجهك ويديك ورجليك كمسحة التيمم".

وكان ﷺ يقول: "أصدق الرؤيا بالأسحار"، وكان ﷺ يقول : "ملائكة النهار أرأف من ملائكة الليل"، وكان ﷺ: "إذا جاء الشتاء لا يدخل البيت إلا ليلة الجمعة، وإذا جاء الصيف لا يخرج إلا ليلة الجمعة".

وكان ﷺ إذا أتى فراشه ينفضه بداخل إزاره ويقول: "إن العبد لا يدري ما خلفه عليه"."

اللهم صلِّ أفضل صلواتك على أسعد مخلوقاتك سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم، عدد معلوماتك ومداد كلماتك، كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون (3 مرات).

 

الحمد لله مُكرمنا بشريعته ودينه الحاوي لجميع شؤونِ وأحوال العبد في ظهوره وبطونه، ومبيّن ذلك على يد ولسان حبيبه وأمينه سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه الذين أمطرت عليهم صيّبات مزونه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

 وبعدُ: فيذكر الإمام الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الباب بعض ما وردَ في آداب النوم والانتباه، وقد جعل الله لنا النوم سباتًا، وجعل من آياته منامنا في الليل والنهار وابتغاؤنا من فضله، وجعله مظهرًا من مظاهر تذكيرنا بعجزنا وضعفنا، وتذكيرنا بعظمة إلهنا الذي خلقنا -جلّ جلاله- وخلق النوم واليقظة، وجعل للأرواح عند المنام خِفّةً في ارتباطها بكثافة الأجسام، وقال: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى..) [الزمر:42]. وجعل النوم والانتباه من أقوى أدلّة وعلَامات الموت والحياة؛ الموت والبعث بعد الموت، وعلّمنا نبيه إذا استيقظنا نقول: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور".

فذكر لنا ما أرشد إليه ﷺ مما يتفقّده الإنسان قبل منامه ويقوم به، ومن ذلك ما أورد من حديث: "اطووا ثيابكم ترجع إليها أرواحها" يعني: عند النوم، إذا نمتم فإن الشياطين يلبسون أو يستعملون أو يتسلّطون على الثياب المنفوشة والمرسلة، ولا يتمكّنون من التسلّط على ما طُويَ من الثياب خصوصًا إذا سُمّي الله عليها عند طيّها، فعلّمنا أن لا ندع ثيابنا مطروحةً على الأرض ولا منفوشةً ولا معلّقةً عند المنام بل نطويها ونعطفها عطفاتٍ، فتكون مطوية بعيدة عن تسلّط الشياطين، وعبّر عن بقاء حيوية الثوب وقوّته أو بقاء ما يُستعمل به أكثر إذا كان يُطوى ثم يُنشر، وأنه إذا دام على نفشه وتعليقه بلا طيّ أنه يبلى سريعًا، ويُسرع إليه البلى والفساد أو حصول ما يغيّره عن الصلاحية للباس، يقول: "اطووا ثيابكم ترجع إليها أرواحها،"  فإن الشيطان إذا وجد ثوبًا مطويًا لم يلبسه، وإذا وجده منشورًا لبسه  فأرشد إلى طيّ الثياب قبل النوم.

 وأرشد إلى الطهارة؛ النائم على الطهارة يكون استعداد روحه للذكر في النوم والحضور مع الله تعالى أكثر وأقوى من الذي ينام على غير طهارة، كما يُكره النوم مع الجنابة، وتندفع الكراهة بالوضوء؛ بأن يتوضأ وضوءه للصلاة، فتنتفِي كراهة النوم بعد ذلك إذا أخّر الغسل من الجنابة، فينبغي أن لا ينام بل ولا يأكل ولا يشرب إذا أجنب حتى يستنجي ويتوضأ، فإذا توضأ انتفت كراهة النوم والأكل والشرب. ويُروى كذلك أنه ينوب عن الوضوء التيمّم، لمن كان يتيمّم أو صَعُب أو ثقُل عليه القيام للوضوء، فلا أقل من أن يتيمّم لتـنـتـفِي كراهة المنام أو الأكل أو الشرب، كحال المرأة إذا قد انقطع حيضها أو نفاسها، فبعد انقطاعه يُكره لها أن تنام أو تأكل أو تشرب حتى تغتسل أو تتوضأ. هكذا جاء عنه ﷺ فيما رواه أبو داود وغيره يقول: "ما من مسلمٍ يبيت على ذكرٍ طاهرًا فيتعارّ من الليل فيسأل الله خيرًا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه" أي: يستيقظ أثناء الليل وقد نام على ذكرٍ وطهارة، "ما من مسلم يبيت على ذكرٍ طاهرًا.." أي: من الحدث، وعلى ذكرٍ للّه طاهرًا من الغفلة؛ فيبيت على طهارة القلب والجسد، فيتعرّض لأن يُوقظ في شيءٍ من ساعات الليل ثمّ لا يسأل الله عند استيقاظه شيئًا إذا ذكر الله لا يسأل شيئًا من أمر الدنيا والآخرة إلا استجاب له وأعطاه جلّ جلاله.

"وكان ﷺ يقول: "وضوء النوم أن تمسّ الماء ثم تمسح بتلك المسّة وجهك ويديك ورجليك كمسحة التيمّم"." مسحة، ولكن عنده أتى بلفظ: المسّة، والمعتمد أن الوضوء لأجل النوم بالنسبة للجنب كمثل وضوء الصلاة، وهذا الحديث يقول الهيثمي: فيه العلاء بن كثير الليثي؛ مضعّف في روايته، فالمعتمد أن الوضوء للنوم كالوضوء للصلاة، كيف الوضوء للنوم؟ يعني إذا كان جنبًا، ثمّ إنه إذا توضأ وهو جنب لنفي كراهة النوم والطعام والشراب؛ فإنّ هذا الوضوء يستمر مفعوله ولو طرأ عليه حدث أصغر لم تعد الكراهة إليه في النوم أو في الطعام والشراب؛ لأن هذا الوضوء لا يرفع الحدث كليًا وإنما يرفع الحدث الأصغر وهو عليه حدث أكبر، فإذا تمّ ارتفعت الكراهة، فلو أحدثَ بعد ذلك حدثًا أصغر لم يضرّ ولم يُكره أن ينام أو يأكل أو أن يشرب لأنه قد استنجى وتوضأ؛ قد امتثل الأمر، ولهذا قالوا لغزٌ يقول: لنا وضوءٌ لا يُبطل مفعوله وحكمته إلا الحدث الأكبر، وهو وضوء؟ كيف وضوء ما يبطله إلا الحدث الأكبر! أي: وضوء الجنب من أجل الطعام والشراب أو النوم؛ هذا وضوء ما يبطل مفعوله في نفي الكراهة ولو أحدَث مهما أحدث مرة أخرى فلا تعود الكراهة للنوم وسائره لأنه قد توضأ، ولكن لو أجنَب مرة أخرى نعم عادت الكراهة.

يقول: "وكان ﷺ يقول: "أصدق الرؤيا بالأسحار" "  يعني: الواقعة في المنام، "أصدق الرؤيا.." الواقعة في المنام "ما رآه في الأسحار؛ لفضل الوقت بانتشار الرحمة فيه، وراحة القلب والبدن بالنوم وخروجها عن تعب الخواطر وتواتر الشغب والتصرفات ي..بالأسحار."  كون قد هدأ؛ هدأت روحه وسكنت، ولهذا كان أيضًا عندما يسيقظ يكون أصفى ذهنًا ويكون أوسع للإستيعاب والإدراك، ولهذا كان يحبون أن يجعلوا من حفظهم ما يكون بعد الاستيقاظ كما يحبّون أن يكرّروا ما حفظوا قبل النوم، لتقرأه الروح وهو في النوم إذا نام عليه، ثم إذا قام يتذكر ويقرأ ما حفظه من القرآن أو غيره فيكون أثبت في القلب، ومتى كان القلب أفرغ؛ كان الوعي لما يُلقى إليه أكثر. فمن أصدق المرائي ما تكون من الرؤيا في الليل، أصدق غالبًا من رؤيا النهار، والرؤيا آخر الليل وقت السحر أصدق من رؤيا أوّل الليل. ثم ذلك أيضًا يختلف باختلاف الأشخاص؛ فمن كان أصدق في الحديث وأصفى في الخواطر وحديث النفس، كانت رؤيته أصدق، سواءً ليل أو نهار، أو أول الليل أو آخره. وإذا كان يتناول الكذب منهم أو الخيالات الفاسدة الباطلة فتكون رؤياه بعيدة عن الصحة ولو آخر الليل، ويكون أبعد عن أن تصحّ وإن كانت أقرب منها في غيره من الأوقات. وهكذا شؤون الرؤيا التي جُعلت مبشّرات بعد النبوّة، إذا كانت رؤيا حَسَنة لِلمؤمن، وفيه جاء الحديث: "ذهبت النبوّة وبقيت المبشرات؛ الرؤيا الحسنة يراها الرجل أو تُرى له". ويقول عن الرؤيا الصالحة من الرجل المؤمن أنّها جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوّة. والرؤيا  إذا كان فيها خير أو علامة إحسان وفضل وامتنان وصدرت من المؤمن فهي ممّا قالوا عنه: يسرُّ ولا يَغُر؛ بشارة يبشّر الله بها القلب للسرور لا للغرور، وقد أجمعوا أنه لا يترتّب على الرؤيا حُكمٌ؛ يعني: تغيير حكم من أحكام الشريعة، ما يمكن بالرؤيا يتحوّل حلال حرام ولا حرام حلال، ولا واجب ولا مسنون ولا مسنون واجب، ولا مكروه مباح ولا مباح مكروه، ما يتغيّر شيء برؤيا  أحد لأن هذه أسسها بُيّنت على يد صاحب الرسالة المبلّغ ﷺ، وإنما يكون فيها استئناسٌ وتفهيمٌ وتنبيهٌ على أمرٍ يقع أو على واجبٍ يقوم به الإنسان إلى غير ذلك.

فالرؤيَا مهما كانت صالحة، كمثل المكاشفات لأهل صفاء السرائر لا يُقبل منها شيء إلا ما شَهِدَ له عدلان شاهدان وهما: الكتاب والسنة؛ ما وافق كتاب الله وسنة رسوله قُبِل، وما خالف فلا شأن به لا مكاشفة ولا رؤيا لأحد تغيّر حكمًا من أحكام الله ولا تنقض شيئًا من شرع الله جلّ جلاله وتعالى في علاه، ولا يُباح بها محرّم ولا يُحرّم بها مباح. فما كان بعد ذلك من رؤيا الصدق يكون فيها التنبيه وفيها التذكير وتُعتمد بالميزان النبوي والميزان القرآني، قال سيدنا يوسف: (..يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [يوسف:4-5] وكان ما كان حتى مرّت السنين بعد ما رموه أخوانه في غيابة الجبّ في البئر، ونجّاه الله تبارك وتعالى وتحوّل إلى عزيز مصر وجاءوا إليه، ثمّ جاءوا إليه، ثمّ جاء إليه أبوه وهم كلهم كانوا أحد عشر أخ وأبوه وأمه، وخرّوا له سُجّداً قال: (يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ..) [يوسف:100] الرؤيا القديمة التي رأيتها هذا تأويلها، رأيتهم لي ساجدين أحد عشر كوكب: أخوانه، الشمس والقمر: أبوه وأمه (..رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) وهكذا، وفيه أن الرؤيا الصالحة إذا صدرت من الصادق يثبُت لها معنى وتأويل ولو بعد حين، يأتي بعد سنين طويلة يظهر أثرها.. لا إله إلا الله!

ولهذا كانت الرؤيا بالنسبة للأنبياء وحي، وحيٌ يُوحى لعظمة صدقهم ولعصمتهم، فرؤياهم وحيٌ من الله، قال تعالى عن سيدنا إبراهيم: (..قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ..) ونفّذ الأمر الذي جاء له في المنام (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات:102-107]  (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ..) [البقرة:124] هذا من أعظمها؛ قال له اذبح الولد هذا الذي جاءك وأنت كبير وتحبه وتميل إليه اذبحه! دع قلبك يصفو لنا، لا تتعلّق بغيرنا.. واستعدَّ لذبح الولد عليه صلوات الله مع نبيّنا وتسليماته وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

وعلمنا أيضًا أن يوسف أقام ترتيب التغذية والتصرّف فيها على الرؤيا التي رآها الملك (..إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ..) [يوسف:43] وأوّلها سيدنا يوسف وقال: (قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) [يوسف:46-49]، وفي التأويل زاد: يأتي عام.. ليس فيه إشارة في الرؤيا أنه يأتي عام يُغاث فيه الناس، إلا ما كان من سنّة الله أن يعقب العسر يُسر،  وأن يعقب الشدّة رخاء من سنة الله، فأخبرهم بذلك يوسف، ومن سرّ ما آتاه الله تعالى من الفراسة ونور البصيرة كما قال لصاحبي السجن: (..لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي..) [يوسف:37] جلّ جلاله.

"أصدق الرؤيا بالأسحار" فلا يُهمل ويُستهان بما فيه دلالةٌ على خير أو إبعادٌ عن شر أو تنبيهٌ على أمرٍ يتوافق مع الكتاب والسنة ومسلك الصالحين، ولا يُقبل شيء كائنًا ما كان تخالَف مع سنةٍ شريفة ومع الكتاب العزيز ومسلك الصالحين، فلا اعتبار له ولا قبول، بل لو كان صاحبه صالحًا لكان الالتباس عليه هو الذي قام في الأمر، ويكون لم يتبيّن له الأمر وظنّ الأمر على غير وجهه أو التبس عليه قولٌ بقولٍ أو تبديل كلامٍ بكلام، ولا قبول إلا لما وافق الكتاب والسنة ومسلك الصالحين والأخيار. 

وكان ﷺ يقول: "ملائكة النهار أرأف من ملائكة الليل" يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار، وإنما كان أولئك -ملائكة النهار- أرأف لأنه وقت سعي الإنسان وكسبه وهو مستيقظ، إذا نام لم يُكتب عليه شيء، إذا نام ارتفع القلم عنه لا يُكتب عليه شيء فهو محتاج للرأفة وقت كتابة القلم عليه، هو محتاج إلى أن يُرأف به، ولهذا كان ملائكة النهار أرأف.

وكان ﷺ: "إذا جاء الشتاء لا يدخل البيت.." يعني: بيت الاعتكاف "..إلا ليلة الجمعة، وإذا جاء الصيف لا يخرج إلا ليلة الجمعة." قال معنى أرأف: أشد رحمة من ملائكة الليل، ومن هنا استحبّ من استحبّ دفن الموتى بالنهار وأن لا يُدفنوا بالليل كما جاء في رواية الديلمي: "فادفِنوا موتاكم بالنهار ولا تدفنوهُم بالليل". وجاء في روايته من حديث ابن عباس: "بادروا بموتاكم ملائكة النهار فإنهم أرأف من ملائكة الليل" يعني: إذا مات أحدهم في النهار فينبغي أن يُعجّل به قبل الليل؛ يُدفن قبل الليل، وإن كان عامة الفقهاء على عدم الكراهة؛ كراهة الدفن ليلًا، ولكن الدفن بالنهار أولى، كما كان من شأنه ﷺ أنه توفي نهارًا ودُفِنَ نهارًا ﷺ. وحديث الطبراني هذا: إذا خرج في الصيف ليلة الجمعة وإذا دخل الشتاء دخل ليلة الجمعة، فيه مقال من حيث السند، والمراد دخوله إلى بيت الاعتكاف أو المراد بالبيت الكعبة. 

"وكان ﷺ إذا أتى فراشه ينفضه" فكانت سُنّة نفض فراشه.. إلى آخر ما يأتي معنا من السنن والآداب، وذلك لتكون قلوبنا على الاستيقاظ الدائم؛ فإنّ العامل بالآداب كأنّ نومه يقظة، وإنّ المضيّع للآداب وهو في اليقظة فَيقظته كالنوم، وهو نائم، وشر النوم نوم القلب؛ الذي هو الغفلة، والذي مهما استيقظ صاحبه فهو نائم

 يُخبّرني البوّاب أنّك نائمٌ *** وأنت إذا استيقظت أيضًا فنائمُ

 قال مشكلتك حتى وإن قمت من النوم الحسّي قلبك نائم؛ لا أنت منتبه ولا مستحضر عظمة الخطاب ولا معك آداب، أنت نائم إن اضطجعت وإن قمت فأنت نائم على طول! …وأنت إذا استيقظت أيضًا فنائمُ… وهكذا كم يؤثر النوم القلبي على الناس!

رَزَقَنا الله يقظة القلب والانتباه وحُسن التوجّه إليه تعالى في علاه، وحُسن مُتابعة النبي واقتفاه في ظاهر الأمر وخفاه حتى تدوم لنا يقظة قلوبنا، وننال حُسن الوعي لما أنزله ربّنا على حبيبنا ﷺ وكشف به عنّا الشدائد والآفات وأصلح لنا به الظواهر والخفيّات. 

بِسِرّ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد ﷺ.الفاتحة.

تاريخ النشر الهجري

03 ذو الحِجّة 1444

تاريخ النشر الميلادي

20 يونيو 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام