(228)
(536)
(574)
(311)
شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ قصيدة ( يا قلب وحِّد واترك الخلائق) للإمام عمر بن سقاف السقاف رضي الله عنه، ضمن فعاليات الدورة التعليمية الثلاثين بدار المصطفى بتريم
الدرس الأول: شرح مطلع القصيدة
عصر يوم السبت: 23 ذو الحجة 1445هـ،
لتحميل القصيدة pdf:
نص الدرس مكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم
قصيدة: يَا قَلْبُ وَحّدْ وَاتْرُكِ الخَلَائِق
للإمام العارف بالله الحبيب عمر بن سقاف بن محمد "الصافي" السقاف
(١١٥٤ - ١٢١٦هـ)
يَا قَلْبُ وَحّدْ وَاتْرُكِ الخَلَائِقُ *** وَكُنْ بِمَوْلَاكَ الكَرِيمِ وَاثق
وَعَنْ سِوَى الله فَاقْطَعِ الْعَلَائِق *** وَألْزَمْ لِحُسْنِ الظَّنَّ لَا تُفَارِقْ
الحمد لله، هذا أول القصيدة التي قررت لهذه الدورة وتَحفظونها إن شاء الله تبارك وتعالى، وهي لإمام من أئمة هذا الوادي من العترة الطاهرة، الإمام عمر بن سقاف السقاف -عليه رحمة الله تبارك وتعالى- وهو ترجع إليه أكثر أسانيد أنواع العلوم في حضرموت، فقد تتلمذ على يديه عامة أغلب رجال الوادي في زمانه وعلماء وصلحاء عليه رحمة الله تبارك وتعالى.
ابتدأها بهذه الكلمة: "يا قلب وَحد" فوجه النداء من جميع ذاته لأخص ذاته وهي القلب يا قلب؛ وذلك لمعرفة بأهمية القلب وعظمة القلب ومَكانة القلب أنه محل نظر الرب، ويريد أن يكون قلبه على ما يحبه ربه منه في استقامته، فوجَّه الخطاب إليه وتوجه بجميع ذاته مخاطباً لهذا القلب الذي هو روح الإنسان وعقل الإنسان ونفسه المخصوصة فإنها القلب والعقل والروح، وقد يقال: النفس يطلق على أمر هو لطيفة إلـٰهية ربانية تتعلق بذات هذا العقل.
هذه اللطيفة هي المدركة من الإنسان والعالمة، وهي محل الخطاب؛
فخاطب هذا القلب ويجب أن نخاطب قلوبنا، وخاطب قلبه وخاطب مع قلبه كل قلب يقبل النصح وكل قلب يستمع إلى الإرشاد.
قال: "يَا قَلْبُ وَحّدْ" أي تحقق بالتوحيد، أعلم واحدية الحق وحدانية الحق سبحانه وتعالى، إلـٰهك الذي خلقك وتذوقها وتحقق بشهودها. " يَا قَلْبُ وَحّدْ" مترقيا من الواحدية إلى الأحدية؛
يقول: " يَا قَلْبُ وَحّدْ" أي يا قلب:
"يَا قَلْبُ وَحّدْ" وفيها ذوق حلاوة العبودية، وفيها ذوق لذة الإيمان والقرب من الرحمن جل جلاله، وذوق طعم الإيمان "ذاق طعم الإيمان.." يقول ﷺ: ".. مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينٍا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيَّا"، رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد ﷺ ورسوله؛ بهذا التوحيد الذي يوقن به أن الخالق واحد في ذاته وصفاته وأفعاله؛ قال تعالى: (هَلۡ مِنۡ خَـٰلِقٍ غَیۡرُ ٱللَّهِ یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ) [فاطر:3].
فمَعرفة الوحدانية للرحمن -جل جلاله- وشهود الواحدية ثم الأحدية غاية ما يتوصل إليه أرباب اللب والعقل من هؤلاء العقلاء، الذين هم روح العالم من الإنس والجن والملائكة، وله قشوره الأولى وله لب، لا نهاية لحقيقته ومَعانيه أبدًا، ومنها يطلب الزيادة: وهي أعلى العلم الذي أمر نبينا بطلب الزيادة منه يقول: (رَّبِّ زِدۡنِی عِلۡمࣰا) [طه:114].
فيقول: "يَا قَلْبُ وَحّدْ"؛ أُثبت على قدم التوحيد وترقىٰ في مراقيه، واشرب من سواقيه وتذوقه وتمكن فيه، وتحققه وأشهد حقائق وحدانية إلــٰهك الواحد الأحد الفرد الصمد -جل جلاله وتعالى في علاه-؛ لتعيش على صفاء الاعتقاد أو صحة الاعتقاد وصفاء الشهود للبر الواحد الموجود.
"يَا قَلْبُ وَحّدْ" وهو موحد لكن يقول: ازْدَدْ توحيدا وازْدَدْ تمكينا في التوحيد وغص على حقائق التوحيد؛
فهذه الأسباب التي تفضي إلى حقيقة التوحيد، وليس في مجرد المطالعة الكتب أو التعمق في الأدلة الظاهرية سببية لحصول هذا النور من حقيقة التوحيد، ولكن التحقق بالعبودية للرب، والعكوف على بابه والتنزه عما لا يحب من الصفات والأفعال والأقوال الظاهرة والباطنة بما ينطق بلسانه وما يتحدث به الجنان.
التنزه عما لا يحب هذا المولى؛ هذه أسباب الوصول إلى حقيقة التوحيد، وفيها النعيم المعجل في الدنيا الذي يفوق نعيم الجنان في العقبى لأهل حقيقة التوحيد "يَا قَلْبُ وَحّدْ".
ثم قال له عن نتيجة من نتائج التوحيد: "واترك الخلائق" بأَصنافهم، ترك استناد إلى أحد منهم واعتماد على أحد منهم أو ظن استقلال أحد أو شيء منهم بوجوده، اترك هذا كما سيأتي معنا بعض شرح ذلك إن شاء الله.
الله يرزقنا وإياكم حقيقة التوحيد، ويلحقنا بأهل حقيقة التوحيد وهم المقربون عند الرحمن، وهم:
فما تُنال تلك الرتب إلا بهذه الصفات العلية. أكرمنا الله وإياكم بالنصيب الوافي منها، فتعرضوا، بل يجعل أحدكم من مقصد حضوره لهذه الأيام وهذه المجالس أن يُكرم من قبل رب العرش بحقيقة التوحيد.
اللهم أكرمنا وألحقنا بأهل حقيقة التوحيد يا حي يا قيوم يا مبدئ يا معيد يا فعال لما يريد.
23 ذو الحِجّة 1445