(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: كتاب الصلاة (15) إجابة المؤذن
صباح الأحد 2 رجب 1445هـ
"فرع: وكان ﷺ يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ فإنه من صلى علي واحدة ﷺ بها عشراً، ثم اسألوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تبتغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا، فمن سأل لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة"، وكان ﷺ يقول: "من قال حين يسمع المنادي: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة النافعة، صل على محمد وارض عني رضاً لا سخط بعده، استجاب الله له دعوته".
وكان ﷺ يقول مثلَ قول المؤذن إلا في الحيعلتين فإنه كان يقول بدلهما: "لا حول ولا قوة إلا بالله في كل مرة من الأذان"، وكان ﷺ: "إذا سمع المؤذن يتشهد قال: وأنا وأنا". وكان سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأنا رضيت بالله ربا وبالإسلام ديناً، وبمحمد ﷺ رسولاً، غفر الله له ذنوبه"، وكان علي -رضي الله عنه- يقول إذا سمع الأذان: مرحباً بالقائلين عدلاً وبالصلاة مرحباً وسهلاً. وكان ﷺ يقول عند قول المؤذن في الإقامة قد قامت الصلاة: "أقامها الله وأدامها"وفي بقية الإقامة يقول مثل ما يقوله في الأذان".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَلِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمد لله مكرمنا بشريعته وبيانها على لسان حبيبه وصفوته خير بريته، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وعترته، وعلى أهل ولائه ومتابعته، وآبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن وصفوته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم وعلى الملائكة المقربين، وعلى جميع عباد الله الصالحين وعلينا معهم وفيهم، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذا الفرع بعض الأذكار المتعلقة بالآذان وإجابة المؤذن، وما في ذلك من فضيلة ومن مزيّة وخير كثير، فالسنّة لمن سمع الآذان أن يجيبه بأن يأتي بما قال، ويقطع ما هو فيه ولو كان ذكرًا أو تلاوة قرآن؛ يوقف ذلك ويقطع كل ما هو مشتغل به؛ فإن كان في صلاة خفّف الصلاة وتدارك الإجابة بعد السلام، فإذًا ينتهي عن أي شيء يشتغل به ولو كان تلاوة القرآن إجابةً للمؤذن.
قال ﷺ: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ" أي: بعده، كما للآذان إجابة المؤذن، يسنّ لكل من المؤذن والمجيبين أن يصلوا على النبي محمد ﷺ؛ فهي واحدة من المواضع التي يستحب فيها الصلاة على النبي ﷺ على وجه الخصوص؛ ما بعد إجابة المؤذن، قال: "فإنّ من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا".
قال: "ثم اسألوا ليَ الوسيلة" وما الوسيلة؟ "قال: "فإنها منزلة في الجنة" يعني: أعلى المنازل وأشرفها وأرفعها "لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله" خالصٍ طاهرٍ نقي اصطفاه الله واختاره لذلك، قال سيدنا ﷺ: "وأرجو أن أكون أنا هو"، فهو هو وليس غيره متقدمًا عليه، ولا آخذًا لمنزلة الوسيلة ورتبة الوسيلة؛ فهي الرتبة الأعلى في الفردوس الأعلى، منزل نبيه محمد ﷺ.
ونحن نتذكر هذا في صورة السؤال، نسأل الله وقد حكم الله بذلك وقضى، لكن نسأله -سبحانه وتعالى- متذكرين مكانة حبيبه لديه، ومنزلة نبيه عنده، فبذلك ينمو لنا الإيمان واليقين فنستحق أو ينالنا شفاعته ﷺ يوم القيامة. يقول: "فمن سأل ليَ الوسيلة حلّت له شفاعتي يوم القيامة"، كان ممن تنالهم شفاعة النبي محمد ﷺ، إذًا فالذي يسأل الوسيلة هو المستفيد لا رسول الله؛ رسول الله هو صاحب الوسيلة إن سألتها أو لم تسألها، ولكن إن سألتها تنمّى الإيمان في قلبك وعظّمت الله رسوله، وحزت فائدة الشفاعة ودخلت في شفاعته لك يوم القيامة.
وقال بعض الحنفية: إن الإجابة على المؤذن واجبة وتاركها يأثم.
وقال بعضهم: إنها باللسان مستحبّة وبالقدم واجبة، إذ يفوته الجماعة إذا لم يمشي.
"وكان ﷺ يقول: مثلَ قول المؤذن" كما سمعنا في الحديث "فَقُولوا مِثْلَ ما يقولُ المُؤَذِّنُ"، "إلا في الحيعلتين فإنه كان يقول بدلهما: "لا حول ولا قوة إلا بالله في كل مرة من الأذان" فيسنّ أن يقول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، لأن معنى حي على الصلاة: أقبل وتعالوا إلى الصلاة فلا معنى لأن تجيبه وتقول تعالوا إلى الصلاة، يقول لك: تعالوا إلى الصلاة وتقول له انت تعالوا إلى الصلاة!! إذا قال لك حيّ على الصلاة قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي: إننا سنأتي إلى الصلاة بحول الله وقوته، فإنّا هنا لا نستقل بحولٍ ولا بقوة، فالحيّ على ديْن يقول هكذا وكذلك في التثويب، وهو قوله: الصلاة خيرٌ من النوم، يقول له: صدقت وبررت.
إلا أنّ المالكية قالوا: أن الإجابة يكون للمؤذن لا في الترجيع، في الترجيع لا يقول شيء إذا قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدًا رسول الله، شهد الله سراً -ترجيعاً- فإنه لا يتابعه المأموم في الترجيع ولكن فيما يجهر به، وكذلك عند قولهم: الصلاة خير من النوم؛ لأنه لا يحكيها ويردّها، ولا يقول: صدقت وبررت كما هو المشهور عند الأئمة.
وفي قول للمالكية: ما يقول شيء، يستمع فقط ويتعظ ويقول: الصلاة الخير من النوم؛ لأن قوله: الصلاة خير من النوم حثٌ لك على المجيء للصلاة مثل حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، فلا معنى أن ترد عليه، واستحسن غيرهم أن يقول: صلاة خير من النوم صدقت وبررت جواباً له.
وفي الحديث: قرأنا "فقولوا مثل ما يقول" علمنا استثناء الحيعلتين كما جاء في روايةٍ في الحديث، وكذلك استثناء التثويب فيُقال: صدقت وبررت، ويُصغى إليه فقط عند المالكية، والقول الثاني: مقابل المشهور عندهم أنه يحكي كل الآذان إلى آخر الآذان ومنها: الصلاة خير من النوم.
قال: وكان ﷺ يقول: "من قال حين يسمع المنادي: اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة النافعة -وفي الرواية الأخرى الصلاة القائمة- صلّ على محمد وارض عني رضًا لا سخط بعده استجاب الله له دعوته" أخرجه الإمام أحمد في المسند بلفظ "وارض عنه رضًا لا سخط بعده" أبدًا.
"وكان ﷺ يقول مثل قول المؤذن إلا في الحيعلتين يقول بدلهما: ولا حول ولا قوة إلا بالله في كل مرة من الآذان، وكان ﷺ إذا سمع المؤذن يتشهد.." يعني: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله "يقول: وأنا" وأشهد أن محمد رسول الله، يقول: "وأنا"، يعني: أشهد بنفس الشهادة، وهذا وجه من وجوه الإجابة، وعمل به بعض الصحابة، يعني يقولوا: وأنا، أي كما تشهد أن لا إله إلا الله فأنا أشهد أن لا إله إلا الله.
وكان سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنا رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا غفر الله له ذنوبه"، يقول الإمام الشعراني الحديث في صحيح مسلم، فيقول عند قوله: أشهد أن محمدا رسول الله أو عند قوله: أشهد أن لا إله إلا الله يقول: رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا، يقول مثل ما يقول ويزيد هذا ويقول"أشهد أن لا إله إلا الله رضيت بالله ربًا وبمحمد رسولًا وبالإسلام دينًا"، في رواية هكذا عجيب نسبه هنا إلى الإمام مسلم، ثم تساءل الحبيب عمر: أين رواية مسلم؟ فأجابه أحد طلابه: عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ، رَضِيتُ باللَّهِ رَبًّا وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا، وبالإسْلَامِ دِينًا، غُفِرَ له ذَنْبُهُ". قالَ ابنُ رُمْحٍ في رِوَايَتِهِ: مَن قالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذِّنَ: وأَنَا أشْهَدُ ولَمْ يَذْكُرْ قُتَيْبَةُ قَوْلَهُ: وأَنَا.
…فأصل الحديث في صحيح مسلم، يقولها - أي الدعاء- ومن موضعها أيضا الذي تُقال فيه عند قوله: (أشهد أن لا إله إلا الله) يقول: "رضيت بالله ربًا وبمحمد رسولًا وبالإسلام دينًا".
وكان عليٌ -رضي الله تعالى عنه- يقول: "إذا سمع الأذان مرحبًا بالقائلين عدلًا وبالصلاة مرحبا وسهلا" وهذا مما يبتدأ به قبل إجابة المؤذن، إذا ابتدأ في التكبير تقول" "مرحبا بالقائلين عدلًا وبالصلاة مرحبًا وسهلا" ثم تجيبه وتقول: الله أكبر الله أكبر وتمشي معه، فأول ما تسمع التكبير تقول: مرحبا بالقائلين عدلًا وبالصلاة مرحبًا وأهلًا، أي: إنّ المؤذنين يقولون العدل، وهو الهدى القويم فيدعونا إلى الصلاة التي هي عماد الدين.
وكان ﷺ يقول عند قول المؤذن في الإقامة قد قامت الصلاة: "أقامها الله وأدامها"، وفي بقية الإقامة يقول مثل ما يقوله في الأذان". أخرجه أبو داود، جعلنا الله وإياكم من المجيبين الملبّين المقيمين للصلاة على خير الوجوه وأفضلها، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
قال: ويقول عند قول: (الصلاة خير من النوم) صدقت وبررت، وقيل يقول: صدق رسول الله ﷺ الصلاة خير من النوم، في الإقامة: أقامها الله وأدامها، صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله.
وفي رواية أيضًا عند مسلم: "إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: حيّ على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حيّ على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه دخل الجنة" هذا في رواية عند مسلم، والثاني هذه الرواية التي قرأناها: "من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربًا وبمحمد رسولًا وبالإسلام دينًا، غُفر له ذنبه"، يستمر بكل مرة يُحصّل له مغفرة بكل مرة يُحصّل له مغفرة.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، وعافانا من الآفات، وفرّج كروب المؤمنين والمؤمنات، وأصلح الظواهر والخفيّات، ورقّانا علِيِّ المقامات، في عوافي كوامل وصلاح للظاهر والباطن.
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
06 رَجب 1445