(575)
(536)
(235)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ قصيدة ( يا قلب وحِّد واترك الخلائق) للإمام عمر بن سقاف السقاف رضي الله عنه
الدرس التايع عشر: سيروا بنا فالحرُّ مَن يسابق
عصر يوم الجمعة 4 صفر الخير 1446هـ.
لتحميل القصيدة pdf:
"هَيَّا إِلَى ذَاكَ الْجَنَابْ هَيَّا***سِيرُوا بِنَا، فَالحُرُّ مَنْ يُسَابِقْ"
ختم القصيدة - عليه رحمة الله- بقوله: "هَيَّا إِلَى ذَاكَ الْجَنَابْ هَيَّا" وأخذنا بعض معانيها.
"هَيَّا" إلى أين هيا؟ "إِلَى ذَاكَ الْجَنَابْ" جناب القُرب الأقدس، حيث العطاء الأنفس، جناب شهود الرحمن بمرآة من أُنزل عليه القرآن ﷺ، ومطالعة جمال الحقّ -تعالى- في ذات المصطفى ﷺ بمرآة المصطفى ﷺ.
فذاك الجناب الذي يدعو إليه هذا الإمام -عليه رحمة الله- ويقول: "هَيَّا" إذا قد سمعت هذا التشويق كله، هذا الترغيب، وهذه الحقائق، علامَ التأخر؟ علامَ التقهقر؟ علامَ التراخي؟
"هَيَّا" إلى ذاك الجنب الرفيع العالي الشريف المعظّم، "هَيَّا إِلَى ذَاكَ الْجَنَابْ هَيَّا *** سِيرُوا بِنَا" فإنما يحصل الوصول بالسير.
وإذا صحّ السير في الوجهة إلى الرحمن تبارك وتعالى؛
هذه عُدد السير إلى الله؛ ومن أحسن السير.. تحوّل من سائر إلى طائر، فيطير بعد أن يسير؛ ومن أحسن السير تحقق له الطيران.
لهذا نرى حتى الطيران الحسي هذا؛ ما يطير إلا بعد ما يسير، يسير أولًا حتى يستعد ويتهيأ بعدين يطلع ويرتفع.
وهكذا وكان وُجد بعض المشايخ كان يتحدث عن التوكل، قال: يحتاج الإنسان أن يأخذ بالأسباب؛ في بداية أمره حتى إذا قويّ يقينه وإيمانه ما عاد يحتاج! قال: مثل الطائرة؛ مادامت في الأرض تحتاج إلى الكفرات، تمشي على الكفرات؛ لا بُدَّ من الكفرات؛ لكن إذا استعملت الكفرات ومشت عليها بطريقة معينة وتنظيم طارت، فاغتنت عن الكفرات فترفعها.. ما تحتاج إليها ما دامت في الطيران، إلى أن تعود إلى الأرض.
قال: أنا جئت بعض الدول، وعند خروجي قالوا: هذا دخل للدعوة.. وضعوا خط أحمر؛ ممنوع دخوله هذه الدولة مرة ثانية، قال: وأنا مرتين بنفس الجواز دخلت إلى هذه البلدة، ما قالوا شيء، قال: توكلت على الله، وصليت ركعتين ودخلت فيها شاف الجواز وختم ودخلت ولا شاف شيء، ولا قال شيء، ثاني مرة جئت ونفس ختمهم موجود فيه -الأحمر أي ممنوع دخوله- وأنا دخلت ثاني مرة من نفس المطار. لا إله إلا الله!
قالوا لنا بعض أصحابنا: أنه خرج يوم كن في بنغلاديش، يريد الذهاب إلى روسيا في الدعوة، قال: وصل إلى المطار قالوا له: أن الطائرة تقدّمت خلاص أقلعت سافرت، قال: أنا خرجت من أجل الله، ما أرجع، ما ترجع! الرحلة عندنا إلى موسكو مرة في الأسبوع بتقعد أسبوع في المطار؟ قال: أنا خرجت له، وهو يتصرف.. يعمل لي ما شاء، أنا لن أرجع البيت، أنا خرجت لله، أريد أن أخرج إلى موسكو؛ محلي هنا، تعجبوا فيه! تركوه جالس يصلي ومعه بعض أصحابه، والشيخ ما هو راضي يرجع من المطار!.. انتشر الخبر بين أهل المطار؛ هذا الشيخ قال: بيقعد محله في المطار.. وبرج المطار تلقى مكالمة من طائرة في الهواء؛ قال: إنه نقص الوقود عليهم وهي متوجهة إلى موسكو.. فيحبّون ينزلوا يستأذنوا حتى يعبّوا وقود، قالوا: طيب وين ذاك الشيخ؟ بحثوا عن الشيخ.. وقالوا: اطلع؛ وطلع في الطائرة وذهب إلى موسكو. لا إله إلا الله!
وكان يوم خارج الحبيب محمد الهدار -عليه رحمة الله- جاء إلى مطار المدينة متوجّه بالطائرة إلى جدة، وأراد يدخل والوقت متأخر، والطائرة ستطير.. والجواز ما حصّله نسيه في الشقة هناك، قالوا: خلاص الطائرة ستطير، قال: اذهب يا حيدان -حقه السائق- اذهب إلى البيت هناك وهات الجواز، وجلس هو في جانب؛ جاءت الطائرة لتقلع، هرب واحد من أبناء الأمراء حقهم خرج من الطائرة في حالة نفسية خرج، وجاء الجنود يطاردونه في المطار، وهو يذهب من محل لمحل، وهم يطاردون هم وإياه؛ إلى أن جاء الجواز.. وصل عند الطائرة دخلوه، ومسكوا الرجال.. دخلوا الطائرة وطارت الطائرة.. لا إله إلا الله!!
فالأمر أمر الله، تقع طائرة، تقع سيارة، تقع باخرة، يقع أرض، يقع سماء، يقع طير، يقع إنسان، يقع جني، يقع جماد، يقع حيوان نبات… تحت أمر رب الأرض والسماوات مكوّن الكائنات، بيده ملكوت كل شيء..
بقسم يمين قطّاعة *** ما حد يحرّك باعة
في معصية أو طاعة *** إلا إن حركها الله
(وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ) [التكوير:29].. جلّ جلاله وتعالى في علاه.
يقول:
"فَالحُرُّ"؛ الذي تحرر عن أهوائه، وعن شهواته، وعن أن يستعبده أي شيء من الكائنات والموجودات العُلويات والسفليات حُرّ. "فَالحُرُّ مَنْ يُسَابِقْ" يسابق إلى هذه الخيرات. قال سبحانه وتعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) هذا الركب الكبير حق الأنبياء. ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء:90].
يقول: "فَالحُرُّ مَنْ يُسَابِقْ" مُمّتثل لأمر الخالق، (سَابِقُوۤا۟ إِلَىٰ مَغۡفِرَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا كَعَرۡضِ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ أُعِدَّتۡ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ ذَ ٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ یُؤۡتِیهِ مَن یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِیمِ) [الحديد:21]. وقوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133]. وقوله جلّ جلاله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) [البقرة:148].
"فَالحُرُّ مَنْ يُسَابِقْ"..
قال الأمين المأمون: "في كل قرنٍ من أمّتي سابقون"، من الصفوف الأولى يدخلون الجنة في كل قرن من السابقين؛ لأن أهل الجنة قسمين:
لكن "في كل قرن من أمتي سابقون"؛ ما من قرن إلا فيه من يلحق بهؤلاء السابقين، ويكون من المقربين، دون بقية أصحاب الجنة.. بقية أصحاب الجنة: الذين يُسقون (مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ) [المطففين:25-27] .. يمزجون لهم، وأين التسنيم؟ قال: (عَیۡنࣰا یَشۡرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [المطففين:28]؛ فوق شرابهم تسنيم خالص، والبقية مزاجه من تسنيم؛ بقية أهل الجنة. قال: "أكثر أهل جنة البُله"؛ عامة أصحاب اليمين، "وعليّون لأولي الألباب" السابقون هؤلاء.
"فَالحُرُّ مَنْ يُسَابِقْ".. "فَالحُرُّ مَنْ يُسَابِقْ".. وقد كان الشيخ بالوعّار اسمه بالعفيف من أهل الهجرين، كثير المجاهدات والعبادات، يقول: إن سبقونا بالمواهب سبقناهم بالمكاسب، وكان يجتهد عظيم الاجتهاد وسموه بالوعّار؛ لأنه يسلك طريق وَعِر في شدة المجاهدة -عليه رحمة الله- وبعدين قالوا له: والمكاسب مواهب، والمكاسب هي نفسها مواهب.. من أين جبتها؟ كلها مواهب يهبها لمن يشاء، وإن من يتفضل عليه بالوسطة، ومنهم من يتفضل من دون الواسطة. لا إله إلا الله..
"هَيَّا إِلَى ذَاكَ الْجَنَابْ هَيَّا***سِيرُوا بِنَا، فَالحُرُّ مَنْ يُسَابِقْ"
حُرّ يحضر مثل هذه المجالس، ويحضر هذا الختام هذه الليلة، ولا تنبعث فيه بواعث إرادة السبق مع السابقين والصدق مع الحق -تبارك و تعالى- في السير إليه، والطيران إليه؛ ما هو حُرّ هذا.. أما الحُرّ ضروري سيعشق هذا، سيرغب في هذا، و سيتوجّه توجّه، لن يقدر، لن يليق له ملاق دون السباق، وهكذا فإن صدور الأحرار لا تحتمل الانتظار.
"هَيَّا إِلَى ذَاكَ الْجَنَابْ هَيَّا***سِيرُوا بِنَا، فَالحُرُّ مَنْ يُسَابِقْ"
الحرّ من يسابق… هكذا يفعل الأحرار؛ يسابقون، قال تعالى:
(إِنَّ ٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ خَشۡیَةِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ * وَٱلَّذِینَ هُم بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ یُؤۡمِنُونَ * وَٱلَّذِینَ هُم بِرَبِّهِمۡ لَا یُشۡرِكُونَ * وَٱلَّذِینَ یُؤۡتُونَ مَاۤ ءَاتَوا۟ وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَ ٰجِعُونَ * أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَـٰبِقُونَ) [المؤمنون:57-60]. (وَٱلَّذِینَ یُؤۡتُونَ مَاۤ ءَاتَوا۟) يعملون الأعمال الصالحات، يتقرّبون بأنواع القربات (وَّقُلُوبُهُمۡ وَجِلَةٌ) يُقبلون أم لا؟ (أَنَّهُمۡ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ رَ ٰجِعُونَ * أُو۟لَـٰۤىِٕكَ یُسَـٰرِعُونَ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَـٰبِقُونَ) لا إله إلا الله.. اللهمّ ألحِقنا بالسابقين، اللهمّ ألحِقنا بالسابقين، اللهمّ ألحِقنا بالسابقين.
08 صفَر 1446