(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ على كتاب كشف الغُمَّة عن جميع الأمة، للإمام عبدالوهاب الشعراني: باب التيمم (5).
صباح الثلاثاء : 28 جمادى الأولى1445هـ
فصل في التيمم إذا وجد الماء
"كان أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: "خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدًا طيبًا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء ولم يُعِد الآخر ثم أتيا رسول الله ﷺ، فذكرا ذلك، فقال للذي لم يُعِد أصبت السنة وأجزأتك صلاتك ما كان الله لينهى عن الربا ثم يأخذه من عباده، وقال للذي توضأ وأعاد لك الأجر مرتين".
وقال نافع: أقبل ابن عمر من أرضه بالجرف فحضرت العصر بمربد النعم فتيمم وصلى ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد.
وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "رأيت رسول الله ﷺ يتيمم عند فقد الماء بموضع قريب من المدينة يرى بيوت المدينة ثم يصلي ولا يعيد تلك الصلاة". وكان ابن عمر إذا لم يكن على ثقة من وجود الماء في الوقت يعجل الصلاة بالتيمم ويقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها".
وعرّس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في بعض الطريق فنام فاحتلم فاستيقظ فقال: أترونا ندرك الماء قبل طلوع الشمس؟ قالوا: نعم فأسرع السير حتى أدرك الماء فاغتسل وصلى، فقيل له: هلّا تيممت وصليت؟ فقال: لو خفنا خروج الوقت قبل إدراك الماء تيممنا فقيل له: أتصلى في ثوب أصابته جنابة؟ فقال: نعم أغسل ما رأيت وأرش ما لم أرى وأصلي فيه".
آللهُمَّ صلِّ أَفضلَ صَلَواتِكَ على أَسْعدِ مَخلوقاتكِ، سَيِدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصَحبهِ وَسلِّمْ، عَددِ مَعلوماتِكَ ومِدادَ كَِماتِكَ، كُلَّما ذَكَرَكَ وَذَكَرَهُ اٌلذّاكِرُون، وَغَفِلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الغَافِلوُن.
الحمد لله مُكرمنا بشريعته وبيانها على لسان خير بريته، عبده وصفوته سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وصحابته، وعلى أتباعه وأهل القدوة به، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين خيرة الرحمن من خليقته، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى الملائكة المُقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويذكر الإمام الشعراني -عليه رحمة الله- في هذا الفصل: "حُكم مَن تيمم لفقد الماء ثم وجد الماء".
فإذا تيمم والماء غير موجود ثم وجد الماء في الوقت أو خارج الوقت فما الحُكم فيه؟ وهل عليه قضاء؟
والمسألة أيضًا مترتبة على النظر هل أنَّ التيمم:
فمال الحنفية: أنه رافعٌ للحدث؛ وإنما يطرأ عليه الحدث إذا وجد الماء، أو إذا أحدث بأي شيء آخر؛ فهو في وقت عدم الماء مرفوع حدثه؛ وبذلك أباحوا:
وقال الجمهور: لا؛ إنه لا يرفع الحدث وإنما هو بدلٌ ضروري لا بدلٌ مطلق، بدل ضروري: فيُباح به أن يصليَ مع وجود الحدث، كما يُباح للمستحاضة أن تصلي والحدث قائم فيها.
وذكروا حديث أبي ذر: "فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك فإنه خير لك"، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإنَّ ذلك خير كما تقدم معنا.
قال: فلو كان رفع الحدث لم يحتج إلى الماء إذا وجده، أو إذا رآه، فإذا رآهُ عاد الحدث، مما يدل على أن الحدث لم يرتفع، وإنما تُباح له الصلاة للضرورة.
إلا أن الحنابلة يقولون:
وأما دام في نفس الوقت كأن يكون عليه فوائت فيجوز له أن يصلي ما شاء.
كذلك يقول المالكية: يجوز له أن يصلي الفرض وما يتبعه من النوافل إذا قدَّم الفرض، إذا قدَّم الفرض يبدأ أولًا بالفرض، ثم يصلي ما شاء من النوافل.
قال الشافعية: لا يلزمه تقديم الفرض، فله أن يصلي بالتيمم فرضًا واحدًا وما شاء من نفل قبله أو بعده، يصلي من النوافل ما شاء؛ سواء أن كان قبل الفريضة أو بعدها.
قال المالكية: إنما يصلي النوافل بعد الفريضة، إذا أدَّ الفريضة فله أن يصلي ما شاء من النوافل، فيؤدي بالتيمم الفريضة أولًا.
يقول: "كان أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- يقول: "خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدًا طيبًا فصليا، ثم وجدا الماء.." بعد ذلك "في الوقت" نفسه؛ لما مشوا "فأعاد أحدهم الصلاة والوضوء ولم يعد الآخر" اكتفى بصلاته الأولى، ولما جاءا إلى النبي ﷺ أخبراه الخبر، قال للذي اكتفى بصلاته الأولى: "أصبت السنة وأجزأتك صلاتك، ما كان الله لينهى عن الربا ثم يأخذه من عباده" ما قال يعني صل مرتين! " وقال للذي توضأ وأعاد لك الأجر مرتين"،
فلك الأجر حيث أديت الفريضة في أول وقتها بتيمم، ثم حينما احتطتَ وتوضأت وأعدتها فلك الأجر آخر فوق ذلك الأجر، قال: "فلك الأجر مرتين".
ومثل الشافعية يحملون هذا على أنه توضأ في مكان يغلب فيه عدم الماء فليس عليهم القضاء. إذا توضأ في مكان كان الغالب فيه عدم الماء؛ والمسافة التي قطعوها في الوقت حتى وجدوا الماء أكثر من مسافة القُرب، فوجدوا الماء في الوقت؛ لكن بعد مرور مسافة قطعوها أكثر من مسافة القُرب، ففي مسافة البُعد فلا يلزمهم الإعادة.
وأما إن كان المكان الذي تيمم فيه يغلب فيه وجود الماء فعليهم القضاء.
"وقال نافع: أقبل ابن عمر من أرضه بالجرف فحضرت العصر بمربد الغنم فتيمم وصلى ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد"
وقال ابن عمر -رضي الله عنهم-.. وقد ذكر الإمام النووي وجهًا عند الشافعية: أن كل صلاة وجبت في الوقت ولو مع خللٍ لا يجب فيها القضاء، فعلى هذا الوجه تأتي بعض هذه الأحاديث.
"قال ابن عمر -رضي الله عنهما- رأيت رسول الله ﷺ يتيمم عند فقد الماء بموضع قريب من المدينة يرى بيوت المدينة ثم يصلي ولا يعيد تلك الصلاة"، أخرجه الحاكم في المستدرك.
فهو على قول: أن من صلَّى ولو بتيمم ارتفع عنه الفرض واجزأهُ؛ ما دام في المكان الذي فيه معدوم من الماء.
وتعلم بذلك السَّعة في الشريعة واستيعابها لأحوال الناس المختلفة، وتعلم عن الإرشاد النبوي في قوله للذي أعاد الصلاة "لك الأجر مرتين"، أنه شأن أولي العزم الإحتياط والهمة في الدين أن يحتاطوا ويعيدوا ما صلوه بتيمم، ويبتغون بذلك التمام وكمال الثواب فلهم مضاعفة الأجر.
قال: "وكان ابن عمر إذا لم يكن على ثقة من وجود الماء في الوقت يعجل الصلاة بالتيمم ويقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها""
وقد استثنى الفقهاء عندنا من ذلك:
"وعرّس" أي: بات في ناحية من الطريق. "عرّس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-" النزول في المكان في الليل، ويقال له: تعريسٌ، عرّس في المكان الفلاني أي: نزله ليلًا، فالنزول في الليل في المكان يُقال له: تعريس
"وعرّس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في بعض الطريق" أي: في أثناء سفره "فنام فاحتلم فاستيقظ فقال أترونا ندرك الماء قبل طلوع الشمس؟ قالوا: نعم" نحصل الماء في المكان إن نصل إليه قبل طلوع الشمس، "فأسرع السير حتى أدرك الماء فاغتسل وصلى، فقيل له: هلّا تيممت وصليت؟" -في المكان الذي بتنا فيه- "فقال: لو خفنا خروج الوقت قبل إدراك الماء تيممنا، فقيل له: أتصلى في ثوب أصابته جنابة؟ فقال: نعم أغسل ما رأيت وأرش ما لم أرى وأصلي فيه."
وفيه يأتي الخلاف عن المنيّ؛ وهل هو نجس أم طاهر؟
فهذا ما يتعلق بالحُكم وأنه هل التيمم بدل مطلق كما قال الحنفية: يرتفع به الحدث إلى أن يجد الماء،أو هو بدل ضروري كما قال الجمهور.
واستأنسوا بحديث: "الصَّعيدُ الطَّيِّبُ طَهورُ المسلمِ ، وإن لم يجدِ الماءَ عشرَ حججٍ ، أي -سنين- ما لم يجد الماء أو يحدث، وعلمنا بذلك الوقت للتيمم وأنه عند الجمهور إنما يصح بعد دخول الوقت ولا يصح قبل ذلك.
قال الحنفية: يجوز التيمم قبل الوقت وأن يصلي به عددًا من الفروض أو ما شاء من النوافل؛ فما شاء من الفرائض والنوافل يصليه بالتيمم الواحد عند الحنفية.
قال المالكية والشافعية: لا يصلي إلا فرض واحد ولا يصلي فرضين بالتيمم الواحد؛ بل ولو صلاها متوالية وجب عليه أن يجدد التيمم لكل فريضة.
وقال المالكية: له أن يصلي فرضًا واحدًا يبدأ به، ثم بعده يصلي ما شاء من النوافل؛ واعتبروا أنه طهارته ضرورة.
وعلمنا ما قال الحنابلة: أنه في وقت الفريضة التي تيمم لها يصلي ما شاء، ولو عدد من الفرائض ما دام الوقت؛ لكن إذا خرج الوقت ودخل وقت فريضة أخرى فلا يجوز أن يصلي الفريضة الأخرى إلا بتيمم جديد.
لكن لو فرضنا نسي واحدة من الصلوات الخمس فاتته:
قلنا له: ما هي؟ قال: الآن أنا متيقن إن في يوم الفلاني قد فاتت علي واحدة من الصلوات الخمس، الآن أقضيها، تقضي، وهنا ما في ماء أتيمم، كيف تعمل؟ فرض تيمم واحد؟ لأن اللي فاتنا إلا واحدة؟ وإن قلنا له الواجب عليك تصلي الخمس كلها -لأنك ما تعرف أي الخمس فاتتك- فواجب تصلي الخمس كلها واحدة منها هذي اللي بتكون فاتتك، ها بصلي الخمس بتيمم واحد ولا أتيمم لكل فريضة لكل فريضة لكل فريضة؟
في وجه عند الشافعية أنه: في تيمم واحد يصلي به الصلوات الخمس لأن المقصود واحدة هذي اللي يقع بها الفرض والباقي إلا احتياط.
قال المالكية: لا بل خمس تيممات، تيمم وصلِّ الظهر، تيمم وصلِّ العصر، تيمم وصلِّ المغرب، تيمم وصلِّ العشاء، وتيمم وصلِّ الفجر، واحدة منهن تكون الصلاة لك إلا انه عندهم لا يجمع بين فرضين بتيمم واحد.
ومن المعلوم أن كل ما ينقض الوضوء فهو ناقض للتيمم، فكل ناقض الوضوء لأن الوضوء هو الأصل، والتيمم إلا فرع عنه -بدل عنه-؛ فكل ما نقض الوضوء نقض التيمم، ويزداد أنه إذا تيمم لأجل فقد الماء فينتقض تيممه برؤية الماء أو القدرة على استعمال الماء قبل الصلاة بالاتفاق؛ إذا رأى الماء ووجده قبل أن يدخل في الصلاة بالاتفاق بطل تيممه وواجب عليه يتوضأ. يقول الحنفية: حتى مرور النائم أو الناعس المتيمم على الماء يبطل تيممه، في الأخير قالوا: إذا رأى الماء؛ وجدهُ على الماء هذا.. قالوا حتى لو مرّ عليه وهو نايم بطل تيممه؛ لأنه عندهم رافع للحدث ينتقض بوجود الماء، وإذا وجد الماء انتقض تيممه؛ ولو كان عدّى على الماء وهو نائم فينتقض التيمم حقه لو كان متيممًا، مثل المستيقظ عندهم.
وأما إذا كان وسط الصلاة رأى الماء:
فإذا كان كمل الصلاة بعدين رأى الماء؟
كذلك من كان متيممًا لأجل مرض فارتفع عنه المرض وهو قد تيمم:
تيمم بيصلي ومنتظر الصلاة؛ إلا وخف وصار قادر على استعمال الماء، خلاص بطل التيمم حقك؛ لأنك تيممت لعذر المرض والآن قد زال فما يجوز تصلي، قم توضأ وصل، فيصير زوال العذر المبيح له من جملة مبطلات التيمم، إذا زال العذر المبيح له، وكأن كان خايف من عدو يلحقه ونحو ذلك فتيمم، قبل ما يصلي راح العدو ولا عاد حد بيضره، قال: بصلي، قل: ما تصلي ، روح لعند الماء. قال لك: كنت خايف، كنت خايف الآن خلاص راح الخوف! إذا زال العذر المبيح بطل التيمم.
إذا خرج وقت الصلاة:
وقال الحنابلة: خلاص خرج وقت الصلاة التي تيمم من أجلها فانتهى تيممه؛ فلا يجوز يصلي نافلة ولا غيرها، بل الآن قد خرج وقت الصلاة التي تيمم لأجلها فبطل تيممه، أي: خروج الوقت أيضًا يبطل التيمم عند الحنابلة حتى قالوا: ولو كان في أثناء الصلاة.
كذلك مما يبطل التيمم:
الردة -والعياذ بالله تعالى-..
يقول المالكية: الفصل الطويل بين التيمم والعبادة والصلاة يبطل التيمم، فعندهم شرط الموالاة بين التيمم والفريضة -الفريضة التي تيمم من أجلها- لأنه يبدأ بالفريضة، عندهم ما يصح يتيمم بالنوافل، يصلي النوافل بالتيمم الذي تيمم هو لأجل الفريضة حتى يصلي الفريضة أولًا مباشرة؛ فإذا أخر وطال الفصل بطل التيمم، بيقول تيمم ثاني مرة من أجل الفريضة.
فالجمهور يقولون: ما يضر طول الفصل.
المالكية قالوا: طول الفصل يبطل التيمم؛ لأن الموالاة واجبة بين التيمم والفريضة عندهم.
وقال المالكية أيضًا كما يُروى عن الإمام محمد بن حنبل: "أن من كان متوضئًا ثم تعرض لفقد الماء فيكره له أن يتلبس بحدث إلا لضرورة" حتى يحافظ على الوضوء يصلي به وقت الفرض.
وقال غيرهم: لا كراهة في ذلك؛ وإذا حصل له الحدث فحكمه: إذا لم يجد الماء فهو نفس الحكم.
وكذلك تأخير الصلاة إلى العثور على الوضوء أفضل من التقديم.
أما إذا يأس من وجود الماء فتقديم الصلاة في أول الوقت أفضل.
وأما إن كان يتوقع حصول الماء فتأخير الصلاة بتيمم لآخر الوقت من أجل أن يصليها بالوضوء أفضل ما دام يرجو أن يجد الماء.
وتكلموا أيضًا عن المغرب: هل يؤخر أم لا؟
وكذلك النظر ما بين فضيلة أول الوقت وما بين وجود الماء؟ والفرق بين تيقنه وغلبة الظن وبين توهم وجوده في آخر الوقت؟ فاختلفوا إذًا في ذلك ورتبوا عليه بعض التفصيل.
رزقنا الله اتباع النبي بالنية والقصد والفعل والقيل، وثبتنا على دربه، وأدخلنا في حزبه، وحشرنا في زمرته، وجعلنا من أهل مرافقته، وأكرمنا بنصرته ونصرة رسوله ﷺ وشريعته وما جاء به، ونصرة أمته، ووقانا الأسواء، وفرج كروب الأمة في السر والنجوى، وختم لنا بأكمل حسنى وهو راضٍ عنا.
بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه
الفاتحة
05 جمادى الآخر 1445