(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (24) أحكام النوم والطعام في المسجد وزخرفة المساجد
صباح الإثنين 17 رجب 1445هـ
"فرع: وكان رسول الله ﷺ لا ينهى أحدًا من الشباب وغيرهم عن النوم في المسجد. قال ابن عمر -رضي الله عنهما- وكنا في زمن رسول الله ﷺ ننام المسجد ونقيل فيه ونحن شباب لم نتزوج وكان أهل الصفة مقيمين فيه ليلًا ونهارًا، وكان إذا قدم على رسول الله ﷺ رهط من الفقراء أنزلهم مع أهل الصفة، وكان إذا مرض منهم أحد ضرب عليه رسول الله ﷺ خيمة ثم يصير يعوده حتى يبرأ.
وكان عثمان -رضي الله عنه- يقيل في المسجد أيام خلافته، وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: كنت أخدم رسول الله ﷺ فإذا فرغت من خدمته أويت إلى المسجد فاضطجعت فيه فكان هو بيتي، وكان جابر -رضي الله عنه- يقول: أتانا رسول الله ﷺ مرة ونحن نائمون في المسجد فحركنا بعسيبٍ كان في يده وقال: "قوموا لا ترقدوا في المسجد فإنما بنيت المساجد لما بنيت له".
وقال عبد الله بن الحارث -رضي الله عنه-: "كنا نأكل في المسجد على عهد رسول الله ﷺ الخبز واللحم وهو ينظر وربما أكل معنا"، ولما أسر رسول الله ﷺ ثمامة بن أثال قبل إسلامه ربطه بسارية في المسجد، وكان ﷺ إذا جاءه مال من البحرين ينثره في المسجد ويقسمه فيه.
فرعٌ: وكان ﷺ يأمر بإزالة كل ما يلهي المصلي ويقول: "لا ينبغي أن يكون في قبلة المصلي شيء يلهي"، وصلى أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- يومًا في بستانه وكانت أشجاره ملتفة بعضها على بعض، فطارَ دِبْسِيْ فطفق يتردد يلتمس مخرجًا فلم يجده فأعجب ذلك أبا طلحة وأتبعه بصره ساعة، ثم رجع فإذا هو لا يدري كم صلى فقال: لقد أصابني في مالي هذا فتنة فجاء إلى رسول الله ﷺ فذكر له الذي أصابه في صلاته وقال يا رسول الله: "هو صدقة فضعه حيث شئت -رضي الله عنه-.
وكان ينهى عن الخروج من المسجد بعد الأذان من غير صلاة إلا لعذر كسفر الحج والجهاد، وكثيرًا ما كان يقول: "إذا كنتم مسافرين يعني عازمين على السفر فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي"، وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- إذا رأى رجلًا يخرج من المسجد بعد الأذان يقول: أما هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ.
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يدخل من أبواب المسجد كلها إلا بابًا واحدًا فقيل له في ذلك فقال: لأني سمعت رسول الله ﷺ يقول عنه مرة: "لو تركنا هذا الباب للنساء فلم أكن أدخل منه حتى أموت"، وكان عمر -رضي الله عنه- ينهى الرجال عن الدخول من باب النساء.
خاتمة: كان رسول الله ﷺ يقول: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج فليقل: "اللهم إني أسألك من فضلك" وكان ﷺ إذا دخل المسجد يقول: "بسم الله والسلام على رسول الله ﷺ اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج يقول: "بسم والسلام على رسول الله ﷺ اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك"، والله سبحانه وتعالى أعلم.
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان عبده وحبيبه خير الورى سيدنا محمد ﷺ صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار ومن في مسارهم سار وبمجراهم جرى، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقسن في الفضل والكرامة أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويواصل الشيخ الشعراني -عليه رحمة الله- ذكر ما ورد فيما يتعلق بالمساجد وتعظيمها وآدابها، وتحدث عن النوم في المسجد؛ وهل يجوز أو لا يجوز؟ ومن الذي يُؤذن له بمثل ذلك؟
وذكر: "أن سيدنا عثمان بن عفان -رضي الله عنه/ كان يقيل في المسجد أيام خلافته" وقت القيلولة؛ فيُعلم من ذلك أنه في أوقات معينة لا تكون فيها الجماعة قائمة؛ ولا حلقات العلم قائمة يمكن أن ينام الرجل؛ وهو وقت ينبغي أن يعمر أو منصوص على نوع العبادة فيه لا ينبغي النوم فيه في المسجد، وعلى ذلك يُحمل ما ذكر سيدنا جابر أنه ﷺ أيقظهم بعسيب كان معه وهم نيام في المسجد وقال: "قوموا لا ترقدوا في المسجد فإنما بنيت المساجد لما بنيت له"، ودل على اختلاف الأحوال واختلاف الأوقات والمناسبة؛ فقد يليق وقد لا يليق، ففي وقت يليق أنهم في المسجد في وقت الحاجة ولا ضرورة ولا شيء هناك يقام في المسجد، وليس بوقت منصوص على التفرغ فيه للعبادة.
"وقال أبو ذر: كنت أخدم رسول ﷺ فإذا فرغت من خدمته أويت إلى المسجد فاضجعت فيه فكان هو بيتي" ما معه بيت "وكان جابر رضي الله عنه يقول أتانا رسول الله ﷺ مرة ونحن نائمون في المسجد -فكأنه كان في وقت لا يصح النوم فيه ولا يليق- فحرَّكنا بعسيبٍ كان في يده"، وكان كثيرًا ما يحمل بيده إما عصى او عسيبًا من النخل؛ فكان يحب أن يكون في يده، قال: "حركنا بعسيبٍ كان في يده وقال قوموا لا ترقدوا في المسجد فإنما بنيت المساجد لما بنيت له" أخرجه عبد الرزاق في المصنف.
"يقول: عبد الله بن الحارث كنا نأكل في المسجد على عهد رسول الله ﷺ الخبز واللحم وهو ينظر وربما أكل معنا"، "ولما أَسَرْ ﷺ ثمامة بن أثال قبل إسلامه ربطه بسارية في المسجد" وأبقاه ثلاث أيام يعرض عليه الإسلام كل يوم حتى علم أن قلبه امتلأ بما شاهده في المسجد فأمرهم بإطلاقه، وقالوا: كيف هذا قائد من قواد الحرب يارسول الله، قال: أطلقوه، فخرج إلى عند البقيع توضأ ورجع وشهد شهادة الحق ودخل الإسلام وعبّر عما في صدره ويقول: والله ما كان من وجه أبغض إلي من وجهه فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، وما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فقد أصبح والله بلدك أحب البلاد كلها إليْ، وما كان من دين أبغض إليّ من دينك فقد أصبح والله دينك أحب الأديان كلها إلي ﷺ؛ فأمرهم أن يفقهوه في الدين، وقال: يا رسول الله أني أخذني أصحابك وكنت خارج للعمرة فأذن لي، قال: اذهب فاعتمر، فذهب ليعتمر عليه رضوان الله تعالى، ويلاحظه أبو جهل وجماعة كأنه على هيئة المسلمين؛ ما عاد ثمامة بن أثال صاحبهم المشرك؛ قالوا: ما بك كأنك صبأت؟ قال: بل اتبعت الحق، كلَّمُه …. قال: لا ترفع صوتك على أبي الحكم،
قال له: أسكت أنت؛ فوالله لا تصلكم بعد اليوم حبة طعام من الميرة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله، وراح وصلّح لهم المقاطعة حق الجماعة وحاصرهم، كان مطاع في قومه وقال لجماعته ما أحد يبيع أهل مكة تعبوا، وبعدين أرادوا الميرة وطعامهم، أرسلوا إلى النبي ﷺ قالوا صاحبك هذا قطع الميرة، فلما وصل الخبر للتبي ﷺ أرسل إليه قال: فُك عليهم الميرة لا تمنعهم، قال: ما دام أمرْ رسول الله الآن تفضلوا ﷺ، وهذا سيدنا عثمان ربطه في سارية من سواري المسجد.
"وكان إذا جاءه مال من البحرين ينثره في المسجد ويقسمه فيه".
وكذلك الحنفية: كرهوا الأكل في المسجد لغير المعتكف؛ المعتكف جالس في المسجد يأكل ويشرب أما غيره فلا.
وقال عامة الفقهاء: بجواز الأكل في المسجد.
ويقول المالكية: جواز إنزال الضيف بمسجد بادية وإطعامه فيه الطعام الناشف كالتمر، يعني: إذا كان يأكلون في المسجد يكون تحتهم شيء ويستلم ما يأخذ منهم؛ ولا يتناثر شيء في المسجد منه يبقى سبب لوجود الذّّرْ ونحوه من الحيوانات، فيجب أن يكون مع احترام المسجد وإكرامه. وأما قالوا المالكية مسجد الحاضرة ما يقع تضييف فيه، ويقولون خده لبيتك وأما في القرية الصغيرة في البادية ما في مكان؛ دخِّلُه في المسجد وأكِّلُهْ فيه، لكن المعتكف يأكل محله ويشرب محله وسط المسجد، بل قالوا يكره يخرج إلى الأكل خارج المسجد وهو معتكف،
وهكذا يقول الشافعية: يجوز أكل الخبز والفاكهة والبطيخ في المسجد كله مع المحافظة على نظافة المسجد واحترامه ولا يتناثر منه شيء. لِما جاء "كنا نأكل في المسجد على عهد رسول الله ﷺ الخبز واللحم وهو ينظر وربما أكل معنا"هكذا جاء بسند حسن عند ابن ماجة وغيره.
فينبغي أن يبسط فيه شيء خوف من التلوث ولئلا يتناثر شيء من الطعام تجتمع عليه هوام، وهذا كله في الأكل الذي ليست له رائحة كريهة نعم، أما ما له رائحة كريهة فما يجوز إدخاله المسجد أصلًا؛ كما من أكل ثوم أو بصل، ولا يدخل ثوم أو بصل إلى وسط المسجد ما يجوز وهو نيء ما يجوز، فما كان له رائحة وسط المسجد فيحرُم، وما لم تكن له رائحة فيجوز أن يكون وسط المسجد الله! وبذلك جاءت عدد من الأحاديث.
وكذلك تكلموا كلهم عن المعتكف؛
وكذلك الحنابلة يقولون: لا بأس أن يأكل المعتكف في المسجد ويضع سفرة يسقط عليها ما يقع منه لألّا يلوث المسجد، وأما غير المعتكف فكالحنفية مالوا لأنه لا ينبغي، ولكن جاء عندهم أيضًا لا بأس بالإجتماع بالمسجد والأكل فيه والاستلقاء فيه.
لكن حذروا فقط من أن يعدَّ المسجد مكان للطعام فيدخل المسجد من أجل يأكل في المسجد هذا الذي كرهه الحنابلة وقالوا: لا ما يقع المسجد محل مطعم، المسجد محل العبادة إنما إذا طرأ شيء أو جاء ضيف هذا أمر مستقل لا بأس به.
وبعد ذلك هذا ثمامة بن أثال كان كافر قبل إسلامه، وجماعة من المشركين كانوا يدخلون إلى مسجد النبي ﷺ، فأما المسجد الحرام بالإجماع عند جمهور العلماء إلا قول عند الحنفية ما يجوز دخول الكافر إليه لقوله تعالى:(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسࣱ فَلَا یَقۡرَبُوا۟ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ بَعۡدَ عَامِهِمۡ هَـٰذَاۚ) [التوبة: 28]، يعني: جميع الحرم وليس المسجد بخصوصه -جميع حدود حرم مكة، من خارج مكة- لا يجوز أن يدخلها الكافر، أما المساجد الأخرى يقول الشافعية والحنابلة: ما يكون دخول الكافر إليها إلا بإذن أحد من المسلمين.
ولما يقول جاء عن سيدنا أبي موسى الأشعري يقول: وفد إليَّ عمر -رضي الله عنه- معه نصراني فأعجب عمر خطه قال: قل لكاتبك هذا يقرأ لنا كتابا، فقال: إنه لا يدخل المسجد، قال: لماذا أجنب هو؟ قال: لا هو نصراني، فانتهره عمر، لأنه كانوا سيدخلون عنده ﷺ وهو في المسجد، ولهذا لو جلس الحاكم فيه للحكم يدخل الذمي وغيره.
وقد جاءنا أنه لما جاء بعض وفد من النصارى قبل أن يسلموا، وكلموا النبي ﷺ وحضر وقت صلاتهم قالوا: يا مُحمَّد إنَّ هذه الساعة نصلي فيها، قال اذهبوا لناخبة في المسجد هناك سارية صلوا صلاتكم وارجعوا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ولكن ما يكون إلا مع احترام المسجد، أما يدخلون بنعالهم أو يدخل نساء مكشفات ونحو ذلك، لا يجوز إدخالهم إلى المسجد. ولكن لتعظيم شأن المسجد ومن دون انتهاك لحرمة المسجد، تحت إذن مسلم يجوز يقول الشافعية أن يدخلوا، وكذلك الحنابلة عندهم. وهكذا لما جاء في عدد من الأحاديث دخولهم عليه ﷺ في مسجده الشريف، ولكن مع هذه الضوابط ولأجل عزة الإسلام.
ولما جاء بعض الكفار من القويرة عند الحبيب مصطفى وطلب يتصور ويتصور معه، قال: خلوا الكافر وراء؛ قُل له وراءنا، يتصور معنا لا، قالوا اصطفوا وراءهم و تصور (لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦ) [الصف:9] (وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ) [المنافقون:8] ولكن ليعرفون عظمة الإسلام والدين وحقيقة الصلة بالله ويعرفون خسة الكفر، هم الأقوياء وخلفاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه. وهكذا توسّعَ الحنفية في جواز دخول الكافر إلى المسجد مدام ما يهينه ولا ينتهك شيء من حرماته.
ثم ذكر لنا أنه ﷺ يأمر بإزالة ما يلهي المصلي، وقال: "لا ينبغي أن يكون في قبلة المصلي شيء يلهي" هكذا جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل. "وصلى أبو طلحة الأنصاري -رضي الله عنه- يومًا في بستانه وكانت أشجاره ملتفة بعضها على بعض" من حسن الزرع وقوته والخصب الذي فيه فصلى في البستان "وكانت أشجاره ملتفة بعضها على بعض، فطارَ دِبْسِيْ" فطار دبسي يعني: طائر؛ طائر معروف طار هذا الدبسي "فطفق يتردد يلتمس مخرجًا" من ما بين الأشجار لما أنها ملتفة صعُب عليه وجود المخرج وهو ينظر إليه في الصلاة، "فأعجبه ذلك أبو طلحة وأتبعه بصره ثمرجع فإذا هو لا يدري كم صلى" ما عاد درى كم ركعة صلى "فقال: لقد أصابني في مالي فتنة" رضي الله عن أبي طلحةً "فجاء إلى النبي" خرج وجاء إلى عند النبي قال: كنت أصلي وحصل كذا كذا يا رسول الله؛ فهذا البستان وما فيه "صدقة -من الآن- ضعه حيث شئت" خلاص ولا عاد لي شي فيه، يلهيني عن الصلاة ما عرفت كم صليت؟ ولا عاد أريد البستان من أصله كله، وتصدق به -عليه رضوان الله تعالى- فقال له ﷺ: "إني أرى أن تجعلها في الأقربين"، أن تقسمه على أقاربك وأرحامك، وأقرُّه على هذه الهمة من عنده والعلو؛ لأنه لما رجع في بعض الروايات قال: يا رسول الله صدق الله، قال: صدق الله، قال يقول: (إِنَّمَاۤ أَمۡوَ ٰلُكُمۡ وَأَوۡلَـٰدُكُمۡ فِتۡنَةٌ) [التغابن:15] قال: نعم، وما ذاك؟ قال: كنت أصلي وجاء الطائر وأنا أصلي، وما عاد دريت كم صليت؟ وهذا فتنة، وانا هذا كله ما عاد أريده، الآن المزرعة والبستان كله صدقة لله ضعه حيث شئت.
ثم أنه يقول الحنفية: لا بأس بنقش المسجد خلى المحراب، قصدهم بالمحراب بما يكون أمام المصلي، الشيء الذي يتوجّه إليه نظر المصلي في الأمام، يعني: في جهة القبلة ما يكون شيء من النقش.
وكره المالكية: تزويق حيطان المسجد وسقفه وخشبه والساتر بذهب وفضة ونحوها.
ويقول الزركشي من الشافعية: يكره نقش المساجد،
ولكن يقول البغوي: من زوّق مسجدا أي تبرعاً لا يعد من المناكير التي يبالغ فيها كسائر المنكرات، لأنه يفعله تعظيماً لشعائر الإسلام. وقال: وقد سمح فيه بعض العلماء وأباحه بعضهم إنما من غلة الوقف لا، لا يزين ويزخرف من غلة الوقف، وأما إن كان متبرع ثاني من عنده نعم.
وهكذا جاء أيضًا في الحديث ما يشير إلى أنه في آخر الزمان يتباهون في تزويق المساجد ومظاهرها، وقال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى، وجاء عن سيدنا أنس عن النبي ﷺ قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد".
وسمعتهم يقول الرئيس الفلاني بنى في البلاد الفلانية أكبر مسجد وقال ذا أكبر منه وقال ذا رأيت أكبر منه وهكذا، ويقول سيدنا عمر -رضي الله عنه- أكنَّ الناس... يقول لما أمر بأن يبني المسجد يقول: "أكنَّ الناس من المطر وإياك أن تحمر وتصفر فتفتن الناس، وأبو الدرداء كان يقول: إذا حليتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم فالدباء عليكم، يعني: الهلاك؛ يعني: إذا انصرفتم عما دعيتم إليه من حسن التدبر والخضوع والخشوع وتعلقتم بالظواهر فالانحدار؛ معناه وقعتم فيه الآن انحدرتم راحت الخيرات عليكم لا إله إلا الله، وسيدنا علي كان يقول: إن القوم إذا رفعوا مساجدهم فسدت أعمالهم، وكان يذكر الحبيب إبراهيم البياتي يقول:
أما المساجد فهي اليوم عامرة***كأنها من قصور الفرس والروم
ترى على الباب والمحراب زخرفة***تلهيك عن كل منطوق ومفهوم
ولا يصلي بــهــا إلا مــؤذنها***أو الإمام ولكن دون مأموم
وإن رأيت صفوفــاً في مساجدنا***فمن فقير ومسكين ومحروم
ولا حول ولاقوة الا بالله، وكانت مأوى للمؤمنين، ومحل استراحة لأرواحهم وتروح لقلوبهم وخواطرهم وسط بيوت الله -تبارك وتعالى- قال: (وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِی ٱلۡمَسَـٰجِدِۗ) [البقرة:187] لا إله إلا الله.
"وكان ﷺ ينهى عن الخروج من المسجد بعد الأذان من غير صلاة إلا لعذر كسفر الحج والجهاد،"
فقال الفقهاء: يكره.
قال الحنابلة: يحرم إذا أذَّن أن يخرج بغير نية الرجعة للصلاة قال حرام عليه، خلاص أذَّن اقعد احضر الصلاة إذا أنت وسط المسجد.
قال غيرهم: يكره، يكره إذا أن يخرج من المسجد بعد الأذان إلا لحاجة أن يتوضأ أو يكلم أحد وهو راجع أو لأي سبب وهو ينوي الرجوع، ما هناك إشكال عند الجميع إذا هو ناوي الرجوع للصلاة، أما يخرج.. يعرض.. ويدبر فلا.
وهكذا كان بعض الصحابة في المسجد وبعدين رآى واحد كان أذّنْ المؤذن أراد يخرج قال له: لا تخرج من المسجد بعد الأذان، فاستطال إقامتهم للصلاة فخرج وركب على الدابة حقُّه سقطت وانكسر، وجاء قال: قد قلت بيصيبك شيء لأنك أنت مخالف، قلت لك لا تخرج والنبي نهى عن الخروج والآن خذ لك حق أحسن لك جعل جزاك في الدنيا؛ خذ لك كسر فيك، اقعد كم من أيام بدل ما تقعد قليل تنتظر الصلاة.. الآن اقعد في البيت كم من أيام بسبب ما كان منك من جراءة.
فإذا قد أذَّن؛ ينتظر الصلاة لا يخرج إلا لحاجة أو على نية العود. "لا يخرج من المسجد بعد النداء إلا منافق إلا رجل يخرج لحاجته وهو يريد الرجعة إلى الصلاة" هكذا في رواية عبد الرزاق، وفي رواية أخرى "يقول من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق"، والعياذ بالله تبارك وتعالى. وهكذا رأى سيدنا أبو هريرة واحد بعد أذان العصر خرج من المسجد قال: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم"، كما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، صلى الله عليه وسلم.
ويقول الحنفية: إن كان قد صلى وقد كانت الظهر أو العشاء فلا بأس بأن يخرج لأنه أجاب داعي الله تعالى، ولكن إذا أخذ المؤذن في الإقامة كانت الكراهة أشد أن يخرج في ذاك الوقت، فالذي شدد في ذلك الحنابلة وقالوا: إذا كان لغير حاجة ولا يريد رجوع يحرم عليه الخروج من المسجد بعد الآذان.
"وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يدخل من أبواب المسجد كلها إلا بابًا واحدًا.." يتجنب الدخول منه، مالك؟ "فقال: لأني سمعت رسول الله ﷺ يقول عنه مرة: "لو تركنا هذا الباب للنساء" وحتى إلى الآن يسمى باب النساء الذي هو خلف محل أهل الصفة، الباب هذا كان كأن النبي اقترح يكون خاص للنساء لا يدخل منه الرجال، فلما سمع ابن عمر هذا الكلام من رسول الله ما عاد دخل من الباب هذا أبدًا قالوا: له مالك؟ "فقال: لأني سمعت رسول الله ﷺ يقول عنه مرة: "لو تركنا هذا الباب للنساء فلم أكن أدخل منه حتى أموت"، مبادرةً لتطبيق مراد رسول الله صلى الله عليه وصحبه وسلم ومراعاةً لما أحب، "وكان عمر -رضي الله عنه- ينهى الرجال عن الدخول من باب النساء" ولكل واحد باب.
وذكر في الخاتمة الدعاء "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج فليقل: "اللهم إني أسألك من فضلك". فيسن عند الدخول كما أشار في الرواية الأخرى يقول:"بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي باب رحمتك" عند الدخول، وعند الخروج "بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك". ويزيد بعضهم الصلاة أيضًا، يقول الصلاة والسلام على رسول الله. وأيضًا جاء في الخبر أنه إذا قال عند دخول المسجد "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" قال الشيطان: عُصِمَ مني سائر اليوم. ينبغي عند دخول المسجد يقول: "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم الحمد لله اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك"، فهي من المواطن التي يسن فيها الصلاة على النبي بخصوصها عند دخول المسجد وعند الخروج منه، ويقول: بسم الله يقدم رجله اليمنى ويدخل إلى المسجد، في الخروج يقدم الرجل اليسرى ويقول: "أعوذ بالله" ويعيد التعوذ أيضًا من التحصن من الشيطان لأن عدد من الشياطين يكسلون عن المؤمنين إذا دخل المسجد وينتظرونه في الخارج، يخلونه لما يخرج يجيبون له وساوسهم، فيتعوذ بالله عند الخروج من المسجد.
وجاء في الحديث يقول: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي" لأنه به قامت المساجد وبنيت وبه عرفنا السجود إذا دخلنا محل السجود نسلم عليه ﷺ. "ثم يقول: اللهم افتح لي باب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك" هكذا جاء في رواية مسلم وأبو داوود. "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي" ﷺ هكذا يقول ﷺ "ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك" قال: "وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك". وجاء في رواية عند ابن السني "إذا خرج فليسلم على النبي وليقل اللهم أعذني من الشيطان الرجيم". ما شاء الله.
ويقول في الرواية جاءت عند أبي داود بإسناد جيد جاءت بسند حسن يقول: "كان إذا دخل المسجد النبي ﷺ قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" قال: "فإذا قال ذلك قال الشيطان: حُفِظَ مني سائر اليوم"، عند ابن السني عن أنس قال: "كان ﷺ إذا دخل المسجد قال؛ بسم الله اللهم صل على مُحمَّد" اللهم صل عليه هو بنفسه يصلي "وإذا خرج قال بسم الله اللهم صل على مُحمَّد" فهي من مواطن الصلاة عليه دخول المسجد وخروج من المسجد، "وكان ﷺ إذا دخل المسجد حمد الله وسمَى ثم قال: اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك. وإذا خرج المسجد قال اللهم افتح لي أبواب فضلك". "إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد تداعت جنود إبليس وجلبت واجتمعت كما تجتمع النحل على يعزوبها، فإذا قام أحدكم على باب المسجد فيقول: اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده فإنه إذا قالها لم يضره"، وبهذا ختم هذا الباب عليه رحمة الله تعالى وينتقل إلى باب شروط الصلاة.
جعلنا الله وإياكم من أهل الإنابة والخشية وأهل حقيقة السجود، وحققنا بحقائق السجود ورزقنا سجود القلب الذي لا يرفع عنه صاحبه أبداً، ورزقنا حسن الائتمام بسيد الساجدين، حتى ننال من سر تقلبه في الساجدين شهوداً عالياً؛ نشهد بمرآته الرحمن في كل شأن مع الأدب الكامل والإقبال الصادق والتوجه الخارق، وحسن التذلل بين يدي الرحمن، ويصلح لنا وللأمة كل شأن في لطف وعافية.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
21 رَجب 1445