(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب صلة الأهل والأقربين بتعليم الدين للإمام عبدالله بن حسين بن طاهر رحمه الله، ضمن ضمن دروس الدورة العلمية في موسم شهداء مؤتة الأبرار رضي الله عنهم لعام 1445هـ - الأردن
فجر يوم الأحد: 12 جمادى الأولى 1445هـ
لتحميل كتاب (صلة الأقربين) pdf:
نص الدرس مكتوب:
فَصلٌ
"والمنهيات قسمان: حرامٌ ومكروه.
والمحرمات: كبائر وصغائر.
فمن الكبائر: القتل بغير حقٌّ، والزنا واللواط، والسرقة، والقذف. والفرار من الزحف، وشرب المسكر، والوطء في الحيض، وغصب حق الغير، وشهادة الزور، واليمين الكاذبة.
وعقوق الوالدين؛ وهو: ما يُتأذى به تأذياً ظاهراً، وقطع الرحم، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا وفعله، وخيانة الكيل والوزن ونحوه.
وترك الصلاة، وتقديمها على وقتها، وتأخيرها عنه بغير عذر، وترك الزكاة، وترك صوم رمضان، وقطع الفرض بلا عذر، وترك الحج للمستطيع حتى يموت، والحكم بغير الحق، وكتم الشهادة، وضرب المسلم بغير حق، وسب الصحابة، والوقيعة في العلماء، والسعي إلى الظُّلمة بما يضر مسلماً ولو صدقاً، وقبولها.
وأكل الميتة، وقطع الطريق والسحر، ونسيان القرآن، وإحراق الحيوان.
والنميمة؛ وهي: الإفساد بين المسلمين، والكذب على رسول الله ﷺ، واليأس من رحمته، والأمن من مكر الله.
- ومنها: الرياء بعبادة الله؛ وهو: العمل لأجل الناس.
- ومنها: الغيبة؛ وهي ذكرُك أخاك بما يكره ولو صادقاً إلا للنصيحة أو إزالة ظلم أو بما يُجهَر به، والسكوت عليها مع قدرة النهي.
- ومنها: الكذب ومحاكاة المسلم، والسخرية به بقول أو فعل.
- ومنها: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر البيِّن المتحقق بالمنع إن قدر، وإلا . . فباللسان، وإلا .. فبالقلب ويفارقه.
- ومنها: الفتوى بغير علمٍ، والنياحة على الميت، وإظهار الجزع بنحو شقّ ثوب.
- ومنها: تصوير الحيوان
- ومنها: الحسد؛ وهو كراهة الخير لمسلم، ومحبة الشرِّ له. ومن أحسَّ من نفسه بشيءٍ من ذلك.. فليرده وليكرهه، ويدعو لمن حسده.
- ومنها: سب المسلم وإيذاؤه بغير حقٍّ.
- ومنها: الإعجاب بالعمل؛ وهو: رؤية العمل من نفسه، لا من حيث مِنَّة الله تعالى، وهو محبِطٌ أو منقصٌ، والمنُّ بالصدقة وهو محبطٌ لها".
الحمدُ لله مكرمنا بهذه الشريعة العظيمة، وبيانها على لسان عبده وحبيبه محمّد الهادي إلى الطرق القويمة، اللهم صلِّ وسلم وبارك وكرّم على عبدك المجتبى المختار سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن سار في سبيله؛ مُحبًا مُقتديًا مُخلصًا في الوجهات الفخيمة، وعلى آبائه وإخوانه من الأنبياء والمرسلين؛ أهل المراتب العليّة والمنازل السوية والمنازل السنية؛ الذين اخترتهم من بين البرية، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم، وعلى ملائكتك المُقربين وجميع عبادك الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمتك يا أرحم الراحمين، صلوات وتسليمات تتوب بها علينا من جميع الذنوب؛ كصغائرها وكبائرها، وجليِّها وخفيِّها وباطنها وظاهرها وحسيّها ومعنويها، يا خير التوابين ويا أرحم الراحمين.
المنهيات: قسمان حرام ومكروه
يُبين لنا الشيخ -عليه رحمة الله- في هذا الفصل: "المنهيات"؛ وهي: ما نهانا الله تعالى عنه ورسوله محمّد ﷺ الذي قال عنه: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوا وَمَا نَهَاكُمُ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7].
وذكر أنّ: "المنهيات قسمان":
ثم إنّ الحرام والمُحرمات قسمان:
قال تبارك وتعالى: (إِن تَجِتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء:31]؛ فيجب الابتعاد عنها كبائرها وصغائرها، وظاهرها وباطنها. قال جل جلاله: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيِّجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:120]، اللهم أجرنا من الذنوب وآثارها ونتائجها وعواقبها. (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) [النساء:31].. فاجتناب الكبائر من أسباب تكفير الصغائر.
من أكبر الكبائر: القتل بغير حق
وذكر الكبائر فذكر من أولها: "القتل": وذلك أنه ما من ذنب من الذنوب أُختلِف في قبول التوبة منه؛ هل تقبل أم لا؟ غير هذا القتل بغير حق.
القتل العمد للنفس المحرمة؛ للنفس التي حرّم الله -جل جلاله وتعالى في علاه-، حتى ما هو أكبر منها وهو: الشرك بالله لا اختلاف في قبول التوبة منه؛ "ومن تاب منه تاب الله عليه"؛ ولا خلاف في ذلك، ولكن قتل العمد هل تقبل التوبة منه أم لا؟ هذا الذي فيه خلاف؛ مِن بقية الذنوب كلها الأخرى.. من بقية الذنوب لا خلاف في قبول التوبة منها لمن تاب؛ ولكن من أصاب دمًا حرامًا -والعياذُ بالله تبارك وتعالى- ضيّق على نفسه، واختلف في قبول توبته؛ وإن كان الأصح والذي عليه الجمهور أنه:
يقولُ: "فمن الكبائر القتل"؛
فهذا من أكبر الكبائر بعد الشرك بالحق؛بالله تبارك وتعالى قتل النفس التي حرم الله إلا وهي:
يقول: "فمن الكبائر القتل" -أجارنا الله وأعاذنا-، وبعد ذلك كله قال: "بغير حق،"
إقامة الحد في الإسلام
"القتل بغير حق،" أو يكون وجب عليه القصاص لأنه:
وأصعب البينات في الشريعة: بينة هذه الفواحش؛ لأن الحق تعالى لا يحب ذكرها، ولا انتشارها ولا شيوعها بين الناس. وشدّد الأمر فيها، ولم يقبل منها إلا شهادة أربعة؛ شاهدوا الأمر مشاهدة ومعاينة تامة كاملة، وإلا فمن تكلم -وإن رأى بعينه- يُجلد ذلك المتكلم؛ لأن الله لا يحب إشاعة هذه الأسواء وهذه الشرور.
فإن ذكرها فضلًا عن رؤية صورها؛ مضرٌ بفكر الإنسان وعقله وإيمانه، مُضر باستقرار حياته، مضرٌّ بطمأنينة قلبه؛ فلهذا كرهَ الشارع ذكرها والحديث عنها، وأمر من رأى أن ينصح ويستر؛ إلا أن يكونوا أربعة، ولذا لم يُقم حدُ الرجم بالزنا إلا من حيث الإقرار والاعتراف، ولم يُقم حدٌ بشهادة قط.. لم يُقم حد بشهادة قط.. مِن أول ما جاء الإسلام؛ وإنما أُعلن هذا الحد ليكون زجرًا ومُذكرًا للمؤمن أن لا يردي بنفسه، وأن لا يُوقع نفسه في أمر يكرهه الله؛ ومن كراهة الله له جعل حدّه القتل إذا كان مُحصنا.
ولهم في المحصن أقوال؛ ومن أعجب ما ذكر بعض أهل الفقه أن يقول: من كانت له زوجة أو أمة تصلح للوطئ، ثم بعد ذلك زَنا أو عمل اللواط؛ فهذا هو المحصن الذي يرجم. وما دون المحصن: هو الذي يجلد مئة جلدة، (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:2].
حرمة القتل بين المسلمين
وما عدا ذلك؛ فالنفوس محترمة ولم يوجد على ظهر الأرض نظام يرعى حق النفوس وحق المال وحق العِرض كنظام الله -تبارك وتعالى- في جميع الشرائع التي أنزلها على الأنبياء؛ وفي الشريعة العظمى الخاتمة؛ التي جاء بها سيد الأنبياء ﷺ، وهو الذي قال في حجة وداعه: "أيُّ يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قالوا: فسكت حتى ظننا أن يسميه بغير اسمه -كل هذه المقدمات يهيئ عقولهم ومشاعرهم لأن تعي ماذا يقول وماذا ينبههم عليه- قال: أليس اليوم الحرام؟ قالوا: بلى يا رسول الله، أيُّ شهر هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، ثم قال: أليس الشهر الحرام؟ ، قالوا: بلى يا رسول الله، أيُّ بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه يسميه باسم غير اسمه، قال: أليس البلد الحرام؟ قالوا -بعد المقدمة هذه الكبيرة-:بلى، قال: ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلغت يا رسول الله، رفع أصبعه نحو السماء وردَّ عليهم قال: اللهم فأشهد .. اللهم فاشهد .. اللهم فاشهد ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب ألا فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض".
وقد أدى الأمانة ﷺ، وما وقع في الأمة إنما مخالفة له وخروج عن أمره ولو اتبعوا قائدهم لسعدوا ولما حصلت الفتن ولا البلايا ولا الرزايا؛ ولكن رموا بأمره ورموا ببيانه، وهذا الصعب الذي أقامه في حجة الوداع وهيأ العقول والنفوس والقلوب: "أي يوم هذا؟ أي بلد هذا؟ أي شهر هذا؟ ألا فإنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ وأعراضكم حَرَامٌ عَليكُم" ﷺ.
وبقي ما يُقَاتل به المحارب من الكفار المعتدين والظالمين والصادين عن سبيل الله -جل جلاله-، فيُتقربُ إلى الله -تبارك وتعالى- بقتلهم وهذا خير له من أن يزدادوا كفرًا وإثمًا في هذه الحياة، ورجاء أن يؤمنوا وبمجرد إيمانهم أو شهادتهم أن لا إله إلا الله ينتهي الحكم كله والأمر كله.
النظام الإلهي للتعايش
فما أعظم نظامه، وما أعظم شريعته -جل جلاله-، ولن يصلُح للعرب ولا للعجم، ولا في الأول ولا في الآخر، ولا في أي قرن من القرون للناس نظام أحسن من هذا النظام الإلهي الرباني الرحماني؛ وهو الذي يضمن لهم العيش بسلام وطمأنينة، يضمن لهم حق التعايش السليم، وحق الجوار، (..فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) [البقرة:193]، فماذا يريدون بعد ذلك كله؟
ويقول ﷺ لمن سأله: "يا رسول الله لو قاتلتُ مشركًا حربيًا يصدُّ عن سبيل الله يقاتلني فقاتلته حتى قطّع يدي؛ ثم لاذ بشجرة فقال: لا إله إلا الله، أأقتله؟ قال: لا..لا؛ لا تقتله، قال: يا رسول الله قطّع يدي -جاب هذه الكلمة- قال: لا تقتله، قال: يا رسول الله أنه قطع يدي قال: لا تقتله فإنك إن قتلته كنت بمثابته قبل أن يقول كلمته وصار بمثابتك قبل أن تقتله" ﷺ.
هل يوجد نظام أكبر من هذا؟ وأحسن من هذا؟ وأشرف من هذا؟ أو يريدون الإصرار على البغي والظلم والعدوان وسفك الدماء؛ ثم يقولون سِلْمْ سِلْمْ ورحمة رحمة، السُلم والرحمة أن تُقتل أيها المجرم، وأن تُغيّب عن هذه الأرض لألّاَ تستطيل على نفسك وعلى الخلق بالضُر، وتزداد إثمًا وعذابًا في جهنم، قتلك خير لك وللأمة، وأنتَ بهذه المثابة تُبْ وعلى العين والرأس ومرحبا، (..فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [التوبة:11]؛ فما أعظم هذا الشرع المصون! وما أعظم ما جاء به!.
قال: "القتل بغير حق" -أجارنا الله من ذلك وعصمنا-.
جريمة الزنا واللواط
قال: "والزنا واللواط"؛ هما الجريمتان العظيمتان اللتان لم تحلّا في شريعة قط، من أيام آدم -عليه السلام- إلى أن ختمت النبوة بخير الأنام -صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله-، بل حرم الله القُرب منها في قوله: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء:32]؛ ولذلك:
فإن الناس وقد اُختُبروا بهذه الشهوات وأمروا أن يجاهدوا أنفسهم، (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون:5-6-7].
ليسوا بحاجة في دنياهم ولا في أديانهم أو في آخرتهم لمن له دين ويؤمن بالآخرة، ولا في الدنيا للجميع؛ ليسوا بحاجة إلى ما يثير الشهوات للوقوع في هذه المحرمات، ليسوا بحاجة إلى ذلك والمشي وراء ذلك؛ لا يجلبُّ لهم أمانًا ولا استقرارًا في المجتمع، ولا تماسكًا في الأُسر ولا طمأنينة ولا سلامة في الأبدان من العلل والأمراض الكبيرة.
الإسترسال في ذلك أمراض ومصائب بدنية، ومصائب اجتماعية، ومصائب نفسية؛ يفعلون هذه المناكر وهمُّهم يزداد، وغمُّهم يزداد، وقلقهم يزداد، وشرهم يزداد -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، فما جعل الله الراحة في معصيته، ولا جعل الطمأنينة إلا في الإنابة والتوبة إليه -جل جلاله وتعالى في علاه-. ومع ذلك -فكما ذكرنا- باب التوبة مفتوح منها؛ لمن فعل ما فعل من كل ذلك؛ قال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان:68-70].
وعجِبَ بعض جلساء سيدنا عبد الله بن عباس جاءه سائل يقول: يا هل للقاتل من توبة؟ قال: لا؛ لا تُقبل توبة القاتل ذهب، فجاء سائل آخر يقول: يا ابن عباس هل تُقبل توبة القاتل؟ هل للقاتل من توبة؟ قال: نعم عليه أن يُحسن التوبة ويرجع إلى الله ويُسلّم نفسه ويخلص نفسه وذهب، قال الجلساء: ما بالك أتوا بسؤال واحد وجواب مختلف! قال: أتاني الأول فتفرَّستُ أنه ينوي قتلًا، فقلت: لا توبة للقاتل حتى ينقذ نفسه ولا يقع في توبة، فإن آذاه بعض أقاربه وأراد أن يفتك به ويُحدِّث نفسه بالتوبة قبل العمل.
تحديث النفس بالتوبة قبل الذنب
قال: ومن أضر إيحاءات الشيطان لابن آدم أن يحدثه بالتوبة قبل الذنب، التوبة بعد الذنب، أما قبل الذنب ما تُحدّث نفسك بالتوبة؛ ابتعد. وهكذا ومن يُحدث نفسه بإستعمال الدواء المضاد للسم قبل شرب السم؟ إلا مجنون؛ يقول: في هذا الدواء يضاد السم إذا دخل بدنك، اشرب السم وبعد ذلك اشرب الدواء، قال: لا؛ ما دام عقلي فيّ أذهب، لن أشرب السم. لكن إذا شرب السم فعلا ودخل عليه السم؛ هات الدواء وأين الدواء؟ أبحث الآن عنه، كذلك التوبة مع الذنوب؛ الذنوب سم والتوبة دواء، ما تتحدث بها قبل ما تقع في السم، ما دام سليم من السم دع نفسك وقل: الحمد لله؛ ولكن إذا وقعت فيها فحينئذ استعمل الدواء. قال والثاني: جاء يسألني وقد وقع في جريمة، فلو أفتيت أنه لا توبة له لاستفحل، فلقيَ بيصلح ثانية وبيقتل ثانية وثالثة ورابع فقلت له: توبة صحيحة وارجع إلى ربك.
وكان هذه أمانة الفتوى عند العلماء الربانيين، عند علماء النور وعلماء الورع؛ يُنقذون خلق الله من مُوجبات الضر والشر في الدنيا وفي الآخرة.
الفرق بين السرقة والنهب
قال: والسرقة؛ أخذ مال الغير خفية.
والنهب: أخذه جهارًا.
خطورة القذف
"والقذف": وهي أن يرميه بزنا أو لواط -أن يرمي غيره بزنا أو لواط، إما صريحًا أو يكون بكناية- فذلك مُحرّم بنص القرآن، وهو عظيم عند الله يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النور:4-5].
قال: تاب تمام بينه وبين الله يكفر عنه والله غفور رحيم، لكن شهادة ما تقبل شهادته، هو مجروح إلى أن يموت، مجروح خلاص ما تقبل له شهادة في المحاكم؛ لأنه رمى مسلمًا بهذا الذنب، مع أنه الذي يغتاب إذا تاب مجمعين على أنه تقبل توبته وُتقبل شهادته، بأي شيء يغتاب المسلم إلا بهذا، إلا بجريمة الزنا واللواط؛ لا.. هذا أمر شديد شنيع إذا اتهمته بهذا وقلت عليه -حتى وإن رأت عينك- ما لم يكن أربعة شهداء، أو يُقرّه، فإذا لم يُقرّه ولم يكن أربعة شهداء فأنت بهذه الكلمة: فاسق ولا تقبل شهادتك؛ ويجب عليك التوبة.
فبذلك أدّبنا الحق -سبحانه وتعالى- وعلمنا الارتقاء والارتفاع عن هذا الحضيض.
الحكمة من حد السرقة
قال: "والسرقة"؛ لعن الله -سبحانه وتعالى- السارق يسرق البيضة فتقطع يده، يسرق الحبل فتقطع يده، قال العلماء معناه: أنه يتدرج من سرقة البيضة وسرقة الحبل إلى سرقة الأشياء الكثيرة حتى تقطع يده؛ لأن اليد ما تقطع إلا في مقدار ربع دينار فأكثر.
يقول قائلهم: إذا واحد قطع يد واحد وجبت عليه الدية، ما هي الدية؟ الدية: خمسين في اليد خمسين، في اليدين مئة، خمسين ناقة تأتي بحدود خمسمائة دينار؛ كانت تصل قيمة الناقة خمسمائة دينار، الخمسين ناقة.
فإذا سرق مقدار ربع دينار تقطع يده، إذا سرق مقدار ربع دينار تقطع يده! ما بال ديتها خمسمائة وقطعها في ربع دينار! يقولون: لما كانت أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت.. صارت تُقطع في ربع دينار، قبل أن يسرق كانت ثمينة فلما سرق بها هانت.
وبذا يقول شاعرهم:
يَدٌ بِخَمْسِمِئِي مِن عَسْجَدٍ وُدِيَتْ ∗∗∗ ما بالُها قُطِعَتْ في رُبُعِ دِينارِ
فأجابهم:
عِزُّ الْأَمَانَةِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا *** ذُلُّ الْخِيَانَةِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي
-جل جلاله وتعالى في علاه-
وقال سبحانه وتعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ..) ، كان يقرأ الآية بعضهم قدام أعرابي وغلط فقال: (.. فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ غفورٌ حَكِيمٌ)، قال: لا ما تكون الآية كذا.. وانت ماذا عرفك؟ يذكر سرقة وقطع ويقول غفور رحيم!؟ ما هكذا الآية! رجع و قال: (..وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة:38]، قال: صح، عزَّ فحكم؛ هذا صحيح، نسَق القرآن بطبيعته عرفه، قال: ما هذا؟! كلام الله ما يأتي هكذا! هات كلام مضبوط، فما قبلت سجِيَّتُه أن يضع الوصف في هذا المكان وصف ثاني قلنا له، وبعد هذا قال: (..وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، قال: صح، هذا كلام صحيح عزَّ فحكم، فما أدق كلامه سبحانه وتعالى، وما أعظم بيانه.
من جمال الإسلام في القتال
يقول: "والقذف والفرار من الزحف"؛ الزحف: قتال الحربيين أو البُغاة مثلهم كذلك، مجرد البُغاة الخارجين عن الإيمان بغير حق وبشوكة (أي: بالسّلاح و القوّة)؛ فيجب قتالهم، كذلك الكفار المحاربين يجب قتالهم.
في جمال هذا الإسلام، في قتال الحربيين:
ما المقصود من سفك الدماء؟ ما هو المقصود؟ المقصود إبعاد الظلم، إبعاد الكفر، إبعاد الإعتداء هذا والجحود بالجبار الأعلى هذا المقصود إبعاد سطوته؛ وليس المقصود قتل النفوس بذاتها، حتى كما سمعتم في الآية يقول الله لما جاء النبي إلى مكة ورجع من تحت مكة قال الله: (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ..) [الفتح:24]، ما الحكمة؟ ذكر الحق من الحكم؛ قال: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ..) [الفتح:25]، يقول الله:
(لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ) -أي: لعجلنا العذاب لهم- (كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الفتح:25]؛ لكن ببركة وجود هؤلاء أُخِّرَ العذاب حتى عن الكفار أُخرّ وأسلم منهم كثير بعد ذلك، هم الذين قاتلوا في يوم الحديبية الذين صدوا وردوا يوم الحديبية؛ الكثير منهم أسلموا بعد ذلك ورجعوا إلى حظيرة الإسلام رحمة من الله تبارك وتعالى بالعباد.
فالقتال في الدين قتال رحمة؛ وقتال إنقاذ؛ وقتال ردِّ الضر والفساد والشر الذي يضر بالعباد، هذا هو القتال في دين الله تعالى؛ وليس القتال لا دفاعي ولا هجومي ولا شيء من هذه المصطلحات، الأمر أكبر من ذلك؛ إنما هو رحمة لتكون كلمة الله هي العُليا…الله أكبر.
توضيح حول معنى الفرار من الزحف
ويقول: "وَالْفِرَارُ مِنَ الزَحْفَ" .. فاذا التقى الجيشان والتقى الصفّان فلا يجوز لأحدٍ أن يفِر ويهرب، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الأنفال:15-16]؛ فهو من الكبائر أن تفر من الزحف، ثم أن الفقهاء قالوا:
يُشكل على بعض الناس ما صار الآن من مسائل القوى، والقوى الحربية والأسلحة ما عاد عددها بعدد الناس، أصبحت لها اعتبارات أخرى؛ ونقول: إذا قد وجب القتال باعتداء ونحوه؛ فإن العبرة بوجود الصدق والتوجه لله، ولا سبيل نقول: إذا كان الكافر قوته أكثر وطغى افتح له المجال يشيل من أرضك كما يريد، ويلعب بخلق الله كما يريد، لا سبيل لذلك؛ لأننا لا نقاتل بعدد ولا عُدة كما قالوا، ولأنه غزوات نبينا ﷺ، ثم فتوحات سادتنا الصحابة، ومن بعدهم ما تكافأ فيها الفريقان في وقعة قط، وكان المسلمون وأهل الحق أقل بكثير في العدد وفي العُدَدْ؛ ومن أعظمها وأولها بدر:
وما بعدها كذلك من مختلف الغزوات، بل نقرأ في القرآن أن الله -تبارك وتعالى- أمرَ طالوت أن يخلِّف من الجيش كل من تخلف عن عزيمة قوة الإيمان والصدق مع الله، عطش شديد قالوا: ربنا رِدْ على نهر ولا أحد يشرب، ما أحد يشرب اختبار! ولا أحد يشرب (..إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ..) [البقرة:249]، ومعه ألوف فشربوا منه إلا قليلا منهم؛ كم؟ ثلاثمائة وثلاثة عشر، منهم من لم يشرب أصلا، ومنهم من اغترف غرفة واحدة، التي رُخِّص له فيها، قالوا: فقط هؤلاء الذين لم يغترفوا إلا غرفة والذين لم يشربوا أبدا هم معك واخرج قاتل بهم، الآن أين المكافأة؟ هناك ألوف مقابلينه سيقاتلهم جالوت وجماعته؛ وهؤلاء ألوف! قال: اتركهم، -خليهم يروحوا- وجودهم بينكم يضر؛ أحسن يذهبون. كما قال الله عن جماعة من المنافقين: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة:47]، لما يكونوا قليل لكن إيمان قوي، أهل رابطة بفوق هؤلاء أحسن، أحسن من كثير، يختلط فيهم النيات والوجهات والعزائم. وذهب مع القليل (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ)؛ حساب مادي لا يوجد مقابلة أصلا، ما لا يمكن هذه ألوف وأسلحة كبيرة وكثيرة ونحن ثلاثمائة وثلاثة عشر وأسلحتنا قليلة، (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّه) -أي: يوقنون باللقاء- (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة:246].
فقل للعقول يقولوا يجعل اليهود يأخذون غزة وغيرها لأنهم لديهم قوة أكثر أنتم مجنونين؟ أنتم مجنون؟ أنتم لبلادك وبلاد الثانية وتقول قوتهم أكثر ومعهم أمريكا وبريطانيا واتركهم يدخلون أنتم مجنونين؟ لا والله يقع قوة أكثر ولا أقل ما هناك عند الله -سبحانه وتعالى- كثير في خلقه ولا يوجد عند الله صعب في خلقه، (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ..) [ال عمران:160]، قال سبحانه وتعالى: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا) اتصلوا بفوق انتهت المسألة، (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة:250-251].
حتى الكفار أنفسهم هذا يقف مع هذا وهذا يقف مع هذا، ولله حكم وهذا يقف له مصالح تضاد هذا من أجل أن يحمي الله من يشاء من المسلمين، له حكمة -جل جلاله وتعالى في علاء- والأمر كله بعد ذلك يقولوا إلى المؤمنين الصادقين المخلصين، فكثّر الله في أصحاب غزة القلوب المتصلة بالله، كثّر الله القلوب المؤمنة بالله وقوّاهم وأيدّهم ونصرهم بقوته وقدرته إنه أقدَرُ القادرين، وردَّ كيد الكافرين والفاجرين يا حي يا قيوم.
وقد أذل الله اليهود بثبات هؤلاء، وبهذه الهدنة، ويتخوف كثير من الناس أنهم يفكرون في كذا وكذا، وأنهم كيف يردون الهجوم لهم، وأنهم يستعملون القنابل الصعبة التي عندهم، إنهم وما يفكرون تحت قهر قاهر، فاتصلوا بهذا القوي القادر ولا تخافوهم؛ (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ۚ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ۗ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [ال عمران: 175-176] من غير شك.
-الله يحول أحوال المسلمين إلى أحسن حال-.
من تفننات الفساد في زماننا
قال: "والفرار من الزحف، وشُرب المسكر"، وأنواع المزيلات للعقل؛ وتفننوا فيها وفي نشرها وردوها إلى الحبوب المخدرات وغيرها، وهي من الكبائر ويجب الحذر منها، ويغرون بها شبابنا، ويغرون بها صغارنا.
واليوم شأن هذه المخدرات، وأشد منها شأن هذا الزنا واللواط؛ تفننوا في نشر الكلام عنه ونشر صوره، بل والآن وصلوا إلى الأطفال، وصلوا إلى الأطفال.. حتى في برامج الأطفال، وحتى في عموم ما ينشر في النت بالجوال، وصلوا الآن إلى حد إذا واجه الشاشة طفل صغير تظهر له صور من هذه التي تقربه من شؤون الشذوذ، يتناوله الكبير ما تظهر تأتي صور أخرى؛ من خلال الوجه توصلوا إلى هذا الآن، أعطوا طفلك الجوال ولا عليك بيلعبوا به كما يشاءون، بس مكّن طفلك من هذا الجوال واتركه بيلعب؛ لأنهم يساهدون إذا أمان الشاشة وجه صغير؛ تلقائيا يطلع له من الصور التي يتعلق به بفتنته، يحمله الجوال نفسه أبوه إذا تجد دعايات أخرى ما هي مثل هذا الذي جاءت، تفننوا إلى هذا الحد للإفساد، لقتل الشرف، لقتل الكرامة، لقتل الإنسانية، -ردَّ الله شرهم وردَّ الله كيدهم في نحورهم-.
فيجب أن نحذر على أولادنا من هذه الأشياء، ومن المسكرات والمخدرات التي ما تركوا مكان إلا ينشرونها في أسواق، ولا حتى في مدارس، ولا حتى في أماكن عامة وأماكن خاصة، -والله يدفع شرهم- وإلا بواسطة الجهاز نفسه تتكلم معهم ويجبون لك المحل فلاني والمكان فلاني وما إلى ذلك، (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:127]؛ فلنتمسك بإرادة إلهنا الرحمن، يدفع شر أهل الطغيان عنا وعن أبنائنا وعن بناتنا، وعن أهل ديارنا وعن المسلمين اللهم آمين.
معنى الوطء في الحيض
قال: "والوطء في الحيض"؛ هو في أول الحيض أعظم إثمًا، ومن الكفارة التي جاءت في السُنّة:
قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ..) [البقرة:222].. تطهّرنَّ:
ولكنّ الذي عليه جماهير أهل العلم أنه لا يجوز أن يقرب زوجته بعد أن ينتهي عنها الحيض إلا أن تغتسل أولًا، (..فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِينَ) [البقرة-222].
قال: "وغصب حق الغير".. وحكم النفاس نفس حكم الحيض، وبخلاف المستحاضة: هذا يحتاج إلى السؤال، ففي الأيام التي تعد فيها مستحاضة يجوز لزوجها أن يطأها، وإن كان فيها الدم.
أحوال ينزع فيها الإيمان
قال: "وغصب حق الغير"، مقابل السرقة هذا الغصب الأخذ الغصب والنهب بالقوة، "لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهو مُؤْمِنٌ" "ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فيها أبْصارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُها وهو مُؤْمِنٌ"، "لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وهو مُؤْمِنٌ"، في تلك الأحوال يُنزع الإيمان من قلوبهم وقد يعود أو لا يعود.
شهادة الزور واليمين الكاذبة
قال:"وشهادة الزور" والعياذ بالله تبارك وتعالى حذر منها ﷺ لما ذكر الكبائر مرة كان متكيء عنده بعض الصحابة وقال: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ فَما زالَ يقولُها، حتَّى قُلتُ: لا يَسْكُتُ"؛ لأنهم رأوا عليه أثر الغضب فخافوا على أنفسهم وقالوا وددنا أنه سكت ﷺ، يُعظِّم شأن شهادة الزور، يُعظم والعبرة التي تؤخذ بها الحقوق وتصرف لغير أهلها وتنتزع من أهلها شهادة الزور.
ويقول: "من جاء إلى حاكم فشهد شهادة زاد فيها كلمة أو نقص كلمة متعمدًا لم ينزع من مكانه -لم يرفع رجله- إلا وقد حل عليه غضب الله"، ما عاد يرفع رجله من المحل إلا وغضب الله حل عليه لأنه زيد كلمة أو نقص كلمة، فكيف إذا كانت الشهادة كلها زور وبهتان؟! يأخذها بمقابل أو بأي مقابل، ويل لهم ثم ويل لهم.
"وشهادة الزور، واليمين الكاذبة"، يحلف بالله يمين كاذبة فإن كانت فيها إضرار بالمسلم يتضاعف إثمها -اليمين الكاذبة- وإن كان يأخذ بها حق مسلم بغير حق باليمين الكاذبة فهي المسمى اليمين الغموس تغمس صاحبها في النار، والعياذ بالله تبارك وتعالى. قال سيدنا الشافعي: ما حلفتُ بالله صادقًا ولا كاذبًا طول عمري أُجِلُّ ربي ما أحلف لا صادق ولا كاذب.
تنبيه من عقوق الوالدين
قال: "وعقوق الوالدين"-أجارنا الله من ذلك- قال: وهو -فعل- ما يُتأذَّى به -الأب أو الأم- تأذيًا ظاهرًا، فأي شي يتأذى به الأب أو الأم من قول أو فعل أو تَصرُّف فتَصَرَّف به وعمله وقاله أمام أبيه أو أمه فهو عاق، فيتجنب ما يتأذى به الوالدان فقد أمر الله بالإحسان إليهما: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا) [الإسراء:23].
وقد كان سيدنا علي زين العابدين ما يأكل الرطب مع أمه، لماذا؟ قال: أخاف أن تسبق عينها إلى رطبة فأخذها فأكون عققتها، قال: خلها وحدها تأكل الرطبة إذا كملت هو يأكل بعدها، قال ما آكل معها قد تسبق عين الآكل إلى واحدة فيجيء الثاني يأخذها-أشار بيده- قال: فأخاف أن تسبق عينها إلى رطبة تحبها فأنا أخذها ما أدري بها فأكون قد عققتها، خاف من هذا ولكنها بر الصديقين هذا بر الصديقين وصلوا إلى هذه الحدود.
فتعيش المرأة في ظل الإسلام والشريعة مكرمة مصانة معظمة أيام كانت بنت مرحومة ومؤدى لها الحقوق، ثم زوجة لهن مثل الذي عليهن، ثم أم، ثم كلما كبرت صارت جدة وصارت لها هالة من الأسرة يعظمونها ويحترمونها ويجلُّونها، ولكن إذا فقدوا هذه القيم إذا كبرت قالوا تعب، هاتوا لها حد بأجرة يصاولها، وإلا إذهبوا بها إلى بيت العجزة وحطوها هناك، ولكن إذا في ذوق إيمان وقيم شريفة كلما ضعفت وكبرت ازدادت عزة وكرامة وإحسان وتعظيم من قِبَل أسرتها ومن يحف بها؛ هذه شريعة الله جل جلاله وتعالى في علاه.
وهكذا يتعجب بعض الناس كان في بعض مطارات بعض الدول الإسلامية ويجلس وتمُر امرأة وحاملة عفشها وحقائبها وفي حالة وبنطالها يكاد يخرج عليها وتريد تدخل إلى بيت الخلاء، من بيمسك لها هذا ماهي دارية بتحطه، بعد قليل مرت امرأة مسلمة معها زوجها وحامل شنطة ويمشي قدامها وهي مستورة بأدب وبحياء، قال: شوفوا أين الإكرام؟! أين؟ من كرم المرأة؟! حتى شنطتها حاملها لها زوجها ويمشي قدامها وهي بسترها وحياءها وحشمتها ولو احتاجت حاجة هو جنبها، ولكن هذه التي قالت إن الحرية تروح حيث شاءت وأرادت، وقعت لها مع الدرج كيف تصلح بنفسها وسط المطار تترك عفشها خايفة كيف بيخرج عليها ثيابها، أهانت نفسها أهانت نفسها، فما في شريعة الله الا الاكرام؛ (وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ) [الإسراء:70].
الجزاء العظيم لبر الوالدين وصلة الأرحام
قال: "وقطع الرحم" الذي يترتب عليه اللعنة، وهم أقارب الأب، وأقارب الأم، هؤلاء الأرحام قال الله تعالى عنهم: (فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ- أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ) [محمد:22-23]، "بروا رحمكم ولو بالسلام"، إلقاء السلام عليه، بالسؤال عنهم.
ورأى بعضهم: بعض الأخيار توفي في مكة المكرمة، فرآه يقول له: أنقذني، يقول له كيف انقذك؟ قال: الحمدلله أعمالي صالحة وصلواتي كلها في الحرم، ولكني حُبِست الآن، عُذبت من شان أخت لي في الشام ما انتبهت منها، وصل إليها الجوع ولا انتبهت منها، وصل إليها العري ما انتبهت منها، أنا الآن أُعذَّب من شأنها، فأرجع وقل لها: تسامحني، سَافَر ورَحَل وجاء إليها وتعرف عليها من خلال الرؤية مع هذا، وقال: هل ترضين لأخيك بالعذاب؟ قالت: لا. قال: هل تسامحينه من قِبَلك؟ فرآه بعدها يقول: جزاك الله خير ارتفع عني العذاب من يوم سامحتني أختي. الأخت ما انتبه منها وصلها الجوع وصلها العري وأنا ما أنا مبالي بها ويصلي صلواته كلها في الحرم! وقائم بالعبادة في مكة ولكن ما نسى الله حق هذا الرحم.
أعطِ كل ذي حق حقه، وصلة الرحم "مثراة في الأموال منسأةٌ في الآجال"، هذه من الطاعات اللي يُعجل لها ثواب في الدنيا قبل الآخرة مباشرة، البر والصلة- بر الوالدين وصلة الرحم- في الدنيا يُعجل لك لها ثواب، يجون لك أولاد بررة، وعند أكبارك تحصل خير كبير بسبب أبوك وأمك برك لهم، تصل الأرحام عمرك يطول والرزق يتوسع لك من هنا ومن هنا تجيك الأرزاق على قدر ما تصل الأرحام تجيك الأرزاق، يقول: فإنها مثراة في الأموال منسأة في الآجال، تؤخر لك الأجل وتكثر لك المال المبارك فيه.
أكل مال اليتيم وأكل الربا
"وأكل مال اليتيم"، الذي سماه الله أكل النار، (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10] أجارنا الله من النار.
"وأكل الربا وفعله" وهو الذي انتشر في زماننا، وفي الحديث: "أن يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه أهل بيت إلا أكلوا من الربا ومن لم يأكله أصابه من غباره"، وهذا الذي عمّ الناس والله يخلصهم منه؛ لأنهم أحبوا قوانين قالوا إنها أحسن في الاقتصاد وليست بأحسن، وأدخلوا الربا وتعبوا الآن منها، هذه القوانين ما أفادت؟! الدول التي انتشر فيها الربا اقتصادهم في انهيار وانحطاط، ولا يزال يعتمدون على نهب حق الغير وأخذ حق الغير من الآن، ولو سلكوا مسلك تحريم ما حرم الله وإحلال ما أحل الله تعالى لكان أبرك لهم، (يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة:276].
من أحوال مراعاة الكيل والوزن
"وخيانة الكيل والوزن ونحوه"؛ (وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ * ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكۡتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسۡتَوۡفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمۡ أَو وَّزَنُوهُمۡ يُخۡسِرُونَ) [المطففين:1-3]، هذه أول آية نزلت في المدينة بعد هجرة النبي ﷺ، النهي عن التطفيف في الكيل والوزن، وهكذا من غباوة وسفاهة بعض الذي كانوا يبيعون في الزمان السابق يأتي كل يوم الى دكانه فينفض الكفة التي يضع الأواقي فيها وبعض أثرها ويترك الثانية، أمر يسير لكنه غل في القلب -والعياذ بالله- يترك الثانية من أجل قليل ينقص من البضاعة، ويستمر على الفعل، فلما أدركه الموت ما قدر يقول: لا إله الا الله، كانوا يقولون: لا إله إلا الله، ما يقول، يتكلمون كان يتكلم، واحد بعدين ضاق قال: ما لك تتكلم معنا وما تقول: لا إله الا الله؟! قال: كل ما أردت أن أقول أحسست بشوكة الميزان توضع على لساني تمنعني أن أقولها، شوكة الميزان! يطفف إلا بس ينفض هذه الكفة وما ينفض الكفة الثانية، وكم هذا سيكون يسير، لكن الحساب على النقير والقطمير والقليل والكثير، (فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرٗا يَرَهُۥ * وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ) [الزلزلة:7-8].
وكان كثير من الصالحين يبيع ويشتري، إذا اشترى من حد ينزل قليل حبة يردها له، وإذا باع يزيد حبة بعد الكيل ويحطه فيه، قالوا: ما لك؟ قال: ما أشتري الويل بحبة، حبة واحدة تعتقني من الويل أحسن، خلنا نزيد حبة وتنقص عليّ حبة وأُعتق من الويل كله أحسن ولا أشتري الويل، (وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ) [المطففين:1].
قالوا بعضهم كان في السوق باع على بعض الأخيار، لما خرج البيت كالُه وجدُه ناقص، تعجب، بعدين لقيه وقال له: يا فلان عسى مالكيل حقك.. قال: لماذا؟! قال اشتريم (الدقيقة 54) قال: نعم. كُلت لي؟! قال: كُلت لك بالكيل حقك كامل. قال: أنا لما رجعت البيت كِلته وجدته ناقص. قال: اسمع كان هذا البياع واحد من أهل الذوق والمعرفة. قال: اسمع أنت من أسرة معروفة صالحة. ابائك كان لهم كيلين شوف، كيل يخرجون به وكيل يأخذون به، الذي يأخذون به مثل حقي ذا -الكيل هو ذا اللي عند الناس والذي يخرجون به زايد- أنت كلت بالكيل الثاني. قال: هاه! تذكر رجع حصله صدق، رجع إلى البيت. قال: أنتم أسر معروفة بالورع والخير، طيب عندهم المد اثنين واحد زايد شوية، الزايد شوية إذا أي شيء هم سيخرجونه زكاة فطرة ولا بيع على حد يكيلون به هذا، والثاني مثل حق الناس عادي يأخذون به إذا اشتروا شيء وأخذوا به شيء؛ وصلوا الى هذا الحد في مراعاة الأمر، استعدوا للحساب، استعدوا للحساب عليهم الرضوان. من حاسب نفسه في الدنيا خفف الله عنه في الاخرة، حاسبت نفسك ما عاد يشدد عليك الحساب جل جلاله وتعالى في علاه.
حكم تأخير الصلاة وتأخيرها عن وقتها
قال: "وترك الصلاة" وهي الفريضة العظمى بعد الشهادتين، الصلاة: صلة بين العبد وبين -ربه جل جلاله-، الساهي عنها يتعرض للويل (فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ) [الماعون:4-5]، قال ﷺ: "الذين يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتِها"، فكيف بتركها من أصلها. قال: "تقديمها على وقتها وتأخيرها عنه بغير عذر" من كبائر الذنوب، (إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا) [النساء:103].
ولكن المسافر والمريض والمضطر: يعذر في تأخير الظهر للعصر، أو تقديم العصر مع الظهر، أو تأخير المغرب العشاء أو تقديم العشاء مع المغرب، هذا الذي جاءت به الشريعة.
حفظ الأموال بسبب الزكاة
قال: "ترك الزكاة" التي هي ركن من أركان الإسلام. وما خالطت الزكاة مالًا إلا محقته. وهكذا، وكان أحد الأخيار اللي يتاجرون اسمه عقيل جاء له خبر من الذين يراسلهم بأنه أرسلوا له كمية من السكر في الباخرة الفلانية، وبعدين جاءت أخبار أن الباخرة هذه غرقت، فجاء بعض الناس يقول له: يا عقيل، قال: مرحبا، قال: عظم الله أجرك في حقك السكر. قال لماذا؟ قال: الباخرة التي أرسلوا لك فيها السكر قد غرقت. قال: لا سكر عقيل ما يغرق، ايه انت مجنون ولا ماذا؟! باخرة والسكر يذوب في الماء يروح لا يمكن تلافيه، قال: أنا أقول لك سكر عقيل ما يغرق، قال: أنت حين بعقلك ولا مجنون؟! قال: لا بعقلي، النبي قال: "ما هلك مال في بر أو بحر إلا بمنع الزكاة"؛ أنا أعرف نفسي أخرج الزكاة مرتين، كل سنة أخرج الزكاة مرتين، سكري ما يغرق، قال: مسكين هذا الرجال معلق نفسه به، راح وإلا ويصل خبر، يقول له وكيله هناك: إنا تخالفنا نحن وأصحاب الباخرة هذه وخرجنا بالباخرة الفلانية السكر وصل. قال: رأيت؛ قلت لك السكر عقيل ما يغرق؛ كان كثير الصدقة وكان يؤدي الزكاة على وجهها، قال: والله كلامك حق أنا قلت إنك مجنون وإلا رغبتك(الدقيقة 58:14) وراء مالك هذا، تقول لي سكر عقيل ما يغرق! قال له وسمعته أيضًا يقول ﷺ: "حصنوا أموالكم بالزكاة"، وأنا قد حصنت مالي بالزكاة. فبيقينه وصدقه حوَّل الله قلوب ذولاك، قاموا وتخالفوا مع صاحب الباخرة في الثمن حق التحميل، حولوه للباخرة الثانية وصلت سالمة.
ترك صوم رمضان
قال: "وترك صوم رمضان"، وفيه "مَن أَفطرَ يومًا من رمضانَ من غيرِ عُذْرٍ ولا مَرضٍ لَم يَقضِه صَومُ الدَّهرِ وإن صامَه"؛ خطير فعليه أن يتوب ويرجع ويقضي ما فاته فإنه يتعرض لتكسير أسنانه بحجارة النار بدل ما يأكل بها في نهار رمضان وهو غير معذور، كما جاء أن ﷺ رأى: "قَومٍ مُعلَقِينَ بعراقيبِهِم ، مُشَقَّقَةٌ أشداقُهُم ، تسيلُ أشداقُهُم دمًا -تُكسّر أسنانهم-، قال : قلتُ : مَن هؤلاءِ ؟ قال : الَّذينَ يُفطِرونَ قبلَ تحلَّةِ صَومِهِم"، أي: قبل أن يحل لهم الفطر:
قطع الفرض بلا عذر
قال: "وقطع الفرض بلا عذر"، يكون في أثناء فرض، يصلي صلاة فرض يخرج منها، ليش؟ قال: بعدين بصلي. شي عذر خرجت به؟ قال: لا، مأثوم هذا من الكبائر، كمل الفرض ما دام أحرمت بفرض أكمل الفرض، كما قال تعالى في الحج والعمرة ولو كانت نفل: (..وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِ..) [البقرة:196]؛ فهذا مما يجب إتمامه مايجوز يقول: انا السنة ذي ماعاد بحج؛ قد أحرم ومشى وقال: خلاص ما بكمل السنة مرة ثانية بحج، ولا اعتمر بعمرة أحرم وجاء قال إلا زحمة ذي المره خلاص أنا بترك العمرة مرة ثانية بجيبها، واجب عليك تكملها ولو كانت نفلاً.
أما الصلاة والصوم:
ترك الحج لمن يستطيع
"وترك الحج للمستطيع حتى يموت"؛ قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗا..) [آل عمران:97].
الحكم بغير الحق
"والحكم بغير الحق" من كبائر الذنوب يحكم بغير الشريعة المطهرة، يحق باطلًا أو يبطل الحق هذا من الكبائر وإن لم يكن من الكفر البواح ولكنه من كبائر الذنوب.
"وكتم الشهادة" يعلمها فيؤخذ حق الغير قدامه وهو لو شهد وقدم الشهادة لحقَّ الحق لأهله فحينئذٍ يجب عليهم يبلغ قال تعالى: (..وَلَا تَكۡتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ) [البقرة:283]، فإذا جماعة شهدوا يكفي شهادة بعضهم، وإذا كان ما هو إلا واحد اثنين فقط واجب عليهم يؤدون الشهادة حتى لا يضيع الحق عن أهله.
الضرب بغير حق (حتى الحيوانات)
"وضرب المسلم بغير حق" بل حتى ضرب الحيوان فضلًا عن المسلم بغير حق لا يجوز، وأنطق الله بعض الحيوانات كان يضربها صاحبها وهو يمشي على الدابة؛ لما كثر الضرب أنطقها الله، قالت: كل ما تعمله فيّ بيرجع لك في القيامة بتزيد عن نفسك وبتنقص، أنت تضرب نفسك الآن، تقول له فكانت عبرة له، قالت: زيد ضرب بيرجع فوق رأسك أنت بعدين بيرجع لك الضرب؛ لأن الله يقتص ما بين بني آدم وبين الحيوانات يأخذ لها.
فإذا ظلم حيوان إما حبسه ولم يطعمه وإما ضربه من غير حق وإلا قتله من غير حق يأتي الحيوان يوم القيامة ويتكلم ويقول: هذا عبدك فلان قل له لماذا فعل بي كذا وكذا؟ فيُعذب بسبب الحيوان. حتى قال ﷺ "إني رأيت امرأة في النار تعذب في هرة حبستها فلا أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض". فعُذِّبت بسبب ذلك.
يقول: "وضرب المسلم بغير حق" لا يجوز، والضرب بالحق مثل حد القذف ومثل حد الزنا لغير المحصن ومثل الضرب للتأديب؛ لا يجوز أن يكون مبرحًا ولا يبلغ الضرب للتأديب أدنى الحدود وهو عشرين ضربة. قال بعض الفقهاء: لا يجوز أن يزيد على عشر ضربات، ويروى فيه حديث، وبعض الفقهاء: لا يزيد للتأديب على ثلاث ضربات وتكون غير مبرحة.
سب الصحابة و الوقيعة في العلماء
قال: "وسب الصحابة" خيار الأمة عليهم رضوان الله تبارك وتعالى، "سباب المسلم فسوق" فكيف بسب أوائل المسلمين الذين التفوا حول النبي محمد ﷺ؟! فسَبُّ الصحابة. "والوقيعة في العلماء" مع أن السب والوقيعة سواء كانت في الصحابة أو غيرهم في العلماء وغيرهم حرام، ولكن يعظم إثمها وتصير من الكبائر إذا كان السب لمثل الصحابة ومثل الأولياء، "مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ"، والوقيعة في العلماء تزداد إثمها كذلك حتى قالوا: لحوم العلماء-أي العلماء المخلصين الصادقين- مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيها معلومة.
السعي إلى الظلمة بما يضر مسلما
"والسعي إلى الظُّلمة بما يضر مسلماً"، يسعى إلى والي وحاكم ظالم بما يضر مسلم، يقول: هذا قال عليك كذا وفعل كذا بما يضر من غير حق، ما فعل حد من حدود الله تعالى ومجرد هذه السعاية بمسلم الى ظالم، ولو كان صدقًا؛ صدقًا لكنه ما يضر؛ ما يضر لا يضر الحاكم ولا يضر الناس وفَعَل فِعل إذا درى به الحاكم سيؤذيه سيتعبه من غير حق فلماذا تبلغ عليه؟! ولكن إذا كان الذي فعله أو قاله فيه إضرار بالعباد بالبلاد فحينئذ تتوصل إلى زجره عن ذلك بأي وسيلة وأما ما لم يكن في ضر فالسعاية به حرام، وتصديقها حرام، قبولها حرام.
ولما جاء بعضهم بسيدنا عمر بن عبدالعزيز قال: إن فلان سَبَّك قال عليك كذا، وكذا قال: يا هذا إن شئت نظرنا في أمرك؛ فإن كنت كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ..) [الحجرات:6]، وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية:(هَمَّازٖ مَّشَّآءِۭ بِنَمِيمٖ * مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ) [القلم:11-13]، وإن شئت نعفو عنك هذه المرة ولا تعود. قال: اعفُ عني ولا أعود؛ لأنه مشكلة إن كان صادق وإن كان كاذب كله عليه مشكلة. قال بس خلاص، ما عاد قدر يرفع لسيدنا عمر بن عبدالعزيز شيء ثاني أبدًا ولا يكلمه حد قال عليك ولا ما قال عليك، فهذا إمام عادل.
"أكل الميتة" حرمها الله تعالى إلا للمضطر؛ (فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ..) [البقرة:173] بمقدار ما يسد الرمق.
من الكبائر: قطع الطريق والسحر ونسيان القرآن
"قطع الطريق"، تخويف المارين في الطريق ما بيسلب شيء عليهم أو إيذائهم؛ فقطع الطريق من المحاربة التي جعل الله فيها حدًّا مخصوصًا لقطَّاع الطريق، (إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ) [المائدة:33]، فهؤلاء:
قال: "والسحر" -والعياذ بالله-، واستعماله من الكبائر؛ وأصحابه الذي يعمله والذي يطلب ذلك العمل تتكدر معايشهم قبل معادهم - والعياذ بالله - يتكدرون، وما يعيشون في طمأنينة ولا في أمن، الذين يعملون هذه الأعمال ويؤذون الناس بها من أنواع السحر.
وهي من كبائر الذنوب - والعياذ بالله تبارك وتعالى- وإذا كان "من صدق ساحر أو كاهن أو عراف لم تقبل له صلاة أربعين يوم"، فكيف بمن طلب منه العمل؟! وكيف بالعامل نفسه؟!
قال: "ونسيان القرآن" بسبب الإهمال حفظ شيء من القرآن ثم نسيه، نسيه بسبب إهماله؛ أما إن أصيب بمرض أو أصابه ذهول من دون اختيار منه فلا شيء عليه، ولكن إذا كان النسيان متسبب عن إهمال القرآن، أهمله حتى نسيه فهو من الذنوب التي يجب أن يرجع لها ويعاود حفظه الذي نسيه من القرآن، فقالﷺ: "عرِضَت عليَّ ذنوبُ أمَّتي فلم أرَ ذنبًا أعظمَ من سورةٍ القرآنِ أو آيةٍ أوتيَها رجلٌ ثمَّ نسيَها".
حكم إحراق الحيوان
"إحراق الحيوان"، تعذيبه بأي تعذيب فضلًا عن إحراقه؛ إلا ما كان من المؤذيات التي لا يتأتى التسلط عليها إلا بالإحراق وإلا فلا يجوز، يمكن قتلها بغير الحريق؛ فلا يجوز أن تقتل بالحريق بالنار؛ لقوله ﷺ إنه: "لا يعذِّبُ بالنارِ إلا رَبُّ النارِ" جل جلاله.
قصة عن النميمة
"والنميمة": الإفساد بين المسلمين وإثارة الشحناء والقطيعة بينهم؛ ولا يتمادى فيها ويسترسل إلا ابن زنا -والعياذ بالله تبارك وتعالى-، (هَمَّازٖ مَّشَّآءِۭ بِنَمِيمٖ * مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ) [القلم:11-13].
قال: وقد اشترى بعضهم مملوكا فقال له صاحبه: أصدقك والدين النصيحة ما فيه عيب إلا إنه فقط نمام، قال: هل يوجد عيب ثاني؟ قال: لا، قال: هذا سهل هاته، أخذه، لما أخذه مرت أيام معدودة وإذا به يقول لزوجته، يقول لها: أنا سمعت أن هذا السيد سيتزوج عليك وسيأتي بامرأة، فقالت: هاه! قال: سأعطيك حل، إذا قرب من عندك هاتى مقص وسكين وخذي بعض شعره، لنصلح عليه عمل لكي لا يتزوج أبدًا عليك؛ قالت: طيب، ذهب إلى عنده قال له: سمعت الأهل عندك في الدار تعلقوا بغيرك، وعرفوا غيرك، واتفقوا معه على أنهم يقتلونك، قال: هاه! لماذا تأتي بهذا الكلام هذا؟ قال: أنا ناصح لك وأنا أخاف عليك، وسوف تعلم صدق كلامي، تناوم لها -خلِّ نفسك نايم- سترى ماذا ستعمل؟ وستعلم أني صادق، قال: طيب، راح جعل نفسه نايم، وجابت راحت تجيب السكين وبتقص من شعره، قام قتلها، جاءوا القبيلة حقها وقتلوه. قامت حرب بين القبيلتين وإنها مصيبة، قال النميمة سهلة، ماهو سهل. كيف سهل؟ّ! ظن إنه عيب سهل اشتراه، وقع فيه حتفه هو وزوجته والقبائل من بعدهم تقاتلوا بسبب هذا النمام -والعياذ بالله- المفسد، "لا يدخل الجنة نمام".
جزاء الكذب على رسول الله
قال: "الكذب على رسول الله" ﷺ. في الحديث الصحيح: "إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليسَ كَكَذِبٍ علَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، كذلك يتضاعف إثم الكذب إذا قال رأيت كذا وما رأى؛ يتضاعف؛ لأن هذا قالوا فيه معنى كذب على الله، أن الله أراه وهو ما أراه، فيقول رأيت كذا وكذا، "مَن تَحَلَّمَ بحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، ولَنْ يَفْعَلَ"، كيف يقدر يعقد بين الشعيرتين؟! يعني يعذب حتى يعقد بين الشعيرتين.
معنى اليأس من رحمة الله
قال: "ومن واليأس من رحمة الله ،والأمن من مكر الله"؛ كلاهما كبيرتان:
لا يجوز للمؤمن، لا أن يأمن مكر الله؛ ( فَلَا يَأۡمَنُ مَكۡرَ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ) [الأعراف:99]، ولا يجوز أن ييأس من رحمة الله؛ يقول أنا إلا خلاص ولا عاد بيرحمني ربي، لماذا تقول هكذا؟! ولا يصعب على الله شيء؛ تكون من تكون.
إذا صدقت معه وأنبت إليه فهو التواب الرحيم -جل جلاله-، يقول الله لنبيه محمد: (فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمۡ ذُو رَحۡمَةٖ وَٰسِعَةٖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُهُۥ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ) [الأنعام:147]، وإن كان كذبوك قل لهم: يا ويلكم، قل ربكم ذو رحمة واسعة ستتوبون أحسن لكم، ( ..فَقُل رَّبُّكُمۡ ذُو رَحۡمَةٖ وَٰسِعَةٖ..) [الأنعام:147]؛ فلا يجوز اليأس من رحمة الله.
فاليأس من رحمة الله والقنوط كبيرة من كبائر الذنوب، ومن عرف الله لم يأمن مكره ولم ييأس من رحمته -جل جلاله- قال سيدنا علي زين العابدين: "أنت يا ربي جدير أن لا ييأس منك المجرمون والعصاة والفساق ولا يأمن مكرك المقربون والصديقون والصالحون أنت جدير بذلك"؛ لا يجوز هؤلاء يأمنوا مكرك ولا هؤلاء يقنطوا من رحمتك، (قُلۡ يَٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسۡرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ لَا تَقۡنَطُواْ مِن رَّحۡمَةِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ) [الزمر:53].
ويذكر أن سيدنا موسى عليه السلام استسقى بقومه؛ فلم يسقوا، استسقى ثانية؛ فلم يسقوا قال: يا رب استسقيناك أولًا وثانيًا فلم تسقنا؛ فأوحى الله إليه إن بينكم نمام ولا أسقيكم ما دام النمام بينكم، قال: يا رب قل لنا من هو هذا النمام حتى نخرجه؟ قال: أنهاكم عن النميمة وأكون نماما؟! قال: فما أصنع؟ قال: ارجع إليهم قل لهم توبوا كلكم من النميمة، رجع قال لهم: إني استفتيت ربي وقال إن بيننا نمام ولا يسقينا ما دام بيننا، وإني قلت له قل لي من هو فأبى أن يخبرني وستر عليه، وقال: لا أنهاكم عن النميمة؟ وأكون نمام فعلى النمام أن يتوب توبوا إلى الله وتوبوا من النميمة؛ عرف نفسه هذا النمام بينهم قال: يا رب سترتني وأنا أعصيك! من هذا اليوم لا أعود إليها وقد ندمت على ما كان؛ تاب توبة صادقة وإذا السحب أقبلت وأمطر الله عليهم -أنزل عليهم من المطر- وأوحى الله إلى موسى قال: منعتكم الغيث بذنب النمام والآن سقيتكم بتوبة النمام، أنزلت لكم بسبب توبته لما تاب ورجع إلى الله سبحانه وتعالى، ولا أحد أستر من ربك ولا أحد أكرم من ربك، أصدُق في التوبة إليه وارجع إليه ولا تيأس من رحمته؛ (..إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].
الرياء بعبادة الله
قال: "ومنها الرياء" خلصنا الله منه وصفنا بأي عبادة من العبادات: صدقة، علم، تعليم، درس، دعوة إلى الله تعالى، صلاة، صوم، حج وما إلى ذلك؛ هو العمل لأجل الناس هذا لما جاء سيدنا سفيان بن عيينة عند واحد ذهب إلى الحج وكان من بلدة يصعب الحج منها، ويحجوا قليل فجهز الغداء، يقول لولده: هات السفرة ذي جئنا بها من الحج ليست الحجة الماضية ولا اللي قبلها، الحجة الأولى قبل ثلاثة؛ ضحك ورثي سيدنا سفيان قال: أبطل ثلاث حجات في تحضير سفرة، قال: بيحضر سفرة وبطل ثلاث حجات عليه -يعني بطل ثوابها على نفسه- بغانا ندرى أنه حج ثاني وثالث، فيقول لولده هات السفرة اللي جينا بها من الحج مش الحج هذا اللي قبلها الحجة الأولى، قال: مسكين حتى يحضر لنا سفرة أبطل ثواب ثلاث حجات على نفسه يريدنا نعرف إنه حج، فالله يخلصنا من الرياء وقصد الناس ويرزقنا الإخلاص لوجهه الكريم.
ما هي الغيبة؟
قال: "ومنها: الغيبة؛ وهي ذكرُك أخاك بما يكره ولو صادقاً إلا للنصيحة أو إزالة ظلم" تذكر هذا لمن يقدر على ذلك تذكره لأبيه، تذكره لولي أمره، تذكره لحاكم من شان يزجره عن الظلم. "أو بما يُجهَر به"، يتجاهر به فلا غيبة لمتجاهر، "والسكوت عليها -الغيبة- مع قدرة النهي."، من اغتاب قل له: اسكت لا تذكر الناس بشر عندنا تنهى عنها.
متى يباح الكذب؟
"ومنها: الكذب" قال تعالى: (ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ) [آل عمران:61]، "وقالوا للنبي ﷺ: أيسرق المؤمن؟ قال: يكون ويتوب، أيفعل كذا؟ قال: يكون ويتوب، قالوا: أيكذب المؤمن؟ قال: لا، وتلى قوله تعالى: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [النحل:105].
الكذب ولا يباح إلا:
ما هو في أي شيء تكذب لا؛ فيما يزيد فقط الألفة والمحبة، أما كل ثانية تكذب وتقول إلا هو زوج ولا زوجة، زوج ولا زوجة ما يجوز الكذب إلا ما يتعلق بتنمية الألفة والمحبة من ذكر المحبة وذكر الشوق وذكر الحنان وذكر العطف وما إلى ذلك ولو لم يكن واقع، يجوز لك تقوله من أجل أن يلتأم الشمل وأن الله يحب قيام الأسر على المحبة وعلى الألفة والترابط، "إنَّ اللهَ إذا أرادَ بأهلِ بَيتٍ خَيرًا، أدخَلَ عليهم الرِّفْقَ"، فتكون الأمور بينهم صغارهم وكبارهم فيها رفق ومقاربة وبلا مشادات ولا مزاعطات ولا صياح.
معنى محاكاة المسلم
قال: "ومحاكاة المسلم"، أي: تقليده وتمثيله على وجه الاستهزاء يقول كذا يضحك كذا يغمض عيونه كذا يحرك يده كذا يمشي كذا يحاكيه هذا استهزاء واستخفاف ما يجوز. "ومحاكاة المسلم، والسخرية به -بأي نوع- بقول أو فعل."، (وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ) [الهمزة:1]؛ يَهْمِزُونَ بِعْيُونُهُمْ؛ وَيَلْمِزُونَ بِألِسِنَتِهِمْ.
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
"ومنها: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر البيِّن المتحقق بالمنع إن قدر، وإلا . . فباللسان، وإلا .. فبالقلب."؛ لقوله: "مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ".
كيف تعامل الصحابة مع الفتوى؟
"ومنها: الفتوى بغير علمٍ"، الذي يقع فيها كثير من الناس، وكان الصحابة عليهم الرضوان يتباعدون عن الفتوى ويحذرون منها، ويُسأل الواحد منهم يرده للثاني والثالث وقد تدور بين أربعة وخمسة إلى سبعة؛ وقد يرجع السؤال إلى الأول -عليهم رضوان الله- كانوا يتدافعون الفتية بينهم أدباً مع شريعة الله -تبارك وتعالى-.
فأما استعمال أسلوب أن يتعلم آراء بعض الهيئات والاتجاهات ويتعلم له فوقها حديثين أو آيتين؛ ويصرح نفسه مفتي للعالمين ويحرم ويحلل ويطلع وينزل هذا أمر خطير؛ (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) [النحل:116]، قال: هذا كذب علي أنا -يقول الله-؛ لأن لا حرام إلا ما حرمته ولا حلال إلا ما أحللته، وإنت من رأسك تقول حلال أو أحرام بعقلك وبرأيك بدون أن تكون من أهل الاستنباط في دين الله تبارك وتعالى، (لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النحل:116-117].
يقول: "الفتوى بغير علمٍ، والنياحة على الميت"، كان بعض سادتنا الصحابة يُستَفتَون في بعض مسائل الفقه، يقولون: اسألوا مولانا الحسن البصري -تابعي- يسألوا عنها مولانا الحسن، يحولونها إليه وهم صحابة. قالوا: أما إذا جاءت الحديث والمسائل في شؤون الإيمان واليقين والذوق فالصحابة ما يتقدمهم أحد هم الذين يتحدثون، شاهدوا الوجه الشريف وأخذوا من الذات الكريمة؛ فما أحد يفوقهم في مسائل الإيمان والأذواق في الإحسان والآخرة، هم كلامهم فوق؛ لكن كثير من تفريعات مسائل الأحكام بعض التابعين أكثر اتساعا فيها من الصحابة، وعند الصحابة أيضاً ورع وتحرز عليهم الرضوان.
النياحة على الميت
قال: "والنياحة على الميت"، وذلك أن يذكر شمائله برفع الصوت وإظهار الجزع على موت الميت بمثل: شق ثوب أو لطم خدود وما إلى ذلك؛ "ليس منا من لطَم الخدودَ وشقَّ الجيوبَ ودعا بدعوى الجاهليةِ"؛ وإنما التسليم لأمر الله -تبارك وتعالى-. "أرسلت بنته ﷺ له: أن الولد عندها يتقعقع نفسه -يعني مشرف على الموت- قال: قولوا لها إن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده، بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب، وطلبت منه أن يجيء من أجل أن يشهد انتقاله، فجاء ﷺ ورفع الصبي بين يديه وفاضت عيناه ﷺ"، ولكنه ما صاح ولا رفع صوته ولا قال شيء، وقال: "إن الله ما يعذب على هذا لكن يعذب بهذا وهو اللسان"، وأنها رحمة رحمة بسببها بكى عليه الصلاة والسلام.
حكم تمثيل الحيوان ورسمه
"ومنها تصوير الحيوان"، أي: كل ذات ذي روح، أما تصويره بالنحت والهيكلة فبالإجماع محرم تصوير أي ذي روح، وأما تصويره باليد بالرسم باليد ففيه خلاف قوي، وينبغي لمن يرسم أن لا يرسم حيوانًا كاملًا ويرسم ما شاء من الجمادات والنباتات ويرسم أرض، يرسم سماء، يرسم سحابة، يرسم شجر، يرسم مساجد، يرسم بيوت ما عليه شيء. ذات الروح ما يرسمه فإن رسم ذات روح فيرسم جزء ما يمكن أن يكون حيًّا به؛ أما ممكن أن بهذه الصورة يكون حي فيؤمر ينفخ فيه الروح يوم القيامة، كيف يقدر ينفخ فيه الروح؟
ولبعضهم أخذ لطيفة من أن هذا حبس لظلهم وما هذه الصورة إلا ظلهم وإن النبي يقول في ظل سيدنا عمر: "إن الشيطان ليفرق من ظل عمر"، وهذا ظل فإذا كان لرجل صالح يرجى خيره وبركته وإن كان لرجل صالح وفاسق ابعده أحسن لك، ظلال بعض الناس يتجمع عنده الشياطين وظل بعض الناس تفر منه الشياطين؛ "إن الشيطان ليفرق من ظل عمر"، يقول:"إيهٍ يا ابنَ الخطابِ ! والذي نَفْسِي بيدِهِ ما لقِيَكَ الشيطانُ قطُّ سالكًا فجًّا ؛ إلَّا سلَكَ فجًّا غيْرَ فَجِّكَ".
يقول:"ومنها: الحسد" وهو استثقال النعمة على أي منعم بها، "كراهة الخير لمسلم، ومحبة الشرِّ له. -لأي مسلم- ومن أحسَّ من نفسه بشيءٍ من ذلك .. فليرده وليكرهه، ويدعو لمن حسده" ولا إثم عليه، إذا حسدت فلا تبغي أحسن دواء للحسد إذا استثقلت النعمة على أحد أدعو الله يكثرها له ويقويها له ويزيد منها ولا تتكلم عليه ولا عليك إثم أبدا؛ لكن إذا تكلمت أو سعيت في إزالتها أو رضيت بكراهتها تعاقب على ذلك، "الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب".
"ومنها: سب المسلم وإيذاؤه بغير حقٍّ "، "ومنها: الإعجاب بالعمل؛ وهو: رؤية العمل من نفسه، لا من حيث مِنَّة -الله تعالى-"، ينسى أن الله هو الموفق والعامل وقالوا إن سيدنا داود مرة في شكره يقول: "يا رب لا تمر ساعة من ليل ولا نهار إلا وأحد من آل داود قائم لك أو ساجد، قال: فأوحى الله إليه من الذي وفقهم لذلك وأقدرهم عليه. قال: أنت يا رب وسجد شكر لله تبارك وتعالى"، من عندك أنت المتفضل عليهم ما هم بأنفسهم يعبدون من دون توفيق منك؛ من دون قدرة منك؛ من دون رحمة منك؛ ولكن برحمتك وتوفيقك عبدوك.
دعاء خاتمة الدرس
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، جعلنا الله في الصادقين المخلصين الموفقين ودفع عنا الآفات والأسواء وأصلح السر والنجوى إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
بسِرَ الفاتحة إلى حضرة النبي محمد
اللهم صلِّ وسلم وبارك علي وعلى آله وأصحابه..
الفاتحة
14 جمادى الأول 1445