(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: 202- كتاب الصلاة (93) باب: صلاة الجماعة
صباح الأحد 19 ربيع الأول 1446 هـ
باب صلاة الجماعة
"قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ يحث على حضور الجماعات في المساجد وغيرها لا سيما الصبح والعشاء ويقول: "إن الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر مبادرتهم إلى الجمعة والجماعة"، وكان ﷺ يقول: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله"، وكان ﷺ يقول: "من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله -عز وجل-، فلا تخفروا الله في عهده، فمن قتله طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه"، ومعنى تخفروا: تنقضوا عهد الله تعالى يعني جواره.
وكان ﷺ يقول: "أثقل الصلاة على المنافقين العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا على الركب"، وفي رواية: "لو يعلمون ما في شهودهما ليلة الأربعاء لأتوهما ولو حبوًا، ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لأمرت بالصلاة فتقام، ثم أمرت رجلًا يصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم"، وفي رواية: "لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزمًا من حطب ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليس بهم علة فأحرقها عليهم حتى تكون صلاة المسلمين واحدة".
وقال أنس -رضي الله عنه-: جاء رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فرخص له فلما ولى دعاه فقال: "هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب، وسأله عبد الله بن أم مكتوم كذلك فقال: "ما أجد لك من رخصة"، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف".
وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لا تقبل منه الصلاة التي صلى، قيل: ما العذر؟ قال: خوف أو مرض"، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "إن رسول الله ﷺ علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم"، وكان ﷺ يقول: "ليصل الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد"، وكان ﷺ يقول:"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، فقيل: من جار المسجد؟ قال: هو من يسمع النداء".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله الذي مكرمنا بالشريعة وبيانها لنا على لسان عبده الذي جمع فيه الحسن جميعًا، سيدنا محمد صاحب المراتب الرفيعة والوجهات الوسيعة؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين صفوة المقربين إلى الله وأحبابه، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعد: فيتكلم الشيخ -عليه رحمة الله تعالى- عما ورد في صلاة الجماعة؛ يعني: في الصلوات الخمس، وهي شعيرة من شعائر دين الله -سبحانه وتعالى- معظّمة يتضاعف بها أجر المصلّي.
والجماعة في اللغة: اسم للطائفة، ومعناها في الشرع: ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، فأقلّها إذًا اثنان؛ إمام ومأموم، وكلما زاد العدد كان أفضل للمصلّين لما جاء عنه ﷺ: "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وصلاته مع الثلاثة أزكى من صلاته مع الرجلين"، وهكذا.
ولم يُنقل عن رسول الله ﷺ ولا أحدٍ من الخلفاء الراشدين أن أحدًا منهم صلّى فريضة واحدة بغير جماعة قط، ولهذا سمعنا قول ابنُ مَسعودٍ رضِي اللهُ عنه: "ولقد رأيتُنا وما يَتخلَّف عنها إلَّا مُنافِقٌ مَعلومُ النِّفاق"، ولقد كان الرَّجلُ يُؤتَى به يُهادى بين الرَّجُلين" -أي: لا يستطيع القيام والمشي من المرض؛ فيَحمله اثنان واحد عن يمينه وواحد عن يساره- "حتى يُقام في الصِّفِّ" يتهادى بين أيديهما حتى يقام في الصف من أجل صلاة الجماعة".
فلذا قال الحنفية: إنها سنة مؤكدة تلحق بالواجب.
ويقول أكثر المالكية: إنها سنة مؤكدة للرجال، ويقولون أيضًا: أنها في أصلها من حيث الجملة بالنسبة لأهل البلد فرض كفاية كما يقول الشافعية هي فرض كفاية، لقوله ﷺ: "ما من ثلاثة في بدو ولا قرية لا تقام فيهم الجماعة إلا استحوذ عليهم الشيطان". فوجب على أهل كل بلدة فيها ثلاثة من الرجال فأكثر أن يقيموا الجماعة في قريتهم تلك في موضع عام وإلا استحوذ عليهم الشيطان.
ولهذا قال الشافعية: الأصح أنها فرض كفاية كما يقول بعض فقهاء الحنفية، وبعض المالكية، وإن كان المشهور عند الحنفية وعند المالكية أنها سنة مؤكدة.
كما قال الحنابلة: أنها واجبة وجوب عين، وإن كانت ليست بشرط لصحة الصلاة؛ ولكنها واجب من الواجبات؛ إلا ابن عقيل من الحنابلة يقول: واجب كغيره من الواجبات إذا لم يأتي فالصلاة غير صحيحة.
وقال عامة الحنابلة: أن الصلاة تصح ولكن يأثم صاحبها إذا قدر على الجماعة فصلّى منفرد مأثوم عندهم، لأن صلاة الجماعة عندهم واجبة وجوب عين.
إذًا علمنا ما قال الشافعية أنه بالنسبة لأهل القرى والأماكن البلدة في الجملة فرض كفاية، ولكن في حق الفرد هي سنة مؤكدة كما قال الحنفية والمالكية، وسمعنا قول الحنابلة: أنها واجبة وجوب عين، ولتأكدها شُرعت حتى في حالة الحرب، "وَإِذَا كُنتَ فِیهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَاۤىِٕفَةࣱ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوۤا۟ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلۡیَكُونُوا۟ مِن وَرَاۤىِٕكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَاۤىِٕفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ یُصَلُّوا۟ فَلۡیُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلۡیَأۡخُذُوا۟ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ" [النساء: 102].
حتى في التحام الحرب في شدة الخوف يُسن أن يصلّوا جماعة، وإن كانوا يقاتلون ويكرّون ويفرّون فيصلّون جماعة، ويجوز أن يتقدّم الإمام أو يتأخر، كما يومؤون بالركوع والسجود.
ويقول لنا: "كان رسول الله ﷺ يحث على حضور الجماعات في المساجد وغيرها لا سيما الصبح والعشاء"، فهي كما نقرأ في الحديث "أثقل الصلاة على المنافقين العشاء وصلاة الفجر".
ويقول: "إن الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر مبادرتهم إلى الجمعة والجماعة"؛ يقال: إن منازل الناس في ساحة النظر إلى وجه الله الكريم على قدر بكورهم إلى الجمعة.
إذًا فالصلاة والجماعة فيها صلة خاصة بالله -تبارك وتعالى-.
وكره الحنفية للنساء الخلّص الجماعة، قال: إما يتقدّمهن رجل وإلا يصلين منفردات، وإن صلين جماعة صحّت؛ ولكن بكراهة عندهم.
وقال الشافعية: الجماعة سنة سواءًا للرجال وحدهم أو النساء وحدهن أو النساء خلف الرجال.
ومن المعلوم أن الجماعة فريضة في الجمعة بالإتفاق، فلا تصح الجمعة إلا جماعة، ولا يصح أن يصلي الناس فرادى صلاة الجمعة.
يقول: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله"، قال بعض شرّاح الحديث: ومعنى "ومن صلّى الصبح في جماعة" يعني: مع صلاة العشاء في جماعة فكأنما صلّى الليل كله، فإذا صلّى العشاء في جماعة فله نصف الليل، فإذا صلّى الفجر في جماعة انضاف النصف الثاني فصار فكأنما قام الليل كله.
وكان ﷺ يقول: "من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله -عز وجل-، أي: في كنفه وفي حراسته ورعايته الخاصّة، "فلا تخفروا الله في عهده،" يعني: تضيعوا الأمانة وتخونوا في العهد وتقتلوا أحدًا صلى الصبح في جماعة فيُطالبكم الله تعالى بدمه يوم القيامة، فإذًا كذلك من صلّى العشاء في جماعة بات في ذمة الله حتى يُصبح.
وبعض الأمراء وقد كان ظالم؛ ولكنه مع ذلك يحترز؛ إذا أراد يقتل أحد يسأل: هل صلّى الصبح في جماعة؟ قال له: نعم، يقول: خلوه لليوم الثاني لا تمكّنوه من صلاة الجماعة، وهاتوه نقتله في غير ذمة الله حتى لا يشتدّ علينا المطالبة. وإذا أراد يقتل أحد في الليل يقول: هل صلّى العشاء في جماعة؟ يقول: نعم، يقول: خلاص اتركوه لا تقتلوه، خلّوه إلى ثاني يوم لا يصلي جماعة ثم اقتلوه، الذي ما يستشعر من عظمة مطالبة الحق تعالى بذمته؛ فإنه في كنفه وحراسته من صلّى الصبح في جماعة حتى يمسي، ومن صلّى العشاء في جماعة حتى يصبح، قال: "فمن قتله طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه"، والعياذ بالله -تبارك وتعالى-.
"فلا تخفروا الله في عهده،" قال" "لا تخفروا" أي: لا تنقضوا عهد الله تعالى -يعني: جواره وكلائته وحفظه-.
"وكان ﷺ يقول: "أثقل الصلاة على المنافقين العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما.. -من الثواب والأجر والنور والخير والقدر عند الله والمنزلة لديه- لأتوهما ولو حبوًا على الركب"، ما يقدرون أن يمشوا ولا يقوموا فيحبون على ركبهم لما يرون من ثواب هذه الجماعة وفضلها وقدرها عند الله -تبارك وتعالى-، وإيصالها صاحبها إلى الدرجات العلى، فيحرص عليها.
ويقول لو انكشف الغطاء وعلم الناس الثواب والخير في جماعة الفجر والعشاء "لأتوهما ولو حبوا على الركب"، فإذا عجزوا عن القيام والمشي فسيحبون حتى لا يفوتهم هذا الخير الكبير، "لو يعلمون ما في شهودهما ليلة الأربعاء لأتوهما ولو حبوًا"، ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لأمرت بالصلاة فتقام، ثم أمرت رجلًا يصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرِّقَ عليهم بيوتهم"، وفي رواية: "لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزمًا من حطب ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم ليس بهم علة فأحرقها عليهم حتى تكون صلاة المسلمين واحدة".
هكذا تعظيمه ﷺ لشأن الجماعة؛ حتى ذكر همّه وعزمه أن يحرق على المتخلّفين البيوت لولا ما فيها من الذراري والنساء، فالتخلّف عن الجماعة بغير عذر خطر، ما كان يُتهم به في العصر الأول إلا المنافقين، وما يتأخر عنه إلا منافق معلوم النفاق.
"وقال أنس -رضي الله عنه-: جاء رجل أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟" -جاء في رواية- قال له: "إن المدينة كثيرة الآبار كثيرة الهوام" أي: يوجد في شوارعها وطرقها آبار محفورة وهوام تخرج منها الحيّات في الليل ومع الفجر-، فهل تأذن لي أن أتخلّف؟ فعذره أولًا، فلمّا ولّى قال له: أتسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ قال: نعم، قال فحيِّ حالًا؛ أجب، لا أجد لك عذرًا، "فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فرخص له فلما ولى دعاه فقال: "هل تسمع النداء؟ قال: نعم، قال: فأجب، إذا قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ يعني: ليس مجرد العمى عذر لك في عدم حضور الجماعة.
يقول: "وسأله عبد الله بن أم مكتوم -أيضًا أعمى- فقال: "ما أجد لك من رخصة"
وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "لقد رأيتنا وما يتخلف عنها -يعني: الجماعة في الفرائض الخمس- إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف" أو يقام في الصف الأول.
قال: "وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لا تقبل منه الصلاة التي صلى، قيل: ما العذر؟ قال: خوف أو مرض"، وهذا من أدلة الحنابلة على أن الجماعة واجبة وجوب العين، يقول:
"من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لا تقبل منه الصلاة التي صلى، قيل: ما العذر؟ قال: خوف أو مرض"، يخاف على نفسه أو ماله أو عرضه أو مرض يشقّ معه الحضور إلى مكان الجماعة.
ويقول: "وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: إن رسول الله ﷺ علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد -يعني: الجماعة- الذي يؤذن فيه، ولو صليتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم -اللهم صلي على سيدنا النبي وآله- ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم"، وكان ﷺ يقول: "ليصل الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد"، فالعمارة للمسجد الجار أولى؛ إلا إن كان إمام المسجد الجار صاحب بدعة أو فسق معروف به.
وكثرة الجمع استحب حيث لا ... بالقرب منه مسجد تعطلا
لكي لا يتعطل المسجد الذي ينتقل إليه إلى المسجد الثاني، "وكان ﷺ يقول:"لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، فقيل: من جار المسجد؟ قال: هو من يسمع النداء".
وهكذا يحثّنا ﷺ على صلاة الجماعة والمحافظة عليها والإعتناء بشأنها، ثم أخبرنا أن من واظب على الجماعة أربعين يومًا لا تفوته التكبيرة الأولى مع الإمام، كتب الله له برائتين: براءة من النار وبراءة من النفاق.
اللهم ارزقنا إقامة الصلاة على الوجه الأرضا الأمثل الأحب إليك وإلى رسولك، وادفع الآفات عنا، وتولَّنا بما أنت أهله في الحس والمعنى، وأصلح شؤوننا والأمة بما أصلحت به شؤون الصالحين.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله
الفاتحة
19 ربيع الأول 1446