(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كشف الغمة -206- كتاب الصلاة (97) فصل : في متابعة الإمام
صباح الأحد 3 ربيع الثاني 1446 هـ
فصل في متابعة الإمام
"كان رسول الله ﷺ ينهى كثيرًا عن عدم متابعة الإمام ويحث على متابعته ويقول: "إنما جُعِلَ الإمام ليؤتمِّ به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: الله لمن حمده، فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون".
وفي رواية: "إذا صلى الأمير جالسًا فصلوا جلوسًا"، وكان ﷺ يقول: "إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع والسجود"، وكان ﷺ يقول: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار"، وفي رواية: "أن يحول الله صورته صورة حمار"، وفي رواية :"صورة كلب".
وكان ﷺ يقول: "الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان"، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: أيما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود فليضع رأسه بقدر رفعه إياه، وكان ﷺ يقول للنساء: "من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رؤوسهم كراهية أن يروا عورات الرجال من ضيق ثيابهم"، وكان ﷺ يقول كثيرًا: "يا أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالصلوات وخيراتها، وأعمال الشريعة وثماراتها، وبيانها على لسان عبده وحبيبه محمّد صلّى الله وسلّم وبارك وكرّم عليه خير أهل المعرفة بالشرائع وآياتها، وعلى آله وصحبه من جعلهم الله للأمة قاداتها، وعلى من والاهم بإحسان واتبعهم إلى يوم ميقاتها، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين المخصوصين من الله -تبارك وتعالى- بأعلى المنازل وأرفع درجاتها، وعلى آلهم وصحبهم وتابعهم والملائكة المقربين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد:
فقد عقد الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- هذا الفصل في متابعة المأموم للإمام، والأمر كما قال ﷺ: "إنما جُعِلَ الإمام ليؤتمَّ به"، وفيه:
وهذا أيضًا مما يُخل به كثير من الناس، إما يتقدمون على الإمام في شيء من الأفعال، أو يتأخرون عنه.
وقال: "كان رسول الله ﷺ ينهى كثيرًا عن عدم متابعة الإمام ويحث على متابعته ويقول: "إنما جُعِلَ الإمام ليؤتمِّ به فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: الله لمن حمده، فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون"، وكان هذا في أول الأمر، أنه إذا كان الإمام معذور عن القيام صلّى المأمومون خلفه قعودا، ثم نُسِخَ ذلك.
وكان آخر الأمرين من نبينا ﷺ في أنه صلّى بهم وهو مريض قاعدًا وهم قيامٌ خلفه، فإذا عجز الإمام عن القيام صلّى قاعدا والمأمومون قيامًا خلفه، وفي رواية: "إذا صلى الأمير جالسًا فصلوا جلوسًا"، وعلمنا أن هذا نُسخ، فالنبي ﷺ يقول: "إني قد بدنت" -أي: سَمُنَ بدني- فلا تسبقوني بالركوع والسجود" أي: انتظروا حتى أصل إلى الركوع وأصل إلى السجود إذا أممتكم، "فالنبي ﷺ يقول: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس حمار"، وفي رواية: "أن يحول صورته صورة حمار"، وفي رواية: "صورة كلب"".
وفيه أمران:
وكان ﷺ يقول: "الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان" يعني: هو الذي يسوّل له ذلك، ويحبّب إليه هذه المسارعة ومقاطعة الإمام بسبقه في ركوع أو سجود، قال: فلما تحكّم عليه في ذلك قال: "ناصيته بيد شيطان"، فهو الذي يحثه على ذلك التقدم، "وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: أيما رجل رفع رأسه قبل الإمام في ركوع أو سجود فليضع رأسه بقدر رفعه إياه"، وذلك أيضًا لمن ظنَّ أن الإمام قد رفع فارتفع يجب عليه أن يعود، وكذلك السنّة لمن ارتفع قبل الإمام عمدًا فيسن له كذلك أن يعود، وإن كان ناسيًا فيلزمه أن يعود لمتابعة الإمام.
قال: وكان ﷺ يقول للنساء: "من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رؤوسهم كراهية أن يروا عورات الرجال من ضيق ثيابهم"، لما كان من حال الكثير من الصحابة قلّة الثياب عندهم وقصرها؛ فعند السجود بعضهم يتعرّض لظهور رجله وما إلى ذلك.
وكان ﷺ يقول كثيرًا: "يا أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف"، "والانصراف": سواء بالتسليم أو حتى بعد السلام، ينبغي أن لا ينصرف المأمومون من مكان كل واحد منهم الذي صلّى فيه حتى ينصرف الإمام أولًا، كما أن من تمام المتابعة أن لا يرفعوا أيديهم بالدعاء حتى يرفع الإمام يده، فإذا رفع يده رفعوا أيديهم وراءه، فإن هذا من توابع الصلاة، من الأمور المتصلة بالصلاة فيكون المأمومون خلف الإمام فيه، ثم لا ينبغي أن ينصرفوا ويقوموا من مكان صلاتهم حتى ينصرف الإمام، هذا من باب السنة.
إذًا فالمتابعة للإمام أيضًا تجب في عند الأئمة، واختلفوا بعد ذلك في كيفيتها وبيانها:
فيقول الحنفية: إن متابعة المأموم لإمامه فرضا في فروض الصلاة، وواجبة في واجبات الصلاة، وسنة في سنن الصلاة؛ فلو ترك الركوع مع الإمام بأن ركع قبل الإمام أو ركع بعده -ولم يشاركه فيه لم يجتمع وإياه في الركوع- أو سجد أيضًا قبل الإمام أو بعد الإمام، لم يشاركه في أثناء السجود، يقول: فعند الحنفية تلغى هذه الركعة التي لم تتحقق فيها المتابعة، ويجب عليه أن يقضيها بعد سلام الإمام، فلابد عندهم أن يكون مشاركًا للإمام في ركوعه وفي سجوده وفي اعتداله وفي جلوسه، وهكذا. وكذلك القنوت عندهم في الوتر يقول: فإذا ترك المتابعة في القنوت أثم لأنه ترك واجبا، وهو واجب عندهم، ولو ترك المتابعة في تسبيح الركوع مثلًا يقول: فيكون ترك السنة.
إذًا فالمتابعة عندهم في فروض الصلاة فرض، وفي واجباتها واجب، وفي سننها سنة، وفي أمور أربعة يقول الحنفية ما تلزم المتابعة فيها:
وكذلك يقول: يتابع المقتدي الإمام في أمور إذا تركها وجب عليه أن يتركها عند الحنفية مثل:
هذا مظهر متابعة المأموم للإمام عند الحنفية.
كذلك يقول المالكية: يكون فعل المأموم عقب فعل الإمام لا يسبقه ولا يساويه، بل يتأخر عنه كما يقول الشافعية.
وقالوا أشياء لا يتابع فيها الإمام:
كذلك يقول المالكية أيضًا في جواز أن يترك المأموم شيء فعله الإمام:
ثم من المعلوم عند الشافعية: أنه تجب المتابعة في الأفعال لا في الأقوال، ولكن تسمّى المتابعة أيضًا في الأقوال، بأن لا يبتدئ بالفاتحة حتى يبتدئ إمامه، أو يكملها في الجهرية، ولا يبتدئ في تسبيح الركوع والسجود حتى يتم إمامه، ولا في التشهد حتى يبتدئ إمامه في التشهد وهكذا.
أما الأفعال يتأخر ابتداء فعل المأموم عن فعل الإمام، ويتقدّم ابتداء فعل المأموم على فراغ الإمام من الفعل، والأكمل عندهم في المتابعة أن لا يهوي إلى الركوع حتى يتم ركوع الإمام، ولا يرفع إلى الاعتدال حتى يعتدل الإمام، ولا يبدأ في الهوي للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض، فإن تقدّم عليه ببعض الركن فهو مكروه وقيل حرام، وإن تقدّم عليه بركن فهو حرام ولا يبطل الصلاة، وإن تقدم عليه بركنين فعليين بطلت صلاته إذا كان تأخره من غير عذر.
وكذلك يقول الحنابلة في متابعة المأموم للإمام:
قالوا فإذا سبقه:
فإذًا عندهم يحرم سبق الإمام عمدا بشيء من أفعال الصلاة، فعندهم أن يهوي إلى الركوع قبل ركوع الإمام حرام، وأن يسبقه أيضًا فيرفع قبل أن يركع الإمام تبطل الصلاة.
من رفع رأسه قبل الإمام أساء عند الجمهور وعندكم الحديث فيه والتهديد بأن يتحوّل رأسه رأس حمار أو كلب -والعياذ بالله تعالى-، وحينئذٍ إذا ترك الإمام سجدة التلاوة فإذا سجدها المأموم بطلت صلاته، أو سجد الإمام سجدة التلاوة ولم يسجد المأموم بطلت صلاته، كما يقول الشافعية في ذلك، وقالوا: أيضًا إن قام من الركعة الثانية إلى الثالثة المأموم ولم يتشهد مع الإمام، نظروا إلى أنه ترك فرض متابعة الإمام إلى فرض وهو القيام فلا تبطل صلاته عندهم بذلك، وإنما تجب الموافقة في سجدة التلاوة وسجود السهو والتشهد الأول.
يقول الشافعية: أما القنوت فلا يجب على المقتدي متابعة إمامه فيه، فإن قنت الإمام ولم يقنت المأموم لم يضر، وإن لم يقنت الإمام في صلاة الصبح وقنت المأموم لم يضرّ، إلا أنه يكره أن يتأخر عن إدراكه السجود مع الإمام.
رزقنا الله إقام الصلاة على وجهها الأتم، ومتابعة حبيبه الأعظم، وتولانا في كل ما خصّ وعم، وضاعف لنا هباته، وأجزل لنا عطياته، ودفع عنّا الآفات، وأصلح لنا وللأمة الظواهر والخفيات، وفرج كروب المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وختم لنا بأكمل الحسنى وهو راضٍ عنا..
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
03 ربيع الثاني 1446