(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (65) باب صفة الصلاة -19- فصل في الجلوس الأخير والتشهد فيه
صباح الإثنين 18 ذو الحجة 1445هـ
فصل في الجلوس الأخير والتشهد فيه
"قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: كان رسول الله ﷺ إذا جلس في الركعة الأخيرة يفرش رجله اليسرى وينصب الأخرى ويقعد على مقعدته، وكان ﷺ ينهى عن افتراش السبع في الجلوس وهو أن يجلس مادًا ذراعيه على الأرض، وكان ﷺ يأمر النساء أن يحتفزن أو يتربعن في التشهد، وكان ﷺ يختصر في التشهد تارة ويُطَوِّلُ أخرى.
وكان أكثر تشهده ﷺ بما رواه ابن مسعود -رضي الله عنه-، عنه ﷺ وهو: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، وزاد في رواية عن جابر: "نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار".
قال ابن مسعود وكنا نقول في التحيات: السلام عليك أيها النبي، فلما قُبِضَ كنا نقول السلام على النبي، وكان ﷺ كثيرًا ما يقول: "سلام عليك أيها النبي وسلام علينا بإسقاط الألف واللام"، وكثيرًا ما كان يقول: "وأن محمدًا رسول الله بدل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".
وكان يقول قبل التحية: "بسم الله" وتارة يتركها، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: بسم الله خير الأسماء التحيات لله إلى آخرها، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: وكنا نقول قبل أن يُفْرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل وميكائيل، فقال لنا النبي ﷺ: "لا تقولوا هكذا وقولوا التحيات"، إلى آخره فإنه لا يجزي صلاة إلا بتشهد، وكان -رضي الله عنه- يقول: من السنة أن يُخفيَ التشهد.
وكان ﷺ يضع في التشهد كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، ويضع حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم يقبض ثنتين من أصابعه ويحلق حلقة، ثم يرفع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فيحركها ويدعو بها، وكان ﷺ كثيرًا ما يقبض أصابعه كلها إلا المسبحة، وكان ﷺ يقول: "تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان".
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: لهي أشد على الشيطان من الحديد، يعني تحريك السبابة في الصلاة، وكان ابن الزبير -رضي الله عنه- يقول: لم يكن رسول الله ﷺ يحرك مسبحته إلا عند إشارته وكان ينوي بها التوحيد والإخلاص، ورأى ابن عمر -رضي الله عنهما- رجلًا يشير بأصبعين فقال له: إنما الله إله واحد فأشر بأصبع واحدة، وكان ﷺ لا يجاوز بصره إشارته، وكان ﷺ إذا رفع سبابته حناها شيئًا يسيرًا، وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يرفعون مسبحتهم وهم يصلون في البرانس والأكسية، والله أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالعبادات وبيان شأنها على يد خير البريات، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم، عليه أفضل الصلوات والتسليمات والتبريكات والتكريمات، وعلى آله وأهل بيته وصحابته والتابعين لهم بإحسان على الثبات إلى يوم الميقات، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكة الله المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،،
فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله- في هذا الفصل الجلوس للتشهد الأخير.
والتشهد الأخير في الفرائض الأربع: في الظهر والعصر والمغرب والعشاء؛ وليس في الصبح إلا تشهد واحد.
والتشهد الأول قد تقدم الكلام معنا فيه:
وهذا التشهد الأخير:
وجاء في هذا التشهد روايات متعددة، وأجمع الأئمة أن أي رواية قرأها المصلي فصلاته صحيحة.
وأما الترجيح والأولى عندهم فذلك اختلفوا فيه:
إذًا فهذا الاختيار في المروي.
ثم بعد ذلك ذكر لنا الجلوس، قال: "كان رسول الله ﷺ إذا جلس في الركعة الأخيرة يفرش رجله اليسرى وينصب الأخرى.."
ومن يفرش رجله اليسرى يخرجها من تحت اليمنى وينصب الأخرى اليمنى "ويقعد على مقعدته.." أي: يلصق وركه بالأرض فهذا هو التورك الذي استحبه المالكية في جميع جلسات الصلاة للرجل وللمرأة.
"وكان ﷺ ينهى عن افتراش السبع في الجلوس وهو أن يجلس مادًا ذراعيه على الأرض، وكان ﷺ يأمر النساء أن يحتفزن -أي: يجمعنا أرجلهن ويجلسن عليها- أو يتربعن في التشهد.." التربع بالجلوس على المقعدة وبسط الركبتين ويضم الرجلين إلى بعضهما البعض في هيئة التربع المعروفة، وذلك لمن صعب عليها الاحتفاز من النساء.
ثم ذكر رواية ابن مسعود، يقول: "وكان ﷺ يختصر في التشهد تارة ويُطَوِّلُ أخرى"، والغالب أنه يختصر في التشهد الأول ويطيل في التشهد الثاني وكان أكثر تشهده ﷺ بما رواه ابن مسعود -رضي الله عنه-، عنه ﷺ وهو: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله". وزاد في رواية جابر: "نسأل الله الجنة ونعوذ به من النار" وهذا من الدعاء في التشهد الأخير.
"قال ابن مسعود وكنا نقول في التحيات: السلام عليك أيها النبي، فلما قُبِضَ كنا نقول السلام على النبي"، ولكن المشتهر والمعروف عن غير من الصحابة ومن بعدهم أنه بقي كما علمهم ﷺ نفسه بالنداء وكاف الخطاب: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"؛ كما كانوا على ذلك في حياته في المدينة وفي مكة وفي بقية أقطار الأرض يقولون: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" واستمر الحال على ذلك.
"وكان ﷺ كثير ما يقول: "سلام عليك أيها النبي، سلام علينا -وعلى عباد الله الصالحين- بإسقاط الألف واللام"، فلا يضر إسقاطهما فيجوز أن يقول: السلام عليك، أو يقول: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فأقله أن يقول: سلام عليك، وأكمله أن يقول: السلام عليك؛ وكذلك: "سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين". هذا في أقل التشهد؛ وأكمله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ولذا لما ذكر في الرسالة الجامعة الحبيب أحمد بن زين أقل التشهد فقال: سلامٌ عليك أيها النبي، وأسقط الألف واللام لأنه أخسر ما روي وأقل ما روي عنه ﷺ.
وكثيرًا ما كان يقول: "وأن محمدًا رسول الله بدل -يعني: بدلًا من أن يقول- وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله".
فجاء في رواية: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن مُحمًَّدًا رسول الله "، وهي في رواية ابن عباس وعليها عمل الشافعية.
وجاء في رواية: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن مُحمَّدًا عبده ورسوله". وهي التي جاءت في رواية ابن مسعود.
وجاءت أيضًا الرواية الثالثة "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن مُحمَّدًا عبده ورسوله" فكلها وردت.
واعتنى ﷺ بتعليم الصحابة التشهد، حتى قالوا: يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن. ويقول بعضهم: إنه أخذ بيدي وعلمني التشهد وكفي بين كفيه، وهو يقول: "التحيات المباركات والصلوات" يعلمه التشهد فكان يعتني بتعليمهم التشهد ﷺ فهو ركن من أركان الصلاة.
"وكان يقول قبل التحية -في بعض الأحيان-: "بسم الله، وتارة يتركها.." وعليه عمل بعض المذاهب فيبدأون التشهد بالبسملة. "بسم الله وتارة يتركها، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: بسم الله خير الأسماء التحيات لله إلى آخرها"
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: وكنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله قبل عباده ، السلام على جبريل وميكائيل، فقال لنا النبي ﷺ: "لا تقولوا هكذا وقولوا التحيات". وعلمهم تحية الحق تعالى، وعلمهم التسليم على العباد الصالحين، وعلمهم التشهد. وقال: "فإنه لا يجزي صلاة إلا بتشهد، وكان -رضي الله عنه- يقول: من السنة أن يُخفيَ التشهد" فلا يجهر به إلا لمن يريد تعليم من يتعلم الصلاة.
وكان ﷺ يضع في التشهد كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، -قريبة من الركبة- ويضع حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم يقبض ثنتين من أصابعه ويحلِّقُ حلقة، ثم يرفع أصبعه اليمنى التي تلي الإبهام -يعني: السبابة المهللة أو المسبحة- فيحركها ويدعو بها،" والتحريك أخذ بالرواية فيه المالكية فيسن عندهم أثناء التشهد أن يحرك إصبعه.
وكان ﷺ كثيرًا ما يقبض أصابعه كلها إلا المسبحة، وكان ﷺ يقول: "تحريك الأصبع في الصلاة مذعرة للشيطان"
"وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: لهي أشد على الشيطان من الحديد، -يعني: الرمح والسيف- يعني تحريك السبابة في الصلاة. وكان ابن الزبير -رضي الله عنه- يقول: لم يكن رسول الله ﷺ لا يحرك مسبحته إلا عند إشارته وكان ينوي بها التوحيد والإخلاص، ورأى ابن عمر -رضي الله عنهما- رجلًا يشير بأصبعين فقال له: إنما الله إله واحد فأشر بأصبع واحدة"، فلا يشير بالإصبعين كما يعمل بعض الناس لما يذكر الله يرفع اثنين. واحد فقط؛ واحد ما هو اثنين. فما يرفع إلا إصبع واحد؛ وكذلك في التشهد، ارفع إصبع واحد وهي السبابة عند قولك: "إلا الله".
وعند "إلا الله" فالمهللة ***ارفع لتوحيد الذي صليت له
"وكان ﷺ لا يجاوز بصره إشارته،" أي: لا يجاوز البصر محل السبابة، فلا ينظر إلى محل آخر وهو في التشهد، كما أن النظر في الصلاة إلى موضع السجود إلا عند قول: إلا الله من التشهد فينظر إلى المسبحة.
"وكان ﷺ إذا رفع سبابته حناها شيئًا يسيرًا" ما يجعلها هكذا؟ يرفعها هكذا، "حناها شيئاً يسيراً. وكانت الصحابة -رضي الله عنهم- يرفعون مسبحتهم وهم يصلون في البرانس والأكسية" أي: من تحت الكساء، يرفع الإصبع ما يضر أنه مغطى بسبب البرد ونحوه ما يضر، يرفعه من تحت الكساء.
ثم ذكر الصلاة على النبي ﷺ، وهو التي قال بوجوبها الشافعية بعد التشهد. وقد أجمع العلماء على أن الصلاة على النبي ﷺ واجبة، ثم اختلفوا متى يكون وجوبها؟
ولما قالوا له: "عرفنا السلام عليك فكيف الصلاة؟" فعلمهم الصلاة الإبراهيمية التي يؤتى بها في التشهد بعد السلام، يسلم عليه في التشهد بقول: "السلام عليك أيها النبي"، ثم يؤتى بهذه الصلاة.
فإذًا يجمعون بينها وبين السلام كما أوجب الله علينا السلام على النبي في التشهد فالصلاة مربوطة بالسلام كذلك، فيجب علينا الصلاة عليه.
وقد رجح هذا القول الشافعية، وأكثر الاستدلال له الشيخ ابن القيم. ورأى أنه أصوب الأقوال في وجوب الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وهي التي يؤدي الإكثار منها إلى الرضوان الأكبر، وإلى رؤية الوجه الأنور، وإلى المرافقة في المحشر خير مستقر؛ فقد روى الترمذي في سننه: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
حتى قالوا: الذي يكثر الصلاة على النبي ﷺ خصوصاً مع التعظيم، والمحبة، وامتثال الأمر الرباني، فإنه ينقدح في قلبه صورة وجه النبي ﷺ، ويتهيأ لرؤيته في المنام وفي اليقظة.
وقال له سيدنا أبي بن كعب: "إني أصلي عليك فأكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟" قال: "ما شئت"، قال: "الثلث؟". قال: "ما شئت، فإن زدت فهو خير لك"، قال: "النصف؟". قال: "ما شئت،فإن زدت فهو خير لك"، قال: "فالثلثان؟"، قال: "ما شئت، فإن زدت فهو خير لك"، قال: "إذن أجعل لك صلاتي كلها". قال: "إذن تكفى همك ويغفر ذنبك"، قال: "إذن تكفى همك ويغفر ذنبك". فلا عاد هم ولا ذنب؛ يعني: خلاص سعادة الدنيا والآخرة ما عاد شي مشكلة. لا إله إلا الله، لا في الدنيا ولا في الآخرة. "تكفى همك ويغفر ذنبك".
فالله يوفقنا لكثرة الصلاة والسلام على نبيه مُحمَّد ﷺ بالمحبة والشوق والتعظيم؛ فتختلف صلاة من صلاة، من يصلي عليه مع قوة المحبة وشدة الشوق والتعظيم؛ يختلف عمن يصلي عليه وهو دون ذلك؛ في نتيجتها وأثرها وثمرتها وحالها، وتحصيلها للقرب وللمعرفة وأنواع الزيادة من الخير، فالله يوفقنا لكثرة الصلاة والسلام عليه مع التعظيم والشوق والمحبة، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
حشرنا الله في زمرته، وملأ قلوبنا بمحبته، وجعلنا في أحبته، وثبتنا على منهاجه وملته، وكفانا والمسلمين جميع البلايا والشرور وكل المحذور.
بسر الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد ﷺ اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله
الفاتحة
21 ذو الحِجّة 1445