(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (51) باب صفة الصلاة -5- فصل في الاستعاذة وقراءة الفاتحة
صباح الثلاثاء 20 ذو القعدة 1445هـ
فصل في الاستعاذة
"كان رسول الله ﷺ يستعيذ بالله تعالى عند كل قراءة، وكان تارة يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، وتارة يقول ﷺ: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه"، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: ولم يكن رسول الله ﷺ يتعوذ للقراءة في غير الأولى بل كان ينهض ثم: يفتتح القراءة ، وكان ابن سيرين -رضي الله عنه- يستعيذ في كل ركعة، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يجهر بالاستعاذة، وكان ابن عمر -رضي الله عنه- يسر بها، والله أعلم.
فصل في قراءة البسملة
قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثاني، والقرآن العظيم وهي سبع آيات إحداهن: بسم الله الرحمن الرحيم وهي فاتحة الكتاب وأم القرآن" وفي رواية: " الحمد لله رب العالمين سبع آيات، أولها بسم الله الرحمن الرحيم".
وسئلت أم سلمة رضي الله عنها: كيف كانت قراءة رسول الله ﷺ؟ فقالت: كان ﷺ يقرأ (بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ)(١) ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (٢) ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (٣) مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ (٥) ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ(٦) صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ(٧)﴾ [الفاتحة: ١-٧]، قطعها آية آية وعدها عد الإعراب سبع آيات، عد بسم الله الرحمن الرحيم آية، ولم يعد عليهم آية. وسئل أنس بن مالك -رضي الله عنه-: كيف كانت قراءة النبي ﷺ؟ فقال: كانت مدًا ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله الرحمن الرحيم، يمد الرحمن ويمد بالرحيم، وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: قال لي رسول الله ﷺ: "كيف تفتتح الصلاة يا جابر؟ فقلت: بالحمد لله رب العالمين، فقال ﷺ: قل بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ "
وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- إذا سئل عن قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ اتينك سَبْعًا مِنَ الْمَثاني وَالْقُرْءَان العظيم) [الحجر: ٨٧]، يقول: بسم الله الرحمن الرحيم [٦٦ / ب ] [الفاتحة: ١] الآية السابعة وليس في القرآن سورة آیها سبع آيات إلا الفاتحة وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله عز وجل"، وكان الزهري -رضي الله عنه- يقول: اقرءوا بها في كل ركعة فإنها لم تنزل على أحد بعد سليمان -عليه الصلاة والسلام- إلا على النبي ﷺ.
وقد أجمع أصحاب رسول الله ﷺ على كتابة المصحف الإمام وفيه البسملة أول الفاتحة وأول كل سورة والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة.
وقد استدل من قال إنها ليست من الفاتحة بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الآتي قريبًا: يقول الله -عز وجل- قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ثم بدأ بالحمد لله رب العالمين، وكان أنس بن مالك ﷺ -رضي الله عنه- يقول: صليت خلف رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فكلهم كان يجهر بالحمد لله رب العالمين، ويسرون في أنفسهم بسم الله الرحمن الرحيم
إذا علمت ذلك فالحق الذي نعتقده أنه ﷺ كان يسر ببسم الرحيم الرحيم تارة ويجهر بها أخرى فطائفة من الصحابة لم تسمعها منه ﷺ لقوة الخشوع والحضور ونحوه فتركت قراءتها خوفًا من زيادة شيء لم يسمعوه من رسول الله ﷺ في هذا المكان المخصوص، وطائفة سمعتها منه ﷺ في السرية والجهرية لقربها منه في موقف الصف فقالت بها في كل قراءة، والعمل بهذا أولى، ولم يبلغنا أنه ﷺ ترك قراءتها مطلقاً سرًا وجهرًا أبدًا فمن بلغه شيء في ذلك فليلحقه ههنا، فلما قررناه كان عمر وأبو هريرة وابن عباس -رضي الله عنهم- يجهرون بها في أكثر أحوالهم فهذا سبب الخلاف بين السلف الصالح، والحمد لله رب العالمين.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بالشريعة وبيانها على لسان عبده محمد ذي المراتب الرفيعة والجهات الوسيعة، وصلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار في دربه، وعلى آبائه وإخوانه من أنبياء الله ورسله وآلهم وصحبهم وتابعهم، وعلى ملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم من أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
يذكر الإمام الشعراني -عليه رحمة الله تعالى- في هذا الفصل الحكم والاستعاذة.
والاستعاذة : اللجأ واللياذ والتحصن والتحفظ.
ومعنى "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم": ألجأ إليه وأعوذ به وأتحفظ به والتحصن من الشيطان الرجيم.
قال: "فصل في الاستعاذة" وهي: طلب العوذ والحفظ من الله تبارك وتعالى، قال: "كان رسول الله ﷺ يستعيذ بالله عند كل قراءة"، لما جاء في قوله تعالى: ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) [النحل:98] . فالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم شأن المؤمن في جميع أحواله وشؤونه، وفي أحوال خاصة مثل عند قراءة القرآن لأنه أكبر ما يحب أن يصدّّ عنه إبليس وأن يصرف الناس عنه وأولياءه من الإنس. ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) [فصلت:26] فينبغي لقارئ القرآن أن يتحصن ويتحفظ بالله تبارك وتعالى من قبل القراءة لتسلم قراءته من نفخه ونفثه وإدخاله الضجر أوالكسل أوالتثاقل أو صرفه الفكرعن معاني هذا القرآن.
قال تعالى: ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [الأعراف:200[ وفي الآية الأخرى : ( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [فصلت:36] جل جلاله وتعالى في علاه. والصيغة المعروفة للاستعاذة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" ويروى "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم" ويروى زيادة "من همزه ونفخه ونفثه " كما جاء في سنن الترمذي.
فالاستعاذة في كل قراءة وفي الصلاة كذلك عند الجمهور غير المالكية.
قال: وكان تارة يقول: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وكان تارة يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم منهمزه ونفخه ونفثه ". "قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: ولم يكن رسول الله ﷺ يتعوذ للقراءة في غير الأولى بل كان ينهض ثم: يفتتح القراءة" وهذا قول بعض أهل الفقه وبعض الأئمة الأربعة؛" وهو قول عند الشافعية؛ والمعتمد أنه يسن التعوذ في كل ركعة، قبل أن يشرعها في الفاتحة يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وأشار أبو هريرة إلى ما قاله به بعض الأئمة من أن التعوذ إنما يكون في الركعة الأولى فإذا أكمل دعاء الافتتاح وأراد قراءة الفاتحة فيستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. وهذه
الاستعاذة تكون بالسرِّ وهي السنة كما سمعت عند الجمهور. جاء عن عطاء وعن الثوري أنها واجبة الاستعاذة والجمهور على أنها سنة من السنن. ولم يستحبها المالكية في الصلاة.
قال: "وكان ابن سيرين -رضي الله عنه- يستعيذ في كل ركعة" وعليه عمل كثير من الأئمة.
وكذلك الخلاف عند الحنابلة في روايتين عن الإمام أحمد بن حنبل أن الاستعاذة في الركعة الأولى فقط، والثانية أنه يستعيذ في كل ركعة كما هو المعتمد عند الشافعية أنه يستعيذ بالله في كل ركعة كلما قام إلى ركعة وأراد أن يقرأ الفاتحة فيعيد الاستعاذة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
وقال بعض أهل المعرفة إن كان من الخواص الذين يكفيهم استعاذة واحدة فيكفيهم استعاذة في الركعة الأولى فيهرب عنه الشيطان ولا يدنو منه، وإن كان من العوام فينبغي أن يكرر الاستعاذة في كل ركعة.
يقول: "وكان أبو هريرة يجهر بالاستعاذة"، والجمهور من أهل العلم على عدم الجهر بها ومن قال بسنيتها قال يأتي بها سرًا، "وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يسر بها، والله أعلم".
ثم ذكر لنا في الفصل الثاني حكم البسملة. ومما جاء في الأذكار في السنة "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم " في الصباح وفي المساء ثلاثًا، وثم استعاذته ﷺ من أنواع الأدواء والأسواء ومن الشيطان بالمعوذتين بقراءة "قل أعوذ برب الفلق" و"قل أعوذ برب الناس". فنعم الاستعاذة بهما، وكان يعوذ بهما المرضى بعد نزولهما وفيهما من الأسرار ما لا يحد بمقدار سورة الفلق وسورة الناس كما ورد قراءتهما مع سورة الإخلاص ثلاثًا صباحًا ومساء ثلاثًا ثلاثًا ثلاثًا، كما ورد قراءتهما بعد صلاة الجمعة سبعًا سبعًا سبعًا؛ بعد الفاتحة والإخلاص والمعوذتين سبعًا سبعًا سبعًا. وأن الله يحفظ قارئ ذلك إلى الجمعة الأخرى.
ثم تكلم عن البسملة، يقول: فصل في قراءة البسملة"، يقول قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: كان رسول الله ﷺ يقول: "الحمد لله رب العالمين، هي السبع المثان.." يعني: سورة الحمد لله رب العالمين "هي السبع المثاني والقرآن العظيم وهي سبع آيات إحداهن: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ " .
فاختلف كذلك الأئمة في البسملة وكذلك القراء:
في من يختار البسملة في أوائل كل سورة غير سورة براءة فلا يختارونها في القراءة خارج الصلاة.
وأما إذا قرأ من أثناء السورة فذهب عدد من القراء في أنه يتعوذ ويبدأ في الآية من دون البسملة.
وكما هو أيضا مقرر عند الشافعية أن البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة من القرآن فهي في القرآن ذكرت 114 مرة، ولم تذكر في سورة براءة، فصارت 113! وهي ليست !؟113 هي مذكورة وسط سورة النمل، فصارت 114 على عدد سور القرآن، وليست في أول براءة بسملة بالإتفاق، فإن المصاحف التي كتبت في عهده ﷺ ثم في عهد الصحابة تكتب البسملة في أول كل سورة إلا براءة، لا يكتب في أولها بسم الله الرحمن الرحيم. وأما البسملة في سورة النمل فبالاتفاق وباليقين بأنها من كتاب الله تعالى قالت: (.. إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ) [النمل:29_31] فهذه البسملة بيقين من القرآن وباتفاق جميع القراء وجميع الفقهاء.
ولكن في أول كل سورة:
فقيل: أنها آية من الفاتحة فقط.
وقيل: أنها آية مستقلة تقرأ قبل السور وليست من السور (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ).
قال: "وهي فاتحة الكتاب وأم القرآن" وفي رواية: " الحمد لله رب العالمين سبع آيات، أولها بسم الله الرحمن الرحيم"، كما ذكره البيهقي في شعب الإيمان والدارقطني في روايتهما وغيرهم.
"وسئلت أم سلمة رضي الله عنها: كيف كانت قراءة رسول الله ﷺ؟ فقالت: كان ﷺ يقرأ (بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ)(١) ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (٢)..) وقرأت الآيات وقالت: "قطعها آية آية وعدها عد الإعراب سبع آيات، عدّّ بسم الله الرحمن الرحيم آية، ولم يعد عليهم آية"
وهذا الذي عليه الكوفيُّون وجماعة من القراء أنَّ (بسم الله الرحمن الرحيم) هي أول آية في الفاتحة، وليس (صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ) بآية.
وعند بعض الأئمة البصريين وغيرهم يقولون: أنَّ أول آية ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ، و(صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ) آية؛ فهي سبع بالاتفاق، وذكر في هذا قول أم سلمة أنه: "عد بسم الله الرحمن الرحيم آية، ولم يعد عليهم آية"
(بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ) آية، (ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) آية، (ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ) آية، (مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ) آية، (إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ) آية، (ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ) آية، (صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ) آية، فهي سبع بهذا العد.
قال: "كانت مَدًا". لما " وسئل أنس بن مالك -رضي الله عنه-: كيف كانت قراءة النبي ﷺ؟ فقال: كانت مدًا ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله الرحمن الرحيم ، يمد الرحمن ويمد بالرحيم" ولا شك فهذا هو المد الذي يسمونه الطبيعي عندهم في التجويد، ولكن ما في (بسم الله الرحمن الرحيم) ولكن (بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ) فيلاحظ هذا المد الذي لا يقصر عن الحركتين بسم الله الرحمن الرحيم.
قال: "وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: قال لي رسول الله ﷺ: كيف تفتتح الصلاة يا جابر؟ فقلت: بالحمد لله رب العالمين، فقال ﷺ: قل بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ " يعني: إذا قرأت سورة الفاتحة فقل بسم الله الرحمن الرحيم، وذكر عدد من الروايات هنا، والروايات متعددة، وأخذ المالكية بظاهر ما ورد أنهم كانوا يفتتحون قراءتهم في الصلاة بالحمد لله رب العالمين.
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- إذا سئل عن قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ اتينك سَبْعًا مِنَ الْمَثاني وَالْقُرْءَان العظيم) [الحجر: ٨٧]، يقول: بسم الله الرحمن الرحيم [٦٦ / ب ] [الفاتحة: ١] الآية السابعة وليس في القرآن سورة آیها سبع آيات إلا الفاتحة" فما بين أقل من السبع كمثل سورة الإخلاص ومثل سورة الكوثر، وإما أكثر من السبع ولا شيء محصور آياتها في سبع إلا الفاتحة، آياتها سبع.
"وقد سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله عز وجل" وكان الزهري -رضي الله عنه- يقول: اقرءوا بها في كل ركعة فإنها لم تنزل على أحد بعد سليمان -عليه الصلاة والسلام- إلا على النبي ﷺ".
"وقد أجمع أصحاب رسول الله ﷺ على كتابة المصحف الإمام.."- أي: الذي جعلوه مرجعًا للناس، وفرَّقوه في الأقطار- "وفيه البسملة أول الفاتحة وأول كل سورة والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة".
"وقد استدل من قال إنها ليست من الفاتحة بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الآتي قريبًا: يقول الله -عز وجل- قسمت الصلاة بيني وبين عبدي -ومن أسماء الفاتحة أيضًا الصلاة- نصفين، ثم بدأ بالحمد لله رب العالمين"
قال: "فإذا قالَ العَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ)، قالَ اللَّهُ تَعالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وإذا قالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، قالَ اللَّهُ تَعالَى: أثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وإذا قالَ: (مالِكِ يَومِ الدِّينِ)، قالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وقالَ مَرَّةً فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي، فإذا قالَ: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قالَ: هذا بَيْنِي وبيْنَ عَبْدِي، ولِعَبْدِي ما سَأَلَ، فإذا قالَ: (اهْدِنا الصِّراطَ المُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذينَ أنْعَمْتَ عليهم غيرِ المَغْضُوبِ عليهم ولا الضَّالِّينَ) قالَ: هذا لِعَبْدِي ولِعَبْدِي ما سَأَلَ" فما أعظم مناجاة الحق تعالى لأهل القلوب الحاضرة مع الله فلا تصلي بالغفلة.
"وكان أنس بن مالك ﷺ -رضي الله عنه- يقول: صليت خلف رسول الله ﷺ وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فكلهم كان يجهر بالحمد لله رب العالمين، ويسرون في أنفسهم بسم الله الرحمن الرحيم" هكذا جاء في رواية، وهي إذًا المعتمد عند الحنابلة أنه يُسن الإسرار بها؛ وفي قول يجهر بها "بسم الله الرحمن الرحيم"، كذلك عند الحنفية يقولون: يقرأ بها سِرًّا، المأموم ما له قراءة ولكن المنفرد يَسُرُّ بها، وسمعتَ قول المالكية أنه لا يجهر ولا يَسُرُّ بها؛ ولكن في قول عند المالكية أنه يأتي بها سرًِّا يَسُرُّ بالبسملة (بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ * ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ) [الفاتحة 1-2].
يقول: "إذا علمت ذلك فالحق الذي نعتقده أنه ﷺ كان يسر ببسم الرحيم الرحيم تارة ويجهر بها أخرى"
قال الإمام الشعراني: "فطائفة من الصحابة لم تسمعها منه ﷺ لقوة الخشوع والحضور ونحوه فتركت قراءتها خوفًا من زيادة شيء لم يسمعوه من رسول الله ﷺ في هذا المكان المخصوص، وطائفة سمعتها منه ﷺ في السرية والجهرية لقربها منه في موقف الصف فقالت بها في كل قراءة، والعمل بهذا أولى، -للخروج من الخلاف- ولم يبلغنا أنه ترك قراءتها مطلقاً سرًا وجهرًا أبدًا فمن بلغه شيء في ذلك فليلحقه ههنا، فلما قررناه كان عمر وأبو هريرة وابن عباس -رضي الله عنهم- يجهرون بها في أكثر أحوالهم فهذا سبب الخلاف بين السلف الصالح، والحمد لله رب العالمين" -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- مرجعهم إلى ما حفظوا من رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- ويقول بعض أرباب الولاية والسلام: إني رأيته ﷺ وسألته هل البسملة عين الفاتحة؟ قال: نعم؛ ولكن لا تبطل صلاة تاركيها، فالشريعة واسعة، والاحتياط في ذلك واسع سواء أسرَّ بها أو جهر بها.
فمذهب الشافعية: سُنِّية الجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية للإمام والمنفرد، أما المأموم فيَسِرّ بالقراءة كلها،
والإمام يجهر بالقراءة في الصبح، وفي أولتي المغرب، وأولتي العشاء؛ فيجهر بالبسملة؛
وسمعتَ أن عامة من يقول بسُنِّية التعوذ يقول: إنه يسر بها؛ وفي قولٍ شاذٍّ يجهر بالتعوذ؛
وعلمتَ أن الجمهور على سُنِّية التعوذ؛ وفي قول عطاء والثوري: أنه واجب التعوذ، وموطنه قبل القراءة.
ومن غير شك أنه إذا قرأ سورة بعد الفاتحة فلا يتعوذ، لايعيد التعوذ؛ وإنما الخلاف في الركعة الثانية والثالثة لأنه فَصَل بين القراءة الأولى بالركوع والسجود وما إلى ذلك.
بخلاف ما إذا فَصَل بسجدة التلاوة، كان يقرأ في الصلاة فمرَّ على سجدة التلاوة فسجد ثم ارتفع، فلا يعيد التعوذ باتفاق بل يواصل؛ فإن هذه السجدة متعلقة بنفس التلاوة فكأنه لم يخرج عن التلاوة؛ بخلاف الركوع والسجود في أثناء الصلاة فمِن قائل: أنه أيضًا لا يقطع القراءة فلا يتعوذ إلا في الركعة الأولى، ومِن قائل: يعيد التعوذ في كل ركعة كما هما قولان عند الشافعية والحنابلة.
ومعتمد الشافعية أنه يُسَن تكرار التعوذ في كل ركعة.
ومعتمد الحنابلة أنه يكتفي في الركعة الأولى؛ وفي القول الثاني عندهم رواية عن الإمام أحمد: أنه يكرر التعوذ في كل ركعة؛ فهذا ما يتعلق بالتعوذ وما يتعلق بالبسملة.
رزقنا الله حفظه وحراسته لنا من الشيطان وجنده، ومن كل سوء أحاطنا بعلمه في الدارين، ورزقنا القيام بحق البسملة، فإن كل شيء قائم باسمه محوط بعلمه -جلَّ جلاله-.
فلا ينبغي للمؤمن أن يأكل إلا باسم الله، ولا أن يشرب إلا باسم الله، ولا أن يلبس إلا بسم الله، بل ولا ينام ولا يقوم بل يقول: باسمك ربي وضعتُ جنبي وباسمك أرفعه، ولا يدخل إلا باسم ربه ولا يخرج إلا باسم ربه، ولا يلبس إلا باسم ربه، فينبغي للمؤمن أن يصبغ حياته بصبغة الاتصال بالله، فيسمِّ الله في كل لبس من الثياب يلبسه، وفي كل أكلة يأكلها، وفي كل شربة يشربها، وفي كل خرجة من البيت أو دخول إليه أو دخول المسجد أو خروج منه، وفي كل نومة ينامها، وعند القيام من النوم كذلك، فيسمِّ الله في مختلف أحواله وشؤونه حتى تحوطه عناية الله ورعايته في الشؤون وأحواله كلها.
ثبتنا الله وإياكم على ما يحب، وجعلنا في من يحب، ووقانا كل سوء أحاط بعلمه في الدارين، ويجَعَلَ أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
21 ذو القِعدة 1445