(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (33) شروط صحة الصلاة - فصل: الصلاة على الراحلة.
صباح الثلاثاء 3 شعبان 1445هـ
"وكان رسول الله ﷺ يصلي الفرائض على راحلته يومئ إيماء، يجعل السجود أخفض من الركوع إذا كانت الأرض مبلولة من المطر زلقة، وكان ﷺ ينزل عن الراحلة ويصلي إذا كانت الأرض يابسة وكان ﷺ كثيراً ما يصلي ويسجد في الماء والطين حتى يُرى أثر الطين في جبهته، وسئلت عائشةُ -رضي الله عنها- هل رُخِّصَ للنساء أن يصلين على الدواب قالت: لم يرخص لهن في ذلك في شدة ولا رخاء، قال العلماء: وهذا في المكتوبة.
وكان يعلى بن مرة -رضي الله عنه- يقول: "انتهى النبي ﷺ إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم والبِلَّةُ من أسفلهم فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم رسول الله ﷺ فصلّى على راحلته بالإيماء"، والله أعلم .
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمدللہ مكرمنا بشريعته، وبيانها على لسان حبيبه وصفوته، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى أهل ولائه ومحبته ومتابعته، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الشيخ -عليه رحمة الله- في هذا الفصل: الصلاة على الراحلة للمسافر، الراحلة: من الإبل؛ البعير الذي يقوى على الأسفار والأحمال، يُختار فيُرَحَّل أي: يُهيَّأ للمشي عليه والسفر، ويقال له راحلة: كل بعير نجيب سواء كان ذكر أو أنثى، والقصد: الدابة وما يركب عليه الإنسان، وصار الناس الآن يركبون كثيرًا على الدراجات وعلى السيارات وعلى الطائرات، بدل الركوب على الراحلة والإبل والحمير ونحوها من الدواب.
فقصد حكم الصلاة حالة الركوب وهو يمشي، وذلك أن المؤمن يكون حريص على نوافل يعتادها وهو مقيم فيأتي السفر، فإن اشتغل بالنوافل انقطع عن السفر، وتأخر عليه القيام بأمر السفر، ومقصوده من السفر، وإن اشتغل بشؤون السفر فاته نصيبه من هذا التنفل من الصلوات؛ فشرعَ النبي ﷺ أن تُصلى النافلة في السفر ولو كانت إلى أي جهة من غير استقبال القبلة وبالإيماء بالركوع والسجود.
من هنا قال فقهاؤنا من كان مسافراً:
إذن فالتطوع لا خلاف بين أهل العلم في جوازه على الراحلة في السفر الطويل باتفاق، واختلفوا في القصير:
إذن في النوافل يجوز صلاتها على الراحلة، وكذلك سجود التلاوة، ومثله سجود الشكر، فيصح وهو على الدابة أو على المركوب هذا من الدراجة ومن السيارة .
وجاء في الحديث أنه ﷺ "كان يوتر على بعيره، وكان يسبح -يعني يصلي الصلوات النوافل- على بعيره إلا الفرائض" وهذا الذي عليه الجمهور إلا في حالة الضرورة، كأن يخاف الانقطاع والاستيحاش وفوات الرفقة، أو يكون هناك عذر يعذره من الخروج فيصلي ثم يعيد الصلاة، يصلي على الراحلة الفرض ثم يعيد الفرض.
وبعض الحنفية جعلوا ركعتي الفجر من الواجبات فلا تصح على الراحلة سنة الفجر، ويذكر عن أبي حنيفة فبعض الحنفية قالوا بوجوب ركعتي الفجر كما قالوا بوجوب الوتر، ولكن صح في الحديث "أن النبي ﷺ كان يوتر على راحلته" كما رواه البخاري، ولا يباح ذلك في سفر المعصية، ولم يشترط الشافعية أن يكون السفر طويلًا كما سمعنا عند الحنفية والحنابلة، قال المالكية: لا بد أن يكون السفر طويل وإلا ما يصح أن يصلي على الراحلة فإنه من جملة الرخص.
إذن صلاة الفريضة الأصل فيها ما تجوز على الراحلة ولا غيرها، ولكن جاء في صحيح البخاري عن النبيﷺ "أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصَلِّي علَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ المَشْرِقِ، فَإِذَا أرَادَ أنْ يُصَلِّيَ المَكْتُوبَةَ -الفريضة- نَزَلَ، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ" إلا عند وجود العذر كما أشار إليه يقول: "وكان رسول الله ﷺ يصلي الفرائض على راحلته يومئ إيماء، يجعل السجود أخفض من الركوع إذا كانت الأرض مبلولة من المطر زلقة" يعني: ما يجد مكان ينزل فيه يصلي فيه، "وكان ﷺ ينزل عن الراحلة ويصلي إذا كانت الأرض يابسة وكان ﷺ كثيراً ما يصلي ويسجد في الماء والطين حتى يُرى أثر الطين في جبهته، وسئلت عائشة -رضي الله عنها- هل رخص للنساء أن يصلين على الدواب قالت: لم يرخص لهن في ذلك في شدة ولا رخاء قال العلماء: وهذا في المكتوبة." وإلا فالمرأة حكمها حكم الرجل في جواز التنفل على الراحلة وعلى الدابة والمركوب الذي تركبه وهي في السفر.
فالأعذار المبيحة للصلاة على الراحلة في الفريضة مثل: الخوف على النفس أو المال من عدو أو من سبع أو نحو ذلك، فإذا اشتد الخوف ولم يتمكن من الصلاة للقبلة يصلي على راحلته.
جاء في رواية الإمام أحمد وعند البيهقي في سنده ضعف:"انتهى النبي ﷺ إلى مضيق هو وأصحابه وهو على راحلته والسماء من فوقهم -يعني تمطر سكب- والبلة من أسفلهم -ما في مكان يقدرون ينزلون يصلون فيه- فحضرت الصلاة فأمر المؤذن فأذن وأقام ثم تقدم رسول الله ﷺ فصلى على راحلته بالإيماء" فصلى بهم يومئ إيماء أن يجعل السجود أخفض من الركوع فهذا للضرورة، فأما إذا كان في مثل السفينة أو مثل الطائرة يستطيع أن يقوم ويستقبل القبلة ويتم الركوع والسجود فهذا يجوز أن يصلي الفرض كذلك، فيتطهر ويستقبل القبلة، ويحرم بالركعتين ويقرأ دعاء الافتتاح وفاتحة الكتاب، ويمضي في ركوعه بعد السورة وفي السجود، ويصلي صلاة كأنه في المنزل وفي البيت وعلى مستوى الأرض، فهذا إذا كان في مثل السفينة أو الطائرة يمكن أن يصلي الفرض إلى جهة الكعبة ويتم الركوع والسجود، أما النافلة فيمكن أن يجلس على الكرسي حيثما توجهت به ويومئ بالركوع ويومئ بالسجود.
يقول: "وكان يعلى بن مرة -رضي الله عنه- يقول: "انتهى النبي ﷺ إلى مضيق هو وأصحابه" هذا الذي قرأناه الآن..
وهذه الأحكام المتعلقة بصلاة النافلة في السفر، فينخفض قليلًا من أجل الركوع وينخفض أكثر من أجل السجود، وإذا كان ماشيًا على قدميه فلابد من الاستقبال للقبلة عند الإحرام وعند الركوع وعند السجود وعند التسليم، ويكون في ذلك متمِّمًا للركوع والسجود على هيئته المعهودة، وفي الحديث يقولﷺ: "الصلاة خير موضوع فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليستقلل".
رزقنا الله الحظ الوافر الوافي من الصلاة وسرها، وحضور القلوب فيها والخشوع للرحمن جل جلاله، ورزقنا كذلك الفلاح والفوز الأكبر، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
05 شَعبان 1445