(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (49) باب صفة الصلاة -3- مواضع رفع اليدين في الصلاة
صباح الأحد 18 ذو القعدة 1445هـ
"وكان ﷺ إذا قام إلى الصلاة لا يعتمد في حال قيامه على شيء، ولكنه لما أسن وأخذه اللحم كان يعتمد في قيامه على عمود من خشب كما تقدم في باب آداب الصلاة، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا سئل عمن يعتمد على جدار مع القدرة في الصلاة يقول: "إنا لنفعل ذلك وإنه ينقص من الأجر"، وكان ﷺ إذا كبَّر رفع يديه مدًا مع التكبير حتى يكونا حذو منكبيه قريبًا من أذنيه، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك حتى كان في بعض الأوقات يصلي ملتحفًا بثوبه فيخرجهما فيرفعهما، وكان إذا رفع رأسه من الركوع يرفعهما كذلك وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك حين يسجد ولا بين السجدتين ولا حين يرفع رأسه من السجدة الثانية، وكان ﷺ إذا قام من الركعتين إلى الثالثة يرفع يديه كما في تكبيرة الإحرام، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: كان رسول الله ﷺ تارة يرفع يديه مع التكبيرة وتارة قبل افتتاح التكبيرة وتارة يكبر قبل الرفع، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: وكان لا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد.
وكان أبو حميد الساعدي رضي الله عنه يقول بحضرة أكابر الصحابة: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله ﷺ فقالوا : كيف ولم تكن أقدم منا صحبة ولا أكثر إتياناً له ؟ قال : بلى قالوا فاعرض علينا فقال: كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائماً ورفع يديه مكبراً حتى يحاذي بهما منكبيه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، ثم قال: الله أكبر وركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يقنع، ووضع يديه على ركبتيه ، ثم قال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه واعتدل حتى رجع كل عظم إلى موضعه معتدلاً، ثم هوى إلى الأرض ساجداً، ثم قال: الله أكبر ثم ثنى رجله وقعد عليها واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه ثم نهض، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة، ثم صنع كذلك حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته أخرج رجله اليسرى وقعد على شقه متوركاً ثم سلم فقالوا جميعاً: صدقت يا أبا حميد هكذا كانت صلاة رسول الله ﷺ.
وكان ﷺ إذا علَّمَ أحداً الصلاة يقول له : أسبغ الوضوء كما أمرك الله ثم كبر الله واحمده ومجده واقرأ ما تيسر من القرآن بما علم الله وأذن لك فيه ، وكان رسول الله ﷺ إذا كبر للإحرام وضع يده اليمنى على اليسرى والرسغ والساعد تحت السرة ، وكان ﷺ يأمر المصلي بالنظر إلى موضع السجود وينهى عن رفع البصر إلى السماء ويقول: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم"، وكان ﷺ قبل نزول قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: ٢]. يقلب بصره إلى السماء كثيراً فلما نزلت طأطأ رأسه" .
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده وصفوته سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأهل ولائه ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين وآلهم وصحبهم وتابعهم، وملائكة الله المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر الحديث المتعلقة بصفة الصلاة. ويذكر لنا "عن النبي ﷺ إذا كبَّر رفع يديه مدًا مع التكبير حتى يكونا حذو منكبيه قريبًا من أذنيه"، ورفع اليدين في الصلاة متفق عليه عند تكبيرة الإحرام، ومع تكبيرة الإحرام فهذا الموضوع اتفق عليه الأئمة الأربعة وغيرهم.
فيسن للمصلي أن يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام. وبعد ذلك اختلفوا في رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول:
فهذه مواطن رفع اليدين في الصلاة، وليس منها الرفع لأجل السجود، ولا للرفع من السجود وهو جالس كما ذكر سيدنا علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه ورضي عنه–.
يقول: "إذا كبَّر رفع يديه مدًّا مع التكبير حتى يكونا حذو منكبيه …".
واختلفوا أيضا في المرأة ورفعها:
وقال الحنفية: إنما ترفعه إلى ثدييها فقط -يديها- عند تكبيرة الإحرام.
يقول: "إذا كبَّر رفع يديه مدًا مع التكبير حتى يكونا حذو منكبيه قريبًا من أذنيه، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك حتى كان في بعض الأوقات يصلي ملتحفًا بثوبه فيخرجهما فيرفعهما"، وهذا ما ورد عن الصحابة أنهم وإن كانوا أيام البرد يلتحفون بالأثواب فإنهم يرفعون أيديهم إما من تحت الأثواب أو يبرزونها. "وكان إذا رفع رأسه من الركوع يرفعهما كذلك وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد"، فذكر الجمع بين التسميع والتحميد "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد"، وهذا الجمع بينهما للإمام وكذلك للمنفرد:
وقالوا كذلك في المنفرد يجمع بالاتفاق؛ يجمع المنفرد بين التسميع والتحميد والإمام كذلك على اختلاف:
فعلى كل حال الجمع بين التسميع والتحميد عليه جماعة من فقهاء الشريعة المطهرة، فيقول كل من الإمام والمأموم والمنفرد: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد.
ولهذا إذا بلّّغَ المبلغ:
فعند الشافعية يقول: سمع الله لمن حمده.
وعند الحنفية والمالكية يقول: ربنا لك الحمد، فلا ينطق بسمع الله لمن حمده؛ ما دام مأمومًا.
رأينا اختلاف اجتهادهم في هذين الذكرين.
والأذكار أيضا التسبيح في الركوع وفي السجود:
ولكن التسميع والتحميد سمعت أنه واجب عند الحنابلة كذلك التسبيح في الركوع وفي السجود واجب عندهم -المرة الواحدة واجبة- وهو قول: سبحان ربي العظيم في الركوع، وسبحان ربي الأعلى في السجود هي عند الحنابلة واجبة مرة واحدة، وعند غيرهم سنة المرة والأفضل ثلاث.
قال: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد" ففيها روايات:
ربنا ولك الحمد، ربنا لك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد، اللهم ربنا ولك الحمد، فأفضلها: اللهم ربنا ولك الحمد.
"وكان لا يفعل ذلك حين يسجد.." أي: لا يرفع يديه عندما يهوي إلى السجود "ولا بين السجدتين ولا حين يرفع رأسه من السجدة الثانية.." لا يرفع يديه في هذه المواطن.
والجمهور على ذلك: أنه لا يرفع يديه في شيء من السجود؛ ولا من القيام من السجود؛ ولا عند الجلوس بين السجدتين؛ ولا عند الجلوس للتشهد؛ لا يرفع يديه في شيء من هذه المواطن.
"وكان إذا قام من الركعتين إلى الثالثة.." وذلك في الصلوات الأربع -في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وليست الصبح إلا ركعتين- فإذا قام في هذه الصلوات الأربع "..إلى الثالثة رفع يديه.."
فعلم أن الرفع في المواطن الأربع هو مذهب الشافعية والحنابلة، وعند الحنابلة خلاف في رفع اليدين عند القيام من التشهد الأول إلى القيام في الركعة الثالثة.
قال: "وكان ﷺ إذا قام من الركعتين إلى الثالثة يرفع يديه كما في تكبيرة الإحرام، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: كان رسول الله ﷺ تارة يرفع يديه مع التكبيرة وتارة قبل افتتاح التكبيرة وتارة يكبر قبل الرفع"، والجمهور أنه: لا يرفع قبل التكبير ولا بعده، وإنما مع التكبير وأثناء التكبير.
قال: "علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وكرم الله وجهه: وكان لا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد" لا عند السجود ولا عند الرفع من السجود؛ سواء للجلسة بين السجدتين أو لجلسة التشهد، لا يرفع يديه وهو قاعد في الصلاة صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
كما اختلفوا في رفع اليدين للقنوت واعتمد الشافعية سنية ذلك.
قال: "وكان أبو حميد الساعدي رضي الله عنه يقول بحضرة أكابر الصحابة: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله ﷺ فقالوا: كيف ولم تكن أقدم منا صحبة ولا أكثر إتياناً له ؟ قال: بلى، -أنا الصلاة ركزت عليها وأعرفها- قالوا: فاعرض علينا فقال: كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائماً ورفع يديه مكبراً -أي: يرفع يديه مع التكبير- حتى يحاذي بهما منكبيه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، ثم قال: الله أكبر وركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يُقَنِّع.." يعني: لم ينزل بهِ إلى الأرض ولم يرفعه إلى أعلى، ولم ينزله إلى الأرض، وجعله مستوياً مع ظهره الشريف، فيكون صُلبه مُستوي وظهره كأنه صحيفة واحدة مع الرأس معاً؛ لا الرأس أرفع ولا أوطى من الظهر، بل يكون كأنها صحيفة واحدة، أو صفيحة واحدة. فهذه السُنة في الركوع، أن يستويَ ظهره، ولا ينزل تحت ويرتفع فوق، وينتصب ويستوي مع ظهره رأسه فيكون في مستوىً واحد رأسه وظهره، وهو راكع، فهذه هيئة الركوع لسيدنا رسول الله ﷺ وهي السُنة.
قالوا: ولا ينبغي أن يؤخر عجزته ويرجع إلى الوراء عند الركوع إلا بمقدار الضرورة، بل يبقى منتصباً كما هو في القيام، وإنما فقط يلوي ظهره ورأسه والرجلان منتصبة كما هي في القيام إلا بمقدار الضرورة لايتأخر كثيرًا إلى الوراء.
" ثم قال: الله أكبر وركع ثم اعتدل فلم يصوب رأسه ولم يُقَنِّع" ولم يرفعه ولم يُوطِّه "ووضع يديه على ركبتيه"وهذا سنة؛ وضع اليدين على الركبتين في الركوع سنة، والإنحناء بحيث تنال رَاحته ركبتيه فرض وواجب أن ينحني إلى هذا المستوى من غير انخناس -يطأطئ عَجْزَتِه ويقدم ركبتيه- فلا يصح الركوع بالانخناس.
"ثم قال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه واعتدل حتى رجع كل عظم إلى موضعه معتدلاً" في القيام، "ثم هوى إلى الأرض ساجداً، ثم قال: الله أكبر ثم ثنى رجله وقعد عليها".
وهذه جلسة الافتراش: وهي الجلسة المستحبة في جميع جلسات الصلاة عند الحنفية.
وجلسة التورك: وهي يخرج رجله اليسرى من تحت رجله اليمنى ويلصق وركه في الأرض، وهي الجلسة المستحبة في جميع جلسات الصلاة عند المالكية، وفصل الحنابلة أن أكثر الجلسات بين جلسة الافتراش، وفي بعضها يتورك.
وقد مكث سيدنا الشيخ بكر بن سالم خمس عشرة سنة لا يُرى إلا متوركاً في جلساته خارج الصلاة، ولما قالوا: ألا تتعب؟ قال: هذه جلسة العبد بين يدي سيده، وأنا عبد بين يدي سيدي. فيغلب عليه شهود الحق، فلا يُرى إلا متوركاً في جلساته الطويلة في البيت وفي خارج البيت، في المجالس كلها -عليهم رضوان الله- وحيَّ الله القلوب الحاضرة مع الله تبارك وتعالى، وشفا الله قلوبنا وقلوب المسلمين من الغفلة عن الرحمن، ومن الاشتغال بما سواه، ومن التعلق بمن عداه، ومن الغش الذي غش به إبليس وجنده قلوب كثير من المؤمنين، فَضعف شغلها بالله وضعف حضورها مع الله -سبحانه وتعالى- ويا فوز القلوب الحاضرة مع الله سبحانه في الصلاة وخارج الصلاة، تشهد اطلاعه عليها وإحاطته بها ورؤيته إياها، -جل جلاله وتعالى في علاه- فتسعد بذلك القلوب وتنشرح الصدور، وتتطهر وتتنور البواطن بالحضور مع الله -جل جلاله- وما سبب البلايا في الدارين إلا الغفلة، الغفلة عن الله ج-ل جلاله وتعالى في علاه- وهو محيط بك وأنت تغفل عنه، وهو الذي يرعى خواطرك ونياتك وضميرك وحركاتك وسكناتك، وحركة أصابعك وحركة عينيك وأجفانك، وهو أعلم بها ومحيطٌ، وأنت تغفل عنه جل جلاله وتعالى في علاه.
قال:"ثم قال: الله أكبر ثم ثنى رجله وقعد عليها واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه ثم نهض، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك"، وفي هذا أيضًا إثبات جلسة الاستراحة، وهو أن يجلس عند ارتفاعه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والركعة الثالثة عند قيامه إلى الرابعة، يجلس جلسة الاستراحة، "ثم صنع كذلك حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته" وهي الركعة الأخيرة، والجلوس للتشهد الأخير، "أخرج رجله اليسرى": أي من تحت رجله اليمنى، ورجله اليمنى منتصبة،"وقعد على شقه متوركاً" وهذا هو أيضًا مذهب الشافعية والحنابلة، وهو أيضًا عند المالكية، لكن في جميع جلسات الصلاة عندهم التورك.
"ثم سلم فقالوا جميعاً: صدقت يا أبا حميد هكذا كانت صلاة رسول الله ﷺ".
"وكان ﷺ إذا علَّمَ أحداً الصلاة يقول له: أسبغ الوضوء": والإسباغ: التمام والإحسان، أي: أدِّهِ على الكمال والإتقان، أسبغ الوضوء، يعني: أكمل واجباته وسننه، واستوعب الأعضاء بالغسل وبالمسح، "أسبغ الوضوء كما أمرك الله" تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ..)[المائدة:6] وإن من أعظم المكفرات للذنوب إسباغ الوضوء على المكاره:
فيسبغ الوضوء في هذه المكاره؛ فذلك من أعظم المكفرات للذنوب، والمصفيات للقلوب، إسباغ الوضوء على المكاره، وهو من جملة الجهاد في سبيل الله "إسباغُ الوضوءِ علَى المَكارِهِ ، وَكَثرةُ الخُطا إلى المساجِدِ ، وانتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ ، فذلِكُمُ الرِّباطُ ، فذلِكُمُ الرِّباطُ ، فذلِكُمُ الرِّباطُ" أي: فاعله كالمرابط في سبيل الله الذي يكون في ثغر من الثغور، يصد المعتدين من الكفار عن المؤمنين.
قال: "أسبغ الوضوء كما أمرك الله ثم كبر الله" واشترط التكبير، وقد تقدم كذلك معنا.
"واحمده ومجده" في دعاء الافتتاح، "واقرأ ما تيسر من القرآن"
قال: "واقرأ ما تيسر من القرآن" ولكن كلهم يفضلون الفاتحة بالاتفاق من غير شك.
"واقرأ ما تيسر من القرآن بما علم الله وأذن لك فيه"، "وكان رسول الله ﷺ إذا كبر للإحرام وضع يده اليمنى على اليسرى والرسغ والساعد تحت السرة"، وفي بعض الروايات فوق السرة قريباً من الصدر، وفي بعض الوقت قريبًا من السرة؛ فلهذا اختلفوا في موضع اليدين.
ولم يقل منهم أحد بأن يرفعهما إلى فوق الصدر، ولا أن يضعهما على محل نُكَت القلب وضرباته لم يقل بهذا أحد من الأئمة ومن المجتهدين في الشرع المطهر؛ إلا ما جاء به بعض أهل الغلو في الزمان الأخير، وإلا فوضع اليدين ما بين تحت الصدر وفوق السرة وإن كان يميل قليلا إلى اليسار أو على السرة أو تحت السرة، على ما جاء في الروايات وقام عليها اجتهاد أهل الفقه من المستنبطين.
قال: "وكان رسول الله ﷺ إذا كبر للإحرام وضع يده اليمنى على اليسرى والرسغ والساعد تحت السرة"، فَيضع اليمنى على اليسرى، فكفها على كفها، وطرفها على الرسغ: وهو العظم الذي في الوسط عند بداية الساعد فوق الكف،
فالعَظم الوسط يقال له: رسغ.
وما يلي الإبهام فيقال له كوع.
وما يلي الخنصر يقال له كُرسوع.
والرسغ الوسط بينهما، والعظم في الرجل الذي يلي إبهام الرجل يقال له: بوع.
وَعَظمٌ يَلِي الإبهامَ كُوعٌ ومَا يَلِي***لِخِنصَرِهِ الكُرسُوعُ وَالرُّسْغُ مَا وَسَطَ
وعَظمٌ يَلِي إبهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٌ***بِبُوعٍ فَخُذْ بِالعِلمِ وَاحذَر مِن الغَلَطِ
ويضربون المثل بالجاهل بشيء والذي فقد الفَهم للأمر، ويقولون: لا يعرف كوعه من بوعه، لا يفرق بين عظام جسده، ولا يفرق بين صلاح الأمور وفسادها وخيرها وشرها، لا يعرف كوعه من بوعه-لا حول ولا قوة إلا بالله- بليد لايفقه، قال: احذَر مِن الغَلَطِ، يكون متنبه متيقظ.
"وكان ﷺ يأمر المصلي بالنظر إلى موضع السجود"، وعليه الجمهور أيضًا، "وينهى عن رفع البصر إلى السماء ويقول: «لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لتخطفن أبصارهم": أي يعجل الله العقوبة لمن شاء منهم؛ فَيخطف بصره ويعمى في الدنيا برفع بصره في الصلاة، بل ينبغي أن يخفض رأسه من دون مبالغة، ويجعل نظره إلى موضع السجود في جميع الصلاة، إلا عند قوله "إلا الله" في التشهد، فيحول النظر إلى السبابة وينظر إلى السبابة.
وقال بعضهم: أن نظره إلى موضع السجود في القيام، وأن نظره في الركوع إلى الإبهام، وأن نظره في السجود إلى الركبتين، وفي الجلوس بين السجدتين إلى الركبتين، وأن نظره في التشهد إلى السبابة اليمنى-لا إله إلا الله- اللهم حققنا بحقائق الصلاة.
قال: "وكان ﷺ قبل نزول قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: ٢]. يقلب بصره إلى السماء كثيراً فلما نزلت طأطأ رأسه"
وقد كان في عموم أحواله نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، وأما سيدنا النبي داود فمن بعد الخطيئة لم يرفع رأسه إلى السماء حياءً من الله -جل جلاله وتعالى في علاه-
رزقنا الله الأدب في الصلاة وإقامتها على الوجه الذي يرضاه، وثبتنا على ما يحبه، وجَعلنا فيمن يحبه، ووقانا كل سوءٍ أحاط بعلمه، وحققنا بحقائق الدين، والقيام به والارتقاء في مَراقه إسلامًا وإيمانًا وإحسانًا، ووفر حظنا من نتائج ذلك من المعرفة والمحبة ونيل الرضوان الأكبر، وأصلح أحوال المسلمين في المشارق والمغارب، ودفع عنهم المصائب والنوايب، وحول أحوالهم إلى أحسن الأحوال، وجعلنا من أهل وده وخواص جنده الموفين بعهده، المقتدين بحبيبه وعبده صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في كل نية وقصد وإرادة وحركة وسكون، في الظُهور والبُطون في لطف وعافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
19 ذو القِعدة 1445