(536)
(235)
(575)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب صلة الأهل والأقربين بتعليم الدين للإمام عبدالله بن حسين بن طاهر رحمه الله، ضمن ضمن دروس الدورة العلمية في موسم شهداء مؤتة الأبرار رضي الله عنهم لعام 1445هـ - الأردن
ليلة الأحد: 12 جمادى الأولى 1445هـ
نص الدرس مكتوب:
فَصلٌ
وأما السنن .. فكثيرة جداً:
منها: ابتداء السلام على الجِنس والمَحْرَمِ والعجوز وجمع النساء.
ومنها: تجديد الوضوء لمن صلى به ، ويتأكّد لأكل لحم الجزور ، ولجُنُبٍ أراد جماعاً أو نوماً أو طعاماً مع غسل الفَرْجِ .
ومنها: الأذان للمكتوبة للذكَر ، والإقامة للكل.
ومنها: المحافظة على أداء الصلوات أول الوقت في جماعة.
ومنها: سجدة التلاوة للقارىء والسامع والمستمع، وسجدة الشكر لآيتها لا في صلاة ، ولهجوم نعمةٍ أو اندفاع نقمة ، ولرؤية مبتلى في دِينِ أو غيره.
ومنها: التضحية كل عام في عيد الأضحى.
ومنها: العقيقة عن كل مولود.
ومنها: الضيافة وإكرام الضيف بحسب المقدرة ، ويكره التكلُّف.
ومنها: المصافحة لكل لقاء.
ومنها: الجهاد وقد يفرض على العين أو الكفاية.
ومنها: القرض والصدقة والوقف والعتق والهدية والإبراء.
ومنها: وليمة العرس ، والختان.
ومنها: عيادة المريض والتزاور، وتشييع الجنائز وزيارة القبور ، وتشميُت العاطس، والسواك سيما عند الصلاة والوضوء ، والنوم والاستيقاظ ، ويحصل بكل خشن.
ومنها: الاكتحال وتراً كل ليلة، والادهان غِبّاً، وتقليم الأظفار ، وقصُّ الشارب، وإزالة شعر العانة ، والإبط ، ويكره تأخيرها عن الحاجة، والغسل بعدها حسن.
الحمد لله مُكرمنا بالفرائض والسُنن، وبيانها على يد جد الحسين والحسن، الهادي لأقوم سَنن، عبده المُجتبى المُصطفى المُؤتمن، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرّم عليه وعلى آله وأصحابه وأهل ولائه واتّباعه، وخصوصًا منهم سيدنا جعفر بن أبي طالب، وسيدنا زيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، وخالد بن الوليد، ومن حضَر في غزوة مُؤتة وأهل بدرٍ وأهل أحُد وأهل بيعة الرِّضوان وبيعة العَقَبة، وجميع الصحب الأكرمين وتابعيهم وعلى الأنبياء والمرسلين وآلهم وصَحبهِم وتابعيهم وعلى الملائكة المقرّبين، وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
ويحدثنا الشيخ في هذا الفصل عن السُنن، والسُنن: ما سنّهُ لنا رسول الله ﷺ ودعانا إليه، ورغّبَنا فيه، يُطلق عليه فُقهاء الشريعة: السُنّة والمُستحَب والمندوب والنَّفل والحَسَن والمُتطوّع به، و كلهُ عبارة عما يُثاب على فِعله، ولا يُعاقب على تركه. وفرّق بعضُ الأئمّة بين السُنّة وبين المندوب:
وعلى كل الأحوال فإن الله -تعالى- قد فرض علينا فرائض ما نتقّرب إليه بشيء أحسن وأعظم عنده من أدائنا لفرائضه التي افترضها علينا، رزقنا الله حُسن أداء الفرائض:
ثم جعل لنا نوافل وسنن ومندوبات، التعلّق بها دليل رغبة المؤمن في قُربه من الرب، ودليل محبته للإله -جل جلاله- وقال تعالى في الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن سيدنا رسول الله عن الله تعالى: "وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به.." إلى آخر ما ذكر ربنا من إفاضته المِنن والمَواهب على عباده الذين يتقرّبون إليه بالنوافل -جعلنا الله وإياكم منهم-.
ابتداء السلام على الجِنس والمحرم والعجوز وجمع النساء
قال السُّنن كثيرة جدًا منها: "ابتداء السلام على الجِنس"؛ أي الذكَر على الذكر والأنثى على الأنثى، وابتداء السلام قال فيه ﷺ: "خيرُهما الذي يبدأُ صاحبه بالسلامِ." وكان من هَدْيِهِ وعملهِ أنه يبدأ من لقِيَه بالسلام، من كل صغير وكبير وذكر وأنثى ﷺ، وكل أبيض وأسود وأحمر، كان يبتدئ الكل، يسبقهم قبل أن يسلموا عليه، يُسلِّم هو -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-
قالوا: وهذا من النوافل التي يزيد فضلها على الفرائض، "الابتداء بالسلام"، فإن ردّ السلام واجب والابتداء به سنة، ولكن الابتداء أفضل من الرد، وإلا ففي الغالب أن ثواب الفرض يُضاعف على ثواب النفل بسبعين ضعفًا، إلا في نوافل مَخصوصة، تصير النفل فيها أعظمُ ثوابًا من الفرض؛ "فمنها: ابتداء السلام"؛ هو سُنة ولكنه أعظم ثوابًا من رد السلام، ورد السلام فرض، وابتداء السلام سنة.
كَإبراء المُعسِر فإنه سُنة، وإنظارُه واجب، ولكن السنة هنا أفضل، أفضل أن تُبرِئهُ وتُسامِحهُ؟ أو تُنظِره وتنتظر حقّك حتى يأتي منه؟، مسامحته وإبراؤه أفضل، فكانت هذه السُنّة أفضل من الفرض، وهو الإنظار (وإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ) [البقرة:280]، هذا واجب، ولكن أن تبرِّئه سنة، والسنة هاهنا ثوابها أفضل من الواجب، ودرجتها عند الله -تبارك وتعالى- أكبر.
وهكذا المسْنون؛ يأتي مسْنون على الأفراد، ومسْنون على الجماعة منه الابتداء بالسلام؛ إذا كان الداخلون جماعة، ورد السلام إذا كان المُسلَّم عليهم جماعة، فإذا ردَّ بعضهم سقط الحرج عن الباقين واختصّ الثواب بالذين ردُّوا، وإذا سلّم بعض الوافدين كذلك، سقط الطلب عن الباقين، والفضل لمن ألقى السلام.
ابتداء السلام وهو تحية المسلمين قولهم: تحية المسلم السلام، ولمّا دخل على النبي ﷺ بعض المشركين، وقال: أنعِموا صباحا، قال: "قد أبدلنا الله تحية هي خير من تحيتك، هي السلام"، فتحية المؤمن السلام:
كما أخبر الأمين المأمون -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-
ويُرجى لمن سلّم على جمع أن يكون له ثلاثون حسنة، على عدد كل واحد منهم، على أعدادهم، ثلاثين وثلاثين لأنه على كل واحد سلّم، نوى السلام على الجميع.
"ابتداء السلام على الجِنس وعلى المَحْرم"، فتُسلّم المرأة على الرجل المَحرم، والرجل يسلم على المرأة المَحرم والعجوز، ويبتدي يسلم على المرأة العجوز، أو تبتدي هي العجوز لا يضُر، وجمعُ النساء -ليس هو واحدة شابة- مجموعة النساء شابات صغيرات أو كبيرات، فإذا هن جمع، فمن مرّ بهن من الرجال، فيُسن أن يُسلِّم عليهن، ويقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على جمع النساء، أما الشابة المفردة فيحرُم ابتداؤها بالسلام، ويُكره الرد عليها وقيل يَحرم، فهذا بعض ما يتعلق بهذه التحية، تحية المسلم السلام. ولقد حمل الإسلام حقائق السلام للمسلمين وللعالمين، بما شَرَعَ الله في المنهج القويم الكريم، وما فرْضُ الجهاد في وقته، إلا وحقائقُ السلام والأمن والرحمة مطويّة فيه وفي معانيه، بما حواه هذا الشرع من آداب ومن نيّات ومن ضوابط.
سُنيَّة تجديد الوضوء لمن صلَّى به
قال رضي الله عنه وعنكم: "ومنها: تجديد الوضوء لمن صلَّى به"، فإذا صلَّى وأراد أن يُصلِّي مرة أخرى، فيُسن أن يجدد الوضوء:
وكان سيدنا عمر بن الخطاب، وسيدنا علي بن أبي طالب كلما أرادوا أن يقوموا إلى صلاة توضؤوا، وإن كانوا مُتوضّئين؛ لقول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) [المائدة:6]، فيُسن إذا قد صلى بالوضوء شيئا من الصلوات فرضًا أو نفلًا، يُسن أن يجدد الوضوء، وتجديد الوضوء بابهُ واسع لمن صلى به.
ويتأكد تجديد الوضوء لآكل لحم الجزور، والمُراد به: الإبل. من أكل لحما من لحوم الإبل؛ جملًا أو ناقةً، أكل من لحمها، فقد قال بعض أهل العلم، ومنه القول عند الحنابلة: أن أكل لحم الجزور ينقض الوضوء، فيجب الوضوء منه، فإذًا يتأكد سُنيّة تجديد الوضوء لمن أكل لحم جزور.
وكذلك يتأكد الوضوء لجُنُب أراد أن ينام، جُنُب أراد أن يأتي أهله مرة أخرى، جُنب أراد أن يَطعَم، جُنب أراد أن يشرب؛ فقبْل الأكل، قبل الشرب، قبل النوم، قبل مُعاودة الجماع يُسنّ أن يتوضأ. وهكذا سأل سيدنا عمر النبي ﷺ، لمن تُصيبُه الجنابة في الليل ويريد أن ينام، قال ﷺ: "إغسل ذَكَرك وتوضأ فثُمّ نم"؛ فإذًا تنتفي الكراهة، وإلا يكون مكروه له النوم، ويُكره له الأكل والشرب، قبل أن يغسل ذَكَره ويتوضأ، أو ما ينوب عن ذلك من التيمّم، وإلا يكون مكروهاً تناوله وهو جُنب، للطعام والشراب.
كذلك الحائض إذا انقطع حيضها؛ فبعد الإنقطاع يُكره لها أن تنام أو تأكل أو تشرب حتى تغتسل، وأما مادام الحيض فيها مُستمر، فما يُكره لها أكل ولا يُكره شُرب ولا يُكره نوم، كيف يكره ذلك وهو ضرورة من ضروراتها ، ولكن إذا انقطع وأمْكنها الغُسل، يُكره أن تأكل أو تشرب أو تنام حتى تغتسل كشأن الجنب؛ يُكره أن ينام أو يأكل أو يشرب حتى يغتسل.
الأذان للمكتوبة للذَّكَر والإقامة للكل
وهكذا تأتينا السُنن، بها القُرب من عالِمِ السر والعلن -جل جلاله وتعالى في علاه- "ومنها: الأذانُ للمكتوبة للذكَر"، أي للصلاة المفروضة وهي الصلوات الخمس للذَّكر، والإقامة للكل أي للذكر والأنثى. فالإقامة تُسَن سواءً الذي أراد أن يصلي رجل أو امرأة، أما الأذان فمخصوصٌ بالرجال، فيؤذن الرجل دون المرأة، والإقامة سواء كانوا نساء أو رجالا، يسنُّ لهم أن يقيموا الصلاة قبل أن يدخلوا في الفرض، فالإقامة سُنّة، والأذان هو على أهل كل بلدة فرض كِفاية عند كثير من أهل العلم، لأنه شعار من شعائر الدين، لو تركوه أهل القرية أمرهم الإمام أن يُقيموه وفرض عليهم أن يقيموه، لأنه شعار من شعائر الدين، وهو أمان لهم وسببٌ لجلب الخير لهم.
وينبغي أن يحرص عليه المؤمن، أن يُؤذن في بعض الأوقات، فإن فضل الأذان عظيم و"المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة"، ولا ينبغي للمؤمن أن يمر عليه شهر، شهرين، ثلاث ما يؤذن ولا مرة، ولو في بيته يؤذن إذا أدركته الصلاة في البيت، فإن كان في صحراء أو كان في مسجد كان ذلك أفضل.
أما المؤذن المُحتسب لله سبع سنين الصلوات الخمس في مسجد، فهذا يَلحق بمن لا تأكل الأرض أجسامهم، تمنع الأرض أن تأكل أجسامهم، مثل: الشهداء، ومثل الأنبياء، وكمثل العلماء العاملين "من أذّن لله سبع سنوات في مسجد مُحتسب لله -تعالى- لا تأكل الأرض له جسمًا" فسبحان خالق الأرض الذي جعلها تُفرِّق بين جسد وجسد ، ولا يزال الأمر كذلك.
وما كان أيضاً في أيام قيام بعض الجهاد بالنسبة للمخلصين والصادقين في أفغانستان، أيام داهمتهم روسيا، وكان قد يُقتل مجموعة من المسلمين ومن الكفار في وقت واحد ومكان واحد، فيأتون بعد يوم أو يومين وإذا بأجساد الكفار منتفخة ومُنتِنة، وأجساد هؤلاء الشهداء كأنه الآن وفيها رائحة مسك رائحة زكية. كما يُذكر عن بعض أحبابنا أيضاً في غزة ممن وجدوهم تحت الأنقاض وغيرهم، وجدوا لهم روائح زكية لأجسادهم، فإن بعض الأجساد تتأدّب الأرض معها فلا تأكلها -سبحان الله-، وتبقى إلى وقت النفخة الثانية في الصُّور، فتأتي الرُّوح إلى نفس الجسد.
أما بقية الأجساد تفنى وتبلى غير عَجبِ الذنب، وما بين النفختين؛ النفخة الأولى والثانية الذي هو مقدار أربعين، يرسل الله تعالى مطراً يَصِل إلى كُل عَجْبِ ذَنب، فيعود الجسم ويَنْبُت كما كان في الدنيا، ثم يُحيي الله إسرافيل ويأمُره أن يَنفخ النفخة الثانية، فتطير الأرواح من القرن العظيم الذي هو الصُّور، فيدخل كل جسدٍ في مكانه بِالضبط، أنت تعرف أين ضبط الكمبيوترات وكل واحد يذهب إلى محله؟!! هذا ضبط أدق، لا يمكن أن يكون فيه غلط، كل واحد يعرف الجسد حقه أين، وأنت تعرف الآن أنه بالشرائح يضبطون الأجساد، وأين راحت وكيف يرسلون لها، وهذا ضبطُ الرحمن الجبار، كل روح تعرف أين الجسد حقها ولا شيء غلط، (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ) [الزمر:68] -جلّ الجبار الأعلى-.
قال رضي الله عنه وعنكم: "الأذان للمكتوبة للذَّكَر، والإقامة للكُل والمُحافظة على أداء الصلوات أول الوقت في جماعة"، وقد سمعنا فيما جاء في الآثار "أن من حافظ على الجماعة في الصلوات الخمس، فكأنما ملأ البر والبحر عبادة"، أي يَعظم ثوابه كأنه ملأ البر والبحر بالعبادات، بمحافظته على الجماعة في الصلوات، ولم يُنقل عن رسول الله ولا عن أحد من الخلفاء الراشدين أنه صلى صلاة واحدة مُنفرداً قط، وما صلّوا إلا جماعة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-، قال ابن مسعود: " وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُوم النِفَاق"، يقول -عليه رضوان الله تبارك وتعالى-: المحافظة على أداء الصلوات أول الوقت في جماعة.
سجدة التلاوة للقارىء والسامع والمستمع
يقول رضي الله عنه وعنكم: "ومنها: سجدة التلاوة للقاريء"، وهي خمسة عشر سجدة، مُتفقٌ منها على إحدى عشر سجدة، فإحدى عشر سجدة غير سجدة النجم، وسجدة (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ) [الإنشقاق:1]، وسجدة (اقْرَأْ) [العلق :1]، هذه الثلاث لم يقل بها المالكية، وبقية المذاهب قالوا بها، فقال المالكية: سجدات القرآن إحدى عشر سجدة، في إحدى عشر موضع في القرآن، قال الشافعية ومثلهم الحنفية: أن سجدات التلاوة خمسة عشر، وكذلك عند الحنابلة خمسة عشر سجدة، تبدأ هذه السجدات:
ثم في سورة ص؛ وهذه السجدة في سورة ص هي للتلاوة عند الحنفية، وهي عند الشافعية يسمونها سجدة شكر-إذا قرأها في الصلاة لا يُسجد بها على المعتمد عند الشافعية- فالمعتمد عند الشافعية أن سورة ص لا يسجد بها في الصلاة، يسجد بها خارج الصلاة، ليست أحد سجدات التلاوة، فلهذا عندهم في سورة الحج سجدتان: السجدة الأولى متفق عليها عند الحنفية وعند الشافعية، والسجدة الأخيرة التي في آخر سورة الحج عند الشافعية، وليست بآية سجدة عند الحنفية. ولهذا اتفقوا على أن العدد خمسة عشر، لكن ص قال الشافعية: ليست بسجدة تلاوة وإنما هي سجدة شكر، وقال الحنفي: هي سجدة تلاوة، والسجدة الثانية في الحج ليست بسجدة تلاوة، فالعدد خمسة عشر عند هؤلاء، وعند هؤلاء.
هذه مواضع سجدات التلاوة، واجبة عند الحنفية، وإن لم تكن على الفور، وهي سُنة عند غيرهم، إذا مرّ بآية سجدة التلاوة فيسُن أن يسجد، ولكن عند الحنفية واجبة، وإن كان يجوز تأخيرها إلى ما بعد، ولكن لا بد لهم من سجود إذا قرأ أو سمع آية السجدة.
وكذلك يقول: للقارئ والسَّامع والمُستمع والفرق بين السَّامع والمُستمع؛ أن
أما سامع يمشي في الطريق، مارَّاً فسمع آية سجدة، فسمع الآية صُدفةً من دون أن يقصد ولا يُنصت ويُصغي، فهذا السَّامع، أما المُستمع من قصد السماع.
سجدة الشكر
قال رضي الله عنه وعنكم: "وسجدة الشكر لآيتها"، قصد بها سورة (ص)، فهي لقبول توبة النبي داود شُكراً لله -تبارك وتعالى-، "لا في صلاة "على المعتمد عند الشافعية، وفي قول عند الشافعية يجوز، وهي واجبة عند الحنفية في الصلاة وخارج الصلاة.
يقول عليه رحمة الله -تبارك وتعالى-: "ولهجوم نعمة"، أي تُسن سجدة الشكر لهجوم نعمة، نعمة غير مُعتادة تهجم على الإنسان؛ يبُشرونه بولادة إبن له مثلًا، وهو بخير وأمه بخير، يبشرونه بقدوم غائب لم يُنتظر، وتُوُقِع موته ما دروا إلا قالوا جاء صاحبك فلان، فيسجد سجدة الشكر لله -تبارك وتعالى-، وهكذا عند هجوم نعمة غير مُعتادة، وإما أنت في كل لحظة عندك آلاف النعم، كل يوم تُصبح وتُمسي في نعم كثيرة -اللهم إنا أمسينا منك في نعمة وعافية وستر فأتمم نعمتك علينا وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة-.
"أو اندفاع نِقمة" شديدة ما توقع اندفاعها واندفعت، وكان يتخوف من أمر مَخوف، فزال الخوف، فحينئذ يسجد شكرًا لله -تعالى-.
قال رضي الله عنه وعنكم: "ولرؤية مبتلى في دِينٍ" أو في دنيا -والعياذ بالله تعالى-، المبتلى في دين، رأى -والعياذ بالله تعالى- فاسق من الفساق يتظاهر بشرب الخمر، أو بشرب المُخدرات، فرآه، فيسجد شكرًا لله، أن الله -سبحانه وتعالى- حفظه من هذا البلاء، وأن الله صانهُ من هذا البلاء، قال: وهذه إذا أمكنه أن يظهرها فليظهرها، سجدة الشكر لرؤية المبتلى في الدين.
أما المُبتلى في جسده، أو مُصاب بمصيبة في دنياه، فينبغي أن يُسرَّها الساجد، لا يسجد أمام المُبتلى، فينكسر بذلك قلبه.
التضحية
يقول عليه رحمة الله: "ومنها: التضحية كل عام في عيد الأضحى"، فإن التضحية سُنة، ويكون سُنة كفاية لأهل كل بيت، أهل كل دار ساكنين مع بعضهم البعض من الأُسر، إذا ضحى الواحد فيهم سقط الطلب عن الباقين، وصار هذا سُنة كفاية عن جميع من في ذلك البيت.
أما أن أراد كُلٍ أن يُضحي فهو أفضل، وإنما يسقط الطلب إذا ضحّى واحد من أهل الدار، فكفى وسقط الطلب عن الباقين، فمن قدر على الأضحى، فالأضحية ذات ثوابٍ عظيم، خير ما يتقرب به إلى الله يوم العيد نحر الدماء، ذبح الأضاحي، وذبح الهدي بالنسبة للحجاج، فهذا اليوم يوم عيد الأضحى، ويستمر الأضحى من بعد صلاة العيد إلى اليوم الثاني، واليوم الثالث، واختُلف في اليوم الرابع، الذي هو آخر أيام التشريق، هل هو وقتٌ للأضحية أم لا؟ قال الشافعية: هو وقتٌ للأضحية، فيدخل وقت االأضحية من بعد صلاة العيد، ويستمر طوال يوم العيد، وليلة الحادي عشر، ويوم الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، و يوم الثاني عشر، وليلة الثالث عشر، ويوم الثالث عشر، إلى غروب الشمس، ولكن ذبحها في يوم العيد أفضل، ثم في اليوم الثاني، ثم في الذي يليه، وتأخيرها إلى الثالث أقلها ثوابًا، وهو صحيح عند الشافعية ومن وافقهم.
الأضحية؛ قالﷺ لسيدتنا فاطمة، كان معها أضحية تريد أن تضحيها، قال: "يا فاطمة؛" -دخل عليها بعد صلاة العيد- قال: "قومي اشهدي أضحيتك،"؛ احضري وقت ما يذبحها سيدنا علي، سيذبح لها الأضحية نيابة عنها، قال: "اشهديها، فإن لك أن يغفر الله لك بأول قُطرة من دمها، أول قطرة تخرج من دمها يغفر الله لك، وأنها تُوضع في ميزانك فتُضعَّف سبعين ضعفًا". يقول كان سيدنا حذيفة عند النبي، يقول: يا رسول الله أهذا لآل محمد خاصة؟ فإنهم أهل لِما خُصوا به من خير، أو لأمتك عامة؟ قال: "بل لأمتي عامة -صلى الله عليه وعليه وصحبه وسلم- ثواب الأضحية، وأن الله -تعالى- يَغفر للمُضحّي على خروج أول قطرة من دم الأضحية"، فهي سُنّة في يوم العيد وما يليه.
العقيقة عن كل مولود
فإذا وُلد المولود للمسلمين، فيُسَن أن يَعُقّ ابوه عنه، أو وليّه، في اليوم السابع أفضل، وإلا في السبع الثانية، أي يوم أربعة عشر، وإلا في السبع الثالثة، وإلا أي يوم يجوز، فهي سُنّة لولّيه حتى يبلغ، فإذا بلغ ولم يعقَّ عنه ولِيهُ، فتعلّقت السُنة به، يَعقّ عن نفسه -يذبح عن نفسه- لأن وليّه ما عقّ عنه.
وهكذا حتى قالوا في السّقط، أو في الطفل الصغير إذا مات، ولم يعقّ عنه وليُّه تنقص شفاعته عليه، وينقص انتفاعه به في الآخرة، ولكن إذا عقّ عنه، عظُمت له شفاعته، فيعقّ عن صبيّه.
تُسن العقيقة وهي ذبح شاة مثل الأضحية، وهذه الشاة في العقيقة يتصدق منها بأي شيء ولو مطبوخ، أما الأضحية فيجب أن يتصدق بشيء منها -إذا كانت سُنة- نيئاً قبل طبخه. وأما العقيقة فيجوز التصدق حتى بعد الطبخ، شيء مطبوخ منها.
وأما الفرض، إن كان نَذَرَ الأضحية فلا يجوز أن يأكل شيء منها هو ولا أهل بيته، ويتصدق بها جميعها حتى جلدها، وأما إن لم ينذُرها فهي سُنة يجب عليهم أن يتصدقوا بأي شيء -وبأي شيء تصدقوا كفى- وكان كثير من أخيار الأمة يقسمها، فيجعل ثلثها للفقراء، وثلثها لذوي الرحم، ويأكل ثلثها هو أهله، فالواجب في الأُضحية التصدق بأي شيء ما دامت سُنة، أما إذا نذرها فيتصدق بجميعها، والعقيقة كذلك الواجب يتصدق بشيء منها ولو مطبوخًا.
الضيافة
قال رضي الله عنه وعنكم: "ومنها: الضيافة"، لقد بكى مرة سيدنا علي، قال: ما يبكيك؟ قال: إن لي ثلاثة أيام ما قَدِمَ إليّ ضيف، يبكي لذلك، يقول: أخاف أن أبْغَضني، ولهذا قال: "لا تَكَلَفوا للضيف فتَبْغَضوه فإنه من يبْغض الضيف يبغضه الله"؛ لا تتكلف له، قدِّم الميسور وافرح به، حتى لا يَتطرق إلى باطنك بُغض للضيف، فيبغضك الله -سبحانه وتعالى-، فالضيافة منها؛ سُنَّة بما تيسر، وكانوا اذا اجتمعوا عند رسول الله لم يتفرقوا إلا عن ذواق، وكان يضيِّف بما تيسر صلى الله عليه وصحبه وسلم.
وهو في السخاءِ كأنه البحر زَخر *** يعطي مئينا وألوفاً من حضر
وما اصطفى لنفسه ولا ادخر *** إلا يسيرا وهو ذو العيالِ
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
"وإكرام الضيف" ومن أهم إكرامه، استقباله إذا ولج، وتوديعه إذا خرج، والبشاشة في وجهه، ولين القول له، "بحسب المقدرة، ويكره التكلف"؛ لأنه يؤدي إلى البغض، وإلى انقطاع هذه الضيافة. وكان سيدنا الخليل إبراهيم مثالاً مضيافاً، ويستقبل الضيوف ولا يأكل إلا مع ضيف، وكان بعض صلحاء الأمة ما يطيب له الأكل إلا مع ضيف.
وقال: "منها المصافحة لكل لقاء"، قال ﷺ: "وتصافحوا يذهب الغُل عنكم، يذهب الغُل عن قلوبكم، واذا التقى المُسلمان فتصافحا، غفر الله لهما قبل أن يتفرقا"، إذا التقى المُسلمان فتصافحا، قُسمت بينهما مئة رحمة، تسعون لأكثرهما بِشرًا، وعشر للآخر، الذي أكثر بشاشة وبشر يأخد تسعين رحمة، والثاني يأخذ له عشر، فهذا جزاء ما بَشَّ في وجه صاحبه، وكان أكثر بِشرًا وبشاشة، وكان ﷺ يقول عنه الصحابي: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا في وجوه أصحابه منه ﷺ"، حتى يقول بعض الصحابة -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-: "ما رآني رسول ﷺ منذ أسلمتُ إلا تبسم في وجهي، يحسب جليسه أنه أكرم الناس عليه"، لما يرى من خلقه الكريم -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، هكذا المصافحة لكل لقاء.
الجهاد
قال رضي الله عنه وعنكم: "ومنها الجهاد" في سبيل الله -تبارك وتعالى- يكون سُنة وفرض كفاية على المسلمين، "وقد يُفرض على العين أو على الكفاية" عند الحاجة.
أما على العين إذا داهم الكفار بلاد المسلمين، ليغتصبوها ويأخذوها ظلمًا وعنوة، فيجب على أهل تلك البلد أن يدفعوهم، ويصير الجهاد حينئذٍ فرض عين، على صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم ، ولا يحتاج إلى إذنِ والِدَين ولا غيره. ثم من يليهم من البلدان بحسب ما يحتاجون، واذا اكتفوا، انتهى الأمر، فيصير فرض كفاية على من حواليهم، وفرض عين على أهل البلدة التي هاجمها وداهمها الكفار، والمراد بالجهاد إعلاء كلمة الله -تبارك وتعالى- وإخراج الناس من النار إلى الجنة، ومن الظلمات إلى النور و (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ) [النور:35].
يقول: "الجهاد وقد يفرضُ على العين والكفاية"، إذا أُطلق الجهاد، أُريد به قتال الحربيين من الكفار، وإن كان الجهاد في الشريعة، من حيث الفضل يشمل أشياء كثيرة:
ولكن إذا أطلق الجهاد، أريد به مدافعة ودرء المعتدين من الكفار الحربيين، وقتالهم وصدهم عن أن يبسطوا أيديهم على المؤمنين، أو يأخذوا أراضيهم أو أموالهم، "وقد يفرضُ على العين والكفاية" -الله يُعين إخواننا في غزة ويرزقهم الصدق والقبول عنده ويرزقهم التأييد منه سبحانه وتعالى-، (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِه) [آل عمران:160] -اللهم انصر المسلمين في غزة وفي جميع أقطار الأرض يا خير الناصرين-.
فإذا كان فرض كفاية أو سنة، لم يَجُز الذهاب إلا برضى الوالدين، وإلا كذلك بسماحِ ولي الامر. فإذا صار فرض عين لم يعد يحتاج إلى رضى أحد، وقال ﷺ لمن أراد أن يجاهد معه: "ألك أبوان؟"، قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد".
القرض والصدقة والوقف والعتق والهدية
قال رضي الله عنه وعنكم: "ومنها: القرض" لمن احتاج إلى القرض، ما دام يعلم أنه لا يصرفه في سوء، ولا في معصية، ولا في شر، فمساعدته بقرضه له ثواب
"والصدقة" على المحتاج، "والوقف"؛ ليكون صدقة جارية، وعتق الرقاب لمن يملكها، "والهدية" وهي الذي يُعطى على سبيل الإكرام، ما أعطيَ على سبيل الإكرام فهو الهدية، وما أُعطيَ لأجل الحاجة ولسدادها فهو الصدقة. "والإبراء"، الإبراء مِن الدَّين، من له دين عند أحد يسن له أن يبرئه منه، خصوصًا إذا كان حاله ضعيف، وصَعُبَ عليه القضاء، وهكذا -اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم-.
وقد كان عبد الله بن جعفر -عليه رحمة الله تعالى- مرض فأنكر، أنه لا أحد جاء عوَّاد من الذين يعرفهم كثير، قال: ما بالُ الناس؟، قالوا: كلهم مستحيين منك، قال: لماذا؟، قالوا: ديون عليهم، أنت مدين ذا، ومدين ذا، ومدين ذا، فسيأتون ليعودونك لم يتيسر لهم قضاء الدين، فاستحوا منك، قال: لعن الله دنيا تمنع إخوان عن أخيهم، أعْلِنوا أن كل من عليه دَين لي فهو في حِل، خلاص مُسامَح، فنشروا يقولون: أن عبد الله بن جعفر يقول من عليه دين فهو مُسامح، قالوا: فما جاءت العشية إلا يكاد الدَرَج ينكسر من كثرة العُوّاد، جاءوا يعودونه الناس، وكثروا وكثروا.
فانظروا كيف كان يُنفق ويُنفق ويُدَيِّن ويُكرم -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى-، كان يُضرَب بهم المثل في الكرم؛ سيدنا عبد الله بن جعفر وجماعة من الصحابة، كان يُضْرب بهم المثل في الكرم والإحسان. وساروا مرة إلى الحج - سيدنا عبد الله بن جعفر الطيار هذا، معه سيدنا الحسن والحسين- فاتتهم القافلة، وصاروا يمشون وحدهم، وصلوا إلى مكان، ووجدوا عجوز في خيمة لها، سلموا عليها، وردت عليهم السلام، قالوا: أعندك شيء تطعمينا؟، أو قالوا: شيء تسقينا؟ قالت لهم: هذه الشاة فيها لبن، يحلبْه أحدكم واشربوا فشربوا، قال: أعندك طعام؟، فإن القافلة مرت علينا، ونحن خرجنا للحج نفرٌ من قريش، قالت: نعم، هذا السكِّين، من منكم يذبح الشاة، ذبحوا الشاة، توجهوا ولحقوا بقومهم، جاء زوجها -كانت هي أحسن منه،٬- قال: أين الشاة؟، قالت: ذبحناها، قال: لمن؟، قالت: نفر من قريش، قال: تعلمين أن رزقنا من هذه الشاة! وقوتنا من هذه الشاة!، و تقولين نفر من قريش؟ وغضب عليها .
ومرَّت الأيام، ألمَّت بهم حاجة ودخلوا المدينة، بينما هي تمشي في بعض أزقَّة المدينة، رآها سيدنا الحسن عرفها، قال لخادمه اذهب للمرأة هذه قل لها تعالي، جاءت، قال: تعرفيني؟، قالت: لا، قال: أنا الذي جئتك في يوم كذا، قالت: أنت منهم؟، قال: نعم، قال: انتظري، إشتر لها ألفًا من شاة الصدقة، قال: وخذ ألًفا دينار أعطها إياها فوقها، رجعت معها مائة شاة ومائة دينار، قال: خذها إلى عند أخي الحسين، وقل له هذه التي ضيَّفتنا في يومِ كذا.
ذهبوا إلى عند الحسين، قال: كم أعطاها الحسن؟ قال: ألف دينار وألف من الصدقة، قال: خذ لها ألف من الصدقة، وخذ لها ألف دينار، وخذها إلى عند عبد الله بن جعفر. ولما وصلوا بها إلى عبد الله بن جعفر، قال: هذه المرأة التي ذبحتم شاتها في تلك الليلة؟ قال: هي، مرحبا بها، كم وصلك الحسن والحسين؟ قالت ألفي دينار وألفي شاة، قال: لو بدأتوا بي لأتْعبتهما، ولكن الآن هاتوا لها مثله، ألفي شاه وألفين دينار واشتروا لها ألفين شاة من شياه الصدقة وأعطوها ألفين دينار، صار أربعة ألف دينار وأربعة آلاف شاة، بدل الشاة في تلك الليلة، جاءت عند زوجها قالت انظر، كنت تقول لي لماذا تعطينهم!! وكيف تذبحين شاتنا !! تقول لي نفر من قريش، وهم الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وانظر الآن أصبحت غنيًا، دعنا نرجع الى البلاد، نحن الآن من الأغنياء لن نحتاج لشيء طول عمرنا، سنأكل من هذه الأربع آلاف شاة وأربع آلاف دينار -عليهم رضوان الله تبارك وتعالى- ونعم أهل الكرم وأهل المعروف.
كان يأتي إليه أهل الصُّفة، لسيدنا جعفر هذا، و يُخرِج لهم كل ما عنده حتى اذا نفد ماعنده، يفتح القربةالتي كان فيها السمن يلحسونها وياخذونها، ولما ذهب الى مؤتة، فقدوه وقالوا كان جعفر يواسينا عليه رحمة الله تبارك وتعالى واكرمنا الله في رحابهم.
وليمة العرس والختان
قال رضي الله عنه وعنكم: "ووليمة العرس والختان" سُنَّة لمن تزوج أن يجعل وليمة ولو بشاة أو بما تيسر فانه ﷺ قد أولم بِحيس، ذلك أنه لما أصبح في آخر زواج تزوجه بسيدتنا صفية بنت حيي، شاف ما عنده من الطعام فجاء له بعض الصحابة بما عندهم من سمن، و بعضهم عنده دقيق، بعضهم عنده حب اخر، جاءوا به فحاسوا حيسة ودعا الصحابة عليها وكانت وليمة رسول الله صلى الله عليه وعليه سبحانه وتعالى.
عيادة المريض والتزاور
وفيها يُشيَّع سبعون الف ملك كذلك التزاور في الله إذا زار أخ له في الله، يشيِّعه سبعون الف ملك، هؤلاء يستغفرون لعائد المريض ولزائر لاخ في الله، إن عاده في الصباح يستغفرون له الى المساء وان عاده في المساء او زاره يستغفرون له الى الصباح.
قال رضي الله عنه وعنكم: "عيادة المريض والتزاور" وفي القيامة ينادي منادي؛ ربنا أين المتحابون فيَّ؟ أين المتباذلون فيَّ؟ المتزاورون فيَّ؟ اليوم أظلهم في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي. وإذا كان من زار أخ له في الله شيَّعهُ سبعون الف ملك. فكيف بمن زار عارف؟ فكيف بمن زار صدِّيق؟ فكيف بمن زار شهيد؟ فكيف بمن زار مقرَّب؟ فكيف بمن زار عبدالله بن جعفر وزيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة؟ و بيأتي سبعون ألف ملك؟! سيأتون لزيارة أي مسلم عادي ! فكيف إذا جئت عند خيار الأمة وأكابر الأمة وزرتهم في الله، قَبِل الله الزيارة منا ومنكم وعجَّل البِشارة لنا ولكم وللأمة أجمعين.
التزاور في الله سبحانه وتعالى شجعنا عليه الصلاة وسلم وقال إن رجلا من بني إسرائيل زار أخا له في الله. فأرصد الله على مدْرجته مَلَكا. قال لماذا تريد هذه القرية؟ قال أزور أخ في الله فلان. قال لقرابة بينكما؟. قال لا. لنعمة ترْوب قال لا. قال لماذا تزوره؟ قال لا شيء الا اني احبه في الله. فقال له الملك وانا رسول من الله اليك ان الله يحبك كما احببته فيه. يا رب أعد علينا عوائد الزيارات المقبولة عندك واجعلنا متحابين فيك ومتزاورين فيك.
تشييع الجنائز
ولتشييعها لمن يُصلَّى عليها قيراط، وتشييعها الى أن يدفن قيراطان، القيراط مثل جبل أُحد من الثواب.
زيارة القبور
سُنة من سُنن بدر البدور، محمد ﷺ، كما هي سنة الأنبياء من قبله. وقال كما روى الإمام مسلم في صحيحه؛ مررتُ على موسى ليلة أُسْري بي وهو قائم يصلي في قبره. فزار قبر النبي موسى سيدنا محمد ﷺ. زار قبر النبي موسى ووجده يصلي في القبر لأن الأنبياء أحياء كما قال في حديثه الصحيح "الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. والشهداء كذلك.
وكم روى لكم أهل التاريخ عن هؤلاء الشهداء الذين عندكم في موته. وما كان يُسمع في مكان المعركة من صهيل الخيل ومن حطم السيوف الى غير ذلك مما كان على مدى القرون. فنعم الأحياء ولقد كان أنْ احتفرتْ أماكنهم من آثار بعض السيول فوُجِدوا كما وُضعوا بعد مرور سبعمائة سنة من المعركة. بعد مرور سبعمائة سنة من المعركة. وتجدد بعد ذلك في فترة حتى ذكروها أنهم استدعوا لها ناس حتى من مصر ومن الأزهر جاءوا يشاهدون بعض جثث أُلائك الصحابة رضي الله تعالى عنهم. (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران:169]، زادهم الله رفعة وجمعنا بهم في أعلى الجنة.
"وزيارة القبور" يجب أن تكون من غير اختلاط نساء الرجال. زيارة القبور تكون مع الاعتبار والادِّكار؛ الدعاء لهم وكانت هذه السُنة من قولهِ ومن فعلهِ ﷺ. وكان غالب لياليه يجيء الى القبور صلى الله وسلم ويجيء إلى بقيع الغرقد عند قبور المسلمين. حتى تقول بعض أمهات المؤمنين "ما بات عندي رسول الله ليلة إلا أتى فيها القبور في بقيع الغرقد يُسلِّم عليهم. صلى الله عليه وصحبه وسلم.
وقد جاء في بعض الروايات إطالته الوقوف على قبورهم -رضي الله تعالى عنهم-، "وزيارة القبور" التي جاء عنها، أنه بعدما نهى عنها أمر بها، وقال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة"، فلا نياحة، ولا اختلاط نساء برجال، ولا شيء من المنكرات يكون في الزيارة، كغيرها من مجامع المؤمنين والمسلمين.
قالت السيدة عائشة وقد صَحّ في الحديث: "يا رسول الله، ما أقول إذا أنا زُرت المقابر؟، قال: "قولي: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غدا مؤجَّلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية"، علّمها السلام والدعاء -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
وقال: وكانت سيدتنا فاطمة تخرج في كل خميس فتزور عمَّ أبيها، حمزة بن عبد المطلب -عليه رحمة الله-، وهو عم سيدنا جعفر-حمزة بن عبد المطلب- تزوره في أُحد، فتخرج إلى أُحد في كل خميس، وتُسلِّم على عم أبيها سيدنا حمزة وترجع. ولما قبرهم ﷺ في أُحد، قال: "والذي نفسي بيده، لا يقف عليهم أحد إلى يوم القيامة، فيسلم عليهم إلا ردوا عليه السلام" -عليهم سلام الله-.
وهكذا، وتجدّد الأمر أيضًا فيما كان، ففي زمن معاوية بن أبي سفيان أيضًا، جرى السيل على قبور أهل أُحد، وكان لهم أربعون سنة من حين قُبِروا، فوُجِدوا كما هم، بل وجَدوا بعضهم متصافحين في القبر، وبعضهم واضعٌ يده على جرحه، رفعوها فردها، فأتت المسحاه التي يحفرون بها في رِجْل بعضهم، فسال الدم؛ أحياء، بل أحياء عند ربهم يُرزَقون -رضي الله تعالى عنهم-، وتكرر بعد ذلك، -فالله يرضى عنهم، ويجمعنا بهم في دار الكرامة، اللهم لا تحرمنا رؤيتهم ومرافقتهم-.
تشميت العاطس
إذا حَمِد الله -تعالى-، فإن لم يحمد لم يستحق التشميت، ولكن إن ذَكَّرته بالحمد فهو أفضل لك، وكان بعض أهل العلم يذكر أن الذي يبدأ العاطس بالحمد، يُسلِّمه الله من وجع الأذن، ووجع السن، ووجع البطن، "من يبتدئ عاطسًا بالحمد، يأمنه من شوصٍ ولوصٍ وعِلَّوصٍ".
فإذا عطس ولم يحمد، احمد الله، ذَكِّرهُ بالحمد، فإذا حمد الله -تعالى-، فقل له: "يرحمك الله"؛ هذا "تشميت العاطس"، يرحمك الله، ثم يقول العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم، أو يرحمني ويرحمكم الله وهكذا.
وعطس مرة بعضهم وهوجالس بينهم فقال السلام عليكم، قال سيدنا أنس: سلام عليك وعلى أمك، قال: ما لك تقول هكذا؟، قال: كنا جالسين عند النبي، واحد عطس، قال: السلام عليكم!، لا دخل علينا، فقال له النبي: "السلام عليك وعلى أمك، إذا عطس أحدكم، فليقل: الحمد لله، وليقل: له صاحبه يرحمك الله، وليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم".
السواك
والسواك في كل حال:
يحصلُ بكل خشن، ولوكان عود الأراك أفضله.
الاكتحال
وأفضله من الإثمد - بكحل الإثمد- فإنه يُنبت الشعر ويُجلي البصر. الاكتحال، وكان ﷺ يكتحل قبل نومه، ثلاثًا في اليُمنى، وثلاثًا أو اثنتين في اليسرى، وِترًا، هذا معنى قوله وتر:
الادِّهان غِبًّا
أي من وقت إلى وقت، كلما زال أثر الدهن يُجدده، كل ليلة قبل النوم يُسن هذا الاكتحال، والادّهان بالجسد كله غِباً، أي كلما زال أثره جدده، ففي أيام الشتاء يحتاج إلى تجديده أكثر منه في أيام الصيف.
تقليم الأظفار
لليدين والرجلين، في أي يوم، والأفضل أن تكون في يوم اثنين أو خميس أو جمعة، من أطراف الأصابع؛ يبدأ من السبابة في اليمنى، ثم الوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر، ثم الإبهام، ويرجع إلى اليسرى، فيبدأ من عند الخنصر، يمشي على الترتيب إلى الإبهام؛ من جهة الأفضل. ويُروى تقليم الأظافر مُعكِّساً مُنكِّساً، على ترتيب خوابس أو خسب:
وأما في الرجلين، فمن عند الخنصر إلى عند الخنصر، على الترتيب، هذا الأفضل في كيفية قلم الأظافر. وينبغي إذا قَلّم أظافره:
إذا رَجَعت يوم القيامة ستشهد لك بالذكر، وستشهد لك بالتوبة، فإن الشعر والظفر الذي يخرج من الإنسان، يُعاد يوم القيامة لأجل الشهادة، يُعاد منفصلاً عنه.
قص الشارب وإزالة شعر العانة والإبط
قال رضي الله عنه وعنكم: "وقص الشارب" بحيث تبدو حُمرة الشفاه، "وإزالة شعر العانة"، الشعر النابت على العورة، وما حواليها، والإبط، إزالة شعر الإبط ويكره تأخيرها عن الحاجة، وأقصى ما يكون أربعين يوم. فتأخيره عن الأربعين يوم مكروه، وإذا اشتدت الحاجة قبل أربعين يوم، فتأخيرها عن الحاجة مكروه، فيبادر بذلك فإن الدِّين دين نظافة، ودين فطرة، ودين نقاء، والغسل بعدها حسن، أن يغسل أصابعه إذا قصَّ أظافرها، وكذلك إذا أزال الشعر؛ الغسل بعده حسن، أن يغسل الموضع، وليس الاغتسال، لكن يغسل موضع الحلق، أو موضع النتف، أو موضع القلِم؛ حتى يحذرون من أن يحك بدنه بعد التقليم، قبل أن يغسل الأظفر، فقد يورث البرص، فإذا قلَّم، يغسل أظفاره بأي ماء، قبل أن يحك بها جسده، فذلك أولى.
وهكذا جاءتنا السنة، بصلاح الجسد والقلب والبدن والروح والدنيا والآخرة والحمد لرب الدنيا والآخرة ورب الأرض والسماء، والحمد لله الذي أعطانا أسرار الفرائض والسُنن، والتي فيها أسرار قُربه ومحبته والخلافة عنه.
الخاتمة
اللهم وفر حظنا من هذا الدين، ومن هذه الشريعة، ومن هذه المِلة، واسلك بنا مسالك المحبوبين من عبادك، الأدلاء عليك وعلى شرعك والإيصال إليك. اللهم وأصلح شأننا كله، وادفع عنا السوء وأهله، وأدم لهذه البلد أمنًا وإيمانًا وطمأنينة وسكينة وخيرًا ورخاءً ولطفًا، وادفع عنا وعن أهلها وعن المسلمين، البلايا والأذايا والرزايا ظاهرًا وباطنًا، خذ بيد ولي أمرها الملك عبد الله ومن معه أخذَ أهل الخير، ووفقهم للخير والهدى والبر وما يرضيك، وخذ بأيدي أهاليها رجالًا ونساءً إلى ما هو أحب وأطيب. وعجل بتفريج كروب أهل غزة، وجميع أكناف بيت المقدس، وأصلح الشام واليمن والشرق والغرب، واكشف كل كرب يا رب يا رب، اقبل منا الزيارات، وعجل لنا بالبشارات، وبالإشارات الدالة على الفوز بالسعادات، في الغيب والشهادات، يا رب الدنيا والآخرات، يا أرحم الراحمين.
بسرِ الفاتحة
وإلى حضرةِ النَّبي
اللَّهم صلِّ وسلم و بارك عليه وعلى آله وصحبه
الفاتحة
13 جمادى الأول 1445