(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ قصيدة ( يا قلب وحِّد واترك الخلائق) للإمام عمر بن سقاف السقاف رضي الله عنه
الدرس الخامس: شرح قوله: واعكف على بابه فأنت مقبول
عصر يوم الأربعاء 4 محرم 1446هـ
لتحميل القصيدة pdf:
وَاْعكِفْ عَلَىٰ بَابِهْ فَأَنْتَ مَقْبُولْ *** فَجُوْدُ رَبِّكْ فَائِضٌ وَمَبْذُولْ
تأملنا بعض المعاني فيما قال الإمام عمر بن سقاف بن محمد الصافي السقاف -عليه رحمة الله- بـ: "يَا قَلِبْ وَحِّد وَاتْرُكِ الْخَلَائِقَ"، وما وراء ما ذكرنا من المعاني أطول منها وأجمل وأوسع منها.
قال: "وَكُنْ بِمَوْلَاكَ الْكَرِيمِ وَاثِقَ" الله يرزقنا كمال الثقة والاعتماد عليه، "وَعَنْ سِوَى اللَّهِ فَاقْطَعِ الْعَلَائِقَ" وتحدثنا عن العلائق والمراد بالقَطْعِ، وهي العلائق الذميمة، من كل علاقة بأي كائن على غير الوجه الذي أَحبَّهُ الْمُكَوِّنُ فيجب أن تُقْطَعَ جميع هذه العلائق، فإذا لم يكن بيننا وبين الكائنات علائق وصِّلات إلا من حيث أراد وأحب فإذًا ما اتصلنا إلا به، ولا تعلّقنا إلا به، سبحانه وتعالى.
"وَالْزَمْ لِحُسْنِ الظَّنِّ لَا تُفَارِقْ" وحسن الظن واسع،
وكم بحسن الظن من إمدادِ *** قد ناله من كان ذا اعتقاد
في خاملٍ إمام حقٍّ هادي *** يرونه الناس من الجهّال
عوام الناس يرون هذا إنسان جاهل، وهو إمام حق يدلّ على الله تبارك وتعالى، ولكن صاحب حسن الظن يصيد منه الخير ويجده بسببه ويصل، والثاني يراه كل يوم ويجلس معه وما يستفيد، ليس فقط ما يستفيد، بعضهم يتجاوز هذا وما يراه شيء، وبعضهم يتجاوز هذا ويحتقره ويراه مُحتقر، وتصيبه مصائب -والعياذ بالله تعالى- وهو كنز من الكنوز!
فكم خفي في الناس من مسكين *** قد امتلا من صفوة اليقين
وهانَ بين الناس ذو طمرين *** وهو لدى الحقّ عظيمٌ عالي
فإن فيض فضله في الناسِ *** جلَّ عن التقييد والقياس
طُرُقُــــــه بعدد الأنفاس *** وجُودُه جارِ بكل حـــــــال
فـ "الْزَمْ لِحُسْنِ الظَّنِّ لا تُفارق"، لا تفارق حسن الظن، حيثما كنت وأينما كنت، وظُنّ بربك ما تحب، قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: "أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظنَّ بي ما شاء"، ما هذا الكرم ! أعطاك المفتاح وقال لك: ما الذي تشاء، وتظن بي؟ وأنا أكون لك كما تظن..
ولهذا يقول للكفار والفجار في الآخرة: (وَلَـٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا یَعۡلَمُ كَثِیرࣰا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ) [فُصِّلَتْ:22] هذا ظنُّ خبيث مع الله تعالى.. أتخفون على الله شيء؟! (وَذَ ٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِی ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ) [فُصِّلَتْ:23] ولو ظننتم الظنَّ الحسن؛ لرفعكم ولزكَّاكم بظنكم الحسن، فلا شيء مثل حسن الظن بالله وحسن الظن بعباد الله.
"وَالْزَمْ لِحُسْنِ الظَّنِّ لَا تُفَارِقْ"، ما تظن بالجمع؟ وما تظن بخاتمة الزيارة الليلة؟ والذي تظنّه بها هو ما سيصل لك، إن كان رافع وإن كان سافل، وإن كان أرفع وإن كان أسفل.. كلّه سيصل لك على حسب ظنك. "وَالْزَمْ لِحُسْنِ الظَّنِّ"، انتبه من سوء الظن.
"وَالْزَمْ لِحُسْنِ الظَّنِّ لَا تُفَارِقْ *** وَاْعكِفْ عَلَىٰ بَابِه" تعالى، اجعل عكوفك على باب ربك، وما هو باب ربك؟
هذا باب ربك.
"وَاعكِفْ عَلَىٰ بَابِهْ"،
قِف على باب ما يقلده يا سعد قالد *** باب مولاك لي منّه ورود الفوائد
فصدق الرجاء فيه باب، نفس الباب يتجلى فيه شدة الخوف منه سبحانه وصدق الخوف منه، نفس الباب، التواضع لعظمته باب، حضور القلب معه باب من أوسع الأبواب، الافتقار والانكسار.. باب عجيب! ما تحصل الزحمة عنده في الغالب، الكثير من الأبواب يقع عليها زحمة لكن هذا الباب يسير الدخول، مَن تحقَّق بالانكسار والخضوع يدخل بسهولة، ما تجد زحمة جم على باب الانكسار والخضوع والافتقار إليه سبحانه وتعالى.
وهكذا واتباعك لحبيبه ﷺ ولو في شُرب.. باب، ولو في لباس.. باب من الأبواب، "وَاعكِفْ عَلَىٰ بَابِهْ" خلّك دائم على الباب هذا.
"وَاعكِفْ عَلَىٰ بَابِهْ"، فإذا أُكْرِمْتَ بهذا العكوف وهو دوام الإقبال عليه والوجهة إليه والتذلل بين يديه فهذا علامة أنه يريدك، لو أرادك للأخرى لهيَّأك لها ثُمَّ لم يبالي في أي وادٍ من أوديتها أهلكك، لكن ما دام وفَّقك لهذا العكوف "فَأَنْتَ مَقْبُولْ"
"وَاعكِفْ عَلَىٰ بَابِهْ فَأَنْتَ مَقْبُولْ" علامة قبوله:
قال سيدنا الحداد:
لم أزل بالباب واقف *** فارحمن ربي وقوفي
وبوادي الفضل عاكف *** فأدِم ربي عكوفي
وادي الفضل هذا قالوا ما يتجلّى إلا في قلوب الخواصّ، وادي الفضل يعكفون على بابه.
وبوادي الفضل عاكف *** فأدِم ربي عكوفي
أبقني عاكف على طول، يا سلام.. وما شُرِعَ الاعتكاف في المساجد إلا من أجل عكوف القلب على هذا الباب.
"واعكِف على بابِه" لا تروح هنا ولا هنا.. اجعل وجهتك إليه وقاصده في كل حركة وفي كل سكون، وكل أخذ كل عطاء، لا إله إلا الله، والذين صَفَوا مع الله فصَفَت معاملاتهم؛ يأكلون له، ويشربون له، وينامون له، ويقومون له.
قال ابن مسعود: "إني أنام وأستعين بنومتي على القيام وأرتجي في نومتي ما أرتجي في قومتي"؛ لأنه ما ينام عن شهوة، ولا ينام لأجل راحة النفس، ينام من أجل أن تصفو له العبادة ويقوى على القيام، فهو في المنام قائم، وغيره في القيام نائم! الذي يغفل عن الله لو رأيته قائم ويمشي هذا نائم، قلبه نائم.. تشوفه يمشي يطلع وينزل وهو نائم، قال الشاعر:
يُخبِّرني البوَّابُ أنَّك نائمٌ *** وأنتَ إذا استيقظتَ أيضًا فنائمُ
أنت دائما نائم أصلًا؛ حتى إذا قمت تمشي، قلبك غافل.. ما أنت مستيقظ أبدًا، ما جئت على الباب ولا وقفت عليه.
وأنتَ إذا استيقظتَ أيضاً فنائمُ
لهذا قالوا على من أحسن استعمال آداب المنام: من عمل الآداب للنوم صار نومه يقظة؛ فهو مستيقظ، يصير نومه يقظة، والذي أهمل الآداب وهو مستيقظ تصير يقظته نوم.. اليقظة لديه نوم! لا إله إلا الله… قالوا: يا نايم فاتتك الغنايم…
وَاعكِفْ عَلَىٰ بَابِهْ فَأَنْتَ مَقْبُولْ *** فَجُوْدُ رَبِّكْ فَائِضٌ…
قال ﷺ: ما من ساعة من ليلٍ أو نهار إلا والله يعطي، كل ساعة ليل ونهار وهو يعطي.. "وَمَبْذُولٌ" بالفضل الرَّباني لمن يستحق ومن لا يستحق، ولأصناف الخلق يبذل فضله عليهم -سبحانه وتعالى-. "فَجُوْدُ رَبِّكْ" كرمه وإحسانه "فَائِضٌ" بالكثرة "وَمَبْذُولٌ" موهوب مِعطى لأصناف الخلق، وخصوصًا المتعرّضين لنفحاته -سبحانه وتعالى- بالأدب والتواضع والإقبال قال ﷺ: "ألا إنَّ لربِّكُمْ في أيامِ دهرِكُمْ نفحاتٌ ألا فتعرَّضوا لها"
وإن شاء الله نحن تعرّضنا لنفحاته، يكرمنا بعناياته ورعاياته وتوفيقاته ويجعلها ليلة من أبرك الليالي علينا وعليكم في الشِعب المنور، ندخل فيها مداخل محبوب الرحمن -سبحانه وتعالى- من كل مُقَرَّبٍ مُطَهَّرٍ، اللهم آمين.
وَاْعكِفْ عَلَىٰ بَابِهْ فَأَنْتَ مَقْبُولْ *** فَجُوْدُ رَبِّكْ فَائِضٌ وَمَبْذُولْ
04 مُحرَّم 1446