(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب الحيض(6) الكدرة والصفرة والنفاس
صباح الأربعاء: 7 جمادى الآخرة 1445هـ
"فرع: قال عكرمة -رضي الله عنه-: "كانت الصحابة -رضي الله عنهم- يغشون أزواجهن وهن مستحاضات، وفي رواية: يجامعونهن، وكانوا إذا انقطع الدم لم يقربوهن حتى يغتسلن". قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: وجاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال: "يا رسول الله إنا نكون بالرمل أربعة أشهر أو خمسة أشهر فتكون فينا النفساء والحائض والجنب فما ترى؟ قال: عليكم بالصعيد".
وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول في المستحاضة: لا بأس أن يجامعها زوجها، وكان يقول -رضي الله عنه-: إن الله رفع الحيض عن الحبلى وجعل الدم رزقاً للولد. وكذلك كانت عائشة رضي الله عنها تقول في إحدى الروايتين عنها: إن الحامل لا تحيض، والله أعلم.
فصل في الكدرة والصفرة والنفاس
"كانت أم عطية رضي الله عنها تقول: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً، وكانت النساء كثيراً ما يبعثن إلى عائشة -رضي الله عنها- بالدرجة فيها الكُرسُف فيه الصفرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة. وبلغ ابنة زيد بن ثابت -رضي الله عنهما- أن نساء يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرون إلى الطهر فكانت تعيب ذلك عليهن وتقول: ما كان النساء يصنعن هذا.
قالت أم سلمة -رضي الله عنها-: وكانت النفساء على عهد رسول الله ﷺ تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً أو أربعين ليلة، وكنا نطلي على وجوهنا الورس والزعفران يعني من الكُلَف، وكان أنس -رضي الله عنه- يقول : وقت رسول الله ﷺ للنفساء أربعين ليلة إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، وفي رواية: "إذا مضى للنفساء سبع ثم رأت الظهر فلتغتسل ولتصل"، والله -سبحانه وتعالى- أعلم".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلََّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن
الحمدلله مكرمنا بشريعته الغراء، وبيانها على لسان خير الورى، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله الذين حازوا به طُهْرا، وصحبه الذين رفعَ الله لهم به قدرا، وعلى من والاهم في الله وبمجراهم جرى وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين الراقين في الفضل أعلى الذرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
وبعدُ،، فيواصل الشيخ عليه رحمة الله -تبارك وتعالى- ما يتعلق بشأن الاستحاضة والكدرة والصفرة في النفاس والحيض، ويذكر عن "عكرمة -رضي الله عنه-: "كانت الصحابة -رضي الله عنهم- يغشون أزواجهن وهن مستحاضات، وفي رواية: يجامعونهن، وكانوا إذا انقطع الدم.." أي: من حيض أو نفاس "لم يقربوهن حتى يغتسلن".
وحكم المستحاضة وهي: التي يخرج منها الدم في غير وقت الحيض والنفاس؛ فيما لا يحكم له بحيض ولا نفاس فهو دم فساد ويقال له: استحاضة، أنها مثل الطاهر، وإنما هي كمثل سلس البول يجب عليها الوضوء لكل صلاة وأن توالي بين أفعال الوضوء وبين الوضوء والصلاة، كما يجب عليها أن تخفف خروج الدم بواسطة حشو أو تعصيب. ثم بعد ذلك حكمها حكم الطاهر كما هي عند جمهور العلماء ومع ذلك توجد حكم الطاهر عند الأئمة الأربعة.
إلا أنها متى تكون مستحاضة؟
ويقول: "إذا انقطع الدم لم يقربوهن حتى يغتسلن"، لقوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ) [البقرة:222]، أي: إذا انقطع الدم الحيض والنفاس سواء كان أقله أو أكثره أو المعتاد الغالب؛ لا يقربوهن
إذا انقطع دم حيضها أو نفاسها حتى تغتسل أولا وعلى ذلك جماهير العلماء.
غير ما قال الحنفية: أنه إذا كانت طهرت لأكثر الحيض أو لأكثر النفاس؛ فإنه يجوز لها بعد ذلك أن يطأها زوجها قبل الاغتسال إذا طهرت لأكثره أو مر عليها بعد انقطاع الدم وقت صلاة تحملتها في ذمتها.
ولكن الجمهور من العلماء أنه لا يجوز لزوجها أن يطأها حتى تغتسل أولا.
"قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: وجاء أعرابي إلى رسول الله ﷺ فقال: "يا رسول الله إنا نكون بالرمل.." يعني: في باديتهم وقت قحطِِ، مرملون يعني: مسنتون لا أمطار ولا مياه متوفرة "أربعة أشهر أو خمسة أشهر.." ما في عندهم مطر فيقل الماء؛ يبقى للشرب ونحو ذلك "فتكون فينا النفساء والحائض والجنب فما ترى؟…" كيف نصنع يا رسول؟ "قال: عليكم بالصعيد".
أي: تيمموا ما دام الماء ما تجدونَ إلا ما يكفيكم لعطشكم وعطش حيواناتكم فلا تتوضؤوا به ولا تغتسلوا؛ وتيمموا بدلًا عن ذلك؛ فإن "الصَّعيدُ الطَّيِّبُ وضوءُ المسلِمِ وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ سنين".
"وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول في المستحاضة: لا بأس أن يجامعها زوجها.." كما هو قول جماهير أهل العلم "وكان يقول -رضي الله عنه-: إن الله رفع الحيض عن الحبلى وجعل الدم رزقًا للولد..".
وهذا أيضًا من المسائل المختلف فيها:
إذًا فهذا حكم الحامل إذا رأت الدم.
فقال الشافعية: هو حيض ما دام لم ينقص عن يوم وليلة ولم يزد على خمسة عشر، وسمعنا ما قال المالكية، وفي رواية الحنابلة والحنفية، قال الحنفية: بل الحامل لا تحيض فمهما رأت من دم فهو استحاضة وليس بحيض.
"وكان يقول رضي الله عنه - يعني: ابن عباس- : إن الله رفع الحيض عن الحبلى وجعل الدم رزقاً للولد. وكذلك كانت عائشة رضي الله عنها تقول في إحدى الروايتين عنها: إن الحامل لا تحيض" وهذا يوافق مذهب الحنفية.
ثم ذكر لنا "كانت أم عطية -رضي الله عنها- تقول: كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً" أي: بعد أن تطهر المرأة من حيضها ونفاسها وتأتي القصة البيضاء وهو: علامة الطهر، ماء أبيض، علامة أنها طاهر، فإذا جاء أثر الصفرة أو الكدرة فلا يعد شيئا ولا يعد من الحيض، وإنما إذا اتصل بدم الحيض فكان قبل الحيض أو بعد الدم مباشرة، كدرة أو صفرة فهو من جملة الحيض، وأما في غير أيام الحيض فلا تعد شيئا.
"وكانت النساء كثيراً ما يبعثن إلى عائشة -رضي الله عنها- بالدرجة.." -قطعة من الصوف- "فيها الكرسف فيه الصفرة -يعني من أثر- "دم الحيض يسألنها عن الصلاة.." -هل نصلي اذا وصل الدم إلى هذا "فتقول لهن: لا تعجلن.." يعني: مادام الصفرة أو الكدرة أو التربية متصلة بدم الحيض فهو تبع الحيض، "لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة".
"وبلغ ابنة زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه-.." من علماء الصحابة وفقهائهم سيدنا زيد بن ثابت، وهو شيخ سيدنا عبدالله بن عباس -رضي الله تعالى عنهم- حبر الأمة، وكان كثير التردد عليه والأخذ عنه.
ابنة زيد بن ثابت -رضي الله عنها- بلغها أن "أن نساء يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرون إلى الطهر فكانت تعيب ذلك عليهن وتقول: ما كان النساء يصنعن هذا" أي: لا حاجة إلى المبالغة وإنما تعرف المرأة عادتها، ومتى ينقطع وتحس بانقطاع الدم نهائيًا، فإذا طرأَ عليها أو كانت لها عادة ينقطع الدم من الليل أو قبل الفجر فتتحسس من ذلك، وأما من غير أن يكون هناك علامة على الطهر هذا، ودعوا بالمصابيح لينظرن هل بقي شيء أو ما بقي شيء؟ هذا ليس من المأمور به، بل هو من التكلف المحذَّر منه، قالت: "ما كان النساء يصنعن هذا" أي: في عهد رسول الله ﷺ، وما مضى من الزمن.
قالت أم سلمة -رضي الله عنها-: "وكانت النفساء على عهد رسول الله ﷺ تقعد بعد نفاسها أربعين يوماً أو أربعين ليلة" وهذا هو الغالب، الغالب في نفاس المرأة بعد الولادة أن يكون عندها أربعين يوم يستمر الدم، ولكن العبرة باستمرار الدم،
فلو انقطع بعد يوم أو يومين أو في نصف اليوم أو بعد ساعة، لوجب عليها أن تغتسل وأن تصلي، ما دامت طهرت.
وما تفعله بعض الجاهلات من أنها إذا ولدت تجلس أربعين يوم حتى وإن انقطع الدم، وتترك الصلاة، فهو منكر كبير، ويجب عليها متى انقطع الدم أن تغتسل وتصلي، ولو في نفس يوم الولادة، إذا انقطع عنها الدم وجاء الطهر وجب عليها أن تقوم تغتسل وأن تصلي ولا تؤخر الصلاة عن وقتها.
فإذا انقطع الدم فقد انتهى النفاس، فإذا عاد قبل مرور خمسة عشر يوم من الطهر حُسِبَ نفاسًا متصلا بالنفاس السابق -بالدم السابق- والأربعون هو الغالب.
قال الحنفية: هو الأكثر، الأكثر في النفاس أربعون لا يزيد على الأربعين، فما زاد فهو استحاضة.
قال المالكية والشافعية: بل إلى ستين يكون نفاسا، فلو زاد على ستين فما بعده استحاضة، وأما قبل الستين فيمكن أن يكون نفاسا.
"وكنا نطلي على وجوهنا الورس والزعفران يعني من الكَلَف" بُعدًا عن عن الكلف، تحتاج إلى كثرة تغسيل وجهها وغيره، فتلطخه بشيء من الزعفران أو الورس.
وكان أنس -رضي الله عنه- يقول : "وقَّت رسول الله ﷺ للنفساء أربعين ليلة.." -وهذا يوافق مذهب الحنفية- "إلا أن ترى الطهر قبل ذلك" فمتى طهرت وجب عليه الاغتسال والصلاة. "إذا مضى للنفساء سبع ثم رأت الظهر فلتغتسل ولتصل" ولو أقل من سبٍع كذلك.
فإن أقل النفاس لا حد له عند جماهير العلماء، والله أعلم.
وهذا فيما يتعلق بالعبادة، وإنما اختلفوا فيما يتعلق بانقضاء العدة:
فإذا لم يكن النفاس فاشترط الحنفية: أن يكون اثنين وعشرين أو خمسة وعشرين يوم.
قال المالكية: حتى يعد في انقضاء العدة أو الثلاثة قروء وما إلى ذلك.
ولكن المعتمدة عند جماهير العلم: أن الحمل نفسه تنقضي به العدة إذا وضعت، قال تعالى: (وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)، فإذا وضعت الحمل انقضت عدتها، سواء كانت عدة وفاة أو عدة طلاق.
رزقنا الله الاستقامة، وأتحفنا بالكرامة، ورزقنا حسن المتابعة للحبيب صلى الله عليه وسلم بارك عليه وعلى آله.
قال الكلف: لون بين السواد والحمرة، حمرة بكدرة تعلو الوجه، صار يلطخن وجوههن بهذا، إشارة إلى أنهن في أيام نفاس أو في أيام حيض.
أحيى الله فينا فقه الدين، ورزقنا متابعة حبيبه الأمين، متابعة حبيبه الأمين، ورزقنا الاقتداء به في كل شأن وحال وحين، ورفعنا به إلى أعلى المراتب، ونقانا عن جميع الشوائب، ونظمنا في سلك أهل الصدق، وجعلنا في خيار الخلق، ووقانا الأسواء، وأصلح شؤون المسلمين في السر والنجوى، ودفع الشدائد والبلايا والكروب عنهم، وحول أحوالهم إلى أحسن الأحوال، وردَّ كيد المعتدين والغاصبين والفاجرين والكافرين عن أهل غزة وأهل الضفة الغربية وأكناف بيت المقدس وعن المسلمين في المشارق والمغارب، ودفع جميع المصائب والنوائب وحول الأحوال لأحسنها، واختم لنا بأكمل الحسنى .
بسرّ الفاتحة
إلى حضرة النبي محمد اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه
الفاتحة
12 جمادى الآخر 1445