(229)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ قصيدة ( يا قلب وحِّد واترك الخلائق) للإمام عمر بن سقاف السقاف رضي الله عنه
الدرس السادس: شرح قوله: دع كلَّ صورة واشهدِ الحقائق
عصر يوم الجمعة 6 محرم 1446هـ
لتحميل القصيدة pdf:
واعكِفْ عَلَى بَابِهْ فَأَنْتَ مَقْبُولْ *** فَجُوْدُ رَبِّكَ فَائِضٌ وَمَبـــــذُولْ
فَسَوْفَ تَبْلُغْ مَا تُرِيدْ مِنْ سُول *** دَعْ كُلَّ صُورَة وَاشْهَدِ الْحَقَائِقْ
يقول: "واعكِفْ عَلَى بَابِهْ" رزقنا الله حسن العكوف على هذا الباب..
لم أزل بالباب واقـــف *** فارحمن ربي وقوفي
وبوادي الفضل عاكف *** فــــأدِم ربـي عكوفي
ولحسن الظن لازم *** فهو خِلّي و حليفي
و أنيســي و جليســـي *** طول ليلي ونهاري
كل الصادقين معه الذين توجّهوا إليه بالإقبال التام ونقاء الباطن وصدق الوجهة؛ أُوتوا كل ما راموا وزادهم على ما راموا وطلبوا، وزادهم على ما أمّلوا ورجوا، "فَسَوْفَ تَبْلُغْ مَا تُرِيدْ مِنْ سُول" لكن أنت قُم بمهمتك…. ما مهمتك؟
ونتيجة كل عمل:
هذه الحقائق أبقِها على بالك، أما مجرد الصور فإن بها اغتر من اغتر، فحقَّر ما حقه أن يُكبّر، وكبّر ما حقّه أن يُحقّر، وآثر الحقير الفاني على العظيم الباقي… إلى غير ذلك من الآفات التي تصيب الواقفين مع الصور.
وصورة ما يكون من الاستلذاذ بالمحرّمات وما إلى ذلك، صور حقائقها مُرّة، حقائقها عذاب وبُعد وطرد؛ فلا تبقى مع الصور ومع هذه الظنون والخيالات والأوهام.
"وَاشْهَدِ الْحَقَائِقْ":
فإنك بذلك ترتقي في هذا الشهود إلى شهود الحق بمرآة زين الوجود صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، حيث لا خطأ ولا زلل ولا ضلال.
"دَعْ كُلَّ صُورَة وَاشْهَدِ الْحَقَائِقْ"، بذلك العكوف على الباب، واللزوم للأعتاب، والتحلّي بالآداب، وسعة الرجاء في الوهاب، فاترك الصور واشهد الحقائق.. يطيب لك العيش الرائق في الاتصال بالإله الخالق.
الاتصال وصف العباد؛ لأن الاتصال والانفصال من أوصاف الكائنات؛ ولذا مواهب الحق المخصوصة لا توصف بالاتصال ولا انفصال، فكيف بالحق جلّ جلاله؟! لأنها من صفات الكائنات وصفات المخلوقات؛ فيكون العبد متصل ومنفصل، أما الرب سبحانه وتعالى لا يوصف باتصال ولا بانفصال؛ فهذه صفات الكائنات المخلوقات، وهو أقرب إلى كل منّا من حبل الوريد، ولكن العبد يكون متصل ويكون منفصل.
العبد هو الذي يكون منوّر أو مظلم، والعبد الذي يكون مُقبل أو مُدبر..
"دَعْ كُلَّ صُورَة وَاشْهَدِ الْحَقَائِقْ" فإنّ في غضّ الطرف عن الفانيات اتصالٌ بالباقيات، والباقيات لا تبقى إلا بإبقائه -سبحانه وتعالى- لها، غير ذاته وصفاته..فإنها باقية ببقائه، فهو باقٍ بذاته؛ فجميع صفاته باقية ببقائه -جلّ جلاله وتعالى في علاه-، فتخرج من الانقطاع أيضًا بالباقيات إلى مُبقيها؛ لأنها لا تبقى بذاتها ولكن تبقى بإبقائه؛ فترتفع إلى التمكّن من شهود الأسماء والصفات، وهي باقية ببقائه جلّ جلاله.
ومن صفاته: رضوانه عمّن يرضى عنهم، ومن هنا كان الرضوان أكبر من الجنة وأعظم وأعلى من الجنة وما فيها؛ لأن الجنة ونعيمها باقيةٌ بإبقاء الله لها، أما رضوانه عنك فباقٍ ببقائه سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) [التوبة:72]، أكبر من الجنة والمساكن والأنهار التي تجري، (وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ) الله يكرمنا برضوانه الأكبر، ويزداد عنّا رضا في كل لمحة وفي كل نفس.
وما دمت مشغول بالصور فأنت في حجاب ولا تدخل إلى الرحاب. "دَعْ كُلَّ صُورَة"؛ اصرف قلبك عن التعلّق بالكائنات وما فيها، ولا تشهد إلا نور مبدعها ومنشئها -جلّ جلاله وتعالى في علاه-؛ وحينئذٍ يصحّ لك الحضور مع الله، وتُكرَم بكشف الستائر والسواتر لك عن شهود الأسماء والصفات، وتعلو إلى شهود الذات، قال تعالى في سيدنا الخليل إبراهيم: (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) معناها وغيبها، لا ظاهرها (وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الانعام :75]، وانتهى إلى أن قال: (يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ) [الأنعام:78-90]، ولم يزل أهل الضلالات يجادلون أهل الهدى.
الله يكرمنا وإياكم بشهود الحقائق.
05 مُحرَّم 1446