كشف الغمة 263- كتاب الجنائز ( 1) ما ورد في زيارة المريض

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 263- كتاب الجنائز ( 1) ما ورد في زيارة المريض

صباح السبت 18 رجب 1446

يتضمن الدرس نقاط مهمة منها : 

  • تعرض الإنسان للموت من الولادة إلى الوفاة 
  • دوام حياة الآخرة والحياة الطيبة في الدنيا
  •  زيارة المريض وحكمها 
  • متى لا تسن زيارة المريض؟ 
  •  عظيم فضل زيارة المريض 
  • دعاء 70 ألف ملك لزائر المريض 
  • حق المسلم على المسلم خمسة 
  • آداب زيارة المريض
  •  زيارة النبي ليهودي وإسلامه 
  • زيارة المريض بدون مشقة والدعاء له 
  • استحباب زيارة المريض أول النهار أو أول الليل 
  • النهي عن الأكل والشرب عند المريض
  •  تنبيه المريض عن أداء الصلاة في وقتها 
  • تفقد الصحابة من غاب منهم 
  • من يضيع عمره النفيس 
  •  أشد الناس بلاء الأنبياء
  •  يبتلى المرء على قدر دينه
  •  أنين المريض المحمود والمذموم 
  • ماذا يفعل من يزور المريض؟
  •  دعاء النبي ﷺ للمريض
  •  إحضار طعام يشتهيه المريض
  •  التحاق الأنين بالدعاء

نص الدرس المكتوب :

"قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "لمثل ابن آدم وإلى جنبه تسعة وتسعون منية فإن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت"، وكان ﷺ يحث على عيادة المرضى ويقول ﷺ: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في مخرفة الجنة حتى يرجع فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح".

وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا عاد أحدكم مريضًا فلا يأكل عنده شيئًا فمن أكل عند مريض شيئًا فهو حظه من عيادته"، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: عاد رسول الله ﷺ وأبو بكر -رضي الله عنه- جابرًا فرآه لا يعقل شيئًا فدعا رسول الله ﷺ بماء فتوضأ ثم رش منه على جابر فأفاق، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: للمريض إذا دخل يعوده: "تطهر وصل ما استطعت ولو أن تومئ"، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كنا إذا فقدنا الأخ أتيناه فإن كان مريضًا كانت عيادة وإن كان مشغولًا كانت عونًا وإن كان غير ذلك كانت زيارة.

وقال جابر لقيت رسول الله ﷺ فقلت: كيف أصبحت يا رسول الله؟ قال: بخير من رجل لم يصبح صائمًا ولم يعد سقيمًا. وكانت فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة -رضي الله عنها- تقول: أتينا رسول الله ﷺ في نساء نعوده فقد حُمَّ فأمر بسقاء فعلق على شجرة ثم اضطجع تحته فجعل يقطر على فؤاده من شدة من شدة ما يجد من الحمى فقلت: يا رسول الله لو دعوت الله تعالى أن يكشف عنك؟ فقال: "إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وكان ﷺ يقول: "دعوا المريض يئن فإن الأنين من أسماء الله تعالى"، ولذلك يستريح إليه العليل، وكان ﷺ يقول: "إن الصبر يأتي من الله -عز وجل- على قدر البلاء"، وكان ﷺ يقول: "من أصيب بمصيبة في ماله أو جسده وكتمها ولم يشكها إلى الناس كان حقًا على الله -تعالى- أن يغفر له"، وسيأتي مزيد أحاديث فيما جاء في الصبر على البلاء في كتاب الطب إن شاء الله تعالى. "

 اللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ،  كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن 

 

الحمد لله مُكْرِمِنا بشريعته، ومُبَيِّنِها على لسان عبده وحبيبه وصفوته خير بريته، سيدنا محمد بن عبد الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة. صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته ومن والاه، وعلى آبائه وإخوانه من رسل الله والأنبياء، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وملائكتك المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.

وبعد فيذكر الإمام الشعراني -عليه رحمة الله تعالى- ما يتعلق بشؤون الجنائز مما ورد، فذكر ما يتعرض له ابن آدم من حين خروجه من بطن أمه إلى ساعة الوفاة، ويقول: "مُثِّلَ ابن آدم" في رواية، وفي رواية: "مَثَلُ ابن آدم وإلى جنبه تسعة وتسعون مَنِيَّة"، أي: يتعرض للموت في كل أحواله ولحظاته؛ في نومه؛ في يقظته، في مشيه؛ في إقامته؛ في سفره؛ حيثما كان متعرض للمنية، متعرض لانتهاء الأجل.

"فإن أخطأته المنايا" وجاوز الستين والسبعين "وقع في الهرم حتى يموت"، أي: لابد أن تأتيه، فإذا تأخرت فبعده هرمه، ﴿وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾ وفي رواية (نَنكُسْهُ فِي الْخَلْقِ﴾[يس: 68]، ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ﴾ [الروم: 54]، لا إله إلا هو جل جلاله، ويقول العوام عندنا في مثلهم: "إن خلاك الموت ما خلاك الكِبر"، والهرم فلا تقدر أن تدفعهُ عنك بشيء، ويحاول يقول كذا وكذا، لابد أن يقر ويعترف، وهكذا شأن الحياة، شأن هذه الحياة الدنيا؛ إنما حياة الآخرة هي التي يدوم شأنها ونعيمها وشبابها، يقول: "وإنَّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا ، وإنَّ لكم أن تشِبُّوا فلا تهرَموا أبدًا ، وأنَّ لكم أن تنعَموا فلا تبْأسوا أبدًا" فهذه الحياة الطيبة الكريمة العظيمة. 

وأما الحياة الطيبة في الحياة الدنيا فهي الحياة التي يصاحبها وينازلها السكينة والطمأنينة والرضا بقضاء الله، والقيام بأمره فهذه الحياة الطيبة في الحياة الدنيا ينازل صاحبها من الأنس بالله تعالى وبقربه وذكره، ومن اللذة بمناجاته النصيب الوافي، ولا يتعرض بشيء من نياته وأفعاله وأقواله إلى خزي ولا إلى فضيحة ولا إلى عقاب في الآخرة، هذه الحياة الطيبة في عالم الدنيا، فتأتي الحياة الأطيب في الدار الآخرة، (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: 64]، الحياة العظيمة الحقيقية، ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾، فالحياة هناك، ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185]، كما قال جل جلاله.

قال: "فإن أخطأته المنايا وقع في الهرم حتى يموت"، لا إله إلا الله، بارك الله في أعمارنا، وساعات أعمارنا، وأيام أعمارنا، وليالي أعمارنا، وأسابيع أعمارنا، وأشهر أعمارنا، ويجعل خير ساعة ساعة يلقاهُ كل واحد منا، ويجعلها أعظم ساعة وأشرف ساعة له، ساعة لقائه لربه، أن نلقاه وهو راض عنا، اللهم آمين.

 

"وكان ﷺ يحث على عيادة المرضى"، والعيادة في أصلها الزيارة -الزيارة معنى العيادة- الزيارة مطلقا، ولكن خُصِّصَت بزيارة المريض، حتى لا تكاد تطلق إلا عليه؛ العيادة زيارة المريض.

 

  • وهذه العيادة على من لا تجب عليهم نفقته:

    •  يقول الفقهاء فيها أنها سنة ومندوبة.

    •  ويقول بعضهم: سنة كفاية.

    • وقال بعضهم: فرض كفاية.

    • ويقول المالكية: إذا قام بها الغير فهي مندوبة، وإلا صارت واجبة، لأنها من واجبات الكفاية عندهم.

 

  • أما إن كان المريض ممن يجب عليه نفقته:

    • فصارت واجبة وجوب عين، يجب عليه أن يعوده. 

 

وقد ذكر  أنها من حق المسلم على المسلم؛ إلا متظاهر ببدعة في الدين وفسق فاحش، فهذا ما عاد تسن عيادته، مع أنها تصح وتُندب حتى عيادة الذمي والكافر، خصوصًا إذا رُجي إسلامه، وجاء ذلك في أخبار عيادته بعض الصحابة لبعض المرضى من غير المسلمين . وهي بالنسبة للذمي من نوع البر الذي قال فيه الله تعالى: (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [الممتحنة: 8]. وجاء فيها عدد من الأحاديث في فضلها وثوابها، منها ما جاء في صحيح الإمام مسلم.

وفي عتاب قوي من الله لبعض الذين يتساهلون بعيادة المرضى، وقد يكون المريض الذي مرض في زمنه وفي بلده من أولياء الله ومن المقربين عند الله، فلا يبالي فيعاتبه الله في القيامة، كما جاء في صحيح الإمام مسلم، يقول: "عبدي مرضت فلم تعدني"، يقول: "كيف أعودك وأنت الله رب العالمين ولا ينالك شيء ولا تمرض؟" فيقول: "مرض عبدي فلان فلم تعده، أما تدري أنك لو عدته لوجدتني عنده؟" صلى الله على سيدنا محمد وآله ، فالله يرزقنا حسن أداء الحقوق على ما يحبه منا ويرضى به عنا.

قال: "وكان ﷺ يحث على عيادة المرضى ويقول ﷺ: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في مخرفة الجنة حتى يرجع فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح". ما شاء الله، هكذا في رواية ابن ماجه بلفظه، وجاء أيضًا المعنى عند الترمذي وعند الإمام أحمد بن حنبل؛ في الحديث يقول : "مَا مِنْ مُسْلِم يَعُودُ مُسْلِماً غُدْوة إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِي، وَإنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ في الْجَنَّةِ"..

فيقول: كأن هذا الذي يمشي في عيادة المريض يلتقط من ثمار الجنة، لأنه سبب لأن يصل الجنة ويأخذ من ثمارها، فكأنه يلتقط من ثمارها بمشيه هذا إلى المريض، لا إله إلا الله. "لم يزل في مخرفة الجنة" أي: في التقاط فواكه الجنة، والخرفة: ما يُجتنى من ثمار، وقد يُطلق على البستان لأنه محلها، والأصل في الخرفة هو ما يُجتنى من الثمار.

 

قال : "حَقُّ المسلمِ على المسلِمِ خمسٌ : ردُّ السَّلامِ ، و عيادةُ المريضِ، واتَّباعُ الجنائزِ، و إجابةُ الدَّعوةِ، وتَشميتُ العاطسِ" وفي رواية: "إذا حمد الله".

يقول البراء أمرنا رسول : " باتباع الجنائز، وبعيادة المرضى". وهكذا جاء في رواية البخاري. 

فإذا عاد المريض فيسن:

  • أن لا يطول عنده. 

  • وأن يسأله عن حاله.

  • ويضع يده على جبهته أو رأسه ويدعو له، ويطلب منه الدعاء فإن دعاء المريض مستجاب. 

فقد جاء في البخاري عن سيدنا أنس رضي الله عنه قال: "كان غلام يهودي يخدم النبي  فمرض، فأتاه النبي  يعوده، فقعد عند رأسه، فقال: أسلم، فنظر إلى أبيه عنده، فقال له: أطع أبا القاسم. فأسلم، فمات. فخرج النبي  يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار"؛ "الحمد لله الذي أنقذه من النار". وفيه أنه قَبِلَ  النبي  خدمته، لأنه لم تكن عليه شبهة من إرادة سوء ولا من إرادة ضر، وقبل خدمته، ثم كافأه وزاره وهو مريض، ثم كان أن أنقذه الله به من النار. وفي بعض الروايات: "الذي أنقذه بي من النار"، وأبوه أيضا لما كان الولد مشرفًا على الوفاة، ويدري أن الحق هنا والصدق هنا، فالتفت إليه وخاف من أبوه، أنه قال له: لا تطع أبا القاسم. الموقف ذا ما عاد نغشك فيه، هذا هو الحق، يا ولد أطع أبا القاسم ؛ ففيه دليل على أن والده لم يكن متحاملًا ولا ذا بغضًا في قلبه، فلهذا  كان قَبِلَ خدمة الولد. لا إله إلا الله.

  • وتكون العيادة بعد ذلك غِبًّا؛ يعني: من وقت إلى وقت، وإلا إن شقت العيادة على المريض وصار يتكلف لها فتُكره، تُكره إذا كان يتكلف لها، وما يحب أحد يجيه، خلاص يكون الدعاء بالغيب. ومن الدعاء المستحب أن يقول: "أسأل الله العظيم، ربّ العرش العظيم أن يشفيك" وفي رواية: "ويعافيك سبع مرات". 

ويقول ﷺ: "من عاد مريض لم يحضر أجله فقال ذلك عنده: "أسأل الله العظيم، ربّ العرش العظيم أن يشفيك" وفي رواية: " ويعافيك سبع مرات" عافاه الله من ذلك المرض، رواه الترمذي وحسنه.

وأيضًا يستفيد صلاة سبعين ألف ملك، إن عادهُ في الصباح إلى المساء يستغفرون له، وإن عادهُ في المساء إلى الصباح. فينبغي أن تكون العيادة في أول الصباح أو أول المساء، أولى من شأن يطول وقت استغفار الملائكة له -ولا واحد واثنين وثلاثة- سبعين ألف ملك. وإذا أنت بتستأجر أوادم يعملون لك شيء، سبعين ألف، وكم بغوا منك من الصباح إلى المساء تستأجرهم؟ وكم بغوا منك؟ سبعين ألف أوادم، وهؤلاء الملائكة يشتغلون على حسابك لله تعالى دون ما يأخذون شيئًا منك إذا قمت بسنة من سنن رسول .

ويقول: "وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: سمعت رسول ﷺ يقول: "إذا عاد أحدكم مريضًا فلا يأكل عنده شيئًا، فما أكل عنده المريض شيئًا فهو حظه من عيادته". من أكل عنده المريض شيئًا، فقال: خلاص ثواب العيادة حقك، فهو ذا الأكل اللي أكلته شله لك. تعودوا لله تبارك وتعالى، لا لتطعم ولا لتأكل شيئًا، فإذا جئت تزور مريض وقعدت تأكل عنده، أجرك هو ذا الأكل، والأجر العظيم والكبير فين يروح؟ والمراد في هذا: لمن ارتضى ذلك أو قصد ذلك، فأما من صدف وجود طعام، ثم ألح عليه ولم يقصده ولم يكن ملتفتًا إليه، فيرجى أن لا يذهب أجره.

 

"وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: عاد رسول الله ﷺ وأبو بكر -رضي الله عنه- جابرًا فرآه لا يعقل شيئًا فدعا رسول الله ﷺ بماء فتوضأ ثم رش منه على جابر فأفاق، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله ﷺ يقول: للمريض إذا دخل يعوده: "تطهر وصل ما استطعت ولو أن تومئ".

فهكذا ينبغي في عيادة المرضى، ينبهونهم على الصلاة بما قدروا: 

  • ومن عجز عن القيام فبالجلوس. 

  • فمن عجز عن الجلوس فمضطجع. 

  • من عجز عن الاضطجاع فمستلقِ؛ ولو بالإيماء، يومئ بالركوع والسجود.

  •  وإن تيسر الوضوء يوضؤوه.

  • ويجوز له الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإن صعب الوضوء فبالتيمم، يتيمم لكل فرض ويصلي.

  • ولا يجوز تركها لمن عقل، ما دام عقله فيه، ما يجوز له ترك الصلاة.

  • ولا يجوز يتساهل ويقول: بعدين بأصح وأقضي، يقول صلاتك على الحالة التي أنت فيها خير من سبعين قضاء، خير من مئة قضاء، تقضي الآن صَل في حالك هذا لا يخرج الوقت، (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) [النساء: 103]، صلِّها في وقتها.

 

ويقول: "وكان أنس -رضي الله عنه- يقول: كنا إذا فقدنا الأخ أتيناه فإن كان مريضًا كانت عيادة وإن كان مشغولًا كانت عونًا وإن كان غير ذلك كانت زيارة"، في تفقدهم لبعضهم -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-.

 

"وقال جابر لقيت رسول الله ﷺ فقلت: كيف أصبحت يا رسول الله؟ قال: بخير من رجل لم يصبح صائمًا ولم يعد سقيمًا"،  يعني: هذا مضيع لعمره ولوقته لا صوم ولا عيادة ولا عبادة، ويضل هذا  مضيع لعمره الغالي النفيس.

قال: "وكانت فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة -رضي الله عنها- تقول: أتينا رسول الله ﷺ في نساء نعوده فقد حُمَّ فأمر بسقاء فعلق على شجرة ثم اضطجع تحته فجعل يقطر على فؤاده من شدة من شدة ما يجد من الحمى فقلت: يا رسول الله لو دعوت الله تعالى أن يكشف عنك؟ فقال: "إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وكان يقول: "إني أوعك -يعني: أصاب بالحمى- كما يوعك رجلان منكم"، قال بعض الصحابة: "ذاك لأن لك أجرين؟" قال: "أجل"، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله. 

"أشد الناس بلاء الأنبياء" يعني: محنة واختبار الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فهو لساداتنا الأنبياء منح يمنحهم بها رقي علِي المقامات، ومضاعفة الأجور الكبيرات- قال : "..ابتلاه اللهُ على حسْبِ دِينِه فما يبرَحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يمشيَ على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ"، يعني: يكون كفارة للذنوب.

وفي ما نازل بالأماثل والأكابر من البلاء يقول: قُتل الخلفاء الثلاثة، وقُتل الحسين بن علي، وابن الزبير، وابن جبير، وضُرب أبو حنيفة وحُبس، وجُرِّد مالك وضُرب بالسياط، جُذبت يده فانخلعت من كتفه، وضُرب الإمام أحمد حتى أُغمي عليه، وقُطع من لحمه وهو حي، وأُمِر بصلب سفيان الثوري، ومات البويطي مسجونًا في قيوده، ونُفي البخاري من بلده إلى بلد آخر وهكذا كثير؛ قال بعضهم: مقاتل الطالبين وجد فيها كم اختبروا؟ وكم امتحنوا أكابر وصالحين؟ فالله يعافينا ويعفو عنا ويلطف بنا وبالأمة فيما تجري به المقادير.

 

يقول: "وكان ﷺ يقول: "دعوا المريض يئن فإن الأنين من أسماء الله تعالى"، أي: معناه يا الله يا الله، ينادي الله لما يقول المريض: آه؛ يقول: أنا عبدك الضعيف، وهذا الأنين إذا جاء على وجه الاعتراف بالضعف والعجز من دون جزع، -من دون جزع ولا تضجر- نعم يكون محمود، وفيه اعتراف بالضعف وبالعجز والافتقار، وأما إذا صحبه جزع وضجر فإنه يذهب أجر المريض -والعياذ بالله تعالى- ويسقط ثوابه، ويعده من الشكوى، فكأنه يشكو ربه -جل جلاله- إلى خلقه؛ وخلقه يقدرون يعملون شيئا! تشتكي من إلى من؟ أنت مجنون؟! (قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ)[المائدة:17]  بتشتكي من إلى من؟ وما حقك إلا أن ترضا بقضائه وتحمده وتشكره جل جلاله.

فأما إذا كان الأنين:

  •  اعترافا بالضعف والعجز والافتقار وإخبارًا عن مراد الله تعالى فيه مع الرضا والتسليم؛ فهذا يكون من نوع الدعاء ومن نوع القربة ولا إشكال فيه ولا يذهب الأجر ولا ينقصه.

  • وأما إن كان تبرم وتضجر فهذا يذهب أجره والعياذُ بالله ويذهب، وكأنه يشكو الخالق إلى خلق، وماذا سيعملون لك الخلق؟ ماذا يقدرون يقدمون أو يؤخرون؟ ما يقدمون لأنفسهم كيف بك أنت؟! 

وَكُنْ رَاضِي بِمَا قَدَّرَ الْمَوْلَى وَدَبَّر*** وَلَا تَسْخَطْ قَضَى اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْأَكْبَرَ

 -جل جلاله وتعالى في علاه-

  • فإذا عاد المريض إن رأى عليه آثار الفسحة في الأجل ينفسه ويوصيه بالصبر ويذكره بالأجر.

  • وإن رأى أنه مشرف على الانتقال من هذه الحياة؛ فينبغي أن يذكر يوسع رجائه في الله تعالى، ويحسن ظنه بالحق -سبحانه وتعالى- وهكذا ويستصحب معه ما يستروح به مثل ريحانة وفاكهة ونحو ذلك. 

ويقول ابن عباس: "كان النبي ﷺ إذا عاد مريض جلس عند رأسه ثم قال سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك"، وينبغي أن يتخير الوقت المناسب لزيارة المريض فيعوده في وقت يسهل عليهم مقابلته.

يقول سيدنا سعد: "تشكيت بمكة فجاء ﷺ يعودني فوضع يده على جبهتي ثم مسح يده على وجهي وبطني، قال: اللهم اشفي سعدا وأتم له هجرته"، سعد بن أبي وقاص خاله يقول له: "إذا مات بمكة ما تمت الهجرة لأنه هاجر من مكة فما بغى يموت في مكة، "اللهم اشفي سعدا وأتم له هجرته"، قال سيدنا سعد: "فما زلت أجد برده على كبدي فيما يخال إليَّ إلى الساعة"، قال: برودة مرور يده علي، قال: إلى الآن أحس بها يقول سعد - عليه رضوان الله تعالى- وفي الرواية ايضًا: " ما من مسلم يعود مريضا لم يحظر أجله فيقول سبع مرات: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفيك إلا عوفي"، وفي رواية عند البخاري: "كان ﷺ إذا أتى المريض أوتي بالمريض إليه يقول: أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا يشفى إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما". وفي رواية: "ولا ألما".

ثم بعد ذلك إن كان يشتهي شيئا فإن بغي من الطعام ونحوه، فإن بغي أن يحضروه له، يقول ابن عباس: " النبي عاد رجلًا فقال له: ما تشتهي؟ قال: خبز بر، قال: من كان عنده خبز بر فليبعث إلى أخيه"، ثم قال: "إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه، ما دام هذا الذي اشتهاهُ لا يضره وإلا يسوفه عنه برفق"، إن كان الذي يطلبه يتنافى مع علته مع مرضه، وليس لأهل المريض ولا للعائد أن يكرهوه على شيء، "لا تُكرِهوا مرضاكم على الطعامِ فإن اللهَ تعالَى عزوجل يُطعمُهم ويسقيهم" أي: يلطف بهم ويتولى أمرهم.

الله الله، "ولذلك يستريح إليه العليل" عندما يئن، فإن ذلك إذا جاء على وجهه كما ذكرنا يلتحق بالدعاء، ولذلك تجدهم حتى عندما يعالج الإنسان ضرب شيء بقوة تجد عنده ها ها، ويقول بعضهم: ليه أسكت ساكت يتعب، فتكون في هذا تسير وتسير، فكأن فيها معنى معنى استغاثة بالحق -جل جلاله- 

يقول: "إن الصبر يأتي من الله عز وجل على قدر البلاء"، يعني: من أعطاه صبر كثير يعطيه بلاء، ومن أعطاه صبر قليل يخفف عليه في بلائه، وهذا يبتلى المرء على قدر دينه. "يقول : "من أصيب بمصيبة ماله أو جسده وكتمها ولم يشكها إلى الناس كان حقاً على الله تعالى أن يغفر له"، وسيأتي مزيد أحاديث فيما جاء في الصبر على البلاء في كتاب الطب إن شاء الله تعالى".

رزقنا الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة، والرضا بقضائه وقدره والأدب معه -جل جلاله- والرضا منه والرضا عنه، في كل شأن وفي كل لمحة وفي كل نفس، إنه أكرم الأكرمين، ونسأل أن يزداد عنا رضا ويتولانا في كل إحجامٍ وإمضاء، وأن يشفي لنا المرضى وأن يعافينا بفضله ويتولانا في ما هو أهله في خيرٍ ولطفٍ وعافية. 

 

بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه 

الفاتحة.

تاريخ النشر الهجري

20 رَجب 1446

تاريخ النشر الميلادي

19 يناير 2025

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام